كتَّاب إيلاف

هل هو غزو وهابي لمصر أم غزو الإخواني للوهابية؟!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أولاً أنا متفق مع صديقي نبيل شرف الدين، مراسل إيلاف من القاهرة، الذي تعرفت عليه في القاهرة منذ فترة طويلة، عندما يطالب وزير التعليم المصري بالتحلي بالشجاعة للتصدي لظاهرة الحجاب والنقاب في المدارس والجامعات المصرية، وتطبيق القانون. ولكن أقول وبكل أسف "لا حياة لمن تنادي"، فالوزير يهمه سلامة شخصه ومنصبه، ولتذهب مصر وقوانينها في ألف داهية. ومن قال لك أنه هو نفسه ليس إحدى سلع الإخوان المسلمين الذين سيطروا منذ ثلاثة عقود على التعليم والإعلام والوعظ وخطب الجمعة؟ ولكن أختلف معه -والخلاف لا يفسد للود قضية- في بعض ما جاء في مقاله على حلقتين "الغزو الوهابي". أولاً يا صديقي العزيز الحجاب والنقاب كانا دائماً موجودين في مصر. وقاسم أمين وهدى شعراوي كرسا حياتهما لمكافحة هذه العادة التقليدية،- مثل عادة ختان البنات الفرعونية- لأن الحجاب والنقاب غريبين على الإسلام، كما أوضح ذلك صديقي المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه الرائع "حقيقة الحجاب وحجية الحديث" الذي قدم فيه بحجج عقلية ونقلية أن الحجاب دعوة سياسية، وسبق لي أن قدمته لقراء إيلاف بعنوان"لا:الحجاب ليس فريضة إسلامية"،وكما كتب كذلك صديقي الشيخ جمال البنا في كتابه "الحجاب" الذي أوضح فيه أن الحجاب كان خاصاً بنساء النبي فقط، وأن الحجاب والنقاب عادة غريبة عن ديننا، وأن المرأة التي تضع النقاب هي كالكلب الذي نضع كمامة على فمه. لكن عمرو خالد يأبى إلا أن يدجل على فتياتنا بأن الحجاب والنقاب ركن سادس من أركان الإسلام جزاه الله عن كذبته شر الجزاء.عادة الحجاب ليست بدوية ، فالمرأة عندنا في سيناء سافرة. فيجب أن نكافح هذه العادة الفاسدة والمفسدة للمرأة التي جاءتنا من عصور الحريم عندما حول الخلفاء والسلاطين وفقهائهم المرأة إلى سلعة جنسية يخفون عورتها، أي كل جسدها تحت كفن الحجاب والنقاب، وقد بين المستشار العشماوي في كتابه المذكور أن الحجاب ليس من الإسلام في شيء إنما أتي به الفقهاء للتفريق بين المرأة الحرة "المملوكة" لزوجها والجارية العبدة التي لا يملكها رجل واحد ويملكها جميع الرجال بالشراء "والزنا المباح شرعاً" بمللك اليمين. أقسم بالله العظيم انني مازلت حائر في تفسير لماذا يحق للرجل أن يشتري جارية وينكحها في نفس اليوم والساعة بدون انتظار عدة ولا هم يحزنون، لكنه لا ينكح إمرأة حرة إلا بشروط أطنب فيها الفقهاء؟ فهل الجارية مخلوقة من طين، والحرة مخلوقة من نار ونور؟ لا شيء غير التقاليد البالية التي شوهنا بها الدين الحنيف وأزلنا عنه بها قداسته من حيث لا نشعر. من هنا أقول وألح على أن فقهائنا في حاجة إلى مراجعة جذرية لتنقية ديننا من هذه المنكرات والترهات التي ما أنزل الله بها من سلطان. يقول صديقي نبيل شرف الدين أن" عادة الحجاب والنقاب استوردها إلى مصر عمالنا في الخليج". ولكن من الذي أتي بها إلى ليبيا مثلاُ وهي لا ترسل العمال إلى الخليج ولا تستورد العمالة من الخليج؟. العادة متأصلة فينا ، صديقي الشيخ جمال البنا يقول في كتابه المذكور بأن هذه العادة" تعود إلى العهد البابلي والروماني حيث كان كهنة بالبل وروما الوثنيين يفرضون الحجاب والنقاب على المرأة الحرة كعلامة على أنها مملوكة من زوجها ولا يحق لأي أحد التحرش الجنسي بها. أما الجارية فهي سداح مداح لكل من هب ودب. القول بأن أهل الخليج أرادوا الانتقام من مصر التي حاولت غزوهم مع محمد علي وجمال عبد الناصر فهو خاطئ وفيه تفسير تآمري للتاريخ لا أتفق معك فيه يا نبيل. أوافقك عندما تقول أن مشروع محمد علي وخلفاءه كان هدفه تحديث مصر"والاتجاه بها غرباً" وأن الطهطاوي ن وقاسم أمين ، وهدي شعراوي، وطه حسين، وأحمد أمين وغيرهم من أعلام التنوير في مصر هم نتاج لمشروع محمد علي العظيم. لكنك يا نبيل وبدون مقدمات تقفز بمقارنة هذا المشروع بالمشروع السلفي الماضوي الوهابي، وكان هذا المشروع السلفي هو المسئول عن هزيمة مشروع محمد علي الحداثي. هذا يا صديقي تجنى على التاريخ . المشروع الوهابي سلفي وتكفيري، وأول من انتقد ذلك الشيخ العظيم سليمان بن عبد الوهاب - شقيق محمد بن عبد الوهاب - في كتابه "الصواعق الإلهية على مزاعم الوهابية" لكن الوهابية بريئة من سقوط المشروع الحداثي براءة الذئب من دم ابن يعقوب. حسبك أن تقرأ ما كتبه صديقي المؤرخ د. رفعت السعيد لتعرف جملة الأسباب الكثيرة والمعقدة التي أدت إلى سقوط المشروع الحداثي المصري السياسي والديني.أرسي محمد علي أساس المشروع الحداثي السياسي وأرسي محمد عبده دعائم المشروع الحداثي الديني. وهو القائل:
ولست أبالي أن يقال محمد / أبلّ أو اكتظت عليه المآتم
ولكن ديناً قد أردت صلاحه / تحاول أن تقضي عليه العمائم

صدق الأستاذ الإمام، فعمائم الأزهر، وعمائم الإخوان المسلمين هي التي تحاول منذ وفاة الإمام سنة 1905 وتكوين جمعية الإخوان المسلمين في سنة 1928 أن يقضي على الإسلام بانغلاقها ورفضها الاجتهاد وتكفيرها لكل ما هو حديث وتقدمي وقادر على انتشال مصر من مخالب غول التخلف الذي يغتالها بمساعدة الإخوان المسلمين كل يوم.
ذكرت "وكلاء" الوهابية في مصر الذين نعتقد خطأ - والله أعلم - أنهم "قادة الغزوة الوهابية" وهم الحويني وأبو الأشبال وإسماعيل المقدم ومحمد حسان ومصطفي العدو وحسين يعقوب وياسر برهاني ... والله يا صديقي لم اسمع إلا منك بهذه الأسماء، وأستطيع القول 90 % من المتحجبات والمنقبات لم يسمعوا بهم. أخي الأكبر مني بعام إمام وخطيب سلفي، ولم يذكر أمامي ولا مرة اسم واحد منهم. لكنه يعرف ما يقول القرضاوي في "الجزيرة" عن ظهر قلب. لماذا يا صديقي غيبت أسماء قادة الإخوان المسلمين من حسن البنا الذي زعم أن الإسلام "دين ودولة"ورد عليه أفضل رد شقيقه جمال البنا بأن الإسلام"دين وأمة" لا دين ودولة. والبنا هو أول من أدخل في الإسلام البدعة الإرهابية "الإسلام قرآن وسيف"، وهو ما أخذه عنه الوهابي بن لادن. وعلي فكرة يا نبيل "القاعدة" ليست سلفية وهابية، بل هي إخوانية مصرية. د. أيمن الظواهري الجراح، هو خريج مدرسة الإخوان المسلمين، وهو نفسه يعترف بأن الإخوان المسلمين قالوا له "اعمل أنت بطريقتك"، ونحن بطريقتنا وسنلتقي في منتصف الطريق، حتى قال د. رفعت السعيد:"إذا كان ما قاله الظواهري حقيقياً فالأمر أخطر مما كنا نتصور". أقول لك يا صديقي ، ليست الوهابية السعودية هي التي غزت مصر، بل الخونجة المصرية هي التي غزت السعودية. عندما سافر المتأسلمون بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر إلى السعودية، هناك أعادوا هيكلة التعليم السعودي بفقه أبو الأعلي المودودي وسيد قطب وأسطورة الحاكمية الإلهية، والعنف، والجهاد وضرورة الحجاب والنقاب. ألم تقرأ تصريح الأمير نايف وزير الداخلية السعودي بعد تفجيرات الرياض عندما قال"أن الإخوان المسلمين هم أس البلاء، وأنهم كانوا عامل هدم وخراب في المملكة".

يا صديقي كيف تبرئ ساحة الأزهر بغير حق؟. أنا مع شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي النقي البعيد عن الخونجة ولذلك يحاربونه. لكن الأزهر كمؤسسة سلفية تابعة للإخوان المتأسلمين.ومن غيرهم يتحكم في لجنة الرقابة بالأزهر التي كانت منذ سنة 1990 وهي تمنع حوالي 200 كتاب كل عام. "جبهة علماء الأزهر" التي تقول عنها أن الوهابيين اختطفوها، أعضاءها هم أعضاء في الإخوان المسلمين، وهم الذين اقترحوها على شيخ الأزهر جاد الحق الذي كان عضواً سرياً في قيادة الإخوان المسلمين. الإخوان المسلمين هم الذين يحاربون شيخ الأزهر الآن ويسمونه كذباً عليه وعلى الله "فقيه السلطان" بواسطة جبهة علماء الأزهر. لماذا نعلق أمراضنا ومصائبنا كلها على مشجب الوهابية، والجاني معروف وسهل كشفه وشخصّه د. رفعت السعيد في كتاباته العلميه، انه الإخوان المسلمين ما غيرهم. واقرأ فقط كتابه": ماذا فعلوا المتأسلمون بالإسلام وبنا".
يا صديقي نبيل، أخي كان طالبا في كلية الطب، وأساتذته من الإخوان يدرسون البايولوجي، كانوا يقولون لطلبتهم: لا تصدقوا ما قلناه لكم في الدرس عن تطور الحياة على الأرض منذ أربع مليارات سنة، فهذه أكاذيب يهودية، لكن قلناها لكم فقط للامتحان!، أين دور الغزو الوهابي هنا؟ مدرسة الفلسفة في الثانوية العامة التي تقول لطالباتها في أول كل درس: "القبطيات يدخلون النار والمسلمات السافرات يبدأ الله في تعذيبهم بتعليقهم من شهورهن". فهل الغزو الوهابي هو الذي كون هذه المدرسة وسلمها فلذات أكبادنا لتمارس عليهم ساديتها. أم هم الإخوان المسلمين وتلامذتهم في الأجهزة الإعلامية والتعليمية والحكومية؟!.
يا صديقي ، أعطيك مثلاً من آلاف الأمثلة على تغلغل الخونجة إلى مفاصل الإعلام القومي في مصر المغدوره. لا شك أنك تابعت مؤخراً الحملة الظالمة والكاذبة التي كفرت الفيلسوف المغربي الكبير الجابري، لمجرد أنه استشهد برأي للإخوة الشيعة عن حذف السنة لبعض الآيات في القرآن الكريم. وهو رأي شخصياً أشك فيه. لكن الحسم في المسألة متروك للبحث العلمي الهادئ. لكن من قاد حملة التكفير ضد هذا الفيلسوف المسلم الذي لا يشك أحد في صدق إسلامه وتقواه؟ هل هم فرسان "الغزوة الوهابية"؟. لا يا صديقي. صحيفة "الاتحاد" الإماراتية التي نشرت مقال فيلسوفنا الكبير وهابية حتى العظم، لكنها لم تمانع في نشر الرأي والرأي الآخر، أما تلامذة الإخوان في مصر فلا يريدون إلا الصوت والفكر الواحد، الذي هو صوتهم وفكرهم. فهم الذين شنوا عليه حملة تكفيرية، ودعوا إلى قتله بتهمة الردة البشعة في جرائدنا القومية حيث كتب رؤساء تحرير"أخبار اليوم" و"الجمهورية" الذين يأكلون من عيش حكومة نظيف ، ويضربون بسيفها المسموم، ومن يا صديقي الذي كفر نجيب محفوظ، وفرج فوده، وسب هرم مصر الرابع المستشار العشماوي على منابر قاهرة المعز، ونظموا المظاهرات ضد فكره التنويري، ومن أخيراً يريد تكفير د. حسن حنفي لأنه أعطي رأيا ً مخالفا لما يقولونه، إنهم تلامذة الإخوان أعداء العقل المتسللون إلى داخل القلعة الإعلامية ويزايدون على إخوان مشهور وعاكف، ويتطاولون لا على مفكري مصر وحسب، بل حتى على مفكري المغرب الأقصى. هذا هو الخطر الحقيقي يا نبيل الذي يجب علينا أن نفتح عيوننا عليه قبل فوات الأوان، وقبل خراب مصرنا الحبيبة.يا نبيل قال لي أحد ثمرات الإخوان المرة عندما هدمت "إمارة أفغانستان الإسلامية" الطالبانية تماثيل بوذا التاريخية،" أنا مع طالبان، وأنا سأهدم الأهرامات لو كنت حاكماً لمصر لأنها قبر لفرعون ذي الأوتاد"!!!!.
أتفق معك في أن هويتنا المصرية في خطر، ولكن ليس من الغزو الوهابي لمصر، بل من الغزو الإخواني لمصر والسعودية معاً. فغلينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها كما يقول المثل المصري"قل للأعور أنت أعور في وجهه" وكفاناً رمي أخطائنا ومشاكلنا على الآخر، فلنمارس نقدنا الذاتي لمعرفة جذور مشاكلنا الحقيقية دون زيف أو تزييف، هذا هو الحق، والحق أحق أن يتبع.
Ashraf3@wanadoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف