الرؤية الليبرالية الجديدة للحالة العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يبدو أن الأيام الماضية قد استطاعت أن تفرز جناحين في حركة الليبراليين العرب الجُدد، كما هو في كل حركات السياسية والفكرية: جناح الحمائم، وجناح الصقور.
بؤس حمائم الليبراليين
يبدو أن جناح الحمائم في الأيام الأخيرة، اعتراه التعب والاكتئاب والضجر من هذا الكفاح اليومي الذي يمارسونه تجاه هذا التيار العارم المتدفق من الرأي الآخر المعارض. وتساءل بعضهم من الكتاب بقولهم:
هل ينبغي علينا الآن أن نتحلى بشجاعة الاعتراف بالهزيمة النهائية والماحقة؟
هل علينا أن نلتزم الصمت والصوم عن الكتابة احتراماً لأنفسنا ولأفكارنا؟
وقالوا على لسان الصديق كمال غبريال، إن المسألة ليست مسألة جدوى ما نقول أو نكتب، فنحن قد تجاوزنا الجدوى بأن نعتنق الموقف السيزيفي، الذي ينفق عمره في تحدي الآلهة، هو يرفع الصخرة وهم ينزلونها، وبحسبة بسيطة نجد أنه ينتصر نصف انتصار، وينهزم نصف هزيمة، حيث يكون المتوسط الحسابي لموقع الصخرة هو منتصف المسافة. وقالوا: نخشى أن المشكلة أن نكون قد أصبحنا ضد الجماهير، نكتب ضدها، ونطالب بما لا تريده، بل ترفضه. نريد لها الحرية، وتريد هي الخنوع، نريد سيادة المحبة، وهي مفتتنة بالولوغ في الكراهية. وقالوا: إذا استمرينا على ذات نهجنا الحالي سنجد أنفسنا معادين للتطبيق الديموقراطي، ومعادين لمنح الحرية لشعوب لا ترى حريتها إلا في التدمير والتخلف والذبح.
وقال هؤلاء بحسرة وانكسار: هذه الشعوب ليست في أزمة، فهي تعيش حالة انتصار، مادامت الكراهية تنتصر، ولا يهم والحالة هذه، تفاقم الفقر والجهل والمرض. فهذه الشعوب تأقلمت مع هذه الأوضاع، وربما تستشعر الغربة في أية ظروف أخرى نتصورها نحن أفضل، لكننا نحن الليبراليين في أزمة وجود ، وليست أزمة حدود كما يقولون. فنحن أناس منفصلون عقلياً وروحياً عن شعوبهم، حتى لو كنا نضمر لهذه الشعوب الخير والحداثة، لكنهم لا يريدون نوعية الخير الذي ننشده لهم، بل ويرونه شراً .
ضراوة صقور الليبراليين
وقام جناح آخر في حركة الليبراليين وهو جناح الصقور، وقالوا على لسان الصديق عبد الخالق حسين، رداً على يأس جناح الحمائم، بأنه من خلال متابعتهم لكتابات جناح الحمائم، حصل لديهم انطباع عنهم، أنهم ذو نفس قصير. وكما يقال بالعراقي عن هذه الحالات أنها (مثل عباس المستعجل) الذي يتوقع نتائج سريعة لدور الليبراليين، وفي فترة قصيرة، وإلا "ينبغي علينا الآن أن نتحلى بشجاعة الاعتراف بالهزيمة النهائية والماحقة، وأن نلتزم الصمت والصوم عن الكتابة احتراماً لأنفسنا ولأفكارنا" كما يقول جناح الحمائم.
وقال الصقور: هذا الموقف مرفوض طبعاً، فالتحولات التاريخية لا تخضع لرغبات الليبراليين وخصومهم ، بل وكما قال الفيلسوف الألماني هيغل، "لا يمكن تجاوز مرحلة تاريخية إلا بعد أن تستنفد مبررات وجودها." وقال ماركس "القفز على المراحل يؤدي إلى السقوط." وهذه أوروبا كانت في مرحلة من المراحل، وخاصة في القرون الوسطى، تعيش حالة، لا تختلف عما تعيشه منطقتنا العربية من تخلف وسيطرة رجال الدين على عقول الناس والحكام. وقد بدأ الليبراليون نضالاً عسيراً منذ أوائل القرن السادس عشر عندما نشر كوبرنيكوس نظريته في علم الفلك، والتي أكد فيها أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس، علماً بأنه نشر كتابه في طبعته الأولى بدون ذكر اسمه في بداية الأمر، ومات قبل أن تنتبه الكنيسة إلى "فعلته الشنيعة" هذه، وإلا كان نصيبه الحرق كما حصل لبرونو وغيره على يد محاكم التفتيش، وبائعي صكوك الغفران. وقد تزامن هذا مع ثورة مارتن لوثر على الكنيسة، وإعلان الإصلاحات الدينية وظهور مذهب البروتستانتية (أي المحتجين)، كما نعرف ما حصل لغاليلو وغيره وحرق النساء بتهمة السحر.. الخ. ولنلاحظ التزامن في ظهور المصلحين والثورات الإصلاحية، مما يدل أن كل شيء وليد زمانه، ولا يمكن تجاوز الزمن أو حرق مرحلة.
لا استسلام لقوى الظلام
وقال صقور الليبراليين: هذا التقدم الهائل الذي حصل في الغرب، لم يأتِ بين عشية وضحاها، بل استغرق قروناً. إن ما حصل في البلاد العربية من تقدم خلال مائة عام الماضية، يعتبر قفزة نوعية مقارنة بما حصل في أوربا الذي استغرق عدة قرون. كذلك لا ننسى أن أوروبا شهدت حربين عالميتين خلال ثلاثة عقود فقط من القرن الماضي، راحت ضحيتها عشرات الملايين من شعوبها، وألحقت أضراراً مادية لا تُقدَّر. نعم، نحن لسنا راضين على وتيرة التطور في البلاد العربية، وأن ما حصل هو دون الطموح، ولكن هذا لا يعني أن علينا أن نستسلم لقوى الظلام، ونكسر أقلامنا، ونقعد متفرجين مدحورين.
إن هذا الموقف الاستسلامي الانهزامي لا يخدم قضيتنا، ولا يدل على الشجاعة أيضاً، بل يدل على الإحباط وقِصَر النفس، وعدم فهم قوانين حركة التاريخ. فلو راجعنا التاريخ منذ آلاف السنين وإلى الآن، لوجدنا أن اتجاه مساره دائماً إلى الأمام وإلى الأعلى، أي نحو التقدم.
نعم، يحصل هنا وهناك بعض التعرجات والتراجعات والانكسارات في هذا البلد أو ذاك. ولكن في نهاية المطاف يتغلب التاريخ على هذه التراجعات، ويلغيها من مساره، ويعوّض عن الوقت المُضاع. وهذا ما حصل في دول الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية، لأن الأنظمة الشمولية في هذه البلدان، كانت مخالفة لحركة وقوانين التاريخ، فسقطت، وحلَّ محلها النظام الديمقراطي. وأكد صقور الليبراليين إن ما يحصل في العراق وغيره من بلدان المنطقة، ما هو إلا آلام المخاض العسير لولادة الوليد الجديد، الذي سيكون وفق متطلبات حركة التاريخ.
كشف حساب الليبراليين للسنوات الماضية
من خلال جردة سريعة لما قام به الليبراليون خلال السنوات الماضية، يتبين لنا أن الليبراليين استطاعوا أن يتقدموا في العالم العربي، ويحققوا في مدة وجيزة، ما لم تستطعه أشهر وأعظم الدعوات الأيديولوجية في التاريخ العربي، التي قضت سنوات طويلة، لم تستطع خلالها كسب إلا عدد قليل إلى جانبها من المؤيدين والمناصرين، رغم أن هذه الدعوات كانت مدعومة بقوى غيبية خفية، ورغم أن هذه الدعوات لم تواجه من المقاومة والصد والعداء الذي واجهه الليبراليون طوال السنوات الماضية. ورغم أن الحركة الليبرالية الجديدة لم تستعمل القوة والعنف في نشر أفكارها، وشرح وجهات نظرها، واقامة حوارها مع الآخر. في حين أن هذا الآخر قد استعمل معها العنف السلمي حين حجب فكرها عن معظم وسائل الإعلام العربية المملوكة للأنظمة العربية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. واستعمل هذا الآخر من ناحية أخرى العنف الجسدي حين أصدر الفتاوى الدينية بقتل الليبراليين من الكتاب والمفكرين والدُعاة، إذ لم يكفوا عن الكتابة والبحث والتبشير بالمستقبل العربي الحداثي. ورغم هذا كله فقد كانت لليبراليين طوال السنوات الماضية مواقف سياسية واجتماعية وفكرية ثابتة، وواضحة، وجريئة، منها:
1- الليبراليون هم فدائيو الحرية في العالم العربي. فهم الذين أيدّوا غزو العراق منذ اللحظة الأولى لتحريره وليس لاحتلاله، وليس حباً بأمريكا ولكن حباً في العراق. ولو غزا المغول العراق من أجل الاطاحة بالطاغية السابق لأيّدهم الليبراليون، ووقفوا إلى جانبهم ضد الطاغية السابق. ولو غزا العراق السود، أو الصفر، أو الحمر، أو البيض، أو السُمر، أو المجوس أو الشياطين الزُرق، لأيّدهم الليبراليون، لا حباً في هؤلاء، ولكن حباً في العراق، وكرها للطاغية السابق.
لقد أيّد الليبراليون تأييداً مطلقاً وصريحاً وجريئاً تحرير العراق بالطريقة التي تمّت، من أجل بناء عراق جديد. وقد صدقت دعوتهم تماماً في شمال العراق، وفي اقليم كردستان، ولم تصدق في وسط العراق وجنوبه حيث السُنَّة والشيعة وصراعهم التاريخي المعروف. وما حصل، هو أن العراق الجديد قد تم بناؤه فعلاً في الشمال فقط، لأن الكُرد كانوا راغبين في بناء العراق الجديد. ولإن الكُرد يريدون الحرية، والعيش المشترك، فقد تآلف الحزبان الكرديان الرئيسان (الحزب الديمقراطي الكُردستاني، والحزب الوطني الكُردستاني)، في 1/12/2004 وأقرا البرلمان المشترك، والحكومة الاقليمية الواحدة في 20/1/2006، والبرلمان الواحد. ولكن الشيعة والسُنَّة في العراق لم يتحرروا بالتحرير، لأن هؤلاء لا يريدون الحرية، ولم يعرفوها، ولم يتعودوا عليها منذ 1400 سنة إلى الآن. وأهل العراق في الوسط والجنوب، أهملوا بناء العراق، ووجدوا التحرير وما هيّأه من هامش كبير للحرية والديمقراطية، فرصة ثمينة لتصفية حسابات قبلية وطائفية غجرية قديمة، فأكلوا لحوم بعضهم بعضاً كما تأكل الوحوش الضواري في الغابات لحوم بعضها. وبلغ عدد القتلى اليومي من الطرفين أكثر من مائة ضحية في العام 2006. وتبارى الطرفان لا في اساليب البناء والتنمية والإعمار، ولكن في أساليب القتل. فبينما كان أشرار السُنَّة يقتلون الشيعة بقطع الرقاب بحد السيوف، كان أشرار الشيعة يقتلون السُنَّة بالمثقاب الكهربائي في جماجمهم. وكان الطرفان يختطفان الأبرياء من بعضهم، ويفخخون السيارات، ويفجرونها في مساجد بعضهم بعضاً. لقد بدا الطرفان وكأنهما وحوش كاسرة في الغابة العراقية، أو طوائف من الهمج، من آكلي لحوم البشر، في العصور الحجرية القديمة. ووجد الطرفان إعلاماً عربياً مرحباً، وناقلاً، ومردداً لهذه الأفعال الهمجية ودعاتها، وفقهائها، وكتابها، ومثقفيها.
لقد أيّد الليبراليون غزو العراق، لا لأنه احتلال جاء ليستنزف ثروات العراق، ويحتلها عشرات السنين، كما كان يفعل الاستعمار البريطاني والفرنسي في العالم العربي والهند وآسيا وغيرها، ولكنهم أيّدوا غزو العراق لأن هذا الغزو خلّص العراق من حكم طاغية عاتٍ، وضحى بأبنائه من الجنود والصحافيين والمستشارين من أجل تحرير العراق من هذا الطاغية العاتي. ودفع من جيب ابنائه مليارات الدولارات من أجل تحرير العراق من هذا الطاغية العاتي. وحاول بكل الوسائل تمهيد سبُل الحرية والديمقراطية بالدستور والانتخابات وبالرقي بالعراق إلى مصاف الدول الديمقراطية، ولكن العرب من الجيران والجوار من الغُربان أبوا أن يكون العراق كما نريد ونشتهي، فصدروا للعراق قطعان الارهابيين، وزودهم بالسلاح والمال والخطط وخبراء التفجير وليس خبراء التثمير، وخبراء تفجير الأجساد وليس خبراء تفجير الطاقات الإنسانية. كذلك فقد أبى زعماء الطوائف الدينية وديوك السياسة العراقية من السُنَّة والشيعة، أن يصبح العراق دولة اقليمية عظمى بتاريخها وتراثها ومالها واقتصادها وعلمائها وادبائها.
فما ذنب الليبراليين في الخديعة النخبوية السياسية العراقية، وفي هذا النزاع الطائفي الديني المذهبي الذي يجتاح الغابة العراقية الآن، في الوسط والجنوب؟
2- كان الليبراليون صادقين مع أنفسهم، ومع التاريخ، ومع العراقيين، حين رحبوا بالتحرير، وصفقوا له، إيماناً منهم بأن المهم هو فعل التحرير وليس من يقوم به، وبغض النظر عن الوسيلة المستخدمة شرقية كانت أم غربية. فقد استجار المسلمون بالمسيحيين عندما طاردهم الطغاة، فهاجروا إلى الحبشة، واستجاروا بالنجاشي، ملك الحبشة. ولكن الليبراليين لم يكونوا يدركوا أن النخبة السياسية العراقية قد استجارت بأمريكا وبريطانيا للخلاص من حكم الطاغية، لكي تصبح هي الطاغية الجديدة، التي تسرق وتنهب العراق، دون حسيب أو رقيب. لم يظن الليبراليون، بأن صدام حسين، ومن قبله البعثيين، ومن قبلهم نوري السعيد، والوصي الأمير عبد الإله، قد أفرغوا العراق من النخب السياسية المؤهلة والنظيفة والشريفة على مصلحة العراق، إما بالقتل، أو بالسجن، أو بالتشريد، أو بالنفي. ومن هنا، فإن الخطأ الأمريكي ليس في تحرير العراق على النحو الذي تم، ولكن الخطأ الأمريكي الأكبر، كان وثوق الإدارة الأمريكية بالنخب السياسية التي تعاونت معها، والتي ظهرت أنها زمرة من الحرامية والفاسدين، الذين هم أشد نكبة على العراق ومستقبل العراق من حكم الطاغية السابق. لقد خُدعت الإدارة الأمريكية خدعة العصر، في وضع يديها في يد هذه العصابات الطائفية القبلية، الرجعية، السارقة، الناهبة، المتخاذلة، والتي فضّلت الطائفة على الأمة، وفضلت العائلة على الشعب، وفضلت الغنيمة على الوطن.
لقد خدعت النخب السياسية الحاكمة في العراق الإدارة الأمريكية خدعة كبيرة، حين قدمت لها صورة وردية عن نفسها وعن الشارع والمجتمع العراقي. وارتكبت الادارة الأمريكية خطأ فاحشاً، حين لم تدقق في هذه المعلومات. وحين قرنت بين النخب السياسية العراقية وبين النخب السياسية اليابانية والألمانية في 1945، وبين النخب الكورية في 1953، فظنت أن الوطنية هنا وهناك واحدة ، وأن الأمانة هنا وهناك واحدة، وأن الاخلاص هنا وهناك واحد، وأن الشفافية وطهارة اليد هنا وهناك واحدة. ولم تقرأ الإدارة الأمريكية ما قاله علي الوردي أو ما قاله من قبله ابن خلدون عنا نحن العرب.
3- كان الدفاع عن حقوق الأقليات وحقوق المرأة هو الشغل الشاغل لليبراليين في السنوات الماضية. فقد اعتبر الليبراليون أن العرب لن يرتقوا بأنفسهم سلم الحضارة الحقيقة، ويحققون الحداثة بكل معانيها، إلا عندما يساوون بين جميع المواطنين، بغض النظر عن جنسهم، أو دينهم، أو لونهم، أو مذهبهم، أو طائفتهم، أو معتقدهم. لذا نرى أن الليبراليين في السنوات الماضية، ساهموا، واشتركوا بأكثر المؤتمرات التي عقدت في شتى بقاع العالم، لمناصرة حقوق الأقليات. وأصابهم الكثير من الأذى نتيجة لذلك، من قبل الشوفينيين القومجية، والمتشددين الدينيين، ورجال البوليس السري العربي، وتلقوا تهديدات بالقتل نتيجة لذلك.
4- والليبراليون هم الفئة التي تقف إلى جانب الحقيقة، سواء جاءت هذه الحقيقة من فم محمد، أو موسى، أو عيسى، أو بوذا. وهم الفئة التي لا يهمها من القائل، ولا تلتفت إلى مصدر القول، بقدر ما يهمها القول نفسه، ومحتواه، ومعناه، ومطابقته للحقيقة. ولا يهمها المنبر التي تقف عليه الحقيقة، سواء كان الأزهر، أم الجامعة العبرية، أم البيت الأبيض، أو الجامع الأموي، بقدر ما يهمها ماذا يقال على هذا المنبر.
5- والليبراليون هو أول من تحدى تهديد الارهابيين لهم بالقتل في الفتوى المعروفة الصادرة في ابريل الماضي 2006، ورفضوا التوقف عن الكتابة والمناداة بالحرية والديمقراطية. بل هم تلاوموا، وعتبوا وانتقدوا من استجاب لفتاوى الارهاب، وتوقف عن الكتابة، واعتزل الحياة الفكرية.
6- والليبراليون هم الفئة التي تنتقد بعضها بعضاً دون حساب للمقامات، أو المكانة العلمية، أو الدينية. فعندما أخطأ جمال البنا الداعية الإسلامي الليبرالي في وصف مجرمي الحادي عشر من سبتمبر في جريدة "المصري اليوم" من أنهم "اشجع الشجعان" تصدى له الليبراليون الآخرون، وتلاوموا عليه، وانتقدوه نقداً مريراً على هذا الموقف المشين من داعية ديني ليبرالي.
7- والليبراليون هم أول من ثار وانتفض على فتاوى الارهاب، التي كان يصدرها كل يوم فقهاء الارهاب، وقاموا بكتابة ما عُرف بـ "البيان الأممي"، وجمعوا له أكثر من ثلاثة آلاف توقيع من مثقفي العرب، في مختلف أنحاء العالم، وقدموه للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكان من نتيجة ذلك أن توقفت فتاوى الارهاب، وتشكلت محكمة دولية لمحاكمة جرائم الارهاب. ونال الليبراليون على هذه الخطوة سيولاً طافحة من الشتائم والاتهامات الرخيصة، ومنهم من جرى تكفيره واخراجه من الملّة على الملأ. ولكنهم مضوا في سبيلهم، لا يخشون عنتريات القبائل، ولا اتهامات الحمائل.
8- والليبراليون هم من تصدى بوضوح وجرأة، لحملة "فقهاء الحجاب" على فرنسا، وقرار الرئيس شيراك بمنع الحجاب في المدارس الفرنسية. وهم أول من هاجم بقسوة انشغال العرب هذا الانشغال اليومي المبتذل والسفيه بحجاب المرأة، ونقاب المرأة، وطمث المرأة، وشعر المرأة، ولمس المرأة، وحرية المرأة، وكل ما يمتُّ إلى المرأة بصلة. بحيث أصبح العرب هذه الأيام مرضى بوباء، يطلقون عليه "وباء المرأة"، ويستعيذون بالشيطان منه. وهو دليل على أن العرب هذه الأيام، مرضى الجنس، وسجناء الجنس، وعبدة أصنام الجنس ايضاً. وهم المحرومون من الجنس. ومستعدون لارتكاب أفظع الجرائم للتمتع بالجنس (انظر ماذا فعل الشباب المصري أخيراً في شوارع القاهرة فيما عُرف بمظاهرات الجنس، رغم أنهم أكثر الشباب العربي حريةً وانفتاحاً). لذا، فهم يشتمون الغرب، ويلعنونه على تنعُّمه بهذا الجنس، واستمتاعه به. وتلك واحدة من أسباب كراهية العرب للغرب، وحسدهم له، وحقدهم عليه.
9- والليبراليون هم أشجع من تصدى لقرار حزب الله في حربه مع اسرائيل. واعتبروا أن حرب تموز/يوليو 2006 هي حربٌ بين حزب الله واسرائيل فقط، وليست حرباً بين لبنان واسرائيل. فلبنان لم يتخذ قرار هذه الحرب، وانما الذي اتخذه هو حزب الله وحده. والشيعة كلهم في لبنان، لم يتخذوا قرار هذه الحرب، وإنما الذي اتخذه هم شيعة حزب الله فقط. وهم الذين حاربوا اسرائيل وحدهم، دون مشاركة الشيعة الآخرين، أو اللبنانيين الآخرين. وسلاح حزب الله وحده، هو الذي قاتل اسرائيل، وليس سلاح الجيش اللبناني. ومناطق حزب الله هي وحدها التي ضربتها اسرائيل بالدرجة الأولى، وليست باقي المناطق اللبنانية الأخرى. وحرب حزب الله مع اسرائيل، كانت في محصورة وفي المنطقة التي يتواجد فيها حزب الله وحلفاؤه فقط.
10- وأخيراً، فإن الليبراليين الآن، هم الجهة التي يفرّغ فيها بعض العرب الآن، أحقادهم، وعُقدهم، ويطبقون عليهم نظريتهم في المؤامرة. ولو وجود الليبراليين على الساحة العربية الآن، لما وجد هؤلاء مجالاً لتفريغ كل ذلك، ولفقعوا، أو طقّوا كبتاً، وغيظاً ، وكمداً. والليبراليون هم الذين تحملوا البذاءة والسفاهة وقلة أدب الغوغاء، وتلقوا التهديدات بشتى أنواعها نتيجة لمواقفهم الشجاعة والجريئة، فما تراجعوا، ولا استكانوا، ولا تهاونوا ، ولا استسلموا، ولا هادنوا. وما زالوا على الطريق سائرين، وعلى تحقيق أهدافهم مصممين. وتظل لحمائمهم وجهة نظرها، ولصقورهم وجهة النظر الأخرى، وتلك هي واحدة من ديمقراطية فكرهم، وتعددية آرائهم.
حصاةٌ في البركة الآسنة
هذا كشف سريع وموجز لحساب الليبراليين الجدد للسنوات الماضية. وهو كشف يشير الى مدى تأثير الليبراليين الجدد في الحياة العربية السياسية والفكرية. وهذا الحساب متواضع إلى الآن في رأينا، ولكن حركة تنوير الليبراليين ستستمر على المستوى الفردي وعلى المستوى الجمعي. وكل ما كتبه الليبراليون سوف يبقى جزءاً من الثقافة السياسية والفكرية العربية لهذا الجيل وللأجيال القادمة. إن حركة الليبراليين في عموم الخليج العربي ومصر وسوريا والعراق والأردن وفلسطين والمغرب العربي، سوف تظل تقرع أبواب الحداثة والديمقراطية، ولن تيأس أو تستكين، إلى أن يتم فتح الأبواب على مصراعيها، ولو بعد ألف عام.
السلام عليكم.