مدن مغربية بلا أحياء صفيح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أعلنت الحكومة المغربية في يوليو 2004 عن برنامج طموح يحمل عنوان "مدن بلا أحياء صفيح "، هدفه القضاء على حوالي 200 ألف مسكن غير لائق بنهاية عام 2010، بما يسمى بأحياء الصفيح التي تحيط بكبرى المدن. وقــدم عدد 6-12 أكتوبر لمجلة "ميد" المتخصصة تقريراً هامــاً عـن مدى التقــدم الحاصــل في هذا المجال (موقع www.meed.com ).
أحياء الصفيح موجودة بالعديد من مدن العالم الثالث، ومن أهم عوامل استفحال هذه الظاهرة في المغرب:
-العامل الأول: الزيادة المفرطة في عدد السكان نتيجة فشل المغرب في اعتماد سياسة تحديد النسل التي نجحت نجاحاً كبيراً في تونس، حيث لا يزيد فيها معدل الخصوبة اليوم (عدد الأطفال للمرأة الواحدة) 1،2، وهو المعدل الذي يضمن استقرار عدد السكان، مقابل 8،2 في المغرب و 3،3 في مصر، وهي معدلات مرتفعة تعني تواصل مشكلة الانفجار السكاني في المستقبل، بالإضافة لآثارها المرعبة التي تراكمت خلال العقود الماضية. ولو اعتمدت المغرب (أو أية دولة عربية أخرى) السياسة التونسية في هذا المجال، منذ الستينات من القرن الماضي، لكان عدد السكان فيها اقل بحوالي الثلث من العدد الحالي، بكل ما يعني ذلك من ضغط اقل على المدن، أي اقل سكن عشوائي و اقل أحياء صفيح...
-العامل الثاني: ضعف النمو الاقتصادي الذي بالكاد يكفي لتغطية متطلبات الانفجار السكاني، مما فوت على الدولة توجيه الموارد الضرورية لبناء أحياء ومدن جديدة، حيث لم يتجاوز المعدل السنوي للنمو الاقتصادي خلال العقد الماضي 2،2% في المغرب، مقابل 4.7% في تونس. و إذا ما قمنا بطرح معدل نمو السكان، يكون المعدل السنوي لزيادة دخل الفرد في المغرب اقل من 1%، مقابل اكثر من 3% في تونس.
أدى ضعف النمو بالتوازي مع زيادة كبيرة في عدد السكان إلى تفشي الفقر، حيث يعيش 3،14% بأقل من دولارين في اليوم في المغرب، مقابل 6،6% فقط في تونس (تقرير التنمية البشرية للعام 2005). وانعكس هذا على خدمات السكن و الصحة، حيث لا يتوفر إلا 48 طبيبا لكل 100 ألف ساكن في المغرب، مقابل 117 طبيب في تونس، و لا يتوفر الربط الكهربائي إلا لـحوالي 60% من المساكن في المناطق الحضرية في المغرب، مقابل 96% في تونس.
العامل الثالث: الضعف المؤسساتي الذي لم يوفر الإطار المطلوب لتوفير الأراضي الصالحة للبناء السكني، بما في ذلك تطوير الشركات والسماح للشركات الأجنبية بحرية العمل، خصوصاً في مجال العقار محدود التكاليف، ونفس الشيء بالنسبة لمؤسسات التمويل العقاري. ونتج عن هذا تراكم الهوة بين العرض والطلب، حيث اقتصر البناء خلال 2003 - 2004 على 60 ألف وحدة سكنية مقارنة بطلب يفوق 125 ألفا.
ومن المهم التنويه أن الآثار الكارثية لاحياء الصفيح لا تقتصر على مشاكل الفقر و ضعف الخدمات، بل تتعدى ذلك إلى تحولها إلى ملجا آمن لعصابات الجريمة المنظمة و حتى الإرهاب الأعمى كما سنذكر لاحقا. و من هنا يصبح القضاء على هذه الأحياء جزءا من استراتيجية الأمن الوطني و الحرب الدولية على الإرهاب، التي يدرك المغاربة قبل غيرهم آثارها، بحكم جوارهم للجزائر التي أدت فيها المذابح الجهادية إلى مصرع 200 ألف مواطن و دمار اقتصادي يقدر بــ 30 مليار دولار، حسب الأرقام التي قدمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
انطلاق برنامج " مدن مغربية بلا أحياء صفيح " في يوليو 2004 لم يكن من باب الصدفة، حيث أنه أتى سنة بعد التفجيرات الإرهابية بالدار البيضاء التي تكون المتهمون بارتكابها في المدارس " الدينية " وانحدر معظمهم من أحياء الصفيح التي تضرب حزاماً مرعباً على العاصمة التجارية والاقتصادية للدولة، مما يعني أن البرنامج يمثل ركيزة هامة في تصور المسؤولين المغاربة لسحب البساط من تحت القوى الأصولية التي تستغل الدين للانقضاض على السلطة.
خصصت الحكومة المغربية للبرنامج مبلغاً سنوياً يقدر بـ 115 مليون دولار، مما ساعد على إزالة حوالي 25 ألف سكن غير لائق بنهاية 2005. كما اتخذت إجراءات لتشجيع البنوك على الإقراض لذوي الدخل المحدود بهدف شراء مساكن، حيث لا يتعدى سعر الفائدة 4.5% مقابل 6.5% على الإقراض للحصول على مساكن فاخرة، وأسست صندوقاً لضمان 70% من القروض التي تقدمها البنوك لهذه الشريحة من السكان، مما مكن قرابة مليون مواطن من الاستفادة من هذا البرنامج. كما استجاب الاستثمار الخاص بدوره للبرنامج حيث أقامت مجموعات مغربية شراكات مع مجموعات أجنبية من أهمها شركة "Real Capital ldquo; المسجلة في البحرين لبناء 22 ألف سكن شعبي.
لعل أهم الدروس من التجربة المغربية في مجال توسع أحياء الصفيح يتمثل في الأهمية القصوى لتحديد النسل الذي يفرض ضغطاً كبيراً على قطاع السكن، وضرورة العمل على توفير بيئة مشجعة للاستثمار و النمو الاقتصادي، مع العمل على إنشاء المؤسسات الملائمة لتوفير الأراضي المهيأة للبناء والتمويل العقاري المناسب، و فتح القطاع للمنافسة بين الشركات المحلية والأجنبية خصوصاً المتخصصة في البناء محدود التكاليف. كما يمثل البرنامج الحازم للقضاء على هذه الظاهرة نموذجا لما يمكن أن تقوم به الدول العربية الأخرى لتتخلص من أحد أهم التحديات التي تواجههم نتيجة قنبلة الانفجار السكاني القابلة للانفجار في أية لحظة.
باحث أكاديمي وخبير اقتصادي سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
Abuk1010@hotmail.com