ممكنات جوهرية في خدمة رئيس الوزراء العراقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لقد أثبتت الوقائع والشواهد أو رجَّحت بلغة أدق، إن أمريكا لا تستطيع التخلي عن المالكي، ليس حبا به، بل لأن ذلك يعرض وضعها في العراق والمنقطة لإرباك لا تقدر على تجاوزه، ومن هنا على السيد المالكي أن يستفيد من هذه النقطة بدقة وعمق، ليس على سبيل العناد، أو المطالب التعجيزية، أو التهديد، بل على سبيل الواقعية السياسية، ومن أهمها هنا أن تطلق يده في العملية الأمنية، وأن تضع في خدمته الممكنات والقدرات الكافية التي تمكنه من إنجاز هدفه الكبير، ذلك هو الأمن. إن استفادة المالكي من حاجة أمريكا إليه عملية جريئة وخلاّقة، وتتطلب صبرا وفكرا، كما أنها تتطلب حوارا مستمرا وصريحا بين السيد المالكي وأمريكا.
لقد كان خروج السيد المالكي على الشعب العراقي ومصارحته بأنه مكتوف اليدين تجاه القوات المتعددة الجنسيات خطوة جيدة، ولكن تحتاج إلى متمم، ذلك هو المؤتمر الصحفي الدوري للسيد المالكي، بغية المكاشفة مع شعبه حول هذه النقطة، فليس من المؤكد أن كل شي أنتهى بين السيد المالكي والأمريكان مجرد تشكيل لجنة أمنية مشتركة. أن الإدارة الأمريكية تحس بالحرج الشديد لو أن السيد الماكلي مارس لعبة المكاشف مع الشعب بجدية وفن ومهارة.
على أن ليس من الحنكة ولا المصلحة السياسية أن يور ط السيد المالكي نفسه وحكومته بوضع سقف زمني لحل المأزق أو المشكل الأمني، سواء إجتهادا منه أو مفروضا عليه. ولقد كان السيد محمود عثمان على صواب في تصوري عندما أبدى تعجبه ودهشته من وعد المالكي بحل المشكل الأمني خلال ستة أشهر، فهذه الوثوقية التي يتعهد بها للشعب العراقي تنطوي على مجازفة كبيرة، لأن المشكل بحد ذاته أكبر من هذه المدة الزمنية مهما كانت إمكانيات السيد الماكلي كبيرة ومتطورة.
الأمر الذي يلفت النظر حقا، والمالكي يقود معركته السياسية مع إدارة بوش فيما يخص صلاحية كل من القوات المتعددة الجنسيات و حكومته في القضية الأمنية، لم نسمع تصريحا ولا تلميحا من وزير خارجيته النابغ السيد هوشيار زيباري، وذلك منذ أن بدأت بوادر خلاف السيد المالكي مع خليل زادة وحتى كتابة هذه السطور، فهل هناك خلاف بين التوجهين؟ مع العلم أن جوهر القضية تتصل بالسياسة الخارجية أصلا!! فلماذا هذا الصمت من قبل وزير الخارجية فيما يتحمل رئيس وزراءه وحده مسؤولية الكلام الساخن والمصيري؟
نعتقد أن قضية صلاحية المالكي الأمنية ودوره الفاعل الذي يجب أن يضطلع به في العراق هي قضية حكومته بأسرها وليس قضيته هو بالذات، وتاليا، ينبغي أن تتحمل كل الأطراف المشاركة في الحكومة لمعالجة هذه النقطة، فهل هناك من هذه الأطراف من تريد أن تنأى بنفسها عن الخوض في هذه النقطة مع الأمريكان لأسباب وغايات بعيدة؟
تشيع في الاوساط السياسية العراقية وربما العالمية إن الأمريكان يهدفون إلى إسقاط حكومة المالكي عبر ترتيبات داخلية وخارجية، ومن أهمها إثبات عجزها أمام الشعب العراقي تجاه أخطر ما يهمه، ذلك هو الأمن. وإذا كان ذلك صحيحا، فعلى المالكي أن لا يستجيب لأي ضغط في هذا الاتجاه، ويبدو أن المالكي يشعر جيدا، أ ن أي إستقالة أو تنحي من جانبه سوف يعرض العراق لمشكلة كبيرة، ربما الحرب الأهلية أو التقسيم، وبذلك سوف يكون صلبا أزاء أي محاولة تهدف إسقاطه. ومن ثم يبدو أنه مصر على إستمرار حكومته مهما كانت معاناته ومشاكله، ومهما كانت علاقات القوات المتعددة الجنسيات معه.
أعتقد حان الوقت لتفعيل الدور العربي في العراق، إن لجميع دول الجوار مشاريعها في العراق، ولكل دولة من هذه الدولة أجندتها في العراق، والطريق إلى الكثير من قوى العمل السياسي، سواء كانت تعمل وفق منهج العقلانية السياسية أو وفق سنة الإرهاب والفوضى يمكن أن يكون عبر هذه الدول، وربما يكون له دور منشط ومنتج في معالجة موضوع أو مشروع المصالحة الوطنية، إن تأسيس لجان عمل مشتركة دائمة الا جتماع والتداول بين العراق والكويت والسعودية ومصر والأردن مسألة في غاية الاهمية، فإن مداومة التشاور مع هذه الدول الجارة قد يخلق بالتدريج ممكنات على طريق الحل، أو مشارفة الحل.
لقد هدد السيد المالكي بفضح تدخل بعض دول الجوار في شؤون العراق، وهو موقف شجاع وجريئ، وإن كان في بعض جوانبه كما أتصور أكبر من قدرات العراق الحا لية، وفي تصوري أن تسمية السيد المالكي لهذه الدول علنا، وعبر نداء للشعب العراق سوف يضع هذه الدول أمام أحراج، وسوف يصعّد من تلاحم الشعب العراقي معه، بل سيحول من هذه التسمية إلى مادة حراكية داخل الشعب العراقي، تتحدد من خلالها الكثير من الحقائق والأسماء وا لمسميات، إن تسمية الحكومة العراقية للدول التي تعبث في أمنه وخيراته ومصيره من شأنه تفعيل القضية على مستوى الشارع، وبالتالي، ربما يستدعي تحرك دولي لصالح السيد المالكي.
الحكومة العراقية منتخبة من الشعب، وعليه هي المسؤولة عن إدارة المشكلة بين أبناء مدينة الصدر من جهة والقوات الأمريكية من جهة أخرى، وإذا ما استطاعت حكومة المالكي أن تقنع أهل مدينة الصدر بدخول القوات الأمريكية تحت إشرافها، وفي سياق تصرف قانوني، فإن حكومة السيد المالكي سوف تتعزز مكانتها لدى العراقيين، وتتمكن من ثقتهم وإيمانهم.
في تصوري أن العلاقة بين القوات المتعددة الجنسيات ومدينة الصدر سوف لا تهدأ على حال، سوف تبقى قلقة، وهي نقطة يمكن أن تنفذ منها حكومة المالكي لأثبات جدارتها، وربما يشرع المالكي بتشكيل لجنة من حكومته والقوات المتعددة الجنسيات وشخصيات نافذه في مدينة الصدر لطرح الحلول الواقعية، وعندها سيتألق السيد المالكي، وتتألق حكومته، بل سيقدم المالكي في مثل هذه الحالة دليلا حسيا، على أن المشكلة الأمنية في العراق هي شان عراقي بحت، ويمكن للعراقيين أن يذللوا هذه المشكلة بعمق ودراية. حقا ستكون إشكالية العلاقة بين مدينة الصدر والقوات المتعددة الجنسيات محل إختبار لقدرة المالكي وحكومته.
أن الخطوة المهمة هنا هي الجمع بين الأطراف، هذه هي البداية، ومن مبادئ العمل أن يكون من حق الحكومة ملاحقة الإ رهابيين داخل المدينة بمعية ا لقوات المتعددة الجنسيات، وينبغي للمالكي أن يقنع أهل المدينة بهذه المشاركة، ففي ذلك حقن للدماء، وتسهيل للمهمة، وإشاعة السلا م، ولا ننسى أن تواجد أمريكا في العراق ومسؤوليتها عن القضية الامنية في العراق مشروع أقرتها هيئم الامم المتحدة.
أن أصعب دائرة تحاصر الحكومة هي علاقتها بالولايات المتحدة الامريكية، وفي تصوري أن معالجة الدوائر الاخرى يتم عبر معالجة هذه الدائرة باذات، لا يمنع ذلك أبدا أن تكون هناك جهود للتعامل مع الدوائر الاخرى، بل ويجب ذلك بحزم وقوة، خاصة الدائرة الإرهابية، ولكن حل معادلة العلاقة مع الأمريكان هي النقطة الجوهرية، ومن هنا أعتقد أن صرف الجهد المركزي ينبغي أن ينصب على هذه الدائرة. وجوهر الحل هو الصلاحيات، أن تطلق قوات التحالف يد الحكومة للعمل باستقلالية، مع دعم غير مشروط بشروط تعجيزية.
تلوح في الآفق بعض التصورات التي تدعو إلى تدويل القضية العراقية، وهي كما يبدو لي في صالح العراق في المحصلة النهائية، فإن هذا التدويل قد يضع حدا لتدخل دول الجوار، ويهيء فرصا اكبر لأحلال السلام داخل العراق، وسؤالي للسيد رئيس الوزراء هل فكر بهذا المشروع الذي يبدو أنه فكرة خلاّقة ومنتجة؟ وهل أعد أفكاره وتصوراته في هذا الخصوص؟