حول دعوة إيران وسوريا في حل المحنة العراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"لا تترك عدوك جريحاً، إما أن تقتله أو تصادقه"- (نيتشه)
بدأت الدعوة في ضم إيران وسوريا للمساعدة في حل المعضلة العراقية على شكل همس واحتمالات في خطة (لجنة دراسة العراق) برئاسة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية
د. شاكر النابلسي: بيكر والمُعلِّم يرقصان التانجو في بغداد
د. عزيز الحاج: هل خامنئي وبشار حاكما العراق؟
محمد حسن الموسوي: حضر (المعلم) فماذا عن التلاميذ؟
الأسبق، ثم تحولت وبسرعة إلى واقع وعمل جدي وزيارات متبادلة بين القادة السياسيين في دمشق وبغداد وطهران وعلى أعلى المستويات. بل تم ترتيب عقد مؤتمر قمة في طهران يوم السبت القادم 25/11/2006 يحضره كل من الرئيس العراقي جلال طالباني، والإيراني محمود أحمدي نجاد، واحتمال أن يحضره الرئيس السوري بشار الأسد أيضاً، لمناقشة القضية العراقية. فما هو الجديد الذي حصل وأدى إلى تسارع الأحداث وجمع الفرقاء الثلاثة في غرفة واحدة للمساهمة في حل الأزمات المستعصية التي ابتليت بها دول المنطقة وعلى رأسها المعضلة العراقية المتفاقمة؟لم تكن هناك علاقة حب وغرام بين أمريكا والنظامين، الإيراني والسوري. فمنذ الثورة الإسلامية الخمينية واحتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، كانت العلاقة بين إيران وأميركا متوترة وعلى أسوأ حال، حيث وصفت إيران أمريكا بـ "الشيطان الأكبر". وسوريا هي الأخرى كانت على علاقة سيئة مع أمريكا خاصة وإنها تؤوي القوى الفلسطينية المتشددة إزاء حل الصراع العربي-الإسرائيلي. أما أمريكا فقد أدمغت كل من إيران وسوريا والعراق عام 2002، بأنها أعضاء في "محور الشر" ويجب خلاص المنطقة والعالم من شرورها. ولما أسقطت أمريكا النظام البعثي في العراق عام 2003، صار من حكم المؤكد لدى النظامين الإيراني والسوري أن الضربة القادمة ستكون عليهما لا محال، خاصة وأن أمريكا قد أعلنت أنها ستعمل على تحقيق (مشروع دمقرطة الشرق الأوسط الكبير).
ولعل هذا الإعلان المبكر من البيت الأبيض في وصف النظامين المذكورين بمحور الشر، قد استفزهما و دفعهما إلى عقد تحالف استراتيجي مصيري لمواجهة أمريكا في العراق والعمل على تحويل العراق إلى مستنقع يمرغان به كبرياء أمريكا وإفشال العملية السياسية ولو على حساب الشعب العراقي. وهذا ما كان. وقد استفاد التحالف الإيراني- السوري، من الظروف المعقدة المحيطة بالقضية العراقية، بدءً بالثقافة الموروثة المعادية للأجانب، وتعددية مكونات الشعب العراقي المتصارعة، والتركة الثقيلة التي خلفها النظام الساقط، والكراهية في المنطقة ضد أمريكا والغرب، إضافة إلى العامل الديني والطائفي والصراع العربي-الإسرائيلي، كل هذه العوامل كانت تخدم التحالف الإيراني-السوري ضد القضية العراقية والخطة الأمريكية. لذلك لجأت الدولتان إلى استغلال جميع القوى الإرهابية المؤلفة من فلول البعث وعناصر القاعدة ودعمها وفتحتا حدودهما مع العراق لتسهيل تسلل الإرهابيين العرب من أتباع القاعدة للقيام بعمليات القتل والتخريب في العراق. كما وساهمت إيران في تشكيل المليشيات الحزبية الشيعية وأمدتها بالمال والسلاح والتدريب والإعلام في تأجيج وتصعيد الصراع الطائفي الدموي.
فما الجديد؟
إن تصاعد موجة العنف في العراق والخسائر في الأرواح في صفوف العراقيين والقوات الأمريكية وعدم النجاح في تحقيق الأمن، والحملة الإعلامية الشرسة من قبل منافسي بوش واليسار العالمي، ومثقفي الكوبونات النفطية التي كان يغدق عليهم بها صدام حسين من أجل شراء الذمم، أدى إلى تدهور شعبية الرئيس بوش في أمريكا وبالتالي خسارة حزبه الجمهوري في الانتخابات النصفية الأخيرة. كذلك تعرضت الإدارة الأمريكية إلى ضغوط من أخلص حلفائها، بريطانيا واستراليا، إضافة إلى توصيات اللجنة المشتركة من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، برئاسة السيد جيمس بيكر، لدراسة الوضع في العراق، أذعنت إدارة بوش لهذه الضغوط بفتح الحوار المباشر مع كل من سوريا وإيران وضمهما للمساعدة في حل الأزمة العراقية المستفحلة. ورغم رفض البيت الأبيض لأي نوع من الحوار مع طهران في السابق، إلا إن هناك دلائل تشير إلى تليين مواقف الإدارة الأمريكية بهذا الصدد الآن. فقد صرح السيد ديفيد ساترفيلد، كبير مستشاري وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس لشؤون العراق، إن الولايات المتحدة "مستعدة من حيث المبدأ لمناقشة الأنشطة الإيرانية في العراق". و"إن المحادثات ليست بعيدة عن عوالم الممكن".
أما على أرض الواقع، فقد قام السيد وليد المعلم، وزير خارجية سوريا، بزيارة رسمية إلى بغداد يوم الأحد الماضي 19/11، و"اتفقت الحكومتان العراقية والسورية على إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما بعد انقطاع ناهز 20 عاما." وصرح المعلم أن "أمن العراق هو أمن سوريا أيضاً". كذلك أفادت الأنباء أن الرئيس جلال طالباني سيقوم بزيارة إلى طهران بدعوة من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لعقد قمة ثنائية وربما ثلاثية بعد أن يلتحق بهما الرئيس السوري بشار الأسد، كما ذكرنا آنفاً.
الموقف من المستجدات؟
فما هو موقفنا نحن الكتاب الليبراليين الحريصين على إنجاح دمقرطة العراق والمنطقة من هذه المستجدات والتغييرات في الموقف الأمريكي من إعطاء دور لكل من سوريا وإيران في القضية العراقية؟ هل نتفاءل أم نتشاءم؟
يبدو أن أمريكا عملت وفق المثل الإنكليزي: "إذا لم تستطع دحرهم التحق بهمIf you canrsquo;t beat them join them ". لقد أثبتت التجربة العراقية أن أمريكا لم تستطع شن الحرب على النظامين السوري والإيراني في الوقت الذي ترى فيه قواتها مازالت منشغلة في حربها مع الإرهاب في العراق وأفغانستان. فالعدو في العراق هو عدو شبحي غير مرئي لن يتورع عن استخدام أشد الوسائل خسة في القتل الجماعي في صفوف المدنيين العراقيين وإشعال نار الفتنة الطائفية، وحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، ليس في العراق بل تصل نيرانها إلى جميع دول المنطقة.
كذلك كان خطأً من الإدارة الأمريكية عندما استفزت سوريا وإيران بوضعهما في قائمة "محور الشر" قبل أن تنتهي من حربها في كل من العراق وأفغانستان. إذ كان ممكناً تحييد هذين النظامين إلى حين الانتهاء من القضية العراقية، خاصة وأن هذين النظامين من أكثر المستفيدين من إسقاط نظام البعث الصدامي. فإيران تعاونت مع أمريكا في إسقاط نظام طالبان في أفغانستان، وسوريا تعاونت مع التحالف الدولي بقيادة أمريكا في تحرير الكويت من الغزو البعثي الفاشي. لذلك يبدو لي، وكما أكد بعض المحللين الغربيين، أن السياسة الجديدة في البيت الأبيض هي تصحيح للأخطاء السابقة، ونتيجة لتدخل الرئيس بوش الأب بالاستنجاد بأصدقائه من القادة الجمهوريين القدامى من أمثال جيمس بيكر وروبرت غيتس، للمساعدة في حل مشاكل الابن. فكانت لجنة بيكر والتي من نتائجها كخطوة أولى، تم تحرير الابن من سيطرة واحد من أشد صقور المحافظين الجدد، دونالد رامسفيلد، ليكون الرأس الأول يسقط كثمن التغيير في نفس يوم إعلان نتائج الانتخابات النصفية التي كانت هزيمة كاسحة للجمهوريين. وهناك دلائل تشير إلى أن وزير الدفاع الجديد، روبرت (بوب) غيتس، هو أكثر خبرة وقدرة من رامسفيلد المعروف بالعجرفة والتصلب برأيه، والذي كان غير مرغوب به من قبل القادة العسكريين.
هل يمكن الاطمئنان إلى إيران وسوريا؟
لا شك أن السياسة تبحث عن المصالح حتى ولو كانت على حساب القيم الإنسانية والاخلاقية. والحكومات حتى ولو ادعت بأنها دينية ملتزمة بالاخلاق والقيم الإنسانية، إلا إن التجربة العراقية أثبتت أن النظام الإسلامي في إيران لا يعير الدين والإخلاق أي اهتمام في سبيل بقاء الملالي على كرسي الحكم حتى ولو كان على أشلاء الشعب العراقي. كذلك لا ننسى أن "السياسة فن الممكن"، ويلزم مراجعة الخطط بين وقت وآخر، فإن لم تنجح خطة (ا) يجب أن تكون هناك خطة (ب) جاهزة، لتليها خطة (ج) إذا فشلت الخطة (باء)، وهكذا حسب المستجدات. لأن المهم فيما يخص قضيتنا العراقية، هو دحر الإرهاب وإيقاف النزيف القاتل وتحقيق الأمن وبناء الدولة العراقية الديمقراطية الوليدة، وإنجاح النظام الديمقراطي، ولأن المسألة هي مسألة بقاء أو فناء، "تكون أو لا تكون، تلك هي المسألة" كما يقول شكسبير. وفي هذه الحالة لا يمكن التضحية والمجازفة بحياة الشعب. فإذا كانت دعوة إيران وسوريا تساعد على حل المشكلة فبها ولنجربها على الأقل.
ففي عهد الرئيس محمد خاتمي، عرضت إيران على أمريكا المساعدة في محاربة منظمة القاعدة، مقابل إعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، إلا إن أمريكا رفضت. والآن إيران تواجه مشكلة برنامجها النووي، وهي تؤكد أنه لأغراض سلمية فقط. كما جاء في نقرير "سيمور هيرش، الصحفي الأمريكي المعروف الذي اشتهر بتحقيقاته، في مقال إن تحليل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية استند إلى معلومات فنية جمعت عبر الأقمار الصناعية وإلى أدلة أخرى من بينها قياس معدلات الإشعاع في عينات مياه، وأنه "لم تعثر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على دليل قاطع حتى الآن على وجود برنامج إيراني سري للأسلحة النووية مواز للعمليات المدنية التي أظهرتها إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية." وأضاف أن " أحد المسؤولين البارزين الحاليين بالمخابرات أكد وجود التحليل الخاص بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.. وأبلغني أن البيت الأبيض عارضه." (بي بي سي، 20/11/2006).
كما وهناك دلائل تشير إلى أن إيران وسوريا كانتا تعملان منذ سنوات على إعادة العلاقة الطبيعية مع أمريكا من أجل التخلص من عزلتهما وأزماتهما المتفاقمة. ولكن أمريكا، وخاصة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، كانت هي الرافضة لأي تقارب أو حوار مع هذين النظامين. كما ويبدو لي، ومن خلال هذه المستجدات، أن بات الجميع، أمريكا وحلفائها، وحتى إيران وسوريا، توصلوا إلى قناعة مفادها أنه لا يمكن استتباب الأمن والسلام في المنطقة وتخليص العالم من البؤر المتوترة إلا بحل جميع مشاكل منطقة الشرق الأوسط.
لذلك، وخلافاً لموقف الصديقين العزيزين، الدكتور شاكر النابلسي والدكتور عزيز الحاج، أعتقد أنه من المفيد إعطاء السلام فرصة،وذلك بدعوة إيران وسوريا إلى المساعدة في هذا الشأن، إذ تقول الحكمة: "أن تحاول وتفشل خير من أن لا تحاول أبداً". لا شك أن لإيران وسوريا شروطهما وأجندتهما، ولكن كما قال جيمس بيكر:" إنه لا يعتبر الحديث مع الأعداء استرضاء لهم". أعتقد أن هذه التحولات والمحاولات في جر إيران وسوريا إلى طاولة المباحثات هي في صالح العراق والمنطقة. وأعيد على الأذهان مقولة حكيم السياسة البريطانية الراحل ونستون تشرتشل: "أن الأمريكان لن يجربوا الحلول الصحيحة إلا بعد أن يستنفدوا جميع الحلول الفاشلة". كما ويجب أن لا نعتبر المحاولة انتصاراً لسوريا وإيران، إذ أن هذين النظامين غارقان في مشاكلهما وخاصة الاقتصادية والعزلة العالمية، والصراع العربي-الإسرائيلي، كذلك دورهما في إشعال الفتنة اللبنانية وعلاقتهما بحزب الله وموجة الاغتيالات التي كان آخرها اليوم 21 تشرين الثاني، وراح ضحيتها الشهيد بيار الجميل، وزير الصناعة اللبناني، وهي تحمل بصمات المخابرات السورية، كل هذه المشاكل كلفت شعوب المنطقة وأمريكا الكثير من الأرواح والأموال. لذلك أعتقد أن المستجدات الراهنة ترمي إلى حل جميع هذه المشاكل وتحرير ثروات هذه البلدان واستثمارها في التنمية البشرية والاقتصادية بدلاً من تبديدها في الحروب العبثية والصراعات المهلكة.
يقول رالف بيترز، ضابط عسكري أمريكي متقاعد في بحث له نشر في (Armed Forces Journal) بعنوان (Plan B for Iraq) أن العراق سوف لن يكون فيتنام ثانياً لأمريكا كما يتمنى البعض، بل إنه سيكون فيتنام للقاعدة ولأعداء أمريكا. وإذا انسحبت أمريكا من العراق قبل بناء القوات المسلحة العراقية القادرة على حماية النظام الديمقراطي، فإن العراق سيتحول إلى فيتنام للقاعدة وإيران وسوريا. قد تبدو دعوة إيران وسوريا لحل المعضلة العراقية انتصاراً لهما وتراجعاً لأمريكا، ولكني أعتقد العكس، إذ أعتبرها فكرة جيدة وفيها نهاية التطرف الإيراني-السوري وعزلهما عن المنظمات الإرهابية وجرهما لطاولة الحوار وبناء جسور الثقة لمصلحة الجميع، وإن فشلت هذه المحاولة، فإنها ستكون النهاية الماحقة لكل من إيران وسوريا والقاعدة وفلول البعث.
في مقاله القيم بعنوان (من ناصر إلى نصر الله) قاول الدكتور مأمون فندي في صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية ليوم 6/11/2006، عن المغامرين من القادة العرب من أمثال عبدالناصر وصدام حسين وحسن نصر الله الذين زجوا شعوبهم في حروب غير متكافئة، فسمح لهم في أول الأمر بتحقيق بعض المكاسب كتشجيع لهم لخوض معارك أكبر في فترات لاحقة لتكون فيها نهايتهم بالضربة القاضية، فيقول: "ناصر وصدام ونصر الله، كانوا أشبه باللاعبين المبتدئين في صالات القمار، يمنحهم الكازينو مكسبا أوليا حتى يشجعهم على الاستمرار في اللعب. استمرار في المقامرة حتى يخرجوا من الصالة مفلسين تماما. دخل ناصر اللعبة وكسب في 1956، واستمر في اللعب حتى جاءت هزيمة الـ 1967، فدخل، وأدخل العرب معه، في حالة الإفلاس. صدام لعب ولعب حتى وجد نفسه في قفص الاتهام محكوما عليه بالإعدام شنقا، كما أعلنت أمس المحكمة العراقية. فهل سيستمر حسن نصر الله كسابقيه، في اللعب حتى الإفلاس، أم سيتوقف ويخرج من الصالة راضيا بما حصل عليه من مكسب؟!" . أعتقد أن حسن نصر الله قد أعلن إفلاسه بعد هزيمته في الحرب الأخيرة مع إسرائيل والتي سماها بالنصر الإلهي!!. إعطاء بعض المكاسب البسيطة للاعبين الصغار مثل إيران وسوريا لجرهما إلى "الكازينو العراقي"، ربما هو بداية نهايتهما ويجب أن لا نتعجل الأمور، فلا يمكن لهؤلاء الزعران الصغار أن ينتصروا على اللاعبين الكبار.