كتَّاب إيلاف

الأحكام العادلة والضجيج المفتعل..

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يكاد يكون ثمة إجماع من أكثرية العراقيين بأن أحكام المحكمة الجنائية العراقية العليا جاءت إحقاقا للعدالة وانتصارا للشعب العراقي. هذه أحكام راعت مستلزمات المحاكمات القانونية وبنت حيثياتها على سلسلة جرائم النظام المنهار وقادته، وهي جرائم لا تحتاج لبينات جديدة ولا لبراهين وشهادات جديدة بل كانت معروفة وسجلاتها قائمة.
احتفال أكثرية العراقيين بهذا اليوم مفهوم وشرعي ولو حدث خلافه فالأمر يكون شاذا وغريبا. إن أوائل المرتاحين هم عائلات الضحايا وأرواحهم الطاهرة ودماؤهم التي سفكت بخسة وجبن وفي السر والعلن. هذا طبيعي وطبيعي تماما غضب وهياج أعوان صدام في العراق، وردود الفعل المتشنجة من العرب شارعا ونخبا مع استثناءات. وكما يكتب طارق الحميد في الشرق الأوسط اللندنية، فما "أن صدر الحكم على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بالإعدام شنقا حتى انطلق الضمير العربي "الغائب" يدافع وينافح، مرة بحجة عدم مشروعية المحاكمة، وأخرى بدعوى أن المحاكمة في الأصل مسرحية، وما هي إلا موقف سياسي. وسمعنا رأيا آخر يقول "دعوه يقضي بقية عمره في السجن واتركوا التاريخ يحاكمه". كما بتنا نسمع مصطلحات قانونية وكم عانت الكثير من مناطقنا من غياب هذا القانون، مثل ما هو "شرعي" وما هو "غير شرعي.".. " [ الشرق الأوسط عدد 7 نوفمبر الجاري].

هذه حملات تشويش جديدة يشنها معظم المعلقين والمثقفين العرب، وشارعهم الذي غسلوا دماغه وضللوه طويلا. كما أن ردود الفعل هذه تعكس بصورة غير مباشرة عن هلع الحكام المستبدين عندنا، إذ سيكون قرار المحكمة العراقية درسا بليغا لجميع الحكام المستبدين والشموليين في العالم، برغم علمنا بأن الطاغية أينما كان لا يتعلم من تجارب غيره!

لقد كتبنا قبل الحرب بشهور مقالا عنوانه "لقاء الأضداد" قاصدين تلك الحملات الغوغائية الصاخبة قبل الحرب ضد إسقاط صدام والتي جمعت عمليا بين الإسلاميين والقوميين المتطرفين العرب وبين فرق اليسار الغربي ومعها أقصى اليمين الغربي سواء في فرنسا أو النمسا وغيرهما. اليوم أيضا تلتقي الأضداد في التنديد بالأحكام، ويضيف الغربيون أسطوانة أن الأحكام الصادرة هي لصالح الحملة الانتخابية للرئيس بوش. وهكذا ومرة أخرى يكشف اليسار وأقصى اليمين الغربيان عن اتخاذ مواقفهما السياسية من منطلق هوس العداء لأمريكا ولو كان في هذه المواقف تجاهل صارخ لمعاناة الشعوب ولمتطلبات العدالة.

نفهم موقف الاتحاد الأوروبي أو البابا لأنهم أصلا ضد أحكام الإعدام ضد كائن من كان. أما مواقف اليسار ولا سيما أقصاه في الغرب ووسائل الإعلام التي يسطر على عدد غير قليل منها فإنها قد لا تهاج لأحكام إعدام في أماكن أخرى حين لا تكون أمريكا طرفا في أحداثها، مثلما نجدها مائعة تجاه البرامج النووية لكل من إيران وكوريا الشمالية.
لقد كنا نتمنى أن لا تشوب فرحة العراقيين اليوم مشاعر إحباط ومرارة بسبب تردي الأوضاع العامة وتدهورها المستمر بسبب فقدان الأمن وانطلاق الوحوش للفتك بالمواطنات والمواطنين، في وقت يعانون فيه مآسي أخرى جراء غياب الخدمات العامة وخصوصا الكهرباء وقد دخلنا فصل الشتاء. وإذا كانت الأحكام نقطة ضوء ساطعة في السجل العراقي الحديث، فإننا لا نجد مع الأسف ما يدل على إمكانية خروج العراق من مأزقه في يوم قريب أو على المدى المتوسط.
ومهما يكن، فليبتهج العراقيون بهذا اليوم التاريخي برغم مشاعر الإحباط أمام الوضع العام. إن هذه الأحكام، وإضافة لما مر، ضربة كبرى للفكر الشمولي، والتمييز العرقي، والديني، والمذهبي في منطقتنا كلها.
أخيرا نكرر مع الأستاذ الحميد:
" في إعدام صدام رسالة ووعيد شديد لطغاة ما يزال بعضهم برفل بسلام على الرغم من أن أيديهم ملطخة بدماء الأبرياء، وشعوبهم ما تزال تئن تحت وطأة الظلم والقمع. وإعدامه رسالة لكل هؤلاء مفادها [بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين]. "

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف