بين هيئتين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يبدو سوق الأسهم المحلّي وكأنّه لُغز يستعصي على الإحاطة والإدراك، في ذات الوقت الذي يظهر فيه وكأنّه تجارة سهلة التّعاطي والإمساك!
أقبل النّاس عليه، ووضعوا "تحويشة" العمر في مؤشّراته وحركاته، وتأمّلوا ثمّ تأمّلوا، وأطالوا فيه التّأمّل.. فإذا المحصّلة مزيد من الاستغلاق والحيرة، ومزيج الدّموع والابتسامات العابرات!
هرب القوم من نصب "سوا"، ونيران "المساهمات الوهميّة"، وحريق "المُخطّطات" التي ليلها أطول من ليل العاشقين.. نعم، هربوا من كلّ هذا الجحيم المُحرق، والشّرّ المُحدق، رغبة في أمل جديد، واستثمار فريد، وربح مديد. فما كان أمامهم إلا هذا السّوق البرّاق، صاحب الرّبح المغداق أو الخُسران الحرّاق، فصبّوا فيه "زينة الحياة الدُّنيا"، كما هو وصف القرآن الكريم، ولنقل "وسخ الدُّنيا"، كما هي مفردة أصحاب المثاليات العُليا، والورع الكاذب.
بعد كلّ هذا ماذا جنوا؟
لقد جنوا التّذبذب المجنون، بعد أن كانوا يحلمون بالخير الميمون!
لقد حصدوا الخسائر رديفة المخاطر، بعد أن قيل لهم: (اتركوا "المساهمات الوهميّة" وعمليات "سوا" الموسميّة)!!
حسناً.. وفق ما هو حاصل.. ما المطلوب؟!
يقول بعضهم: يجب أن تتدخّل الدّولة! والغريب أنّ القائلين بهذا الطّلب هم مَن كانوا يرفضون "الاقتصاد الرّعوي"، أي أن تتدخّل الدّولة في كلّ شيء، بل هم مِن أصحاب
الفكرة القائلة بأنّ "الدّولة أسوأ تاجر"!!
وينادي البعض بتوعية المستثمرين، وتعليمهم متى يقبلون وأيّان يُدبرون، وتحيّن أثمن أوقات العرض، وتحرّي أحظى مواقيت الطّلب! فإن غمّ عليهم هرعوا إلى أقرب مركز استشاري لاستثمار الأسهم!
وآخرون استدعوا الذّاكرة واستدركوا أن الشّيخ عبدالله بن منيع سأل الله في ملحق الرّسالة قبل أربعة أشهر أن يقضي على سوق الأسهم، فظنّوا أن دعوة الشّيخ أستجيبت، فاقترحوا العودة إلى الشّيخ كرّة أخرى طلباً لدعوة منه تُعيد العافية إلى السّوق وتجعل له من بعض ضعف قوّة و"منعة".
ولم يغب البُعد الميتافيزيقي عن المشهد، فبثبوت جنون السوق دخلت الرّقية الشرعيّة بوصفها حلاً ناجعاً ودواء شافياً اقترحه البعض، آملين في الاستعانة بالضّالعين في هذا المجال لينفخوا وينفثوا مثنى وثلاث ورباع علّ هذا الجنون يذوب وينطوي وتدبّ العافية في الأسهم!ّ
وبعضهم ظلّ ينادي بتدخّل الهيئة بصورة قويّة للمراقبة وإحباط ما يدور في السّوق، وما يُدبّر فيه بليلٍ لم تكفّ بعض نجومه "الزّواهر" عن التّخطيط "الأسود"، والتّدبير "المدمّر"! وأعني بالهيئة هنا هيئة سوق المال، خاصّة وأنّ اسم الهيئة مرتبط في أذهان النّاس بجهاز مراقبة شديد ومخلص ومتمكّن - وأعني به جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر -، لذا يطرح البعض فكرة أن يقتدي منسوبو هيئة سوق المال بهيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وكلاهما جهازين حكوميين، فماذا يضير الهيئة لو فتّشت عن الذين "سيّلوا محافظهم" فأصبحت وكأنّها "حفائظ" كثيرة البلل، لأنها فقدت خاصيّة منع التّسرّب!!
ماذا يمنع الهيئة لو فضحت المُتلاعبين، وألقت القبض عليهم - كما يفعل جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر -، وما المانع أن نرى منسوبي هيئة سوق المال ممتطين "جموسهم" الرّقابيّة، جائلين في مفاصل المؤشّر، "باحثين" عن أيّ مستثمر "يرمي رقمه"، - عفواً أقصد يسيّّل محفظته - بقصد الإضرار بالنّاس! أو يؤذي فتاة محصنة شريفة وما الفتاة هنا إلا تلك الشّركة ذات المكررات الرّبحيّة العالية وما ذنبها إلا أنّها رزقت بهوامير يدمّرون مكرراتها وشموخها فأصبحت كخضراء الدّمن، شركة ناجحة يحيط بها الفاسدون من جهاتها الأربع!
ما المانع من كلّ ذلك؟! أليست أموال النّاس أشياء يجب المحافظة عليها أسوة بنفوسهم وأرواحهم وأعراضهم!
إنّ تدخّلاً عاجلاً يجب أن يُتّخذ للحفاظ على نزيف الأسهم الذي يحدث الآن، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصّة وأنّ الفساد المالي والخسارة التّجاريّة هي أكبر البوابات التي يدخل منها "الفساد الخُلقي"، وتابعه الفساد الإداري.. والله الهادي إلى سواء السّبيل. (تنشر بالتزامن مع "المدينة" السعودية)