كتَّاب إيلاف

سعيد أبو المعاطى رئيس لجنة السياسات

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى (9)

إنقطعت أخبار سناء أبو المعاطى عن أسرتها لعدة شهور حتى فوجئوا بخطاب يأتيهم وعليه طوابع بريد من باكستان ـ وكان خطاب مقتضب من نوع: "لكم منى ألف مليون سلام ولا ينقصنا إلا رؤياكم" ولكنها لم تعطهم أى تفاصيل عن حياتها مع زوجها إبن حلزة.
ولكن على أى الأحوال إطمئنوا على أنها على الأقل ما زالت على قيد الحياة، وشغلتهم عنها الحياة القاسية، "والبعيد عن العين بعيد عن القلب".

...
وأخيرا لم يتحمل سعيد أبو المعاطى إقامته الجبرية والتى فرضها على نفسه، وقررأن يواجه الناس وكانت فى رأسه أفكارا كثيرة تضخمت وبقى تنفيذها، وقرر أن يقرر مواجهه عمدة القرية لأنه كان أكبر شغل يشغل باله وبال أمه بسبب سلفة "الخمستلاف" جنيه والتى لم يجئ من ورائها سوى آذانه فى مالطة ودائما كان يضحك ويقول لأمه (من غلبه): "إن آذانى فى مالطة ربما يكون أغلى آذان فى تاريخ الأديان!!"

...
وذات مساء وبدون أن يخبر أى من أفراد أسرته توجه بعد صلاة العشاء مباشرة إلى منزل العمدة، وهناك قوبل من غفير العمدة بإستغراب، وطلب مقابلة جناب العمدة، وحضر العمدة الذى فوجئ بالخبر.
- إيه خير ياسعيد يابنى حمد لله على السلامة رجعت إمتى.
- والله أنا ياجناب العمدة رجعت فى نفس أسبوع السفر.
(وحكى له حكايته، وأبدى العمدة التأثر)
- طيب الراجل النصاب جابر السوهاجى إللى أخد منك الخمستلاف جنيه، عملت معاه إيه؟
- والله لسه مارحتش الإسكندرية، من ساعة مارجعت من مالطة ما كنش لىّ نفس أعمل أى حاجة، بس مش حاأسيبه هو حيروح منى فين، وأنا جاى لك ياجناب العمدة علشان طمعانين فى صبرك علينا فى تسديد سلفة الخمستلاف جنيه.
- يابنى ياسعيد، أنا مابا خدش عوض، الفلوس راحت عليك فى ستين داهية، وأنا ما أقبلش على ولادى عوض.
(وهم سعيد بأن يقبل يد العمدة وهو غير مصدق )
- أستغفرالله ياإبنى.
- أنا جميلك ده ياعمدة مش حأنساه طول العمر، وربنا يقدرنى على رده لك.
- إنت بس دلوقت تخللى بالك من نفسك ومن إخواتك البنات ومن أمك، دول أمانة ياإبنى فى رقبتك وربنا أمر بستر البنات. ولو عاوز أى طلب إعتبرنى زى أبوك، زى ما إنت عارف أبوك الله يرحمه كان زميلى فى الكتاب.
- ربنا يخليك لينا ياجناب العمدة

....
وخرج سعيد من عند العمدة وهو غير مصدق لتساهل العمدة معه، وقد عُرف عن العمدة فى القرية أنه رجل قوى لايتنازل بسهولة عن حقوقه ولكن فى نفس الوقت كانت له أيادى بيضاء على كثير من أهالى القرية. وكان سعيد مصمم على تسديد هذا الدين للعمدة (كيف ومتى ؟؟ هذا فى علم الغيب).

...
أما العقبة الثانية فكانت كيف يرجع لعمله ولم تنقض بعد أجازة السنة التى أخذها بدون مرتب، لابد من مواجهة رئيسه فى العمل الإستاذ همام الطحاوى مدير قصر ثقافة رشيد، وهو رجل معقول فى معظم الأحيان، وكان أمامه خيارين، إما أن يكذب عليه ويقول له أنه قد أمضى عدة شهور فى مالطة ولم تعجبه الإقامة هناك وعاد لحضور زفاف إخته سناء وقرر عدم العودة، وفى هذه الحالة لا بد له أن يقدم للإستاذ همام هدية من أى نوع وذلك (لتسهيل المسائل)، وكان الخيار الثانى هو أن يحكى له القصة كاملة بكل تفاصيلها كما حدثت وعليه أن يصدقه أم لا.
ورأى أن يستشير الشخص الوحيد الذى يثق به ويأتمنه فى قصر الثقافة وهو عمر الحداد، وهو زميله ويماثله فى العمر وله تأثير على الإستاذ همام الطحاوى نظرا لأن عمر عضو فى الحزب الحاكم ودائما يحضر إجتماعات الحزب فى مدينة رشيد، وأحيانا يذهب إلى الإسكندرية لبعض إجتماعات الحزب الموسعة، وهو يحسن الكلام ويستفيد كثيرا من عضويته فى الحزب، ولكنه لم يكن يعد من القطط السمان فى الحزب بأى شكل من الأشكال. ويمكن أن يصنف بأنه من "الفئران السمان"!!

....
وتوجه سعيد إلى منزل صديقه عمر الحداد فى رشيد، وإشترى فى طريقه إثنين كيلو موز، لأنه لا يصح أن يدخل عليه ب "إيده فاضية"، وفتح عمر الباب وفوجئ بسعيد فأخذه بالأحضان، وجلس سعيد مع عمر الذى كان يسكن وحده، ولاحظ إرتباكه قليلا، وخمن وجود "حريم" فى البيت، وقال له عمر:
- أصل أنا فيه واحدة عندى بتنظف البيت وتغسل، يابختك ياعم عندك والدتك وثلاث بنات إخوات، قاتل الله العزوبية.
(وأحس سعيد بحرج، وقال):
- لو تحب آجى فى وقت تانى، علشان أسيبك على راحتك "تنظف" البيت!!
- لأ ما تاخدش فى بالك، قول لى رجعت إمتى، ومالك رجعت بسرعة كده ؟
(وحكى له سعيد بالتفصيل وبكل صدق كل الحكاية، وأبدى له قلقه من إمكانية عودته لعمله)، فطمأنه عمر قائلا:
- سيب الإستاذ همام الطحاوى علىّ، إنتى بس هات له أى هدية بسيطة، وبكرة تيجى ونقابله سوا، بس إوعى تقابله من غيرى.
- متشكر قوى ياعمر.
- ياسعيد عيب ما تقولكش كده، إحنا إخوات، إنت إبن حلال جيت فى وقتك، أنا عاوز أكلمك فى موضوع مهم.
- إيه خير.
- إيه رايك تنضم معانا فى الحزب.
- بس إنت عارف رأئي فى الحزب الحاكم ياعمر.
- أيوه ياسيدى أنا عارف، تعالى إدخل معانا وحاول تصلحه من الداخل، مش أحسن ما تقعد تتكلم وبس، وبعدين إنت نسيت إنك" سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى"
- ما هو ده إللى تاعبنى أنى مش قادر أنسى حكاية الديموقراطى دى.
(وحكى له ما حدث له فى مركز شرطة رشيد، وكيف أن الإهانات التى حدثت له هى التى دفعته إلى الطفشان من البلد)
- إزاى ده حصل وأنا كنت فين.
- إنت الظاهر يومها كنت فى مأمورية فى الإسكنرية.
- طيب بالذمة ياسعيد إنت لو كنت معانا عضو عامل فى الحزب الحاكم كان أى حد يقدر يتعرض لك؟
- لأ... طبعا
- طيب يالله بقى بطل عبط وسيبك من موضوع السفر، إنت شايف القطط السمان عندنا فى الحزب لا عمرهم سافروا البلاد العربية ولا أوروبا ولا حتى مالطة بتاعتك، وأهم كلهم ما شاء الله هم وأولادهم عايشين آخر نغنغة.
- أيوة ياعمر بس إنتى عارفنى مش ممكن أعمل كده.
- طيب بقى خللى كل من من هب ودب يديك على قفاك.
- هو يعنى إما أنضرب على قفاى أو أبقى زى القطط السمان.
- ياسيدى ما حدش قال لك تبقى زيهم، بس على الأقل ما فيش داعى تعيش عيشة الشحاتة والفقر بتاعتك دى، وبعدين ما فيش حد حيرغمك تعمل حاجة إنت مش عاوزها أو ضد مبادئك، إحنا عاوزين معانا ناس بتفهم زيك، ده إحنا معانا ناس فى الحزب الله لا يوريك ما يعرفوش الألف من كوز الدرة.
- طيب خلينى أفكر فى الموضوع.
- طيب ياسيدى فكر على مهلك.
- طيب أنا بقى أسيبك على راحتك مع الست إللى بتنظف وتغسل جوه دى ، ومش عاوز توصية على نظافة الغسيل!!
- الله يجازيك ياسعيد، إن بعض الظن إثم!

...
وخرج سعيد من عند عمر وهو يفكر كيف يخرج من ثوب العبودية الذى لازمه ولازم معظم االناس عبر تاريخهم الطويل منذ أيام الفراعنة، كيف يمكن لهذا المواطن الجالس على المقهى يحتسى الشاى الأسود ويدخن الشيشة ويلعب الطاولة أن يتحول من حالة العبودية التى ورثها أبا عن جد لكى يصبح "السيد" ويتحول حكامه إلى "خدم الشعب"، كيف ينقل لهذا المواطن العادى إحساس المواطنة الذى جربه لساعات بسيطة فى مطار مالطة عندما عامله ضابط الجوازات كإنسان برغم محاولته دخوله البلاد بتأشيرة مزورة، وكيف عامله "الباشا" القنصل الأمريكى برفق وبتهذيب برغم أنه رفض إعطائه التأشيرة، وقارن بين هذه المعاملة ومعاملة القنصل المصرى فى مالطة والذى عامله كحشرة يجب التخلص منها ومن "قرفها"، كيف يمكن لهذا المواطن أن يحس بآدميته ومواطنته وبكرامته، وكيف تأتى للزعيم صاحب الشعبية الجارفة أن يخاطب هذا الشعب عندما قفز إلى السلطة على ظهر دبابة قائلا:" أنا من علمتكم الكرامة" ، ثم مرغ بكرامة معارضيه الأرض وترك زبانيته لكى يتفننوا فى إهانة وتعذيب من يفتح فمه بالمعارضة، ولم يبق هناك سوى "الهتيفة"، كيف خذل هذا الزعيم شعبه ولم يكمل واجبه فى إستكمال "تعليم وترسيخ الكرامة" لدى شعبه وكيف نهج على نهجه زعماء المنطقة، وقارن بينهم وبين الزعيم الحقيقى "غاندى" الذى حرر بلاده وقضى على الإمبراطورية البريطانية بدون أن يطلق طلقة واحدة، ولم يطمع فى أى مركز أو أى منصب أو ثروة وقتل ومات فقيرا وهو لا يملك من حطام الدنيا سوى عنزته ورداء نسجه بيديه، وترك مثالا وأمة: "تعلمت الكرامة الحقيقية" وأصبحت أكبرأمة ديموقراطية فى العالم وأثبتت خطأ الفكر المحافظ الذى يرى أن الديموقراطية لا تصلح للبلاد الفقيرة.
لقد تعلم من خلال قراءاته أن الظلم فى حد ذاته لا يتسبب فى ثورة الشعوب، ولكن شعور الشعب بالظلم هو ما يولد الثورة، فكيف يشعر هذا الشعب أنه مظلوم منذ آلاف السنين وأنه قد آن الأوان لكى يأخذ مصيره بيديه ، ما هى الطريقة المثلى لإيقاظه من سباته العميق، وكيف يمكن أن نجعل هذا المواطن البسيط أن يثق بنفسه ويثق بأن من حقه أن يعيش حياة كريمة بدلا من أن يضع كل همه فى الحياه الآخرة فقط، كيف يمكن دفعه إلى أن:" يعيش حياته كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا". كيف يمكن إقناعه بأن التغيير لن يتم إلا بيديه وليس بيد "المهدى المنتظر".
هل يمكن أن يكون سعيد أبو المعاطى هو المثال لهذا "المواطن الكريم"، وكيف يتحقق له هذا إذا إنضم للحزب الحاكم والكل يعرف عنهم أن معظمهم مجموعة من "الهتيفة و الأرزقية" والتى لا تعرف من الدنيا سوى مصلحتها الخاصة، وهل يصدق دعوة عمر الحداد له بأن:"ينضم إليهم ويبدأ التغيير من الداخل" وهل ستتركه "القطط السمان" أن يسحب البساط من تحت أقدامهم، وما هى مخاطر الإنزلاق فى فساد القطط السمان وأن يصبح جزأ منهم، وكيف يمكن أن يصبح "عماد حمدى" فى مجموعة كلها "محمود المليجى" و"توفيق الدقن" و"زكى رستم".
ولكنه يثق فى صديقه عمر الحداد ويعرف جيدا أنه غير فاسد وذو أخلاق ومبادئ معقولة، ليس مثاليا مثل شخصيات "عماد حمدى" ولكنه ليس مجرما مثل شخصيات "محمود المليجى"، وقال ماذا سوف يخسر أن يجرب، وإذا أخذ كل مواطن "ديموقراطى" موقفا سلبيا وإكتفى بالإنتقاد على المقاهى فسوف يظل:السادة... سادة، والعبيد... عبيد، وسوف يظل "الكبير... كبير، والصغير... صغير، والنص نص... نص نص".
لذلك قرر أن يخوض التجربة وينضم إلى الحزب الحاكم على ضمانة صديقه عمر.

...
وذهب فى اليوم التالى وساعده عمر فى العودة إلى عمله فى نفس اليوم بعد إلغاء "الأجازة بدون مرتب"، وعندما خرج سعيد وعمر من مكتب المديرهمام الطحاوى، قال له عمر:
- شفت بقى دى أول بركات الحزب، ولسه كمان ما دخلتش الحزب، قلت إيه يابطل بقى.
- خلاص انا فكرت وقررت الإنضمام بس بشرط إنى مش حأعمل أى حاجة ضد مبادئى.
- إتفقنا، بكرة عندنا إجتماع فى مقر الحزب الساعة سبعة مساء، ضرورى تيجى عشان تملأ إستمارة عضوية، وتبدأ نشاطك الديموقراطى الحقيقى.

...
وذهب بالفعل حسب الموعد وقدمه عمر إلى الحاج عفيفى المدبولى رئيس الحزب فى مدينة رشيد والذى رحب به:
- أهلا بالإستاذ ابو المعاطى الديموقراطى، ده إنت شهرتك مالية رشيد كلها، وعاوزين نستفيد منك فى الحزب ومن قراءاتك السياسية والإجتماعية، عاوزين ننهض برشيد نهضة كبيرة، رشيد مش أقل من دمياط، أنا بأشكر الإستاذ عمر على أنه أقنعك بلإنضمام إلى الحزب، آدى ياسيدى إستمارة العضوية، ومن النهاردة إنت عضو فى الحزب وضرورى تشرفنا فى إجتماع النهاردة كعضو شرف، لأننا لا بد نبعث الإستمارة بتاعتك للمركز الرئيسى للحزب للموافقة، ولو سمحت بعد ما تخلص الإستمارة تعطيها للآنسة دولت فى السكرتارية علشان تبعثها بالفاكس.

...
ودخل مكتب السكرتارية حيث الآنسة دولت وفوجئ بجمالها المصرى الأصيل، وقال لنفسه:
(أهو ده سبب مهم للإنضمام للحزب، وفوجئ بأن يوجد مثل هذا الجمال فى سكرتارية الحزب الحاكم فى رشيد)، وعرفها بنفسه:
- أنا سعيد أبو المعاطى العضو الجديد والحاج عفيفى طلب إنك لو سمحت تبعتى طلب العضوية ده بالفاكس للمركز الرئيسى.
- أهلا إستاذ سعيد، تشرفنا، أنا دولت كمال.
(ومدت يدها البضة للسلام عليه، وشعر برعشة عندما إلتقت عيناها بعينيه، ولم يسبق له أن شعر بهذا الشعور من قبل، وبالرغم من أنه أخ وحيد يعيش فى منزل كله بنات إلا أنه لم يسبق له التعامل مع فتاة من قبل، ولم تتعد علاقاته بالجنس الآخر سوى نظرات عابرة ببعض فتيات القرية)
- تشرفنا ياآنسة دولت.
- ده إحنا سمعنا عنك كثير من الإستاذ عمر الحداد.
- أن شاء الله تكون سمعت حاجات كويسة لأن عمر ده مش مضمون.
فإبتسمت وأظهرت إبتسامتها جمال فمها، وأوشك أن يهتف كما هتف عبد الوهاب:
"أنا مش شايف قدامى غير صفين لولى"
- أن شاء الله حنشوفك هنا دايما فى الحزب
وأوشك أن يقول:
(ده أنا مرابط هنا الحزب ده كل يوم، بش علشان خاطر عيونك ياجميل)
وخرج وهو يشعر بشعور إنتعاش وتفائل بالحياة.

.....
وواظب سعيد على حضور إجتماعات الحزب، وقبيل أحد الإجتماعات طلب منه الحاج عفيفى أن يحضر إلى مكتبه على إنفراد:
- أنا عندى ليك خبر كويس
- خير ياحاج عفيفى
- أنا حأرشحك تكون "رئيس لجنة السياسات" فى فرع الحزب فى رشيد.
- ده شرف عظيم لىّ ياحاج عفيفى، لكن إيه مسئولية وصلاحيات "رئيس لجنة السياسات"
- والله ياإبنى علمى علمك، لكنه يبدو أنه منصب مهم من عنوانه وده مش خسارة فيك!!

samybehiri@aol.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف