كتَّاب إيلاف

ماذا جري لميشيل عون؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أرتبط أسم الجنرال اللبناني ميشيل عون ونضاله السياسي طوال ما يقرب من عقدين من الزمان بمعارضته القوية للوجود السوري في لبنان، وفي سبيل ذلك حارب وتغرب عن لبنان منفيا في باريس لمدة خمسة عشر عاما بعد أن لجأ إلى السفارة الفرنسية ببيروت كما قيل بملابس نومه في 13 أكتوبر 1990. واكتسب سمعته وجماهيريته من الوقوف بصلابة ورجولة في وجه السوريين طوال خمسة عشر عاما في منفاه. وكان من مؤيدي القرار1559 بشدة والذي يدعو سوريا للخروج من لبنان وحزب الله لإلقاء سلاحه،وكان عون يسميه "قانون استعادة سيادة لبنان". وزار عون واشنطن ونيويورك عدة مرات من آجل دفع هذا القرار إلى الوجود، وقدم عون شهادة قوية امام لجنة فرعية لمجلس النواب الامريكى بتاريخ 18 سبتمبر 2003 وكال فى شهادته كل انواع التهم للنظام السورى وطالب بمحاسبته عن الالاف من الجرائم ضد الإنسانية أمام المحاكم الدولية وتمخض عن ذلك " قانون محاسبة سوريا". بل أن رفض عون لاتفاق الطائف كان بناء على أن الاتفاق يقضي بانتشار سوري على الأراضي اللبنانية، ولأنه لا يحدد آلية واضحة لانسحاب الجيش السوري الذي أحتل لبنان منذ 1976.
وخلال عشرات الأحاديث التي أدلي بها من منفاه كان دائم التنديد بسوريا وعملائها ومخابراتها وعربدتها في الأراضي اللبنانية، وكان دائم الطلب للمجتمع الدولي بخروج سوريا من لبنان وتسليم حزب الله سلاحه للدولة اللبنانية، وكما كتب عميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس اده "أن مفاوضات شاقة كانت تجرى مع الجنرال عون لضمه إلى لقاء البريستول وكان وقتها متصلبا للغاية تجاه موضوع سلاح حزب الله وضرورة تسليمه للدولة اللبنانية" ،وهو ما يؤكد ما قاله امام مجلس النواب الامريكى من الإصرار على ملازمة الإنسحاب السورى من لبنان مع تجريد كافة العناصر المسلحة من اسلحتها وحصرها فى الجيش اللبنانى الشرعى. هكذا عرفنا عون وهكذا أيدناه، وهكذا عرفه المجتمع الدولي، وبناء على هذه المواقف بني شعبيته وجماهيرته، وغفر له أنصاره في لبنان أخطاء الماضي الكثيرة ومعاركه العنيفة مع القوات اللبنانية، وألتف حوله لبنانيو المهجر، وبات يمثل صوتا قويا لطائفته، ونال حتى أحترام خصومه.
ترى لماذا انقلب الرجل على نفسه وعلى جماهيره وعلى تاريخه وعلى الدولة الفرنسية التي أحتضنته وعلى المجتمع الدولي بأسره الذي صدقه وتجاوب مع حماسه؟، ولماذا خذل عون أنصاره الذين استقبلوه استقبال الأبطال يوم عودته إلى وطنه في 7 مايو 2005 ومنحوه أصواتهم في الانتخابات بناء على أجندته المعروفة وقتها للجميع؟. وهل يعقل بعد كل هذا أن يتحالف عون مع حزب الهي يدعي أن نصره الهي تاريخي استراتيجي كبير، وأن النصر جاءه بعون من الله وتأييده، وأن الألهام الألهي أرشده لخطف الجنود الإسرائيليين، ويتكلم عن المقاومة التقية المتوكلة العاشقة، ويدعو لإقامة دولة إسلامية في لبنان، وتنطلق عضويته وشعاراته وأهدافه على أسس دينية مذهبية؟. وهل بعد كلامه عن استقلال لبنان يتحالف مع حزب هو ذراع لبنانى لإيران وسوريا؟. وهل قبل عون أن يسلم نفسه وأنصاره للملا حسن نصر الله الذي يصفه رئيس تحرير صحيفة "كيهان" الإيرانية حسين شر يعتمداري بقوله "حزب الله هو إيران في لبنان"، ويقول عنه أمير طاهري في وول ستريت جورنال " أن حسن نصر الله يقبل يد خامنيئي كلما التقيا، ويحرص أثناء زيارته الرسمية إلى طهران على أن يلتقي وحده دون سواه القائد الأعلى الإيراني على خامنيئي ليتلقي منه الأوامر"؟. هل يقبل ميشيل عون أن يتحالف مع حزب يريد أن يحول لبنان إلى جبهة أساسية في الحرب بين الإسلام والغرب لصالح إيران؟. وهل يقبل أنصار عون من المسيحيين هذا الطريق الخطير؟.هل من المنطقى بعد أن حمل عون سوريا كل الجرائم والاغتيالات فى لبنان بما فى ذلك ثلاثة محاولات لإغتياله شخصيا يعود ويحتضن ويدافع عن ادواتها فى لبنان من أميل لحود الى وئام وهاب إلى ميشال المر إلى ناصر قنديل والقائمة تطول؟.
يقول حازم صاغية "بيد أن الجنرال عون مدعو إلى بذل مجهود كبير لإقناع المسيحيين بأن يتحمسوا لمشروع يفنيهم ويفني جمهوريتهم".
لقد سقط الجنرال عون في الاختبار وفي الثقة التي منحت له.
سقط أمام طائفته من المسيحيين الذين أنتظروه قائدا قويا يعيد التوازان للوجود المسيحي على الساحة السياسية واللبنانية بعد سنوات طويلة من التهميش والأقصاء وتشتت القيادات المسيحية بين القتل والنفى والسجن بفعل سوريا وحلفائها.
وسقط عند المهاجرين اللبنانيين الذين التفوا حوله وساندوه لأنه تخلي عن الأجندة التي جاهدوا سويا من آجل تحقيقها، بل وعندما جاءت ساعة الفرحة بالإنجاز والانتصار غامر بكل ذلك من آجل عشقه للسلطة، كما أن المهاجرين لا يستطيعون مجاراة الجنرال في تحالفه مع حزب مصنف في دول المهجر التي يعيشون فيها على انه منظمة إرهابية، وإذا فعلوا ذلك يقعون تحت طائلة القانون في أوطانهم التي تحرم قوانينها كل أشكال الاتصال والدعم بالمنظمات المصنفة إرهابية.
وسقط أمام المجتمع الدولي الذي تعاون معه حتى ظهر القرار 1559 إلى حيز الوجود ،والذى يرى استقرار لبنان في الوقت الحالي في تطبيق القرارات الأممية ، ولهذا تتجاهل الشخصيات الدولية الألتقاء بالجنرال منذ تفاهمه الغامض والمريب مع حزب الله.
وسقط عون في الاختبار كرجل دولة مسؤول وبدا وكأنه يخير اللبنانيين بين كرسي الرئاسة أو الفوضي، وبهذا تحول من شخصية معارضة إلى شخصية أنقلابية على الدولة. وكما جاء الرئيس الحالي ضد إرادة اللبنانيين وعلى جثثهم يبدو عون وكأنه يهدد الأغلبية بأنه قادم على ظهر كاتيوشا ألهية. يقول الجنرال ميشيل عون لصحيفة السفير في 31 أغسطس 2006 "أن السنيورة سيدفع ثمن عناده، وعليه أن يعرف أن ذلك قد يحصل في لحظة سريعة ربما تباغته فجأة من حيث لا يدري، وأغلب الظن أنه لن يستطيع، عندها، لملمة أغراضه لأنه سيجد نفسه مضطرا للرحيل السريع" وتابع تهديداته لرئيس الحكومة قائلا "عليك أن تعرف أنك لا تستطيع أن تبقي مستقويا بالدعم وبالدفع الخارجي، فحكومتك عاجزة وقاصرة في كل المجالات ونحن نبهنا إلى مخاطر بقائها، أما وأنك لم تهتم بالأمر، فنحن نحتفظ لأنفسنا باختيار التوقيت المناسب لأنجاز التغيير المنشود على طريقتنا".
وسقط عون أمام الذين وثقوا به ولم يخبرهم عن تفاصيل صفقته المربية مع حزب الله.
وسقط عون أمام نفسه، ففي حين أن حسن نصر الله واضح الأتساق مع نفسه وجماهيره وحزبه وتاريخه فإن التحولات في موقف عون إنقلاب ،قبل كل شئ، على ذاته. وهل لا يشعر بالخجل من صورته الجديدة؟.
وأنقلب عون حتى على الهدف الذي كرس عقدين من عمره من أجله وهو خروج السوريين، فبعد خروج السوريين من الباب بجهود وتضحيات اللبنانيين والمجتمع الدولي يعمل عون من آجل إدخالهم مرة آخرى من الشباك. فكيف يفسر تحالفه مع أنصار وعملاء سوريا في لبنان سوي عودة النفوذ السوري مرة أخرى؟. إذا كان الجنرال حريص حقيقة على دماء خيرة اللبنانيين الذين ذهبوا فى سلسلة حوادث مروعة عليه دعم العدالة الدولية والقرارات الدولية وبعد ذلك المجال رحب للمعارضة؟. الذين يريدون إسقاط الحكومة الحالية هم يسعون بهدف واضح وهو إسقاط المحكمة الدولية ، فهل هذا يليق بتاريخك يا جنرال وبشخص نزيه وصلب مثلك؟.يبدو أن الجنرال لا يرى من كل لبنان الجميل سوى قصر بعبدا وهذا هو مصدر الخطر على نفسه وعلى لبنان.
من حق الجنرال أن يحلم وأن يسعي لتحقيق أحلامه السياسية ولكن بأدوات سياسية مشروعة، والمفروض أن يكون قد أستفاد من تجربته القاسية سنة 1990، وأن يروي ظمأه الشديد للسلطة هذه المرة، بطريقة شرعية سياسية تتفق مع ما يتطلع إليه أنصاره ويعوض تضحياتهم ، وتتوافق مع المجتمع الدولي... والأهم ليس على حساب لبنان.
magdi.khalil@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف