الحزب الإلهي وأولى ثمار الحرب الأهلية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لم يمض عامان حسب، على إغتيال الوزير الأول، رفيق الحريري، إلا وجاء الدورُ الآن على بيير الجميّل؛ أصغر وزراء حكومة الأغلبية اللبنانية. أصغرهم عمراً وأجلهم قدراً، بصفة الشهادة المتواشجة منذ اللحظة مع إسمه. هيَ ذي إحدى الثمار الدموية للشجرة النخرة، المتداعية، والتي لا تريد أن تهوي إلى حضيضها قبل إفساد حقل منطقتنا برمته؛ شجرة العائلة القرداحية ، الوراثية، الملطخة بدماء قوافل متتالية من أبناء الشعبين السوري واللبناني. آثار خطى المجرم، الجبان، تقود جميعاً إلى جحور الظلام البعثية، الأمنية، التي ما تفتأ عن ترويع موطن الأرز خصوصاً، ومباشرة ً بعيْدَ مهزلة التمديد للرئيس الدمية؛ هذا المعيد لذاكرة التاريخ وظيفة متصرف جبل لبنان، المعيّن من لدن الباب العالي، العثماني !. ولكي تكتمل مهزلته، لم يجد رئيسُ الدولة الصوريّ هذا، من حرج أخلاقيّ على الأقل، برفضه مشروع المحكمة الدولية بشأن إغتيال الحريري؛ المحكمة، التي يُدرك هوَ وسيّده السوريّ ، وقبل الجميع، منْ ستودي به الإدانة، أحكامُها المبرمة. دمُ الحريري إذاً، كان قرباناً لتلك المهزلة المبتليَ بها لبنان. وها هوَ دمُ الجميّل الإبن بدوره، يضحي قرباناً للمحكمة المقبلة، للحيلولة دون إنعقادها: إن فرط حكومة السنيورة، عبْرَ إنسحاب وزراء الباب العالي، كان خطوة أولى لذلك الجهد التخريبي. أما الخطوة التالية، فشهدناها اليوم بإسقاط وزير الصناعة برصاص القتلة المأجورين.
لنصغ لخطاب زعيم الحزب الإلهي، الذي حدد فيه ساعة الصفر للخراب القادم على لبنان: " الحكومة الحالية حتى عندما كنا فيها، وبشكل أكبر بعد خروجنا، لا يمكن إئتمانها على القرار السياسي ". طبعاً، إنه يقصد حكومة الأغلبية النيابية برئاسة السنيورة. أما مشكلة سيّد المقاومة ذاك، مع هذه الحكومة؛ فهاهوَ يستطرد في خطابه، موضحاً ماهيتها: " لأن مشكلتها الرئيسية هي أنها تلتزم قرارات وإملاءات الإدارة الأمريكية ". إننا هنا بحسب هذا القول الإتهاميّ، غير الملتبس، أمام المبرر الوطنيّ ـ كذا ـ المُساق لكل جريمة طالت رموز الإستقلال اللبناني؛ منذ يوم تفجير موكب الرئيس الحريري. ألم يتبجّح زعيم حزب آيات الله هذا، في أكثر من خطاب له من خطب الفتنة، الفظة، بأنه سيقطع أيدي ورأس كل من يتطاول على ما أسماه " سلاح المقاومة "؟؟ وهاهيَ أحد الرؤوس، المطلوبة، تسقط على مذبح هذا السلاح المقاوم؛ ما دام حسن نصر الله، وبملء شدقه، قال في خطابه الأخير موصفاً حكومة السنيورة: " غير الشرعية وغير الدستورية، حكومة السفير جيفري فيلتمان ". فإذا كانت هذه حكومة السفير الأمريكي ببيروت، لا حكومة الوطن الشرعية الدستورية ـ كما تخرّصَ زعيم الحزب الإلهي؛ فما هيَ إذاً الموانع الوطنية والدينية والأخلاقية، التي تحول دون إغتيال أركانها وأعضائها؟؟
دعوة نصر الله رعيته، المختارة، لما أسماه " الجهوزية النفسية " قبيل النزول للشارع لإسقاط الحكومة؛ هكذا دعوة، تفصح جلياً عن نفسيته المريضة، المهزوزة، التي لا تجد إطمئناناً ـ كما هيَ حال أمثاله الفاشيين ـ إلا في غمرة الحروب والفوضى والإرهاب. فكم من المخاتلة الماكرة، في خطابه ذاك، الذي يدعي فيه وضعَ: " الخطوط الحمر؛ الحرب الأهلية، ضرب الإستقرار والسلم الأهلي، التصادم والفتنة الداخلية "؟؟.. فهاهيَ الدماء الحمراء، الفعلية الفاقعة، للوزير بيير الجميّل، تغمر تلك الخطوط الحمر، المزعومة، وعينيّ مدّعيها سواءً بسواء.. هاهيَ نذرُ الحرب الأهلية، تدنو من موطن الأرز، عبْرَ زعيق سيّد المقاومة ومشروعه، البائس، فيما ينعتُ بـ " حكومة الوحدة الوطنية ": فأيّ نفاق هذا، بينما هوَ يزعقُ في خطاب حربه الجديدة، الداخلية، متهماً أركان الرابع عشر من آذار بالعمالة للأمريكيين والإسرائيليين؛ هؤلاء الذين حالفهم لقرابة العامين في حكومة واحدة، وقبل ذلك في قائمة إنتخابية موحّدة؟؟ وجمهوره المختار، الذي يخاطبه دوماً بكونه " أشرف الناس وأحفاد أطهر بيت "؛ هذا الجمهور، المغلق على عقله بإحكام الأقفال المذهبية، وفي إمارته الطالبانية المترامية بين الجنوب والبقاع والضاحية: ألن ياتي اليوم ليسائله عن حجم الدمار والخراب والدم، الذي ألحقه بالوطن بمغامرته الطائشة بعملية خطف الجنديين الإسرائيليين، خصوصاً بعدما شاءت زلة لسانه، عبر الأثير، أن يعترف بـ: " عدم توقعنا حجم الردّ الإسرائيلي، ولو كنا لندرك حجمه لما قمنا بتلك العملية "؟؟.. أم أنه خشية هكذا مساءلة، أعدّ العدة لتحشيد هذا الجمهور، المغلوب على أمره، من أجل قذفه إلى شارع الحرب الأهلية، خدمة لمشاريع الآخرين؛ من الأسياد في قم والقرداحة..؟؟
ذكرني اليوم صديقي ، المقيم في ألمانية ، بما قلته له مساء أمس: من أنّ زيارة " معلم " الخارجية السورية إلى بغداد، هو تغطية من نظامه على تدبير ما، تخريبي، في لبنان. ولم أكن الوحيد، في تلك " النبوءة ". فالمراقبون لأحوال المنطقة، خصوصاً فيما يتعلق بالتطورات اللبنانية الأخيرة ، كانوا يتوقعون أن دماء بريئة ستراق وأن ضحايا جديدة ستسقط. لقد كنا جميعاً، وكما أراد سيّد المقاومة، بكامل " الجهوزية النفسية " لتلقي الثمار الحمر المدمية، العفنة، لحربه الأهلية، القادمة. ولأول مرة، لا يبادر سياسيو حزب الله ـ كما إعتدنا منهم في هكذا حالات ـ إلى إتهام الصهاينة بعملية الإغتيال: ولوْ، أمن المعقول ان تقتل إسرائيل عملاءها؟! أما البوق البعثي ، الذي طلع على مشاهدي " الجزيرة "، مثل عفريت القمقم، فما كان عِظمُ ذكائه وهوَ يوزع بذاءاته على الزعماء اللبنانيين، الإستقلاليين، موحياً لمن يستمع لتهريفه، بأنهم من قاموا بالجريمة الأخيرة لمنع الجماهير المقاومة من النزول للشارع. إنه تجل آخر، للغباء الفاقع المُتلبّس فرعون النظام السوري؛ هذا المشغول على مدار الساعة بإشعال الحرائق في المنطقة؛ في لبنان وفلسطين والعراق، من أجل أن يغطي دخانها على حريق التفجير المستهدف موكب الرئيس الحريري: وهوَ الحريق الذي سيأتي، عاجلاً أو آجلاً، على مقامه الرئاسي، الإستبدادي، الملطخ بالدم.