بين إرهاب المهدويين والإرهاب الصدامي – القاعدي..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد أيام من تشكيل اللجنة الأمنية العراقية - الأمريكية أمر السيد المالكي برفع الحصار عن جيش المهدي في مدينة الثورة ببغداد.
إن أحداث بغداد هذه تذكرنا بأحداث فتنة النجف الصدرية عام 2004 عندما كانت القوات الأمريكية والعراقية على وشك إلحاق هزيمة ساحقة بوحوش الصدر من بعثيين سابقين وعتاة المجرمين فتدخلت المرجعيات الشيعية، من سياسية ودينية، لإنقاذهم باسم حقن الدماء ووحدة "البيت الشيعي". فكانت تلك الهدنة الهشة التي خرج فيها من استباحوا الحرم الحيدري واتخذوه ميدان قتال سالمين يهتفون بكامل أسلحتهم. كان ذلك كما نعرف زمن حكومة الدكتور علاوي وكانت تلك هي المحاولة الجريئة الأولى والوحيدة لحل مشكلة الإرهاب "المهدوي" بعد ضرب معاقل الصداميين والتكفيريين في الفلوجة. ونعرف مدى تناغم مقتدى الصدر مع إرهابيي الفلوجة ومدى تناغم هؤلاء مع الصدر عندما أشعل النيران وسفك الدماء في النجف.
لا يجهل أحد إن الإرهاب الصدامي والقاعدي التكفيري في العراق لا يزال الخطر الأكبر على شعبنا وحاضر العراق ومستقبله، وأن تكريس القوى والجهود من رسمية وشعبية عراقية ومن قوات ومساعدات أمريكية مطلوب لاستئصال ذلك الورم السرطاني الأكبر. غير أن مكافحة هذا العدو الرئيسي لا تنجح بوجود مليشيات حزبية مسلحة تفرض قوانينها وهيمنتها وخصوصا ما يدعى بجيش المهدي. ولا يمكن تحقيق الأمن وسيادة القانون إذا استثنيت من التزاماتهما مليشيات لا تأتمر بغير أوامر أحزابها وتمارس العنف الدموي والطائفي من جانبها وتشكل فرق الموت السيئة الصيت.
لقد وعدت الحكومة عشرات المرات بحل المليشيات ولكن رئيسها يؤكد دوما على حل "المليشيات غير القانونية". إنه لا يقصد أن وجود المليشيات هو أصلا ضد القانون والدستور، والناطق بلسان الحكومة أعلن منذ أيام أن هناك ثماني مليشيات هي "قانونية"، ومنها طبعا جيش المهدي! وما أحسن ما يرد في مقال الأستاذ عبدالرحمن الراشد بتاريخ 31 أكتوبر في الشرق الأوسط حيث يقول:
"منذ أن اتضح للجميع أن جريمة تصفية رجل بحجم الخوئي [عبد المجيد] ذهبت بلا عقاب عم شعور بأن القتل أهون ذنبا من اللصوصية."
إن الوضع الأمني في العراق هو كارثي جهمني، ولا يوجد أمن أي بلد آخر في العالم كله في مثل كارثيته. إننا في حالة حرب حقيقة ضد الإرهابيين المسنودين من دول مجاورة، وفي حالات كهذه يجب أن تتضامن كل القوى الوطنية بمواجهة الخطر ودحر العدو الصدامي - القاعدي. ونعرف أنه حتى عندما تكون في أي بلد حكومة ائتلافية قائمة على أسس ومعايير سياسية رغم الاختلافات التي قد تكون عميقة، فإن أطراف الحكم يتناسون خلافاتهم ويوحدون الصف لربح الحرب سواء ضد عدو خارجي أو ضد حرب إرهابية شاملة. فهل حكومة السيد المالكي هي ائتلافية بهذا المعنى أم إنها قامت على أسس المحاصصات والطائفية خاصة وإن لأطراف عديدة منها قواتها المسلحة الخاصة التي تعمل بمعزل عن القوات الحكومية.
إن وضع القوات العراقية، وبغض النظر عما مر، لا يزال ضعيفا رغم زيادة العدد. فمن جهة، فإن معظم أفراد الشرطة من المليشيات الحزبية؛ ومن جهة أخرى، لم تصل القوات العسكرية لوزارة الدفاع لمستوى يؤهلها أن تقارع العدو لوحدها أو حتى لأن تلعب دورا مؤثرا في مواجهة الأعداء.
لقد أصدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن دراسة قدمها الخبير العسكري المخضرم أنتوني كوردسمان، وترجمها للعربية هشام سلام عن وضع القوات العراقية. عنوان الادراسة "حالة حرب أهلية محدودة". ومما يرد في الدراسة:
إن الحكومة غير قادرة على الحكم في العديد من المناطق، تاركة مهام الحكم للسلطات والفئات المحلية؛
إن المعونات الأمريكية للقطاع الأمني بالعراق زادت من 3 مليارات و24 مليونا في يناير 2004 إلى حوالي 14 مليارا في حزيران الماضي؛
رغم ازدياد عدد القوات العراقية زيادة كبرى فإن العديد من الجنود المدربين تركوا عملهم بدون تسليم أسلحتهم ومعداتهم، خصوصا في قوات الشرطة؛
صحيح أن 115 وحدة عسكرية عراقية قد تسلمت المهام الرئيسية في العمليات العسكرية وأن إدارة 10 من القواعد العسكرية لقوات التحالف سلمت للحكومة العراقية، فإن هذا الإحصاءات مجرد "تجميلية" لأن القوات العراقية لا تزال غير مؤهلة للعمل وحدها بدون مساعدة خارجية وحتى عام 2010. وهذا تقدير يخالف التقديرات الرسمية للحكومة عن قدرة قواتنا للعمل المستقل مع نهاية 2007. وتقدم الدراسة رسوما بيانية دقيقة للبرهنة على أحكامه. ونضيف بالمناسبة واقع تسليم القوات البريطانية في العمارة للقوات العراقية قاعدة عسكرية كبرى مجهزة بأحدث المعدات، ولكن سرعان ما نهب الصدريون ومليشيات أخرى تلك الأجهزة والمعدات!
يقول التقرير إن "شرعية الحكم" لا تعتمد على كيفية اختيار الحكومات بل على قدرة الحكومة لتلبية احتياجات شعبها اليومية"، وبالطبع أولا وعاشرا ضمان الأمن.
إن الوضع العراقي الكارثي حيث نحن في حالة حرب تتطلب لعلاجه تدابير استثنائية فعالة مناسبة. ونود هنا الموافقة مع مقترحات الدكتور عبد الخالق حسين في مقالته الهامة " دعوة لتأجيل الديمقراطية في العراق." يقترح الكاتب:
1- تشكيل مجلس إنقاذ من ضباط عسكريين كفئ غير منتمين لأية جهة سياسية وبمشاركة القادة العسكريين الأمريكان لتحمل مسؤولية الأمن في العراق. واستدراكا نقول إن حكومة الملكي تعتبر أي حديث عن حكومة إنقاذ "مؤامرة انقلابية"؛
2 - تشكيل حكومة تكنوقراط محدودة العدد؛
3 - تعليق الديمقراطية والبرلمان؛
4 - إعلان حالة الطوارئ؛
5 - حل المليشيات "حتى ولو اقتضت الضرورة بالقوة"؛
6 - استخدام القبضة الحديدية ضد المخربين، والبحث عن المجرمين وأوكارهم ومخابئ أسلحتهم؛
7 - الإسراع في محاكمة المعتقلين المتهمين بالإرهاب والتخريب وتنفيذ العقوبات الصارمة بحقهم؛
8 - غلق الحدود، وفضح الدول المشاركة في دعم الإرهاب في العراق.
ونعرف أن إيران وسوريا وبعض دوائر الخليج تقف من وراء دعم وتمويل عمليات العنف والإرهاب بكل أشكالهما، وأن واجب الحكومة والقادة السياسيين ليس الذهاب كل مرة إلى طهران أو دمشق التماسا منهما لعدم التدخل بل اتخاذ مواقف وطنية صلبة ضد التدخل الإقليمي بكل أشكاله، وإن التدخل الإيراني واسع النطاق في الجنوب ليس سببه الخوف من القوات الأمريكية حتى يطالب بعض ساستنا ب "تطمين أمريكي لإيران"، بل هو تدخل توسعي ووفق استراتيجيات مرسومة وذلك بينما تواصل إيران برنامجها النووي برغم كل محاولات الاتحاد الأوروبي وتنازلاته. فإيران تتحدى العالم كله ووكالة الطاقة والأمم المتحدة، وإن مشكلتها ليست مع أمريكا وحدها كما يزعم بعض الساسة العراقيين.
وأخيرا أشير لمقالنا المعنون "نعم للفيدراليات الإدارية وألف كلا للفيدراليات المذهبية [ 22 أكتوبر الماضي] إذ تم طرح فكرة تشكيل "حكومة قوية، بل عسكرية غير حزبية مؤقتة لمدة عام مثلا تكون قادرة، مع أقصى تنسيق وتعاون غير مشروط مع القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها، على تحقيق المهمة [الأمنية]." ويتساءل المقال:
"ترى هل هناك من حل غير حكومة عسكرية وطنية غير حزبية لإنجاز هذه المهمة الصعبة؟؟"