العقول بين تحرير الدجاجة أو التخزين في الثلاجة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عندما نفتح دكاكين سياسية على أرصفة ينام عليها الفقراء ذلك يعني ان الفقراء لن يحصلوا على خبز، وإنما على مخدرات سياسية. هذا عين ما يحدث اليوم، يتم توزيع المورفين الانتخابي مع أكياس الصدقات والمنشورات أيضا.
إنها أزمتنا مع الفتاوى، الفتاوى الموزعة والمفخخة والمتناقضة في الموقف الواحد، إنها توزع مع أكياس بلا خبز وبلا رغيف وبلا أمل أيضا. فلنركز على الدولة المدنية بعيدا عن إقحام إسلامنا العظيم في الجزئيات ودهاليز السياسة.
السؤال :ما دخل الدين بالانتخابات القادمة؟فلا المشارك سيدخل الجنة ولا المقاطع سيتلوى بالنار والعكس بالعكس. التيارات الإسلامية في العالم العربي عرف تاريخها بأنها أكثر التيارات استخداما لفتاوى الفاست فود في القضايا السياسية. لن أقول فتاوى (تيك اوى )او(فاست فود)، ولكنها لا تخلو في بعض الأحيان من سعرات حرارية قد تساهم في رفع كلسترول الجهل لدى الجماهير، خصوصا إذا علمنا أن الجمهور العربي يعاني من أمية بلغت 70مليون فقط عند النساء. فتاوى للاقتتال الطائفي، ومرة لقتال الحكومات وتخوين الأنظمة، ومرة لاستباحة دماء المسيحيين وأحيانا لقتل الأجانب ومرة في ذات الطائفة الواحدة. الفتاوى توزع كما توزع علب السردين، يأخذها الخطيب فيضع عليها شيئا من ليمون الخطب وبعض بهارات المحسنات البديعية من حور عين واقفة لاستقبال الشهيد ولو كان (شهيدا)متورطا في فتنة قتل المسلمين والطوائف والأديان. في الكويت قبل أعوام صدرت فتاوى لإسقاط مرشحين وكادت تنجح. عبد الناصر أصدروا له فتاوى ضد التطبيع مع إسرائيل والسادات أصدروا له أخرى مع التطبيع.
هذا على مستوى العالم العربي، أما في البحرين فالدين يجرجر الآن مع وضد البرلمان، فمنهم من يرى الحذر من التصويت والمشاركة ويرى (وجوب)المقاطعة، حتى لايقع الشعب في العصور الوسطى هكذا وبكل بساطة، وهناك من الرؤى من تشبه الديمقراطية بالميتة، يجوز أكلها وقت الضرورة. رأيت شابا كاد يبكي من صعوبة تحديد الموقف. سألني:هذا مثقف يقول كذا وهذا مثقف يقول خلاف الأول وكلاهما أحترمهما و أنا محتار ماذا افعل؟قلت له: ادعوك لإحترامهما لكن لاتخزن عقلك في ثلاجة أي منهما، فهما بشر يخطئان ويصيبان. ليكن لك رأيك واستعن بعقلك. بالنسبة لي لست محتارا في كلا الموقفين، لأني لا أؤمن بزج ديننا العظيم في قضايا جزئية، ولكن الأزمة تقع عند الناس وهم يرون الفتاوى المتناقضة هذا مع وهذا ضد. لا أناقش النيات فالكل إن شاء الله يريد وجهه الكريم، ولكن ما دخل الوجوب والحرمة والجنة والنار وعزرائيل وميكائيل ومنكر ونكير في برلمان اغلب نوابه بشر، تختلط جيناتهم بتفاح المصالح وشمس المبادئ وبطيخ الحقائق ؟لقد فقعت من الضحك وأنا أقرأ أيضا خطابا يؤسس علاقة بين المشاركة وليلة القدر، فما دخل المشاركة بليلة القدر؟الفتاوى يجب أن لا تنزل علينا ببراشوت. الرسالة التي يجب أن نوصلها للناس أن حرية الإختيار هو موقف مقدس والمشاركة أفضل بألف مرة، لكن يجب عدم إقحام الدين في اختيار المرشحين، فتشحن النفوس بالضغائن. ثانيا :ليس لأي مجلس و لا أفراد ولا أحزاب فرض أسماء بالقوة الدينية أو الوصاية الايديولوجية، فلنرشح الكفء بعيدا عن كونه سنيا أو شيعيا، المهم أن يكون وطنيا مخلصا لأخلاق الأمة ومرتكزات الوطن ويمتلك حس المسؤولية ونظافة الكف في الترافع عن الناس. الديمقراطية تعني أن لا نقيد عقول الناس في الزنزانات ونترك لهم مطلق حرية اختيار المرشح، وان لا نقحم إسلامنا العظيم في كل واردة ونازلة كما حدث في الانتخابات السابقة عندما اعتبرت المشاركة خيانة لدماء الشهادة والنائب رجسا من عمل الشيطان فاجتنبوه في المجالس والجوامع و الأسواق. لنكن واضحين مع الناس. حريتكم مقدسة، لكم عقول، والله خلقكم أحرارا، لكم أن تناقشوا، وتنتقدوا، ترفضوا أو تقبلوا أي مرشح دون أية وصاية دينية آمرة أو زاجرة.
كاتب المقال عالم دين من البحرين
s.dheya@hotmail.com