العراق الذي يحترق..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ماكنة الموت تشتغل في العراق وفي بغداد ذاتها ليل نهار، ورحى حروب متداخلة تدور وتدور. إنها حرب الإرهاب على الشعب برأسين بعثي صدامي وقاعدي تكفيري. حرب القاعدة المسنودة عربيا، والتي جيَّشوا لها آلافا من العرب من كل الجنسيات، هي حرب عدوان خارجي حيث لا علاقة لهؤلاء المجرمين بالعراق. الحرب البعثية الصدامية المستهدفة عودة النظام المنهار يمكن اعتبارها حربا أهلية تدور بين القوى التي ساهمت في النضال ضد ذلك النظام وبين القوى المسلحة والممولة جيدا من أعوان صدام. كما أن حرب الإرهاب هذه قد تحولت لطرف رئيسي في حرب طائفية شريرة طرفها الآخر المليشيات الحزبية، التي لا يمكن ضرب الإرهاب بقوة ما لم تحل بلا إبطاء ولا مناورات. أما القول بأن هناك مليشيات خاصة تابعة للوزارات ووضعها على قدم المساواة مع مليشيات الصدر وبدر والفضيلة وحزب الله العراقي وغيرها، فإنه محض مغالطة ما دامت المليشيات الخاصة تحت تصرف الوزارات ومهمتها الوحيدة حراسة المسؤولين، فهي غير مسلحة لا بمدافع هاون ولا صواريخ لا تمتلكها غير القوات الحكومية التي يشترك قسم كبير منها في فرق الموت وتأجيج دوامة الموت والطائفية المقيتة.
أجل، إن العراق يحترق، ولا ينفع المسؤولين من مختلف الاتجاهات برقعة هذه الحقيقة بالحديث عن انتخابات لم تجر على أسس سياسية بل مذهبية وعرقية، ولا بالحديث عن دستور أقر يخضع القوانين لحكم الشريعة. وبالمناسبة فإن حكم الشريعة لا يعني "احترام الإسلام" كما يصرح مسؤولون كبار وإنما يعني الأخذ بنموذج الحكم الإسلامي لا غير. العراق الحديث لم يكن يوما لا يحترم الإسلام لكونه لم ينص في دساتيره المتعاقبة على خضوع القوانين وكل تشريع لحكم الشريعة؛ والمحاكم الشرعية من المذهبين كانت قائمة رغم صدور القانون المدني المتقدم للأحوال الشخصية زمن الفقيد عبد الكريم قاسم، وإن كاتب هذا المقال نفسه مثلا قد تزوج وطلق أمام نفس المحكمة الشرعية الجعفرية.
مؤلم جدا كون الحالة العراقية لم تعد تطاق، ولسنا هنا بصدد ذكر أو تحليل كل الأسباب وأطراف المسؤولية، حيث تم نشر عشرات المقالات بهذا الشأن، وبدأ بالأخطاء الأمريكية الفادحة منذ اليوم الأول للتحرير بترك الفوضى والنهب والانتهاكات تقترف بلا عقاب، وغير ذلك من أخطاء لاحقة كتبنا عنها مرارا. أما شعبنا، الذي خرب نظام صدام تكوينه الثقافي ونسيجه الاجتماعي بنشر الطائفية ونزعات العنف، فإن أخطاء قياداته السياسية والدينية هي التي زادت خرابا على خراب منذ الدعوات المستعجلة لإجراء الانتخابات عام 2003، وثم التحريض ضد قانون الإدارة أي الدستور المؤقت، الذي كان أفضل عشرات المرات من الدستور الدائم المريض.
ما العمل؟ في رأينا، وهو ما كررناه مرارا، تشكيل حكومة طوارئ وطنية مستقلة ومؤقتة تكون مهمتها الأولى والمركزية حفظ الأمن وضرب الإرهاب وحل المليشيات ولو بالقوة كما دعا منذ شهور قلائل العشرات والعشرات من المثقفين العراقيين في مذكرة لهم للمسئولين والتي تم نشرها في حينه. أما خطوات الديمقراطية فيجب تأجيلها كما اقترح الدكتور عبد الخالق حسين وإعطاء إجازة طويلة للمجلس النيابي الموقر. إن مستقبلاً حقيقيا للديمقراطية في العراق يمر عبر تأجيلها مؤقتا، ولحين استتباب الأمن، وتصفية الإرهاب والحروب المتداخلة وشبكات الجريمة المنظمة، وتقوية القوات العراقية المسلحة مع تطهيرها من المندسين والمشاركين في فرق الموت.
طبعا هذه أمنيات يمليها الحرص والتجرد السياسي، عارفين في الوقت نفسه أن الأحزاب الحاكمة تقاومها بكل قوة وتعتبرها "مؤامرة شيطانية"!
هكذا سيستمر حريق العراق لأمد مجهول!