كتَّاب إيلاف

أبو المعاطى يقع فى الحب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى (10)

خرج سعيد من عند الحاج عفيفى وهو" سعيد" بالمنصب الجديد فى الحزب "رئيس لجنة السياسات بفرع رشيد" وبالرغم من أن لا الحاج عفيفى و لا أى عضو فى الحزب يعرف تحديدا المقصود ب "رئيس لجنة السياسات" إلا أن سعيد يدرك أنه منصب فخم ويجب أن يكون جديرا بملئه.
وذهب على الفور إلى صاحبة العيون الجميلة والإبتسامة الأجمل "دولت" أحلى بنت رآها فى الحقيقة، حتى أنه يعتبرها أحلى من إخته سعاد، ولكنه لن يجرؤ على إخبار سعاد بهذا، ودخل عليها مكتبها:
- أهلا إستاذ سعيد
- إزيك يادولت، أنا باأنده لك بإسمك دولت على طول، وما تخليناش نعمل زى الأفلام وأقولك: ما فيش داعى لكلمة إستاذ سعيد دى، وبعدين إنتى تردى علىّ وتقولى:أمرك ياإستاذ سعيد.
- خلاص يا سعيد، لو تحب كمان أنا ممكن أقولك ياواد ياسعيد.
- أى حاجة تطلع من بقك بتبقى زى السكر.
- وإيه أخبارك ياسعيد.
- مش تباركى لى، مش بقيت رئيس لجنة السياسات بالحزب فى رشيد.
- ألف مبروك ياسعيد، إنت تستاهل كل خير، إبقى إفتكرنا ياعم.
- أنا ما أقدرش أنساك، ده أنا بأتبسط إنى بآجى الحزب بس علشان أشوفك.
(وإحمرت وجنتاها وأشرقت عيناها، مما أكسبها جمالا على جمال)
- أنا متأكدة ياسعيد إن الحزب فى رشيد إن شاء الله حيكون حاجة تانية على إيدك.

....
تحسنت أحوال سعيد بعد أن عاد إلى عمله، وعادت الكهرباء إلى منزلهم مرة أخرى بعد أن تمكنوا من سداد فواتير الكهرباء، وحكى سعيد لأمه عن منصبه الجديد فى الحزب، وبالرغم من أن أمه حتى لا تعرف أهمية الحزب ولا معناه لأنه لا يعنى بالنسبة لها ولأسرتها أى شئ إلا أنها تظاهرت بالإهتمام والفهم والحماس، ولكنها كانت سعيدة لسعادة إبنها، ولم يقص سعيد لأمه أى شئ عن (دولت) بعد، ربما لأن علاقته بدولت مازالت فى مرحلة ما يطلق عليه "إستلطاف" متبادل، ولكن شيئا ما بداخله جعله يشعر بأن هناك ماهو أكبر بكثير من مجرد "الإستلطاف" يلاحظه فى إشراقة عينيها كلما يدخل عليها مكتبه، يلاحظه فى نظراتها إليه (من تحت لتحت)، يلاحظه فى إزدياد ضربات قلبه كلما رآها، يلاحظه فى إهتمامه هو بنفسه وبمظهره أكثر كلما ذهب إلى الحزب، يحلق ذقنه ويكوى ملابسه القليلة ويمشط شعره على طريقة الممثلين والمطربين.
ولاحظ أيضا أنه أصبح يستمتع بأغانى الغرام أكثر من ذى قبل ولاحظ أن إستمتاعه بأغانى عبد الحليم حافظ القديمة زاد كثيرا وأصبح لها معنى حقيقى، حتى أغانى فيروز رغم أنه لا يفهم تماما اللهجة اللبنانية إلا أن صوتها وموسيقى أغانيها كان يبعث فيه الأمل والنشوة ويشعره بأن حياته رغم كل ما فيها من بؤس إلا أنها جميلة بكل المقاييس وجديرة بأن يحياها ويستمتع بها.
وأصبح مدمنا على مشاهدة أفلام الأبيض والأسود القديمة وكان يشتبك مع أخواته وأمه لأنه يحاول أن يفرض عليهن مشاهدة تلك الأفلام بينما هم يرغبون فى مشاهدة المسلسلات التليفزيونية المملة (فى نظره)، وكان دائما يسئ إستخدام سلطته "الذكورية" عليهن ويفرض رأيه، وكانت سعاد هو الوحيدة التى تبدو أنها تفهمة، وكانت تشاكسه من حين لآخر وتقول له:
- إيه حكايتك ياسى سعيد الأيام دى، شكلك كده فيه وراك حاجة، كل لما بتروح الحزب بتاعك ده بتخرج على سنجة عشرة ولا كأنك رايح "موعد غرام"، وكمان بقيت تحط كولونيا من قزازة كولونيا الشبراويشى بتاعتى!.
وهى صادقة هو على "موعد غرام"، وكان كلما يشاهد أفلام من عينة "صراع فى الوادى" يتخيل نفسه عمر الشريف وأن دولت هى فاتن حمامة، أو "فيلم يوم من عمرى" يتخيل نفسه عبد الحليم حافظ ويتخيل دولت فى دور زبيدة ثروت. وكان أحيانا يهتف فى أعماقه:"يعيش الحزب الحاكم، وتعيش دولت سكرتارية الحزب الحاكم"

...
وبمناسبة الهتافات طلبه الحاج عفيفى يوما إلى مكتبه وقال له:
- الريس جاى الإسكندرية الصيف الجاى، وفيه إحتمال يعمل مؤتمر محدود لأعضاء الحزب القياديين فى الإسكندرية وفى المحافظات القريبة من الإسكندرية.
- الريس مين ياحاج؟
- الريس مين؟! هو أنا عندنا كام ريس، الريس الكبير طبعا، وإحنا عاوزين فرع رشيد يظهر بأفضل مظهر فى خلال المؤتمر، وأنت بقى بصفتك رئيس لجنة السياسات عاوزينك تجهز لنا شوية هتافات من إللى على مزاجك علشان نستقبل بيها الريس فى المؤتمر.
- أيوه ياحاج عفيفى أنا رئيس لجنة السياسات، مش لجنة الهتافات!!
- ياسعيد ياإبنى أعضاء الحزب هنا... ما إنتش غريب... نصهم ساقط إبتدائية، ده حتى أنا بينى وبينك كل الميزة إللى عندى إنى بأعرف ألم وأجمع الناس فى أى مؤتمر أو مظاهرة أو إحتفال، إنما إنت البركة فيك إنت إللى دارس وبتقرأ فى السياسة والتاريخ وعارف كل حاجة، ومش عاوزك تقصر رقبتى قدام باقى المحافظات.
- أنا عينيه لك ياحاج عفيفى، بس أنا عمرى ما كنت يوم من الهتيفة.
- ياسيدى إنت مش هتهتف ولا حاجة، أنا عاوزك بس تألف لنا شوية هتافات نكسب بيها باقى المحافظات، وسيب تنظيم الهتافات علىّ أنا.
- هو إيه الحكاية ياحاج، هو المؤتمر ده معمول علشان يبقى مسابقة فى الهتافات ولا إيه، والله ياحاج مش عارف أقولك إيه.
- قول حاضر ياسعيد ما تكسفنيش بقى.
- خلاص حاضر ياحاج، حأحضر لك شوية هتافات بعد شهر كده.
- شهر كويس، علشان يكون عندى وقت أمرن عليها العيال الصيع والهتيفة بتوع الحزب.

...
وخرج سعيد من عند الحاج عفيفى وهو يفكر بشدة، حتى أنه نسى أن يمر على دولت للسلام عليها قبل إنصرافه، ولكن موضوع الهتافات شغله جدا وقال لنفسه، "أهو ده إللى أنا كنت خايف منه" ولكنه تذكر كلام صديقه عمر الحداد قبل دخوله الحزب بأنه لن يفعل أى شئ يخالف مبادئه.

....

إستمر سعيد فى التردد على الحزب، وفى أحدى الليالى، مر على دولت فى مكتبها، وقال لها:
- الله... إنتى لسه هنا، ده الوقت إتأخر قوى.
- آه فعلا.. ياه دى الساعة قربت من عشرة، أصل كان عندى شغل كثير النهاردة، بنبعث دعوات المؤتمر بتاع الإسكندرية.
- تحبى أوصلك للبيت علشان الوقت إتأخر.
- آه ياريت والله تمشى معايا لأن فيه عيال كثير بيضايقونى وخاصة لما بأكون راجعة بالليل لوحدى.
- ياسلام ده أنا يحصلى الشرف.
- ربنا يخليك لينا.

..
وخرجا سويا من المكتب، وأحس أنه يستطيع أن يمسك القمر والنجوم بيديه، وأوشك أن يمسك بيديها لولا عيون الناس "إللى تـندب فيها رصاصة"، وكان على حظه القمر بدرا ساطعا وسط السماء ويطغى على أنوار المدينة الباهتة، وتنعكس أشعة القمر على صفحة النيل من فرع رشيد، فتعطى للحياة والطبيعة جمالا لا يعادله سوى جمال دولت.
- شايفة القمر ياليلى.
(فضحكت وأظهرت "الصفين اللولى")
- أيوة بس أنا إسمى دولت.
- أحلى الأسامى، لكن حبكة الموقف تتطلب إنى أقول لك "شايفة القمر ياليلى"
- كتر خيرك ياسعيد دايما بتخلينى أضحك، حتى لو كنت مضايقة.
- معقولة واحدة بالحلاوة دى فيه حاجة تضايقها، الناس كلها ضرورى تعاملك زى البرنسيسة، كل أحلامك أوامر.
- الله يخليك لى ويخلى كلامك الحلو ده.
(وإنقضت المسافة بسرعة، إنقضت فترة الربع ساعة مشى وكأنها ثانية واحدة، وكأنهما كانا يسيران بسرعة الضوء).
- ياخبر ده إحنا وصلنا البيت بسرعة قوى، دى أسرع مرة وصلت بيتنا رغم إننا كنا بنتمشى على مهلنا قوى.
- الدقائق الجميلة بتمر دايما بلحظ البصر.
(ومدت يديها البضة تسلم عليه، وضغطت على يديه ضغطة ذات مغزى مع نظرة مصوبة مباشرة إلى قلبه باشعة الليزر، وبادلها ليزر بليزر).
- اشوفك بكرة إن شاء الله.
- مع السلامة.

...
وعاد إلى موقف التاكسى فى طريقه إلى قريته وأحس أنه يطير وينظر إلى كل شئ من فوق من أعالى قمم السحاب، وبدا كل شئ صغيرا وتافها، ضجة وقاذورات الشوارع أصبحت موسيقى وزهورا، رائحة مياه المجارى أصبحت وكأنها كولونيا الشبراويشى، وتجسد الحب أمامه ككائن حى يكاد يلمسه بيديه ويحضنه، وقال لنفسه أن هذا اليوم بالنسبه له هو يوم تاريخى مثل كل الأيام المهمة فى التاريخ الإنسانى الحديث مثل الثورة الفرنسية فى 14 يوليو، والإستقلال الأمريكى فى 4 يوليو، والثورة البلشفية فى 7 نوفمبر وعبور الجيش المصرى لقناة السويس فى 6 إكتوبر، سوف يدون التاريخ الإنسانى هذا اليوم ويطلق عليه "ثورة الحب"، بالرغم من أنه لم يلمس من دولت سوى يدها، إلا أنه يحس أنها لمست كل كيانه من الداخل والخارج. ويشعر أن طاقة القدر قد فتحت له يوم أن إنضم للحزب الحاكم لمجرد أنه قابل دولت هناك، وآمن بالفعل أن أمه "داعية له".

....
وأخذ يستمر فى حلمه الكبير، ولكن كيف يمكن تحويل حلم حبه الكبير إلى حقيقة، هل لا بد أن يتحول الحب إلى زواج، ولماذا لا نظل نحب، وهل حقا أن الزواج يقتل الحب، ولماذا لم تنته معظم قصص الحب العظيمة فى التاريخ بالزواج، هل بقائها مجرد قصص حب فقط هو ما أعطاها طابع الخلود، وهل لنا أن نتخيل إذا تزوجت جولييت بروميو ثم بدأت فى التكاثر، وايامها لم يكن هناك حبوب منع الحمل، لذلك فإنه على الأرجح فإن فتاة صغيرة مثل جولييت لم تتعد سن المراهقة بإمكانها أن تلد بسهولة ثمان أو تسع مرات الأمر الذى كان سيدفع روميو إما أن يعمل مثل "الحمار" لكى يؤكل مثل هذا الجيش الذى خلفته له جولييت، أو أن "يطفش" مع عشيقة أخرى من فيرونا إلى روما، هل يستطيع سعيد من خلال" ثورة الحب" أن يغير السمعة السيئة للزواج، وماهو الإكسير الذى يمكن أن يغذى الزواج حتى لا يفقد بريق الحب، وكيف يمكن منع مشاكل وروتين الحياة اليومية من إطلاق رصاصة الرحمة على الحب، لو أنه إستطاع القيام بهذا الإنجاز لإستحق أن ينال على هذا جائزة نوبل فى "كيمياء" الحب، لو قرروا عمل جائزة من هذا النوع.

... وبمناسبة الحديث عن الإنجازات لقد كاد أن ينسى إنجاز المهمة "الهتافية" التى أسندها له الحاج عفيفى لتأليف هتافات "أوريجنال خالص" لمؤتمر الحزب القادم بالإسكندرية.

...
ومكث ليلتان يعصر مخه فيهما ويسترجع تجاربه فى الشعر "الحلمنتيشى" عندما كان فى المرحلة الثانوية، وكتب بعض الهتافات، وذهب بها إلى الحاج عفيفى والذى أخذ يقرأ بعضا منها بصوت عال:

"الظلم حرام.. الظلم حرام.. "
"صحى النوم...صحى النوم.... لا عبودية بعد اليوم "

- إيه الهتافات دى ياسى سعيد، ظلم إيه وعبودية إيه تكونش فاكر نفسك محرر العبيد "إبراهيم لنكولن".

- إسمه أبراهام لنكولن ياحاج عفيفى.
- إبراهيم، أبراهام أهو كله واحد.
- لنكولن ده كان راجل عظيم ياحاج، ده حارب أهل بلده حرب أهلية علشان اصر على تحرير العبيد من عبوديتهم.
- يابنى ياحبيبى كلنا عبيد وكلنا أسياد، أنا عبد للى فوق منى وسيد للى تحت منى.
- أهو ده المنطق إللى جابنا ورا ياحاج، كلنا اسياد، كلنا عبيد لربنا بس.
- ونعم بالله، سيبك من الكلام إللى مش حيأكل عيش وإعمل لنا شوية هتافات تحية للريس، الراجل جاى عندنا ضيف، ياأخى خليك كريم شوية، ده إنت لما بيزورك واحد ضيف فى بيتك بتقوله، أهلا وسهلا: "إحنا زارنا النبى"، فما بالك بالريس، يعنى مثلا ممكن نقول:
"نورت ياريس ياحبيبنا... مين غيرك يقدر يسعدنا"
أو
"بص... شوف... ريسنا بيعمل إيه"
أو
"بالروح والدم نفديك يازعيم"

- طيب ياحاج عفيفى ما أنت كويس أهو فى تأليف الهتافات، بس ما فيش داعى لهتاف بص... شوف... علشان ده هتاف بتاع كورة وكمان قديم، إحنا عاوزين حاجة جديدة، وكمان مافيش داعى لهتاف بالروح والدم نفديك يا... لأنه كمان هتاف مستهلك وقديم وقد قيل لكل من هب ودب.
- يا سعيد يا إبنى إنت الوحيد إللى حتقدر تألف لنا هتافات كويسة، وبلاش وحياة أبوك هتافات إبراهيم لنكولن دى!!

....
وعاد سعيد مرة أخرى إلى أفكاره، كيف يوفق بين مبادئه وبين طلب الحاج عفيفى بتأليف الهتافات المرحبة بالرئيس، ومشكلته الرئيسية لم تكن مع الرئيس ولكن هو ضد مبدأ العبودية، المبادئ يجب أن تكون دائمة، والأشخاص يتغيرون طالت مدتهم أم قصرت فهم زائلون، الله سبحانه وتعالى هو المخلد لذلك فهو الجدير بأن نعبده، وفى نفس الوقت هل فى إستطاعته مواجهة الحاج عفيفى بشعبيته فى رشيد، وهو رجل طيب بمفهوم أنه يريد أن "يبقى الوضع على ما هو عليه" لأنه مستفيد من بقاء الوضع، سعيد مازال عود أخضر فى الحزب ويجب عليه أن يتعاون مع الحاج عفيفى ويستغل ثقته به فى تحقيق التغيير من الداخل كما وعده صديقه عمر، وإذا كان لا بد وأن يؤلف للريس هتافات من نوع "إحنا زارنا النبى" فلا مانع ومن الممكن أن يحدث تغيير نوعى فى الهتافات تتمشى مع محاولته لفرض التغيير الحقيقى.
وبعد أخذ وجذب مع الحاج عفيفى تم الإتفاق على الهتافات الآتية:
"شرفت ياريس يا معلم.. فرع رشيد عليك بيسلم"
"نورت ياريس ياحبيبنا... مين غيرك يقدر يسعدنا"
"يامحنى ديل العصفورة.. ورشيد هى المنصورة"
"تطرف إيه وإرهاب إيه.. إحنا شبابنا إسم الله عليه"
"لا فساد ولا إستغلال... كرامتنا عال العال"

samybehiri@aol.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف