إيران بين تصدير الفكر الشيعي وقمع الفكر السني في الداخل
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الحرب على الفكر السني في إيران قديمة وتعود بأصولها إلى بداية قيام الدولة الصفوية (1148هـ ـ 905 هـ ) التي بنيت على أساس مزج القومية بالمذهبية . وكما هو معلوم فان هذه الدولة التي تبنت التشيع الاثني عشري مذهبا رسميا لها قامت على أبادت أهل السنة الذين كانوا يشكلون السواد الأعظم لبلاد فارس حيث لم يكن آنذاك وجود حقيقي للمذهب الشيعي الاثنى عشري في تلك البلاد و إذا كان من شيعة في بعض المناطق الشمالية والشرقية لإيران فهم من الشيعة الزيدية و الشيعة الإسماعيلية من جماعة الحسن الصباح الذين كانوا يعرفون بالحشاشين. وتذكر الروايات الإيرانية أن إسماعيل الصفوي عندما فرض سلطته على مدينة تبريز أول عاصمة للدولة الصفوية واجه صعوبة بالحصول على مؤذن واحد يلفض كلمة " اشهد أن عليا والي الله " وهذا ما كان سببا في اعتماد الشاه إسماعيل الصفوي ومن بعده ابنه طهماسب و حفيده الشاه عباس الأول على استقدام مشايخ شيعة جبل عامل في لبنان للقيام بمهام نشر تعاليم المذهب الشيعي في البلاد. وكان أول من دعي من لبنان لهذه الغاية هو الشيخ، نورالدين علی بن عبدالعلی الكركي المشهوربالمحقق الثاني، ثم تبعه بعد ذلك آخرون من أمثال محمد بن عز الدين حسين بن عبد الصمد العاملي المشهور بالشيخ البهائي و الذي كان يعد ثاني أهم شخصية في البلاد بعد الشاه عباس الصفوي، وغيرهم من أقرانهم اللبنانيين الذين اصبحوا فيما بعد من كبار علماء البلاط الصفوي.
وعلى الرغم من عدم معرفة السبب الحقيقي الذي دفع بالصفويين لتغير لقب جدهم صفي الدين الاردبيلي من شيخ إلى سيد وربط نسبهم بالإمام موسى بن جعفر الملقب بالكاظم وتبنيهم المذهب الشيعي ليصبح مذهبا رسميا لدولتهم، إلا أن بعض المؤرخين الإيرانيين لا يتردد في الربط بين رغبة الكنيسة الشرقية التي كانت تسعى جاهدة آنذاك لفتح جبهة في الشرق لاضعاف الإمبراطورية العثمانية و أشغالها عن التقدم نحو الغرب، وبين العلاقة العائلية التي تربط تلك الكنيسة بالأسرة الصفوية حيث أن والدة الشاه إسماعيل الصفوي كانت مسيحية تنحدر من أحد أسر بلاط الإمبراطورية الرومانية. كما ربط هؤلاء المؤرخون بين قيام الدولة الصفوية و ظهور الحركة اللوثرية البروستانتية في أوروبا. ولهذا السبب يعللون اعتماد الصفويين على علماء شيعة لبنان لكونهم كانوا على تماس ومقربة من المسيحيين و الأفكار المسيحية دون غيرهم من علماء الشيعة الآخرون وعلى الأخص علماء شيعة العراق الذين لم ينالوا أي حظوة لدى الدولة الصفوية.
الصفويون وبعد أن فرضوا مذهبهم بقوة السيف في بلاد فارس سعوا إلى توسيع سلطتهم ونشر مذهبهم إلى خارج الحدود وبدئوا بغزو أفغانستان و بخارى و سمرقند مرتكبين بها مجازر دامية، ثم بعد ذلك توجهوا إلى الغرب واحتلوا بغداد وحفروا قبر الإمام أبي حنيفة ثم توجهوا جنوبا واحتلوا الأحواز و أطاحوا بالدولة المشعشعيين . وبقيت حروبهم على أهل السنة قائمة حتى غزى الأفغان بقيادة محمود الأفغاني اصفهان عاصمة الصفويين واحتلها وهد ملكم. وكان الصفويون قبل سقوطهم قد شرعوا وذلك عن طريق الإكراه تارة وتارة أخرى عن طريق الإغراء.
ورغم اندحار الأسرة الصفوية و تولي الأسرة ألافشارية زمام الملك في بلاد فارس إلا أن الحرب على الفكر السني لم تتوقف لا في بلاد فارس ولا خارجها وكانت الحروب المتواصلة مع الدولة العثمانية تمثل أحد اوجه هذه الحرب. ولو استثنينا فترة حكم نادر الشاه الافشاري (1160- 1148 هـ ) التي شهدت ما يشبه الهدنة مع أهل السنة فان الأنظمة التي أعقبته قد واصلت منهج الصفويين وان بطرق ووسائل مختلفة. ولم يكن النظام البهلوي ( 1979- 1926م ) ورغم علمانيته مستثنى عن الأنظمة الصفوية و ألافشارية و القاجارية في هذا الخصوص. فقد كان الشاه محمد رضا بهلوي قد دعم وبشكل كبير حوزة قم و النجف أيام مرجعيات البروجردي ومحسن الحكيم و الخوئي الذين كانت لهم مؤسسات في مصر و الهند ولبنان وغيرها من الدول تعمل على نشر فكر التشيع الصفوي. ومن طريف ما ينقله السيد طالب الرفاعي أحد وكلاء المرجع محسن الحكيم في مصر فترة السبعينيات (وهو الذي صلى على جنازة الشاه محمد رضا بهلوي في القاهرة حيث دفن ) انه وحين كان في زيارة لآية الله محسن الحكيم في النجف سأله صهر الحكيم و مدير مكتبه السيد إبراهيم اليزدي الطبطبائي قائلا: له، يا سيد طالب أين وصلت في نشر مذهب أهل البيت، هل جعلت المصريون يلعنون عمر بن الخطاب؟.
ومع انتصار الثورة وقيام نظام الجمهورية الإسلامية أصبحت سياسة تصدير التشيع الصفوي ومواجهة الفكر السني وقمع أهل السنة في الداخل جزء من استراتيجية نظام الجمهورية الذي عمل ومازال يعمل على تحقيق هذه الاستراتيجية عبر مختلف الأساليب والوسائل.
و بخصوص قمع أهل السنة في الداخل الذين ينتمون إلى أقوام وشعوب إيرانية مختلفة يقول الشيخ مولوي عبد الحميد مرادزهي أحد ابرز الشخصيات الدينية السنية الإيرانية. إن السنة يمثلون 25 في المئة من ساكن إيران أي 18 مليون شخص وهؤلاء الملايين لا يوجد بينهم وزير أو محافظ واحد كما لا يوجد سني واحد من بين أعضاء هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، و منذ 27 عاما ونحن نطالب بالترخيص لنا لبناء مسجد لأهل السنة في العاصمة طهران ولكن الحكومة ترفض الموافقة على هذا الطلب. ( علما أن الدستور الإيراني الذي وضع على أسس طائفية حرم المواطن الإيراني السني من تبوئ منصب رئاسة الجمهورية وجعل هذا المنصب محصورا باتباع المذهب الشيعي مثله مثل منصب مرشد الثورة).
و قد حذر إمام جمعة مدينة زاهدان مركز إقليم بلوشستان في شرق إيران من سياسة التمييز الطائفي الذي تمارس ضد أهل السنة قائلا: إذا لم يتم مواجهة المتطرفين ووقف تصرفاتهم التمييزية فان مخاطر كثيرة سوف تواجه الجمهورية الإسلامية و أننا نأمل من قادة النظام أن يقفوا بوجه المتطرفين الشيعة وان لا يفرضوا قيود طائفية على أهل السنة .
ويضيف مولوي عبد الحميد، أن أهل السنة بذلوا قصارى جهدهم لأي لا ينقلوا شكواهم من السياسات التمييزية التي يتعرضون لها إلى الخارج حيث إن غيرتنا الإسلامية وايرانيتنا منعتنا من نقل شكوانا من المسؤولين في النظام إلى المجامع الدولية.
وعن الازدواجية التي يظهرها النظام الإيراني في ادعائه بالعمل على التقريب والوحدة بين المسلمين يقول مدير مدرسة دار العلوم الإسلامية في زاهدان، إن مسؤولي مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية يسافرون إلى كل مكان في العالم بهدف الوحدة ولكن مع الأسف أن هذا المجمع لا يعمل في الداخل كما يظهره في الخارج وهذا الأمر يثير لدينا التساؤل حيث نحن في الداخل لدينا مشاكل متعددة تواجه الوحدة .مؤكداً أن حل معاناة أهل السنة أهم بكثير من قضية الملف النووي وان مواجهة العدو الخارجي لا تتم إلا بالوحدة الداخلية.
قادة النظام الإيراني الذين لم يتركوا مناسبة إلا و طرحوا فيها موضوع الوحدة الإسلامية عملوا ومازالوا يعملون على جعل مذهب التشيع وسيلة لاختراق ساحات الدول الإسلامية، فقد تمرسوا العزف على هذا الوتر الحساس الذي اصبح من اخطر التهديدات التي تواجه الدول العربية تحديدا وذلك لما لهذا الموضوع من خطر على وحدة المجتمعات العربية وسلامة أمنها. وقد أظهرت حالة الاقتتال الطائفي التي يمر بها العراقيون اليوم والتي يلعب النظام الإيراني دورا بارزا في تأجيجها، أظهرت بجلاء مدى خطورة سياسة نشر الفكر الطائفي على المجتمعات العربية والإسلامية.
فبعد فشل تحقيق أهدافهم في تصدير الثورة عن طريق القوى العسكرية التي أفشلتها تجربة حرب الثمانية سنوات مع العراق، فقد لجئ قادة النظام الإيراني إلى سياسة اعتماد التفرقة الطائفية في البلدان العربية تحت غطاء نشر المذهب الشيعي ليسهل عليهم عملية اختراق تلك البلدان وهذا ما رأينا بعض صوره في اليمن عبر ما دار من اقتتال بين الحكومة والمتشيعين الذين يتلقون أوامرهم من قادة لهم في حوزة قم الإيرانية. كما أن هناك مجادلات واتهامات حادة تدور حاليا بين بعض المتشيعين ورجال دين ومثقفين في الساحة مصر. حيث اعتبر المتشأمون أن ظاهرة المتشيعين الجدد إنما هي حركة سياسية تقف ورائها أيادي أجنبية تستهدف البلاد. وقد رد على ذلك بعض المتشيعون أن التشيع له جذور في مصر، فالدولة الفاطمية كانت دولة شيعية. وقد استشهد بعضهم بكتاب المقريزي تحت عنوان ( تعازي الحنفاء في أخبار الفاطميين الخلفاء ) الذي يقول أن الفاطميون أثناء حكمهم لمصر اعترفوا بالمذهب الشافعي والمالكي إلى جانب مذاهب الشيعة الإمامية والإسماعيلية.
كما إن موضوع إنشاء " المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين " على يد أحد أعضاء حركة الجهاد الإسلامي الموالية لإيران قد أثارت استغراب الفلسطينيين حيث تاريخيا لم يذكر وجود للشيعة في فلسطين!. بالإضافة إلي هذه البلدان فقد بانت ظواهر المتشيعين في السودان والأردن وغيرها.
بطبعة الحال ليس من حق أحد الاعتراض على الآخرين باعتناق ما يرونه مقنعا لهم من الناحية العقائدية ولكن الاعتراض أو الخشية من وقوعهم في فخ النظام الإيراني الذي يسعى إلى تصدير أفكاره السياسية تحت عباءة نشر فكر التشيع لأهل البيت فيما هو يواجه نشر فكر المذاهب الإسلامية السنية ويقمع أهل السنة الإيرانيون ويهدم مساجدهم ويغلق مدارسهم و يعتقل ويعدم علمائهم.
ولكن ما هو ملفت للنظر أيضا أن ظاهرة انتشار الفكر السني في الأوساط الشيعية الإيرانية تجري بوتيرة ربما تكون أسرع من ظاهرة المتشيعين في بعض الأقطار العربية بكثير. والدليل على ذلك إن إقليم الأحواز العربي الذي إلى ما قبل عشرة سنوات لم تكن نسبة أهل السنة فيه تتجاوز الـ 2% فقط إلا أن هذه النسبة ارتفعت الآن إلى اكثر من 15% وقد دفع هذا الأمر السلطات الإيرانية إلى اعتقال زعيم أهل السنة في الأحواز الشيخ عبد الحميد الدوسري و الحكم عليه بالسجن 18 عاما بتهمة قيامه بالدعوة للفكر السني. وهذا ما يكشف عمق النفاق في الخطاب الإيراني الداعي إلى التقريب والوحدة بين المسلمين.
الكاتب رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحواز
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف