كتَّاب إيلاف

هل كان الحجاب لباس الزانية؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كان منع ارتداء الفتيات المسلمات للحجاب في المدارس الفرنسية و ما أثار من لغط و لا يزال، داخل و خارج فرنسا واحدا من المواضيع التي يمكن أن يهتم بها الإعلام لفترة قصيرة قبل أن يجد حدثا آخر يشغل به الرأي العام. و لكن أن تقوم مجموعة من الخاطفين- وسط كل ما يعانيه العراق من هرج و مرج- بخطف رعايا أجانب للمطالبة بإلغاء التشريع الفرنسي، مثل صدمة حرضتني على معاودة التأمل في استمرار تقديس العديد من المجتمعات و منها مجتمعاتنا الإسلامية للحجاب.
بالطبع، لا يخفى أن للحجاب و البرقع و الخمار و غيرها من أغطية شعر رأس المرأة و وجهها مدلولات اجتماعية و دينية عميقة الجذور. مع ذلك، أشار العديد إلى آثارها السلبية التي تتمثل في النظر إلى المرأة بدونية، و بالشكل الذي يعزز دوما التأكيد على تفوق الرجل في سلم الأولويات الاجتماعية. حيث يعامل جسد المرأة باستخفاف كما لو كان عورة يتوجب سترها خشية من الفضيحة. و تغذي هذه النظرة الاجتماعية الظالمة تصورات دينية و أسطورية ذكورية ألقت بالمسؤولية على الأنثى و حملتها جريرة سقوط بني آدم في الخطيئة.
و ربما يعكس هذا التجريم التاريخي للمرأة التحول و الانقلاب من المجتمعات ذات الثقافة الأمومية المهزومة إلى ما صار يعرف بالبطريركية أو الذكورية الظافرة التي كتبت بالنتيجة تاريخنا منذ ذلك الحين حتى الآن. غير إن النصوص القديمة توفر الفرصة للكشف عن تواريخ أخرى، منسية أو يجري تناسيها على الدوام. و بقدر تعلق الأمر بالحجاب، تفيدنا مقاربة تلك النصوص في الكشف إما عن ماض جرى تناسيه أو تمت إعادة تمثيله من جديد لكي ينسجم مع التصورات الذكورية المشهورة فيما يعرف بالسرديات الكبرى للتاريخ.
ففي رسالة بولس الرسول الأولى لأهل كورنثس الإصحاح 11: ( 14 - 16 ) يقول: " هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله و هي غير مغطاة.أم ليست الطبيعة نفسها تعلمكم أن الرجل إن كان يرخي شعره فهو عيب له. و أما المرأة إن كانت ترخي شعرها فهو مجد لها لأن الشعر قد أعطي لها عوض برقع ".
يتبين من هذا النص أن غطاء الرأس، و هو "معطى" ثقافي قد أنزل منزلة ما يجري عليه حكم "الطبيعة" و قوانينها. و ذلك لكي يكتسب الحكم بالنقص على المرأة بسبب جنسها بالذات درجة القطع ألثبوتي. فهي مجرد جسد أو "عورة" باصطلاحات الفقه الإسلامي ينبغي التستر عليها مثلما تستر الطبيعة و تحجب بالشعر رأس المرأة (( أي عقلها )) إذا جاز التعبير، مع إن الشعر يفيض عن رأس الرجل مثلما يفيض عن رأس المرأة. و في الحقيقة إن إرخاء المرأة لشعرها و حرمة إرخائه من قبل الرجل كان مجرد تمايز اجتماعي تاريخي للتأكيد على سيادة الرجل و حقه في التحرر مما يجري عليه حكم الطبيعة الذي ينبغي أن يدين و يخضع له رأس المرأة في نفس الوقت. و هذا هو الأساس الذي استندت إليه فكرة أن (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض )) سورة النساء في القرآن، فلقد جاء في رسالة بولس السابقة 11: ( 6 - 7 ): (( رأس كل رجل هو المسيح. و أما رأس المرأة فهو الرجل )).
إن كون المرأة: جسد بلا رأس و الرجل رأس بلا جسد لهو مما يخدم فكرة التمايز الجنسي الذي يحافظ في النهاية على نمط علاقات الإخضاع و السيطرة على نحو استقطابي. فالمرأة تنتمي بالكامل إلى عالم الجسد - أي الطبيعة، بينما ينتمي الرجل إلى الرأس _ أي الثقافة. و عليه يصبح من المفروغ منه أن تحجب المرأة رأسها و تتبرقع لأن مجد الرجل لا يتم إلا بالتنكر للطبيعة، بينما لا يتم مجد المرأة إلا بالوفاء لها. و بالطبع لا يكون لهذا الوفاء معنى إذا تم من خلال رد الاعتبار للجسد بما هو كجسد، لأن الخلاص من عالم الجسد و ما يحيل إليه من شر و خطيئة - وفقا لهذا السياق - لا يستقيم إلا بكفارة التضحية به من خلال ( ممارسة الزنا المقدس ) و حجب الجسد بالأغطية التي يحددها الشارع أو العرف المتداول ضمن هذه الثقافة الذكورية أو تلك.
و هنالك من النصوص ما يؤكد على ارتباط فكرة التأكيد على الخطيئة بالتكفير عنها من خلال فرض ممارسة الزنا المقدس. حيث شاع في العديد من الثقافات القديمة أن المرأة لا يمكن أن تتزوج و تنشئ أسرة إلا بعد أن تفقد عذريتها في المعبد. بمعنى إن المجتمع يرفض تأهيل المرأة ضمن سياقاته الثقافية المعهودة ما لم تمارس الجنس مرة واحدة على الأقل في تلك المعابد التي لعبت طقوس الخصب فيها وظيفة مهمة من وظائف الحفاظ على التماسك الاجتماعي ذلك الوقت. غير إن المثير في هذا الصدد هو اضطرار من يمارسن الجنس أو الزنا المقدس، في مرحلة لاحقة على الأقل، إلى تغطية الرأس و الوجه معا. و أسهمت أغطية الرأس هذه في تكريسي وظيفة الحجاب لطمس الملامح الفردية، لأن ممارسة المرأة للبغاء المقدس لم تكن آنذاك (( متعة فردية، أو نشاطا شخصيا معزولا ؛ بل طقسا يربط الإنسان المتناهي بالملكوت الأعلى غير المتناهي، عبادة يكرر فيها الفرد على المستوى الأصغر ما قامت به القدرة الخالقة على المستوى الأكبر )) كما يقول فراس السواح في كتابه "لغز عشتار".
لذلك كان حجاب الزانية يؤدي وظيفة مهمة على المستويين الاجتماعي و الديني معا. ففي حكاية يهوذا و كنته ثامار من العبر ما يكفي لنعيد سردها قدر تعلق الأمر بالموضوع. إذ يرد في سفر التكوين الإصحاح الثامن و الثلاثون ما يفيد بأنه قد كان ليهوذا ثلاثة أولاد: عير و أونان و شيلة. و كان عير متزوجا من ثامار. ثم إن الله قد توفى ابن يهوذا البكر، زوج ثامار. فطلبت الأرملة من يهوذا أن يزوجها من أونان، ابنه الأوسط، لكي يقيم منها نسلا يحفظ ذكر أخيه المتوفى حسب الأعراف اليهودية التي كانت متبعة. و لقد فعل يهوذا. لكن أونان صار يستمني على الأرض لكي لا يقيم لأخيه نسلا. فأماته الرب جزاء بما فعل. و عندما طالبت ثامار الأرملة بحقها في أن تتزوج من شيلة، أجابها بالاعتذار خوفا على شيلة، ابنه الأصغر من أن يموت كما مات أخواه. و طلب منها أن تقر في بيت أبيها حتى يكبر شيلة. غير إن هذا الانتظار قد طال أمده. و في أحد الأيام علمت ثامار أن يهوذا سيذهب إلى جز غنمه. (( فخلعت ثياب إرمالها من عليها و تغطت بالخمار و احتجبت به و جلست في مدخل العينين على طريق تمنة، لأنها رأت أن شيلة قد كبر و لم تزوج به. فرآها يهوذا فحسبها بغيا، لأنها كانت مغطية وجهها. فمال إليها إلى الطريق و قال: هلم أدخل عليك، لأنه لم يعلم أنها كنته. فقالت له: ماذا تعطيني حتى تدخل علي ؟ قال: أبعث بجدي معز من الماشية. قالت: أعطني رهنا إلى أن تبعث. قال: ما الرهن الذي أعطيكه ؟ قالت: خاتمك و عقالك و عصاك التي بيدك. فأعطاها و دخل عليها، فحبلت منه. ثم قامت فمضت و نزعت خمارها من عليها و لبست ثياب إرمالها. و بعث يهوذا بجدي ماعز مع صاحبه العدلامي ليسترد الرهن من يد المرأة، فلم يجدها. فسأل أهل المكان عن مقامها قائلا: أين البغي التي كانت عند العينين على الطريق ؟ قالوا: ما كانت هاهنا قط بغي. سفر التكوين (14:38 -21) ))
و بعد أشهر تبين حمل ثامار فجاء من يقول ليهوذا: (( قد بغت ثامار كنتك، و ها هي حامل من البغاء. فقال يهوذا: أخرجوها فتحرق. فبينما هي مخرجة بعثت إلى حميها قائلة: من الرجل الذي هذه الأشياء له أنا حامل. و قالت: أنظر لمن هذا الخاتم و العقال و العصا. فنظر إليها يهوذا و قال: هي أبر مني، لأني لم أزوجها لشيلة أبني )) 24-26
و المدهش إن اتهام ثامار بالزنا لما تبين حملها كاد يودي بها إلى أن تحرق عقابا على زناها غير المشروع. و هذا أمر مختلف من وجهة نظر أناس ذلك الزمان الذين يبجلون طقوس الخصب و خصوصا ما يعرف منها بممارسة الزواج المقدس. بمعنى إن البغاء غير المشروع يستحق العقاب بينما يحضى البغاء المقدس بالرضا الجمعي. من هنا نفهم لماذا قال يهوذا: (( هي أبر مني ))، بعدما أكتشف إن الزنا الذي اقترفته لم يكن من نوع الزنا غير المشروع ؛ بل هو يدخل في باب الزنا المقدس الذي يحضى بالقبول و احترام الجميع.
و يتضح، أيضا، من هذه الحكاية التوراتية المعبرة إن البغي كانت تعرف من خلال ارتدائها للحجاب الذي يمنع الآخرين من التعرف عليها شخصيا. و لولا ذلك ما كان يهوذا ليضاجع كنته التي كمنت له في الطريق بعد أن نزعت عنها ( ثياب الأرملة ) و لبست ( ثياب الزانية ). و يبدو إن حجب الزانية لوجهها و رأسها عموما كان عرفا متبعا لأن صاحب يهوذا سأل أهل المكان عن البغي "ثامار المتنكرة". و سؤاله هذا يفترض بالضرورة أن الآخرين يعلمون كما هو ظاهر من النص بأن من عادة الزانيات أن يحتجبن بحيث لا يمكن التعرف على ملامحهن الشخصية. كما إن من عادة القدامى أن يلبوا نداء الزانية المقدسة من باب أداء الواجب الديني، على الأقل، و هو ما فعله يهوذا. و مثل ما قام به يهوذا عندما لبى نداء الزانية آنذاك مثل ما يقوم به الكثيرون في زمان الناس هذا عندما يتصدقون بالمال و غيره على السائل و المحتاج ممن يعترض سبيلهم.
أما بالنسبة لمن قد يحتج على أن الربط بين حجاب المرأة و طقوس الزنا في العهود القديمة لا ينبغي الاستدلال عليه بالنصوص الواردة في كتب الديانات كالقرآن و الأناجيل و التوراة و غيرها، فنرد بالقول: إن ما كان يعنينا فقط هو الجانب التاريخي في تلك النصوص الدينية التي احتفظت بالعادات و التقاليد و الثقافات التي كانت تتناقلها الشعوب آنذاك. و الغريب في هذا الشأن، هو كثرة النصوص التي تحيل إلى قوة و انتشار عقائد الخصب فيما يسمى بممارسة البغاء المقدس الذي ارتبط في أحد أدواره بالآلهة البابلية عشتروت، حتى إن النبي سليمان كما ورد في التوراة هرع (( وراء عشتروت، إلهة الصيدونيين )) سفر الملوك الأول ( 11: 5 ).
و هذه إشارة واضحة إلى انتشار عقائد الزواج البابلي المقدس في عموم الشرق المتوسط قديما لدرجة أن اليهود الأوائل أنفسهم قد تأثروا بها و خضعوا لها ردحا من الزمن مثلما يوضح النص السالف الذكر. و يمتد انتشار الزنا المقدس في العالم القديم بجذوره إلى المعابد القديمة التي كان البناء الهندسي لبعضها مصمم على أشكال و هيئات توحي بالعضو التناسلي الأنثوي مثلما لاحظ ذلك غير واحد من الآثارييين على معابد ( تل العبيد ) و ( خفاجة ) و ( أوقير ). و إذا كانت طقوس الزواج المقدس قد شاعت في حضارة بابل التي وصلتنا عنها نصوص معتبرة تؤكد شيوعها، فإن هنالك من النصوص ما يؤكد ممارستها على نطاق واسع و في حضارات متباعدة زمانيا و مكانيا. ففي الهند مثلا لم يتم إلغاء البغاء المقدس في المعابد إلا بعد احتلالها من قبل الإنجليز. كما إن في التوراة نفسها إشارات يمكن أن تبوح بالمسكوت عنه عندما تؤكد على ترابط الحجاب الذي يخفي الملامح الشخصية بممارسة البغاء المقدس .
من ذلك، مثلا، يمكن أن نستذكر أيضا ( إشعيا، 47: 1 - 3 ):
(( أيتها العذراء ابنة بابل اجلسي على الأرض بلا كرسي يا ابنة الكلدانيين لأنك لا تعودين تدعين ناعمة و مترفهة. خذي الرحى و اطحني دقيقا. اكشفي نقابك شمري الذيل. اكشفي الساق)). و لا غرابة إذن من أن هذا الترابط بين الاثنين ( الحجاب و الزنى ) مسألة تستدعي التوقف عندها مليا. أما في شمال العراق، فيستدل أيضا من بعض القوانين الآشورية أن حرائر النساء كن يتحجبن. في حين حرمت قوانين أخرى الحجاب على البغايا في آشور.
و يبدو من هذا التحريم الطبقي أن ظاهرة الزواج المقدس كانت تقتصر على الحرائر من النساء المتحجبات. في حين حرم الحجاب و البغاء المقدس على ما دونهن في المنزلة الاجتماعية و الطبقية من إماء و جواري أو سراري و خادمات و بغايا غير مقدسات. و ذلك لحفظ سلسلة التراتب الاجتماعي المعهود في ذلك الزمان.و في هذا الصدد تأتي الآية القرآنية المشهورة (( يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهم من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين و كان الله غفورا رحيما_الأحزاب:59)). حيث تكاد المذاهب السنية و الشيعية معا تتفق على اقتصار ما جاء في هذه الآية من كتاب المسلمين على التمييز بين طبقتي حرائر المسلمين و إمائهم. و نخلص من هذه التأملات إلى أن التقديس المعاصر للحجاب في أحد وجوهه إنما هو بقية من بقايا هيبة ممارسة البغاء المقدس التي اندثرت و زالت بسبب عوامل كثيرة لعل من بين أبرزها التحريمات الدينية و الوضعية فيما بعد.
و من هنا يمكن لنا أن نفهم لماذا كان الخليفة عمر بن الخطاب يطارد النساء بالدرة لأنهن يتشبهن بالحرائر و لا يكشفن عن رؤوسهن على عادة الإماء و الجواري التي كان يفرضها المجتمع الطبقي آنذاك. ففي مصنف عبد الرزاق: عن أنس أن عمر بن الخطاب قد ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة قال: اكشفي رأسك لا تشبهين بالحرائر. كما أنه كان ينهى الإماء من أن يلبسن الجلابيب. و يقصد بالجلباب خمار المرأة، ((و هي المقنعة تغطي جبينها و رأسها إذا خرجت لحاجة، بخلاف خروج الإماء اللائي يخرجن مكشوفات الرؤوس و الجباه في قول بن عباس و مجاهد، و قال الحسن: الجلابيب: الملاحف تدنيهن المرأة على وجهها و ذلك أدنى أن يعرفن من الإماء و من أهل الريبة فلا يؤذين _ منتخب التبيان للحلي: 2/203)) كما يقال للإماء في اللغة العربية البغايا. ففي لسان العرب لابن منظور قال: إن البغاء هو الفجور و لا يراد به الشتم، لأنه قيل بان البغي هي الأمة فاجرة أو غير فاجرة. و هذا يستدعي احتمال أن البغاء المقدس كان يحضى بالرعاية الاجتماعية و التقدير لدرجة شاعت معها مناداة الإماء بالبغايا من دون أن يشعر أحد من جراء ذلك بالحرج. و ما دام يقال في العربية للأمة بغي و لا يراد به الذم كما يقول ابن منظور، فإن ذلك معناه - إذا لم يخني الحدس - أن العرب في شبه الجزيرة العربية بالذات قد عرفوا ظاهرة البغاء المقدس و مارسوها ضمن نطاق مراسيم الحج إلى الكعبة مثلما تؤكد شواهد أخر.
و لعل ممارسات البغايا من ذوات الرايات الحمر حول الكعبة نفسها و اللواتي ورد ذكرهن في كتب المسلمين هي من بقايا تلك الممارسات و الأنكحة التي كانت لها علاقة على ما يبدو بظاهرة البغاء المقدس في المعابد القديمة و من بينها الكعبة. و لا ننسى أن تنوع الأنكحة في شبه جزيرة العرب و مكة بالذات - لدرجة كان فيها العرب (( يتسافدون تسافد الحمر )) كما ورد على لسان عمر بن الخطاب،ثاني الخلفاء الراشدين في معرض الاستدلال على وجوب حذف آية الرجم من الرسم القرآني المتداول بين أيدينا - يسمح بافتراض هذا النوع من ممارسة البغاء لأن (( الطابع الديني يكمن في جوهر هذه الممارسة.. لدرجة أن الجدل قد ثار بين المسلمين حول صحة أنساب قبائلهم، ليثار آنئذ موضوع الزواج الجماعي من امرأة بغي))، كما يذهب إلى ذلك فاضل الربيعي في كتابه "شقيقات قريش". ثم هنالك آساف و نائلة اللذان مارسا الزنا المقدس داخل الكعبة بحسب المشهور من المرويات العربية و الإسلامية. فصارا يعبدان فيها . و معنى ذلك أن العرب قد عرفوا الزنا المقدس بالإضافة إلى أشكال الأنكحة المتنوعة التي ورد ذكرها فيما روي عن عائشة حيث قالت: (( إن نكاح الجاهلية كان على أربعة أنحاء: نكاح كمثل الأنكحة في شرعنا، و نكاح كان يقول الزوج إذا طهرت زوجته من الحيض أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه و يعتزلها زوجها حتى يتبين حملها منه رغبة في نجابة الولد، و نكاح يجتمع الرهط دون العشرة على إصابتها فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم فلا يستطيع أحد أن يمتنع فيجتمعون عندها فتقول لهم قد ولدت منك يا فلان فتعين من أحبت منهم فتلحق به ولدها البتة. و نكاح يجتمع جماعة فيدخلون على المرأة فلا تمتنع ممن جاءها و هن البغايا - كن يجعلن الرايات على مواضعهن فيغشاها من شاء - فإذا حبلت و وضعت دعوا لها القافة فألحقوا ولدها بالذي يرون منه لا يمتنع من ذلك )).
و من هذا الحديث يتبين و كأن العرب في النكاح الرابع على الأقل كانوا يمارسون نوعا من أنواع الزنا المقدس في مكة لأن صاحبات الرايات الحمر كن عند الكعبة. و الوصف الذي يرد على لسان عائشة من أن المرأة لا تمتنع ممن جاءها مثلما لا يمتنع الرجال عن إستلحاق من تضع بحسب ما يرى القافة، ليدل على سطوة هذه الطقوس على البغي و على من مارسوا معها الجنس لأن الزنا المقدس كان من الأعراف المتبعة بحيث لا يملك أفراد المجتمع غير الخضوع لنواميسه المقررة.
و لقد أخرج الطبراني عن ابن الزبير قال في قوله: (( و اذكروا الله في أيام معدودات )) قال: هن أيام التشريق. و هي أيام عيد عند المسلمين كما هو معروف. و في لسان العرب حديث في أيام التشريق (( أنها أيام أكل و شرب و بعال )) و المباعلة: المباشرة أي النكاح و المجامعة. و إذا علمنا بأن الحرية الجنسية و أشكال النكاح أوسع بكثير مما انتهى إليه الأمر بعد سلسلة التحريمات الإسلامية، ننتهي إلى أن إباحة المباعلة لا تعني مباشرة ما تحت أيدي الرجال من نساء و إماء فقط. كما لا يعرف عن العرب أنهم في أيام التشريق قبل الإسلام كانوا يمتنعون عن مباشرة نسائهم في شبه الجزيرة العربية. لذلك فان المباعلة هنا توحي مثلما تسكت عن إباحة أشكال من الممارسات الجنسية المعهودة و منها البغاء المقدس الذي تشير كثير من الشواهد على أن العرب قد عرفته في المعابد القديمة قبل الإسلام على الأقل.
لكن المثير في مثل هذه الشواهد و غيرها هو احتمال أن حجاب المرأة لتغطية شعر الرأس و الوجه معا قد ارتبط قديما بممارسة الزنا المقدس مثلما رأينا بشكل واضح من حكاية ثامار و يهوذا و غيرها. ثم اندثر هذا النوع من الممارسات الجنسية. غير إن تقديس البشر لتلك الطقوس الجنسية لم يندثر ؛ بل انتقل من الاحتفاء الجماعي بهذه الطقوس الإخصابية التي بادت إلى تقديس جزء كان مرتبطا بممارسة تلك الطقوس ككل ألا و هو الحجاب فقط.
كاتب عراقي مقيم في عمان
hatamabdulhadi@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف