كتَّاب إيلاف

سناء أبو المعاطى تخلع النقاب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى (12)

فكر سعيد فى تحديات الحياة أمامه: دولت حبه الأول وكيف يستطيع أن يلتقى بها بعيدا عن الحزب وبعيدا عن رشيد وبعيدا عن الدنيا كلها، "حضرة" العمدة ورغبته فى إقتناء سعاد "نوارة القرية" ويدفع فيها عشرة فدادين، أمه المكافحة والتى يريد أن يرفع من مستوى معيشتها حيث تعيش تحت خط "البهائم" وليس تحت خط الفقر، وكثيرا ما كان يسخر من المقولة:"ما فيش حد بينام من غير عشاء" وكأن هدف الإنسان فى الحياة أن ينام "بالعشاء" وفى هذا مساواة الإنسان بالبهائم، فالبهائم فى قريتهم تنام بعد تناول طعام العشاء، وفضلا عن هذا فتلك المقولة أيضا غير حقيقية فقد مرت على أمه وأسرته ليال كثيرة ناموا فيها "من غير عشاء" !، وماذا عن صراعه مع نفسه ومع الحاج عفيفى فى الحزب ؟ وأين ذهبت أحلامه فى "التغيير من الداخل" ؟ هل يتحول إلى مجرد "هتيف" يتم شراؤه بشقة تمليك ؟ وما المانع فى أن يحصل على شقة تمليك مثله مثل آلالآف الشباب ؟ سوف يدفع ثمنها بالتقسيط، لم يسرق شيئا من أحد، لن يأخذها بدون مقابل، وأين سوف يعيش مع دولت؟ من ابسط حاجات الإنسان البسيطة أن يتزوج ويجد سقفا فوق رأسه يحميه، ثم بعد هذا لا يهم حتى لو "نام من غير عشاء" المهم أن يكون مع دولت، وماذا عن أخته سناء المنسية فى باكستان أو أفغانستان (الله أعلم)، ياترى ماذا حدث لها، لقد إنقطعت أخبارها عنهم منذ فترة...
....
فى ليلة باردة من ليالى الشتاء على حدود أفغانستان رجع إبن حلزة إلى الحجرة التى تأويه مع سناء أبو المعاطى، وكانت سناء بين النوم واليقظة كلما نامت إستيقظت على هذا البرد القارص والذى ينفذ من خلال الأغطية الفقيرة والملابس الأفقر حتى العظام والنخاع، وكانت تنام "مقرفصة" نفسها وكأنها تود أن تعود إلى دفء رحم أمها، ركلها إبن حلزة بقدمه وهو يقول:
- قومى ياولية حضرى لى العشا.
- بطل الطريقة بتاعتك دى، ما فيش عشا، مافيش غير شوية عيش مكسر وحتة جبنة عندك فى ركن الأودة (وعادت تحاول أن تنام)
سمعت صوت إبن حلزة وهو يحاول أن يكسر لقيمات الخبز الناشف، وسمعته يقول:
- إنتى صليت العشاء قبل ما تنامى.
- الحمد لله (وكانت تكذب عليه، فهى لم تصل أى فرض طوال اليوم، كان كل همها أن تحاول أن تتعامل مع البرد القارص).
وسمعته وهو ينهى صلاة العشاء بسرعة، ثم رفع أغطية الفراش، وحاول أن يلتصق بها، وفى الماضى كانت ترحب بإلتصاقه بها طلبا للدفء، وما أحوجها إلى دفئه فى ليلة مثل هذه، ولكنها لم تعد تطيقه، ولم تعد تطيق الطريقة التى يعاملها بها، وأخذت تتملص منه، وحاول أن يضمها إليه بالقوة، فدفعته بشدة، وكانت تماثله فى القوة، وأخذ يحاول أن يضع يدة الخشنة والباردة تحت ملابسها الداخلية، فدفعت يده خارج ملابسها بقوة فحاول مرة أخرى، فدفعته بكوها فى بطنه قائلة:
- سيبنى فى حالى أنا تعبانة، ما ليش نفس أعمل أى حاجة.
- هو بمزاجك، أنا ممكن أطائك فى أى وقت أنا عاوز (الشرع بيقول كده)
فقامت من الفراش ووضح فى عينيها التحفز للقتال:
- تكونش فاكرنى جاموسة ما لهاش أى إحساس.
- إنت حصلتى تكونى جاموسة، فى بلدنا الجاموسة إللى ما بتخلفش تستاهل دبحها.
(وكان يعايرها دائما بأنها لم تحبل حتى الآن، وكان يتهمها بأنها عاقر، حتى بدون أن يكلف خاطره ويكشف على نفسه عند دكتور لمعرفة من العاقر حقيقة هى أم هو)، وعندما سمعت تعليقه طاش صوابها وقالت له:
- أنا جاموسة، ياإبن الجاموسة ياصايع.
فلطمها لطمة قوية على وجهها، سال الدم على أثرها من فمها، وتحسست خدها وفمها ولم تشعر إلا وهى تمسك بغطاء الحلة النحاسية وتضربه بكل قوتها على رأسه وهى تصرخ، فسقط إبن حلزة مغشيا عليه، ولم تشعر بنفسها وهى تركله بقدميها، وهى تبكى وتقول:
- كل ليلة تيجى تصحينى برجلك وكل همك إنك عاوز تركب علىّ زى البهيمة يا إبن الكلب..
(وإستمرت فى ركله بقدميها وهى تصرخ وتبكى، وفجأة تيقنت أنه لا يتحرك، ومن خلال الضوء الخافت لمصباح الكيروسين رأت الدماء تنزل بغزارة من رأسه بعد أن شجتها بغطاء الحلة، وإحتارت ماذا تفعل، وأسرعت وأحضرت قليلا من البن، ووضعته مكان الجرح وضغت عليه بشدة إلى أن توقف الدم، ثم ربطت رأسه بقطعة قماش إقتطعتها من ذيل ثوبها، ثم تحسست صدره وحمدت الله على أنها لم تقتله وأنه ما زال على قيد الحياة، وكان لديها بصل فى صندوق بالغرفة فكسرت بصلة وقربتها من أنفه وبدأ يتحرك ويفيق من إغمائته، وكان كل همها أن تبقيه حيا، وإن كانت تتمنى موته من صميم قلبها، وبعد أن شم الرائحة النفاذة للبصل بدأ يفتح عينيه وهو يقول:
- إيه إللى حصل (ثم أخذ يتحسس رأسه ورأى آثار الدم على ملابسه الداخلية والتى كان ينام فيها)
- كنتى عاوزة تموتينى يا بنت ال...
فردت عليه وهى تمسك مرة أخرى بغطاء الحلة :
- بأقولك إيه يا إبن حلزة، علىّ النعمة لو ماإتلمتش وإتعدلت فى كلامك معايا لأموتك بصحيح وإدفنك الليلة دى فى الخرابة إللى إحنا عايشين فيها دى.
- إنت ما لكيش عيشة معايا بعد النهاردة، أنا كنت غلطان إنى إتجوزت واحدة زيك.
- وأنا غلطانة أكثر منك وإتجوزتك ضد رغبة أهلى، ضحكت علىّ بالدقن والزبيبة والسبحة، وأنا إللى كنت فاكراك تعرف ربنا بصحيح، لكن ربنا منكم برئ وحتشوف يوم يا إبن حلزة، يا إبن.... هى أمك كان أسمها إيه ؟!
- أنا حأرميك فى الشارع رمية الكلاب.
- عيشة كلاب السكك أحسن من العيشة معاك.
- روحى وأنتى طالق بالثلاثة.
وفوجئت سناء بأنه يرمى عليها يمين الطلاق بالثلاثة ورغم ذلك، أطلقت زغرودة، لم تطلق مثلها يوم زواجها، وقالت له (وهى لا تزال تهدده وممسكة بغطاء الحلة):
- روح إتفضل شوف لك نومة فى مكان تانى لغاية الصبح.
- أنا ماشى ومين عاوز يقعد ويصطبح على الخلقة دى.
- خلقة ربنا يا بتاع ربنا!!، يلا إتفضل بقى من غير مطرود.
وخرج إبن حلزة من الغرفة وهو يترنح من أثر الإغماء والضربة والنزيف والتلاحق السريع للأحداث.
وفى الصباح الباكر أخذت سناء (بقجة) هدومها ومبلغ من المال كانت تخفيه عن إبن حلزة، وسألت أولاد الحلال عن كيفية السفر إلى مصر، وكانت لديها سوارين من الذهب شبكة زواجها، باعتهما وإشترت بثمنهما بالإضافة إلى ما كان لديها من مال تذكرة طائرة إلى مصر، وكانت أسعد لحظة فى حياتها عندما حطت الطائرة بها فى مطارالقاهرة.
....
وعادت سناء ليلا إلى قريتها، وبرغم الإرهاق والإعياء من الرحلة الطويلة والتى إستغرقت أكثر من يومين، إلا أنها كانت سعيدة لعودتها إلى قواعدها سالمة، بعد أن فشلت فى عمل قواعد لها جديدة مع إبن حلزة، وكانت أيضا فى غاية السعادة لتخلصها من إبن حلزة والذى بدا مثل "اللزقة الأمريكانى" لا يمكن نزعها إلا بصعوبة، وطرقت على الباب، وفتحت أمها وشهقت من هول المفاجأة وصرخت:
- سناء... بنتى حبيبتى.
وتجمع أفراد الأسرة حولها يحضنونها ويمطرونها بالقبلات، وسلوى الصغيرة، تتعلق بها وحملتها سناء لكى تقبلها وتحضنها، حتى سعيد أعطاها حضنا قويا، وقال لها :
- إيه المفاجأة الحلوة دى يابت ياسناء، والحمد لله إنتى خلعتى النقاب، تصدقى إن أنا ما عرفتكيش من غير النقاب !!
فلكزته لكزة خفيفة قائلة :
- والنبى واحشنى ياسعيد وواحشانى خفة دمك ورزالتك، ينقطع النقاب وتغور أيامه.
- وإيه رأى إبن حلزة فى الموضوع ده ؟
- يغور إبن حلزة فى ستين داهية.
- إيه خير إللى حصل ؟
- طلقنى إبن ال...، لكن الحمد لله إنى خلصت منه ومن قرفه.
- إبن حلزة الخايبان ده يعرف يطلق ؟
وحكت لهم حكايتها "من طقق.. لسلامو عليكو"، وعلق سعيد:
- بقى ضربتى سعيد بغطاء الحلة وكمان حلة نحاس ياسناء ده إنتى مفترية، ليه ما كانش عندكو قبايب خشب فى باكستان ولا أفغانستان بتاعتكو دى !!
- إسكت ياسعيد والله ده الموت فيه كان حلال، لكن الحمد لله إللى جت لغاية كده، ده أنا ما كنتش مصدقة يوم ما سبت الخرابة إللى كنت عايشة فيها معاه دى.
- يعنى إيه رأيك الخرابة بتاعتنا دى أحسن !!
- خرابتنا جنة بالنسبة للخرابة بتاعتهم.
- وإبن حلزة هو إللى خلاك تخلعى النقاب.
- لأ أنا خلعته بعد ما سبته على طول، النقاب ده بينى وبينكو كان كاتم على نفسى وعلى مخى كان صحيح مدارى وحاشة وشى، لكن الحمد لله دلوقت شايفة الدنيا بشكل جديد زى زمان.
- تعرفى يابت ياسناء أنا كل إللى كنت خايف منه إنكو تخلفوا واد وتسموه "حلزة" وأكون أنا خال حلزة !
سكتت سناء ولم تعلق ودارت حزنها، وغيرت الموضوع :
- إيه مالك يا أمة ساكتة ليه ؟ خير ؟
- خير يابنتى حمد لله على سلامتك، كان نفسى ترجعى ومعاك الراجل بتاعك.
- ده راجل ده، أهو ده بقى ظل حيطة ولا ظل راجل من العينة دى.
...
وقرر سعيد أن يفجر المفاجأة الكبرى:
- حيث إن إختنا سعاد جابت مجموع كبير فى الثانوية العامة وتقدر تدخل جامعة الإسكنرية إن شاء الله، فأنا عندى لها أكبر هدية بمناسبة النجاح.
فتحمست سعاد وقفزت من الفرح وهى تقول :
- إيه الهدية وفين هى ؟
- الهدية موجودة، بس الكلام إللى حأقوله ما يطلعش برة البيت ده.
- قول بقى ياسعيد ما تبقاش بايخ.
- الهدية ياستى.. أنا عندى عريس ليكى.
ففوجئت الأم والجميع :
- عريس بجد، مين ده ياسعيد يا إبنى ؟
- حزروا فزروا ؟
(وكانت سعاد غير مقتنعة بأى عريس من أهل البلد، وتنظر إلى أعلى، تأمل فى عريس من الإسكندرية يستاهل جمالها )
- إوعى يكون حد من أهل البلد؟
- هو فعلا من أهل البلد.
- الله يخرب عقلك ياسعيد ما إنت عارف إنى مش حاأتجوز أى حد من أهل البلد.
- لأ ده مش أى حد... ده حضرة جناب العمدة نفسه !
تشهق سعاد من المفاجأة:
- يانهار أسود ده فى سن جدى !!
وتعلق أمها : بجد يا سعيد الكلام ده؟
- جد ونص كمان، طلب إيدها منى من جمعتين ....
(وحكى لهن عن مقابلته التاريخية مع العمدة)
- ودلوقت بقى أنا مفروض أرد عليه، وبما أنى أنا أبو المعاطى الديموقراطى ن فأنا حآخد أصوات الأسرة فى الموضوع ده.
ترد سعاد بعصبية :
- ديموقراطى إيه وأصوات إيه ياسى سعيد، إنت مش عارف تعمل ديموقراطية فى الحزب بتاعك جاى تتشطر علىّ أنا، الموضوع ده يخصنى أنا بس ما يخصش أى حد تانى.
- طيب معلهش... إنت بالذات حيكون لك حق الفيتو لو ما وافقتيش على القرار، بس عاوز أفكركم بالمميزات التالية : أولا : سعاد حتبقى مراة حضرة العمدة، وده خيخلينا فى مكانة تانية خالص، وثانيا: العمدة حيطنش عن الخمستلاف جنية السلفة، وثالثا: حيدفع مهر عشر فدادين، ورابعا: حيسفر أمنا الحجاز وتبقى الحاجة أم سعيد، أما العيوب : أولا: هو مش متعلم كويس زى سعاد، ثانيا: الفارق الكبير فى السن وعنده أولاد وأحفاد، ثالثا: كل الناس وكل أهل البلد حيقولوا إننا قبلنا طمعا فى فلوس ومنصب العمدة، آدى المميزات والعيوب، ونبدأ التصويت بسناء بصفتها لسة راجعة من السفر:
سناء: دى بصراحة مفاجأة كبيرة، لكن بعد تجربة الجواز بتاعتى أقولك ياسعاد أوعى تتجوزى أى حد لمجرد الجواز، حتى لو كان حضرة العمدة نفسه.
سعدية: وماله ياخويا لما سعاد تتجوز حضرة العمدة، إيه رايك ياسعيد تقول له يتجوزنى أنا لو سعاد ما وافقتش؟
(سعيد يخاطب سلوى الصغيرة: بالرغم من إنك لسة ما وصلتيش سن الإنتخاب إلا أننا حناخد رأيك ياست سلوى، إيه رايك ياحلوة؟)
سلوى: إوعى تتجوزيه ياسعاد ده راجل عجوز و وحش ولو إتجوزتيه حتجيبوا عيال وحشين زيه!
الأم: والله أنا رأيى يابنتى إن الراجل طيب ومستور وسمعته حلوة، و:"الراجل ما يعيبه إلا جيبه".
سعيد: لغاية دلوقت التصويت إتنين موافقة أمى وسعدية، وإتنين معارضة : سلوى وسناء، إيه رأيك إنتى بقى ياعروسة.
سعاد : عروسة فى عينك... عرسة لما تدخل فى عبك، أنا طبعا مش موافقة، وإنت رأيك إيه ياسى سعيد، ولا إنت عامل لنا فيها ريس "صاحب القرار".
- لأ ياست سعاد، أنا كمان مش موافق، وأنتى صدقتى يابت يا هبلة أنى أبيعك للعمدة بعشر فدادين، هو لو كان عرض علىّ تلاتين فدان كنت وافقت على طول!!، وعلى هذا فيصبح التصويت أربعة ضد إتنين، والقرار هو رفض جواز العمدة من سعاد.
سعاد تهتف وتحضن سعيد:
- يحيا العدل، تحيا الديموقراطية، يعيش سعيد رئيس لجنة السياسات!!
....
تم إتخاذ القرار التاريخى، والمشكلة فى التنفيذ.

samybehiri@aol.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف