تضيع أسماؤنا ونبقى نحن...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حول تشابه الأسماء بين الغادتين
قبل سنوات قليلة دخلت على إحدى الزميلات في الأستوديو لأسألها عن أمر ما، وكان قد مر على عملها معنا أسبوع، ولم أكن أحفظ اسمها بعد، ورحت أحاول أن أتذكر اسمها وأنا أقطع المسافة القصيرة ما بين الأستوديو ومكتبي لكنني تذاكيت وخاطبتها بـ "زميلتي العزيزة" فرمقتني بنظرة كلها شرر وردت " أنا لي اسم واسمي كذا" صدمت من طريقة ردها وحجم ثورتها، قلت في نفسي معها حق فاسمها ثروتها الوحيدة! ولكن لو حدث معي الأمر لفضلت زميلتي العزيزة على اسمي، فليس أحلى من التودد بصفة المعزة.
مرت سنوات خمس على هذه الحادثة ولكنني الآن أتذكر بأنني تعرضت كثيرا لمثل هذه المواقف، فمشكلتي مع الأسماء أزلية لدرجة أنني حين أكون على الهواء أبتكر أساليب ورموزا على أوراقي الخاصة لا يفكها أحد وسرية جدا، فقط لأتذكر أسماء ضيوفي أو ضيفي الوحيد.
مرت بخاطري هذه الذكرى بشيء من الحزن لأنني تعرضت فعلا لقسوة مبالغ بها من قبل من تعنيهم جدا الأسماء، كنت أعزي نفسي بأن هؤلاء ربما لا يمتلكون سوى أسمائهم وبالتالي يحاربون بضراوة كي تلتصق بهم أسماؤهم، ولكن ما الذي يجعل الذين يمتلكون الكثير من الوعي والقيمة الأغلى من أسمائهم ومع ذلك يحاربون بدموية لو أخطأ أحد باسمهم؟!
ما جعلني أتذكر هذه الأحداث هو ما دار في الصحافة اللبنانية قبل أيام، وتحديدا في صحيفة النهار بتاريخ 18-10-2006 وعلى المقسم 19 نشر النداء التالي :
"انقذوا غادة السمان"
كان هذا هو عنوان النداء، وهو أول الخطأ- أما ما جاء في النداء وبقلم الصحفي ع-ح ومعلوماته استقاها من مواطن يدعى أ- ط ، هو أن الأديبة "غادة السمان" والتي تعيش في لبنان منذ عشرين عاما تعاني من مشكلة في ذراعها وتحتاج إلى تدخل جراحي بأسرع وقت وان تأخرت الجراحة فستصاب غادتنا بالشلل لا سمح الله، ويؤكد الصحفي ع-ح- على أن الأديبة رفضت توجيه نداء إلى الأدباء والشعراء لمساعدتها فهل تلبي الدولة اللبنانية نداء الإنسانية؟ أم ينبغي مناشدة أهل الخير؟ وما أقلهم في زماننا. ولم ينس الصحفي أن يضيف بأنه قد تعرف على الأديبة غادة السمان في الستينات وكانت في أوج شهرتها وعطائها.
قلت في نفسي "سلامتك يا غادة" والله هذا أمر لا يسكت عليه، وفورا هاتفت الأديبة "غادا فؤاد السمان" صاحبة كتاب "إسرائيليات" لأستطلع منها الأمر ولكن المفاجأة أن "غادا فؤاد السمان صاحبة كتاب إسرائيليات" أكدت لي بأن النداء يعنيها وليس له علاقة بغادة السمان صاحبة مذكرات "غسان كنفاني" وهناك خطأ كبير وهي الآن في حرج وهناك فعلا لغط حول هذا الأمر.
عتبت على الصديقة "غادا فؤاد السمان" في عدم معرفتي بحقيقة وضعها الصحي وتمنيت أن تخرج من الأمرين سالمة فهي الآن في حصار المرض وحصار المشكلة التي ستثار بسبب عدم الدقة، فغادا فؤاد السمان صاحبة كتاب اسرائيليات" كانت تحبو في الستينيات، فهي من مواليد 1964"وهذا الخطأ الثاني الذي وقع فبه الصحفي الذي حرر ونشر الخبر فكيف إذن تعرف عليها في الستينيات وكانت في أوج عطائها وشهرتها! إضافة إلى أنها لم يمض على إقامتها في بيروت عشرون عاما وهذا هو المطب الثالث! وهنا نصحت الصديقة "غادا فؤاد السمان" بأن تطلب من صحيفة النهار تصحيحا واعتذارا لصالح "غادة السمان صاحبة مذكرات غسان كنفاني" ..وفعلا أرسلت "غادا فؤاد السمان" توضيحا في اليوم التالي ولكن نشر تصويبا وأغفل موضوعها، على الشكل التالي: "غادة السمان التي ُطلبت لها المساعدة هي غير غادة السمان الأديبة المعروفة زوجة الخبير الاقتصادي بشير الداعوق صاحب دار الطليعة!.
وانتهى التنويه وكأن "غادة السمان" هي فقط "زوجة " الخبير الأقتصادي، وكأنها ليست تلك التي هربت البحر إلى غابات الأرز وصنعت منه أمشاطا وقلائد ثم قالت ابتعدوا أنتم وخرابكم- لا بحر في بيروت وكأنها تريد أن تخبئ بحر بيروت بشعرها كي تحميه من جور الحرب وخلاف الأخوة، وهي ليست تلك المواطنة التي ضُبِطت متلبّسة بالقراءة، وهي ليست "غادة السمان" التي غفت رواياتها تحت وسائدنا سنين طوال- والآن كلما فتحت نافذة مكتبتي لا أجد سوى كتاب واحد لها .. لقد ضيع اغترابي كل ما كنت أظن أنني سأوصله لأحفادي بالتواريخ والتواقيع وخطي المرتعش وأنا أكتب تاريخ ووقت شراء الكتاب، وأذكر كيف أنني كنت أموت جوعا في مشواري المدرسي لأيام طويلة فقط لأجمع مصروفي وأشتري كتابا، الآن كل شيء في بيتي جديد حديث لا رائحة للماضي فيه .... لم تنتهِ حكاية الالتباس هذه والمعركة دارت على صفحات الصحف والمجلات ولا زالت دائرة بين الغادتين ..
"الأولى غادة السمان الكبيرة صاحبة مذكرات "غسان كنفاني"والثانية غادا فؤاد السمان الصغيرة على غرار" نجاة الصغيرة" صاحبة كتاب "إسرائيليات"
فغادتنا الكبيرة- اعتقدت بأن الغادا الصغيرة- استغلت تشابه الأسماء لتستدرّ عطف الكرماء وإنها أساءت لسمعتها وأنها تريد رد اعتبار، بل وطالبت أيضا بميثاق يحمي الأسماء من سارقي السمعة الأدبية والجهد الإبداعي. ولم تنتبه أستاذتنا "غادة السمان" صاحبة مذكرات غسان كنفاني، والكبيرة دائما بحضورها ، بأن الذي كتب الخبر هو الذي وقع في الخطأ وليس "غادا فؤاد السمان" والدليل أنه أخذ معلوماته من مواطن لا يعمل في الصحافة ومعلوماته لم تكن دقيقة على الإطلاق، وإذا كان لا بد من العتب واللوم فهو يقع على من صاغ الخبر وليس على صاحب الخبر أي "غادا فؤاد السمان الصغيرة" لأنها على حد قول المثل الشعبي "يا غافل إلك الله"والوقائع لم تكن في الحسبان أن تصل الىالصحافة أصلا فقد كانت غادا تتحدث عن مرضها صدفة بحظور هذا المواطن الفاعل للخير "بظنّه " ومن فوره راح ونقل الخبر دون استئذان من أحد للصحفي "ع-ح-" وهذا خطأ آخر يضاف إلى الأخطاء التي جرّت الغادتين إلى هذا الخلاف، ومنذ متى كنّا نأخذ نحن الإعلاميين معلوماتنا من أناس عاديين ينقلون المعلومات من المجالس؟ ثم أليس "المجالس أسرار؟" أما الخطأ الذي لا يغتفر فهو أنّ الناقل الأساس للخبر قد زوّد الصحفي بهاتف "غادة السمان" المذكورة في النداء! ألم يكن بإمكان هذا الصحفي الصديق القديم أن يهاتف المَعني بنِدائه ويتأكد؟ فربما هذه مكيدة للصحفي نفسه، أو على الأقل يقول "سلامتك يا ست غادة هل الخبر صحيح؟ وكيف يمكن تقديم المساعدة؟ أين الدقة التي تُخلق مع الإعلامي منذ نعومة أظفاره وعلى أساسها يسجل النجاح بعد النجاح وعلى أساسها لا يزل ولا يخطئ.
لم تكتف غادا فؤاد السمان بالتصحيح الأول فنشرت فيما بعد وفي نفس الصفحة في صحيفة النهار وفي المقسم 19 وباسمها الكامل نصّا أقتُطِعَ منه كامل أسلوبها الإبداعي المعروف، ليظل منه التجهيل الكامل حين جاء على الشكل التالي: " جاءنا من غادا فؤاد السمان " وبضعة إشارات للشكر سجلتها غادا هذه المرة لكل من استجاب للنداء وتحديدا الشيخ سعد الحريري الذي خصّها بعناية من خلال طبيبه الخاص ، وشخص آخر آثر أن يزورها ويؤازرها بوقفته النبيلة دون أن يذكر اسمه.
ومع ذلك لم تخرج غادا فؤاد السمان من الزاوية الحرجة بل استمرت تنهال عليها الإساءة تلو الأخرى والعتب تلو العتب وكأنها شتمت "العنب الأسود" وحكاية العنب الأسود هذه طويلة سأختصرها بأن البابليين كانوا يمنعون أي حديث يسيء للعنب الأسود لأنه كان يصنع منه النبيذ المقدس ومن يتفوه بكلمة سيئة عن العنب الأسود تحل عليه اشد العقوبة.
منذ 18-10 - وأنا أفكر كيف أكتب لغادتي الكبيرة وكيف أخاطبها خصوصا بعدما قرأت ردها الساخن والساخط في مجلة "الحوادث " تحديدا في زاويتها "لحظة حرية" التي تكتبها منذ عشرين سنة.
هل أعطي الحق لغادة الكبيرة؟ أم أعاتب غادا الصغيرة؟ أم العكس؟ فالغادتان أغلى من بعضهن في فضاءات أيامي، الأولى تعيش في ذاكرتي وتقمصتُها وأنا أدور في فلك أسئلة الحياة وأتعلم ألف باء الحرية والحب والكلام، والثانية صديقة مبدعة وطيبة ولي معها خصوصية الأخت لأختها.
الأسماء نصنعها بجهدنا، وخطوط حمراء كثيرة نضعها تحت كلمة ( نصنعها ) أي ليست هي التي تصنعنا هي مجرد حروف تلتصق بنا دون إرادتنا لا دخل لنا باختيارها، إذ أننا نولد بأسماء ربما تعجبنا وربما لا تعجبنا، ربما نعشقها وربما تسبب لنا المتاعب، ربما نخجل منها كونها تعني القسوة! أعرف زميلة لي اسمها يعني "قنبلة فتاكة" فغيرته غير آسفة إلى "حياة" بعد مشوار إعلامي لا يُستهان به، وأخرى اسمها "عاصفة" غيرته بعد أربعة أولاد إلى "نسمة" وهناك الكثير ممن غيروا أسماءهم ربما هربا من أنظمة أو أحكام جائرة أو ماض مؤلم.
لكنني الآن وأنا اشهد معركة الأسماء هذه أتساءل، هل علينا أن نخاف لهذا الحد على أسمائنا؟ وهل يمكن أن ننسف من يمسّ أسماءئنا؟ من الأجمل أفعالنا أم أسماؤنا؟ وإذا كانت أسماؤنا جميلة أليست أفعالنا هي التي جملتها؟
لعلها غابت غادة السمان المواطنة المتلبسة بالقراءة ،مع حضورها الأكيد في الذاكرة، ومن هنا أليست غادا فؤاد السمان تساهم بحركتها الدائمة وكتابتها هنا وهناك، وإطلالتها الإعلامية الكثيفة، بتحريّك الراكد في تلافيف الذاكرة؟ وتنبش باسمها، اسما نحن نميّز خصوصيّته، وليس لزاما علينا أن نقرّ لمجرّد الإقرار بوجود من كتب ومن فعل ومن أعتدّ بصداقاته ومحبيه وقصوره وبرجوازيته، غادة بحضورها ووهجها ومشوارها الصعب كنت أتمنى أن تصمت فهي الكبيرة أمام ما حدث وتبقى كبيرة كما عهدناها، وتنتظر من يدافع عنها، أو ترد وهذا حقّ لها ولكن بطريقة أقل قسوة، أو لماذا أقل قسوة؟! بل بلا قسوة تماما، ففي نهاية الأمر "غادا فؤاد السمان" زميلة مهنة وإبداع وهي تنتمي "لغادة السمان" في المواطنية، فالغادتين في الأصل دمشقيتان واتخذن لبنان بلد الكلمة والحرية والحب والإبداع والتنافس الإبداعي، بلد المقاهي التي تفوح منها رائحة الكلمة مع فنجان القهوة الصباحية والوجوه التي مرت عليها ليلة بلا نوم والسهر الحلو الذي لا يخلو من خفق جديد كل لحظة.
إذن الغادتان تهربان إلى نفس البئر لتشربا ماء الصباح البيروتي، وإحدى الغادات تألمت، ليت الغادة الثانية هرعت لنجدتها وانتظرت حتى تشفى مثلا ثم بعد ذلك تأخذ بثأرها بودّ فائض وكما تشاء.
هل ننتظر كي نمشي بجنائز بعضنا؟ ثم نكتب كلمات الرثاء في الصحف ونحضّر مأتما باردا كي نشعر بأن الذي رحل يستحق نصبا أو وقفة من أجل سورة الفاتحة على روح الفقيد؟ هل الحروب التي تغرق أوطاننا هي حروب خارجية أم هو استعدادنا لتفجير الحروب بكل أنواعها؟ أم قدرة أصحاب الفتن على نشر سمومهم بأراضينا الخصبة لنبتة السم والفتنة؟ ماذا يعنيك الاسم أيتها المواطنة الجميلة المتلبسة بالقراءة لو حدث فعلا وسقط رفيق كلمة من مرض أو حزن أو بلاء؟ ماذا ستفيدنا دولاراتنا التي نتقاضاها وعدد الجياع والمرضى والمعوزين يزيد أضعافا يوما بعد يوم على أراضينا؟ ما ذنب "غادا فؤاد السمان" حين استيقظت ذات صباح فعثرت على نفسها غادا فؤاد السمان؟ ما ذنبها حين دارت بها الدنيا لتتوه في ما كتبه الذين سبقوها وتسقط في طرقهم المحفورة بالأسئلة؟ ما ذنبها وقد وجدت نفسها تبحث عن ذاتها بين كومة من الأفكار المتشابكة فقررت حل اللغز وإذ بها تتوه في لغز أكبر هو لغز تشابه الأسماء! ولغز البطالة وسيادة المحسوبيات؟ ومع ذلك "فغادا الصغيرة" منذ سنوات وهي توقع باسمها الثلاثي بالإضافة إلى تغيير التاء المربوطة إلى ألف وظلّت مطالبة بنفي اسمها! سأسميها "غيدا فؤاد السمان" إذا قَبِلَتْ، ولتسلم غادتنا الكبيرة من أي تشويه لاسمها الحصري ولتقبل منا الاعتذار نحن أبناء حرفها المخلصين إذا كنا نعنيها فعلا، لأنها تعنينا قطعا وبكل تأكيد وما المواقف وردود الأفعال سوى الشاهد على حقيقتنا التي يحفرها الزمن بين طيّاته، لا على أسمائنا التي لايحفظها مع الوقت سوى النسيان .
كاتبة واعلامية