حول الانتفاضة الجنسية في مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
شهد أول أيام عيد الفطر المبارك في مصر أحداثاً سلوكية غريبة. إذ أصيبت مجموعات من الشبان في القاهرة بنوبة من "السعار الجنسي" او ثورة جنسية كما وصفها الكاتبان اشرف عبد القادر و نبيل شرف الدين في مجلة ايلاف. فقد أخذ ت هذه الحشود تهجم على أي سيدة أو فتاة تسير في الشارع، سواء كانت محجبة أو غير محجبة، منقبة أو كاشفة لوجهها، صغيرة أو كبيرة، ويتحرشون بها ويلمسون جسدها بطريقة استفزازية إلى أبعد حد، ووصل الأمر إلى خلع الملابس ومحاولات اغتصاب علنية. وأن الأمر لم يتوقف عند حدود واقعة وحيدة، بل تكرر على مدى يومين على الأقل، بنفس المجموعات الشبابية الرعناء التي لا يدري المرء إن كانت قد تشكلت عفوياً، أو أن هناك من هيأ لها الأمر، تمضي كالقطعان وسط القاهرة، وتهتف بعبارات قبيحة، وتتحرش بالإناث بوقاحة منقطعة النظير وسط سلبية رسمية وشعبية كأن شيئاً لم يقع. و قبل هذه الأحداث كان الشارع العربي يعيش صدمة قضية الاختطاف والاغتصاب الجماعي لفتاة القطيف، في المملكة السعودية التي تطبق الشريعة و تحترم تعاليمها، بعد أن عان العديد من صدمات قصة برجس وفتيات حي النهضة في هذا البلد. ولا بد من أن نذكر بالقضايا الجنسية والأخلاقية العجيبة التي تعج بها جرائدنا اليومية من المحيط إلى الخليج. إذ تتجاور صفحات صدى المحاكم مع الصفحات الدينية والوعظ الإسلامي. ومن المشروع أن نتساءل عن أسباب وعن علل هذه الظواهر التي أصبحت متفشية عندنا عنف وعدوانية اغتصاب نساء و اغتصاب رجال واعتداءات جنسية ضد الأطفال نحر وانتحار الخ.
وإذا كان التفسير العلمي الحديث يعتمد على السببية المتعددة العوامل أي أن كل ظاهرة هي مركبة ومعقدة ولها أسباب متعددة اقتصادية وسياسية ونفسية بالأساس فان الكبت الجنسي يلعب بلا شك دورا هاما في انتشار هذه الظواهر المرضية.
ويبدو أن تفاقم مظاهر التدين الشكلية من انتشار الحجاب و النقاب و تعميم الاستماع إلى القران الكريم في المحلات التجارية و سيارات الأجرة و الفوضى الجنسية المتفشية أصبحا اليوم نقيضان متلازمان و قطبان لوضع اجتماعي واحد يميزان المجتمعات العربية الإسلامية المتصدعة وأخلاقها المنافقة حتى التقزز.
لا بد لنا أن نقر أن مجتمعاتنا العربية الإسلامية تصنع من خلال لعبة القمع و المحظورات من كل الأنواع وأساليب الاستغلال والسيطرة المختلفة الكبت بأنواعه كما أنها لا تكف عن إنتاج الكدر الإنساني و رعايته و لا سيما هذا البؤس الجنسي الذي نشاهد تجلياته من خلال عودة المكبوت الانفعالي في شكل تدفقات عدوانية أو هوس ديني. هذا الهوس الديني الذي يمجد الألم و الخنوع و يحقر اللذة ومباهج الحياة ويعظم التضحية وغريزة الموت.
فلا شك أن قمع الجسد و التفنن في آليات تجريمه وتأثيم أفعاله و رغباته من خلال فتاوى رفض الفن الموسيقى و السينما و الاختلاط و التبرج و العطور الخ ينتج نماذج منحرفة و غير سوية فاحتقان الرغبة و البؤس الجنسي يلتقيان مع قمع الفكر وهدر الطاقات والكل يؤسس للتسلط و الهيمنة و الرقابة على الأرواح و الأجساد والأفكار. والأرضية التي تنتج هياكل الاستبداد وتعيد إنتاجها هي القمع جنسي الذي يتم في إطار تربية أسرية قائمة على التذنيب و التأثيم و عبادة الشخصية التي تكيف الطفل للعب دور المنفذ السلبي للأوامر الفوقية والإيديولوجيا غير عقلانية التي تنتج الخضوع المازوشي للرؤساء المدفوع حتى التضحية وبشكل ملازم له الموقف السادي تجاه من هم أدنى والمخالفين من كل الأنواع والذي يصل إلى حد الإبادة.
خيارنا الوحيد في هذا العصر الذي تجتاحه ثورة جنسية لا تصد ولا ترد هو إما تطور دون تهور أي تحرر عاطفي مدروس ومتوازن نسمح به نحن ونخطط له وننفذه بأيدينا عبر العائلة و المدرسة ووسائل إعلامنا وإما أن نستقيل بجبن أمام ديكتاتورية تجارة الجنس الخلاعي تاركين أطفالنا فريسة سهلة لمد خارجي أعمى يختلط فيه الحابل بالنابل.
منطقيا ليس أمام مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلا واحد من خيارين حاسمين إما التسلح بالشجاعة والسماح للشباب بإقامة علاقات صداقة و ود و انسجام عاطفي و فكري في وضح النهار بلا خوف و لا كبت و لا تأثيم و إما التسمر في الثوابت وانتهاج سياسات النعامة وترك فلذات أكبادنا لقمة سائغة لفضائيات الدعارة و للحركات الجهادية. و لعل إعادة الاعتبار لزواج المتعة المعتمد لدى إخواننا الشيعة والذي نصح به المصلح الديني الأستاذ جمال البنا حل لمشاكل شبابنا.
إن النضال ضد اللاعقلانية و الفوضى الجنسية المتفشية عندنا لن يكون نضالا سياسيا أو إيديولوجيا أو امنيا انه جهد حيوي من اجل أن يستعيد الإنسان حركة الحياة وفق مصادرها الثلاث الحب و العمل و المعرفة.
اليوم الاستراتيجيا الوحيدة و الكفيلة لمساعدة أطفالنا و تسليح وعي الاجيال الصاعدة بمخاطر الفوضى الجنسية الداهمة هي تبني نمط حياة عقلاني يعتمد على المبادئ التالية-
1)الغذاء المتوازن :
لقد بينت ثورة البيوكيميا أن الإنسان وحدة بيولوجية -نفسية-اجتماعية متكاملة و متفاعلة إذا أصيب فيها بعد واحد تأثرت له سائر الأبعاد و تداعت له بالسهر و الحمى.عل سبيل المثال نقص الفيتامين ب1 يسبب تدهور الذكاء و نقص المانيوزيوم يولد الانهيار العصبي.
2) ممارسة الرياضة:
تعزز الرياضة الصحة النفسية لأنها تخلص الجسم من المسممات المضرة و من العدوانية التي تدمر الفرد من الداخل.
3) لفظنة المشاعرالكضيمة:
من الضروري أن يفسح المجال لكي يعبر المرء عما يقبله و عما يرفضه تحت رقابة الوعي. حرية التعبير هذه تساعد على اكتساب الثقة في النفس وعلى تأكيد الذات في وجه ما و من يريد نفيها.اللفظنة أي التواصل السليم مع الآخر تساعدنا أيضا على تجاوز الانطواء على الذات الذي يكرس المونولوج و الاجترار الذهني. انطلاق اللسان بما يتلجلج في الجنان خير ترياق ضد التوتر و الإرهاق النفسي لأنها تصعد الدوافع من اللاوعي إلى الوعي فيرتقي الفرد من الارتكاس العنيف إلى التروي العقلاني و من إنتاج الانفعالات و الهوامات إلى إنتاج الأفكار و التصورات.
4) الإشباع العاطفي و الجنسي:
الاشباع العاطفي أي يحبنا الآخر و يقبلنا كما نحن لا كما يريدنا أن نكون -يكون لدينا مناعة عاطفية تعزز ثقتنا بأنفسنا و تشعرنا بالمن و الأمان. بينما إذا أعيقت تطلعات الليبدو إلى الإشباع تتحول هذه الأخيرة إلى سلوكيات عدوانية سادية فيتحول ضحية الحرمان العاطفي بما يسمى الطاعون العاطفي" فيصبح معاديا لكل من يخاف نظامه الأخلاقي الصارم مكفرا لكل من ذاته و يحميها من مصادرة الآخرين لها.
5) التسامي:
لا يمكن للإنسان أن يحيا إلا إذا كان له سبب للحياة. و تمثل المعرفة و الثقافة عامل أساسي في تكوين سبب للحياة و الاحتفاظ به.
التسامي هو تحويل الطاقة الجنسية نحو هدف ثقافي و اجتماعي وهو هو مبادلة الهدف الجنسي الأصلي الذي التربية الأبوية بهدف اجتماعي بديل. لان كبت الدوافع أي عدم تحقيقها و عدم تصعيدها في نفس الوقت يقتضي بذل طاقة هائلة و مستمرة من زاوية الاقتصاد النفسي ترهق الفرد الذي يخوض حربا أهلية ضد ذاته - بينما يشكل التصعيد تحريرا هائلا للطاقة التي يقع توظيفها فيما بعد في نشاطات مختلفة و هذا هو التسامي.
اللجوء إلى التسامي هو مخرج يخلص الفرد من التوتر الناجم عن الاحتقان الشبقي. فهو ليس خيارا واعيا نلجأ إليه بل اضطرارا لاواعيا و لامناص منه. انه بديل عن السقوط في العصاب أو في الجنون لن الإفراط في كبت غرائز الحياة يفضي إلى العصاب وهو ما يجعل الحياة رتيبة مملة لا إبداع فيها و لا مغامرة و لا انتهاكات...
كما أن رفع جميع الكوابح التي تعيق التحقيق المباشر و الفوري للدوافع يفضي إلى الجنون لان الجنون تعريفا هو تداخل مبدأ اللذة مع مبدأ الواقع حيث يصبح الواقع الموضوعي صدى للواقع النفسي للفانتازم.
باحثة تونسية / جامعة الزيتونة