السيد ضياء الموسوي: وقاتلوهم بالحب!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من الصعب أو المحرج أن تكتب عن شخصية عامة، خاصة إذا كان رجل دين ويمارس الكتابة بشكل متواصل، فربما يسيء البعض فهم خلفية هذه الكتابة. ورغم ذلك فالشخصية التي أنا بصددها في هذه المقالة آسرة بأفكارها وجرأتها في الطرح مما يجعلك لا تملك القدرة على الانفكاك من تأثيرها الفكري والروحي وتفردها بهذه الجرأة خاصة في هذه الظروف المحزنة التي يمرّ بها الوطن الموصوف ب (العربي)، حيث تم خطف الإسلام من قبل أدعياء سخّروه لخدمة مصالح شخصية أو أجندات لأنظمة سياسية، فإذا الإسلام في السنوات الأخيرة مرادف في أغلب دول العالم للعنف والإرهاب، فهل يعقل أن تخلو ساحة الوطن العربي من رجال دين حقيقيين يعيدون للإسلام صورته الحقيقية؟. إنه الكاتب ورجل الدين البحريني(السيد ضياء الموسوي). تعرفت عليه المرة الأولى قبل ثمانية شهور تقريبا في مؤتمر عام حول مشاكل الأقباط المصريين في مدينة زيوريخ بسويسرا. تساءلت في سريرتي عندما شاهدت في برنامج المؤتمر اسمه وصفته (رجل دين شيعي)، ما دخل رجل الدين هذا بالمؤتمر وغالبية رجال الدين العرب ينكرون أية مشاكل للأقباط المصريين!، وصبرت حتى سمعت مداخلته الأولى في المؤتمر، فإذا هو مفاجأة لي تصل حد الصاعقة، فهل يعقل وجود هذا (الضياء) وسط العتمة التي نعيش منذ قرون فيها؟. وقف رجل الدين الموسوي هذا بملابسه العصرية الحديثة يشخص ظاهرة العنف التي تجتاح الساحات العربية المشتعلة، فإذا الحل عنده هو (وقاتلوهم... وقاتلوهم بالحب!!).
ومنذ ذلك اللقاء المثير وأنا أتتبع كتاباته، فإذا هو رجل دين عصري لا يعترف بأن رجال الدين فوق النقد، ففي مقالة له بعنوان (العرب والعنتريات التي ما قتلت ذبابة) بتاريخ الرابع عشر من ديسمبر لعام 2005، كتب يقول: (الإسلاميون يمتلكون قدرة على تحشيد الجماهير لكنهم لم يستطيعوا تحويل هذه الجماهير إلى برامج عملية ولو من أجل الوصول إلى الخبز وما زالوا يعيشون على أحلام الأندلس والعهد الذهبي للعباسيين. صراخ يتلوه صراخ وهكذا هي العملية ما طرحه عنترة بن شداد في المبالغات الخرافية من استعراض العضلات على طريقة " السقوط على أسوار بغداد" نطرحه في السياسة... يتغير العالم وتتغير توازناته والشعارات كما هي والأفكار كجذوع النخل لا يحركها شيء) ، أما السبب كما يراه فهو (كل البيوتات الإسلامية عصية عن النقد من سلفية وشيعية وسنية إلا ما رحم ربي). ويواصل تشخيص الواقع العربي فيقول: (تحولت فلسطين إلى دجاجة من بيضها الثمين يأكلون وقميص عثمان الذي به يتاجرون... وجيفاراتنا كل منهم يمتلك بلورات سحرية لكنها للأسف بلاستيكية تزيدنا والفقراء ألما على الألم وجرحا على الجرح).
شدتني كتابته الواقعية الجريئة فواصلت البحث عن معلومات عن هذا (السيد المختلف)، فإذا هو مفكر منفتح على العلوم العصرية، ويمتلك متانة علمية فقهية تأصيلية، وحاصل على درجة البكالوريوس في الأدب العربي ودارس للبحث الخارج في قم (تعادل الدكتوراة)، وله كتابات متعددة في الصحافة وله برامج ثقافية في التلفزيون البحريني، ومقابلات عديدة في قنوات عربية مختلفة... والمثير للفرح والبهجة أنه يلقي محاضرات في الكنائس عن (التسامح والحب)، كان آخرها قبل عام تقريبا في الكنيسة الإنجيلية في المنامة.... لذلك كانت طبيعية صرخته في مؤتمر زيوريخ (وقاتلوهم بالحب)، وهو أيضا يمتلك مركزا للحوار الثقافي وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين وهو أكبر مجلس لعلماء الطائفتين السنية والشيعية.
ما هي آخر مفاجآت هذا السيد الموسوي؟
وكون البحرين مشغولة الآن بالانتخابات البرلمانية والبلدية التي ستجري في الخامس والعشرين من نوفمبر القادم، وبعد التحقيقات التي نشرتها (إيلاف) الإسبوع الماضي عن الانتخابات البحرينية، اعتقدت أن السيد الموسوي سوف يخوض هذه الانتخابات اعتمادا على شعبيته وشهرته التي تضمن له حتما النجاح والفوز بالمقعد النيابي. وهنا كانت المفاجأة المذهلة فالسيد الموسوي بدلا من أن يترشح للانتخابات فقد اقترح على زوجته السيدة (فاطمة علي إبراهيم علي)، أن تتقدم هي لخوض الانتخابات بدعم منه كمفكر ورجل دين، لأن في ذلك رسالة بالصوت العالي والتطبيق الميداني للمجتمعات ورجال الدين تحديدا مفادها أن المرأة إنسان له كافة الحقوق السياسية والاجتماعية بعكس بعض المجتمعات العربية التي ما زالت تحرمها من خوض الانتخابات كونها تعد من الولاية العامة حسب المصطلح الفقهي، وهذه سابقة في التاريخ العربي: زوجة رجل دين إسلامي تترشح لخوض الإنتخابات البرلمانية وزوجها السيد يعمل مديرا لحملتها الانتخابية. والسيدة (فاطمة علي إبراهيم) جديرة بهذا المقعد البرلماني فهي (عمرها 31 عاما) أصغر مرشحة للبرلمان البحريني، وحاصلة على بكالوريوس علم النفس وبكالوريوس في العلوم الإسلامية، وتخوض الإنتخابات كمستقلة في الدائرة الخامسة في المنطقة الشمالية في مملكة البحرين، وهي المرشحة المستقلة أمام ثمانية مرشحين من الرجال أغلبهم مدعوم من جمعيات سياسية.
إنها تجربة مثيرة يشكر عليها السيد الموسوي والسيدة فاطمة، لأنها تجربة تريد إيصال رسالة سواء نجحت السيدة فاطمة في الانتخابات أم لم تنجح... فالرسالة وصلت لكل من مازال يستخدم الدين لاضطهاد المرأة. في هذه اللحظة المثيرة لي أمنيتان: الأولى لو كنت قادرا على السفر إلى البحرين للمشاركة في الحملة الانتخابية للسيدة فاطمة علي، والثانية لو كنت بحرينيا كي أعطي صوتي للسيدة فاطمة علي.... وتبقى التجربة مما يسجل بفخر للحياة السياسية والحريات الديمقراطية في مملكة البحرين... فيكفينا ضحكا على نفوسنا بأننا من أفضل الأمم ونحن لا نعمل شيئا كي نكون كذلك، والسبب كما يقول السيد ضياء الموسوي (العقل العربي مخطوف إلى حيث الخرافة والوصاية والاختزال والتسطيح).
ahmad64@hotmail.com