كتَّاب إيلاف

كيف تشتغل أمريكا في العراق؟ (1)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

1
أطرح هذا السؤال لأنه مدخل جوهري لمعرفة ما يجري في العراق، هذا تصوري، وللأسف الشديد لم أُصادف طرحا لمثل هذا السؤال، بل كأن هناك هروبا متعمدا من طرح هذا السؤال الحيوي المصيري الخطير، حتى من قبل الغارقين في الإشكالية العراقية، بما في ذلك الحكومة العراقية، أيّا كان رئيس وزراءها، وفي الحقيقة هناك من المفارقات الكبيرة والمحيرة التي تدعو إلى طرح هذا السؤال، فضلا عن هذه الفوضى العارمة التي تهدد البلد بالضياع الشامل لا سامح الله ولا قدّر.
تلك هي أمريكا!
تضرب الرمادي والشعلة في آن واحد، تحاصر الفلوجة ومدينة الصدر في آن واحد، تلاحق الإرهابيين في بعقوبة والنجف في آن واحد... كل ذلك بالتعاون والتفاهم وربما التخطيط مع الجيش العراقي، وقوات الشرطة العراقية، وقوات الأمن العراقي.
إذا لم يك كل ذلك في آن واحد، فعلى التناوب، النتيجة واحدة، وقبلها الظاهرة واحدة، ألا وهي استعمال القوة الغاشمة مع الجميع، سنة أو شيعة، في الجنوب أو الوسط. وسبق أن قلت قبل أيام في مقال في إيلاف، إن الامريكان سوف يستعملون أقصى معادلات القوة الممكنة مع الجميع.
المعادلة في هذه الحدود مفهومة، فهؤلاء إرهابيون، يقتلون الناس، يعبثون في أمن البلد، يقطعون الطرق، يستهترون بالقانون، يخربون العملية الديمقراطية، لا يخضعون لسلطة الدولة، يفجرون الدبابات الأمريكية، يقصفون المعسكرات البريطانية.
ولكن!
تقول الأخبار : إن القوات المتعددة الجنسية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تمنع القوات العراقية من إقتحام الكثير من مواقع الإرهابيين الخطرة!!
تقول الأخبار : أن القوات العراقية تلقي القبض على زعماء إرهاببن خطرين، ولكن القوات الأمريكية تطلق سراحهم بعد ساعات أو بعد أيام!!
تقول الأخبار : أن القوات الأمريكية تتساهل ولا تتحرك وهي ترى بأم عينها مجاميع إرهابية تقتل وتذبح وتسلب وتنهب وتخرب!!
وهي أخبار صحيحة...
ولكن أمريكا هي هي التي قتلت الزرقاوي...
أمريكا هي هي التي قتلت العيثاوي...
أمريكا هي هي التي تلقي القبض على عتاة من الإ رهابيين الكبار والخطرين...
أمريكا هي هي التي قصفت قبل أيام نادي الضباط أو حي الضباط في الرمادي..
إذن المسألة محيرة حقا!
وكيف لا تكون محيرة وهذا الشيخ الضاري يبارك للقاعدة، ويعلن مشاركتها الفكر والتخطيط والعمل، ولكن لم تحرك القوات الأمريكية ساكنا باتجاهه!
وكيف لا تكون محيرة أمام هذه المفارقات الغريبة التي تدهش العقل، وتفتح ألف سؤال وسؤال، وتجعل الإنسان يشك حتى بلحمة وعظمه ودمه!

2
أمريكا لا تريد أن تخرج من العراق، يقيني هذا، فعلى أقل التقادير لا يمكن أن تقدم جائزة جاهزة وثمينة لإيران أو القاعدة، خروجها من العراق يعني تحرك كل الشارع العربي والإسلامي ضد أمريكا، إستضاعفا بها، وإمعانا في إحراجها، وتكليبا عليها، إنهاء كل مصداقيتها العسكرية والسياسية والأقتصادية، هذا على أقل تقدير، ثم بعض دول الجوار لا تريد ذلك، بل تجاهد بكل ما أوتيت من قوة لإقناع أمريكا بالبقاء في العراق، لا تريد هذه الدول أن تصيبها شرارات الحرب الطائفية والقومية، وهي شرارات تحرق سهولا ــورحمة الله على ماوتسي تونغ الذي أنصح السيد وزير الحوار الوطني قراءة كتبه قبل أن يحاور المسلحين ــ بل وهناك تحاليل يقول: أن سوريا لا تريد من أمريكا أن تخرج من العراق!! ذلك يجعل العراق لقمة سائغة في الفم الإيراني الجائع، ربما خروج أمريكا من العراق يفجر صراعا داميا بين سوريا وإيران، وكل شي في السياسة جائز... ولكن أمريكا متورطة في العراق، تحول العراق إلى مستنقع فيتنامي بالنسبة لأمريكا ... قتلى أمريكيين بالمئات... خسارات بالمليارات... تحريك مشاعري مليوني مضاد...
تلك هي المعادلة الصعبة!
فما هو الحل؟
الحل بالنسبة للأمريكان أقصد!

3
هناك حل واحد، صحيح أنه حل مكلف، وصحيح أنه حل وقتي، ولكنه هو الممكن، هو المتاح، إنه أقل الخيارات سوءا وتعبا وخسارة...
إدارة الصراع بين عناصر الصراع العراقية في داخل العراق.
إبقاء الصراع العراقي / العراقي، ولكن بإدارة أمريكية، صراع شيعي / شيعي.. شيعي / سني... سني / سني.. عربي / كردي... كردي / تركماني...
صراع على كل الجبهات، صراع طائفي، قومي، عشائري، أسري، زعاماتي، جغرافي، صراع يعم العراق كله، كله، ولكن بإدارة أمريكية، بتخطيط وتوجيه وقيادة أمريكية سرية، وبالتعاون مع الجيش الامريكي السري، وعملاء أمريكا السريين، وهكذا تضمن أمريكا لنفسها بقاءها في العراق.
إن أمريكا لا تفكر بقتلاها في العراق، وإنما تبالي في كيفية بقائها في العراق بلحاظ مستحقات الخروج الخطرة التي سبق وأن بينت بعض مصاديقها، واستقرار العراق مستحيل، مستحيل لأن الصراع شب وعم واستفحل، وربما أمريكا ترى في إستقرار العراق خطرا عليها في المستقبل القريب أو البعيد، وعليه لابد من البقاء، وآلية البقاء ليس تسليط طائفة بعينها، ولا بتسليط قومية بعينها، ولا بتسليط حزب بعينه، ولا بجمع كل هذه عناصر الصراع على حل معقول ومقبول لانه بحد ذاته أصبح مستحيلا وقد يكون ليس في صالح أمريكا، وعليه، البقاء بواسطة إدارة الصراع بين كل هذه العنانصر المتناقضة المتناحرة المتقاتلة...
إذن لم يعد صعبا فهم تلك المفارقات؟
فأمريكا تضرب الفلوجة من جهة وتفرج عن إرهابيين فلوجيين كبار من جهة أخرى، هذا النموذج من التناقض يمكن حله فيما لو عرفنا أن الاستراتيجية الأمريكية في العراق هو إدارة الصراع بين الجميع، فلماذا لا تفرج عن ممكنات من شأنها تأجيج هذا الصراع، إ دامته؟ وربما غدا، تضرب مدينة الثورة من جهة، ولكنها من جهة أخرى تفرج عن إرهابيين محسوبين على هذه المدينة.. تلك هي فكرة إدارة الصراع..
ولكن أليس هو تناقضا كبيراً أن نقول أن أمريكا تعمل على إدارة الصراع بين أطراف الصراع وهي تضرب بقسوة الرمادي وتضرب بقسوة الشعلة؟ اليس من المعقول طبقا لهذا التصور أن تسمح أمريكا لك طرف من أطراف الصراع بان يحتفظ بكل طاقته وقوته حتى يتأجج هذا الصراع على أشده!
وليس هناك أغبى من هذا السؤال!
وربما يساله مراسل صحفي، ولكن لا يسا له خبير بشؤون إدارة الصراع في سياق المعطيات التي بين أيدينا فيما يخص العراق...
وإلى حلقة مقبلة إ ن شاء الله

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف