وهم الإسلاميين الديمقراطيين عند سعد الدين إبراهيم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يعتبر د. سعد الدين إبراهيم اكبر داعية للديمقراطية في العالم العربي، كما يحظى باهتمام كبير لدى صناع القرار في واشنطن. و له من نقاط القوة ما يؤهله لان يلعب هذا الدور. فهو خريج جامعة أمريكية في علم الاجتماع وأستاذ سابق لهذه المادة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. كما له تاريخ حافل بالنضال منذ كان زعيما طلابيا في أمريكا. و لعب بعد ذلك دورا قياديا في المنظمة العربية لحقوق الإنسان. و مما زاد من مصداقيته، نجاحه في تأسيس و رئاسة مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، و أقامته في القاهرة (لا المتاجرة بالشعارات عن بعد من إحدى العواصم الغربية)، و تحمله تبعات السجن دفاعا عن آرائه و مبادئه.
في الفترة الأخيرة، بدا الدكتور يبشر بدور "ديمقراطي" للقوى الإسلامية الأصولية و محاولة إقناع الإدارة الأمريكية القبول بهذه القوى كشريك في العملية السياسية، حيث عرض وساطته لعقد اجتماعات لزعماء الإخوان المصريين مع الديبلوماسيين الأمريكيين في القاهرة، كما صرح هو شخصيا بذلك. نشر د. سعد الدين إبراهيم مقالا هاما في هذا الموضوع في صحيفة "الواشنطون بوست" بعنوان فرعي "نعم شرق أوسط جديد، ولكنه "غاضب وإسلامي وديمقراطي"". في ما يلي فقرات من النسخة العربية للمقال (المنشور على موقع مركز ابن خلدون على الإنترنت)، و ردي عليها:
د. سعد الدين إبراهيم: "فهذه الحركات والجماعات والأحزاب أثبتت جدارتها اجتماعياً واقتصادياً، قبل أن يعلو صوتها سياسياً، ويشتد ساعدها عسكرياً، فالأبعاد الخدمية لها سبقت الجوانب النضالية أو رافقتها جنباً إلي جنب، وربما كان وسيظل هذا التكامل الإنساني ـ المجتمعي هو الذي جعل محاولات القضاء عليها غير مجدية بالمرة".
الحقيقة أن لجوء المصريين للخدمات المجتمعية للإخوان ناتج عن فشل الدولة الذريع في هذا المجال بدليل أن الدولة الإسلامية ذات الإنجازات التنموية الأفضل - ماليزيا- لم يجد فيها المواطن نفسه بحاجة إلى خدمات مثل هذه المجموعات. و مهما يكن من أمر فان النجاح في تقديم بعض الخدمات لا يعني القدرة على تسيير دولة بأكملها. و خير دليلنا على هذا أن المرجعية الشيعية في إيران كانت هي الأخرى تدير شبكة متكاملة للخدمات الاجتماعية، مما مكنها من إسقاط نظام الشاه والانقضاض على الحكم. لكنها أفلست بعد ذلك إفلاسا تاما بدليل أن معدل دخل الفرد (بالقوة الشرائية للدولار الأمريكي) لا تتجاوز 6995 دولار في إيران وهو اقل بكثير من معدل 9512 بماليزيا التي لا تمتلك ثروات إيران النفطية، و اقل حتى من المعدل التونسي (7161 دولار)، حسب لتقرير التنمية البشرية للعام 2005. ثم من قال إن من ينجح في توفير الخدمات الاجتماعية يؤتمن على الديمقراطية أيضا. ألم يوفر النظام النازي عند وصوله إلى الحكم في ألمانيا اكثر من 5 مليون موطن عمل و قضى عل البطالة قضاء تاما؟ هل يعتبر د. سعد الدين إبراهيم النظام النازي ديمقراطيا بناء على هذا الإنجاز؟
د. سعد الدين إبراهيم: "لذلك تجذرت هذه الحركات، والتي اتخذت من الإسلام مرجعية وشعاراً، وستظل موجودة وستنمو ـ سواء أحب ذلك جورج بوش أم كره".
هذا أيضا كقول قائل عن النازية في ألمانيا في أواخر العشرينات - بداية الثلاثينات من القرن الماضي: "هذه الحركة التي اتخذت من النازية مرجعية وشعاراً، ستظل موجودة وستنمو ـ سواء أحب ذلك أعداؤها أو كرهوا". ربما ما يتناساه د. إبراهيم هو أن جميع الحركات الإسلامية، من حركة النهضة التونسية إلى حركة الإخوان المسلمين الى حزب العدالة و التنمية المغربي، ساندت كلها و ما زالت حكم حسن الترابي الدموي في السودان و حكم ملالي طهران الشمولي الذي اعتبره راشد الغنوشي نموذجا لحكم الإسلام و عودة إلى الخلافة الراشدة، ربما لرجمه حتى الموت لما يزيد عن 1200 امرأة، خلال عشر سنوات فقط.
د. سعد الدين إبراهيم: "أما حزب الله ـ ذو المرجعية الإسلامية الشيعية ـ فقد صمد لربع قرن، أفني فيها خمسة رؤساء وزراء إسرائيليين (مناحم بيجن ـ اسحاق رابين ـ بيبي نيتانياهو ـ أيهود باراك ـ آريل شارون)، وها هو علي وشك إفناء سادسهم، أيهود أولمرت، كذلك أفني أربعة رؤساء أمريكيين، حاولوا جميعاً، سحقه بمفردهم أو بمساعدة إسرائيل ـ وهم رونالد ريجان، وجورج بوش (الأب)، وبيل كلينتون، وجورج بوش (الابن)".
لتوضيح مصداقية هذه الحجة من وجهة نظر علم السياسة أسال د. إبراهيم هل "صمود" أنور خوجة في ألبانيا لاكثر من أربعة عقود و "صمود" نظام فيدال كاسترو في كوبا لنصف قرن و "صمود" النظام الستاليني في كوريا الشمالية لاكثر من ذلك يمثل حجة على أن هذه الأنظمة ديمقراطية؟ و الحقيقة أن "الصمود" الذي يشير إليه الدكتور هنا ما كان ليتحقق لولا إرهاب هذه الأنظمة، و لولا الإرهاب و ثقافة الطاعة العمياء لاهل البيت التي يسخرها حزب الله لصالحه، بالإضافة للأموال و الأسلحة الإيرانية التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنويا، لرأينا داخل الطائفة الشيعية اللبنانية نفس التيارات المعارضة الموجودة داخل الطوائف المسيحية و السنية في هذا البلد. و الأغرب هنا أن يتجاهل الدكتور سعد الدين إبراهيم أن تسليم لبنان إلى الشيخ حسن نصر الله و مرجعيته الشيعية سوف يمثل طلقة الرحمة للبنان كما عهدتاه، أي واحة الحرية و الانفتاح و التقدم.
د. سعد الدين إبراهيم: "أما مشكلة الفساد فقد تجاوزتها الحركات والأحزاب الإسلامية، رغم الزيادة المطردة في مواردها المالية، وذلك بفضل أسلوب الحياة البسيط والمتواضع للقيادات، لقد زار هذا الكاتب قيادات حزب الله وحماس والإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية المغربي ـ سواء في مكاتبهم أو مساكنهم، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وأشهد أن البساطة والتواضع هما السمتان المشتركتان بينهم جميعا".
يا دكتور هذا حكم أخلاقي لا قيمة له في علم السياسة. فالتقشف لحركة معارضة أو حتى بعد وصولها إلى الحكم لا يعني نجاحها الاقتصادي، ناهيك عن مصداقيتها في بناء الديمقراطية. قيادات الخمير الحمر في كمبوديا كانت أيضا معروفة بـ "أسلوب حياة بسيط" لكنها، و ما أن وصلت إلى الحكم، حتى أقامت نظاما دمويا راح ضحيته حوالي 3 مليون مواطن بريء. و لنا أن نسال كيف يستطيع أستاذ علم الاجتماع السياسي أن يعتبر التقشف في حركة معارضة برهانا على براءتها من الفساد بعد وصولها إلى الحكم. ألم يسرق ملالي طهران خلال الحرب العراقية الإيرانية مجموع 70 مليار دولار كما أكد ذلك أول وزير اقتصاد في حكومة الخميني؟ أليست إيران اليوم من اكثر بلدان العالم فسادا، حيث جاءت في المرتبة 105 عالميا، مقارنة بالمرتبة 70 لمصر و 44 لماليزيا، حسب المؤشر الذي نشرته مؤخرا منظمة الشفافية الدولية؟ ألم يستولي أبناء حسن الترابي على الجزء الأكبر من ثروة السودان البائس؟
د. سعد الدين إبراهيم: " تبقي المسألة الديمقراطية، وهنا تقاطع غريب بين ما يريده جورج بوش وما يمارسه معظم الإسلاميين بالفعل. فحزب الله، وحماس، والإخوان المسلمون، وحزبا العدالة والتنمية في تركيا والمغرب قد قبلوا ومارسوا الديمقراطية الانتخابية، بل وربما أجادوها أكثر مما كانت ترغب الولايات المتحدة. صحيح أنه ما تزال هناك شكوك مشروعة في مدي إيمان أو التزام الإسلاميين بقيم وممارسات الحرية...".
هنا أيضا يبدو كلام الدكتور إنشائيا لا مصداقية سياسية له، بل هو اقرب إلى مغالطة مؤسفة. يمثل حزب العدالة و التنمية في تركيا حالة خاصة لانه عاجز عن ممارسة الدكتاتورية حتى لو أراد ذلك، نتيجة وجود مؤسسات علمانية متجذرة في المجتمع تحضي برعاية المؤسسة العسكرية من خلال مجلس الأمن القومي. كل هذه العوامل جعلت الحكومة التركية لحزب العدالة و التنمية تقبل بإلغاء حكم الإعدام و منح المواطن التركي حرية المعتقد بما فيه حرية تبديل الدين، و كل هذا تماشيا مع متطلبات الاتحاد الأوروبي. أما الحركات الإسلامية في العالم العربي فمبرر وجودها ذاته يتمثل في التصدي للديمقراطية باعتبارها خروجا عن نظام الشورى، و معاداة حقوق المرأة على اعتبارها خروجا عن الشرع، و معارضة حقوق الإنسان المتعارف عليها في المواثيق الدولية على اعتبار أنها تعني القبول بحرية الضمير أي القبول بالإلحاد و الردة عن الإسلام، وهي تهمة تستحق من منظورهم تنفيذ حكم الإعدام في المتهم بها.
ألم يقرا د. سعد الدين إبراهيم ما كتبه راشد الغنوشي عن الديمقراطية باعتبارها "أم الشرور" عندما كتب بالحرف الواحد: " إن الكثير من المظالم و الفواحش، مثل عدوان الشعوب على بعضها البعض بالاحتلال والاستغلال، وانتشار الفسق و الفساد و الرش و الغش و الضلال، تستمد شرعيتها من جهاز الديمقراطية. ألم تزل اعرق الديمقراطيات في بريطانيا و فرنسا تحتفظ لها بوزارات للمستعمرات... و تشرع للقمار و اللواط و الوأد المعاصر: الإجهاض و تحديد النسل" ( عن كتاب أزمة الديمقراطية في البلدان العربية، صفحة 42، دار الساقي 2004، و مقال العفيف الأخضر: الحداثة التونسية في عيدها الخمسين المنشور بايلاف)؟ الم يقرا د. إبراهيم ما كتبه الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ الإسلامية علي بن حاج: " إن الديمقراطية تقليد للكفار و محرمة شرعا" مستندا في ذلك إلى أقوال شيخ الا سلام ابن تيمية، في سلسلة مقالات له بعنوان: " الدمغة القوية لتنفيذ عقيدة الديمقراطية" ؟ ألم يصرح هذه السنة مستشار الإخوان المسلمين في مصر لمجلة "روزل يوسف": "اقبل أن يحكمني مسلم إندونيسي على أن يحكمني مصري قبطي"؟ أليس هذا إنكار واضح للمبدأ الأساسي للمواطنة في الديمقراطية التي تسوي بين المسلم و غير المسلم و الرجل و المرأة في حقوق المواطنة كما في واجباتها، يا دكتور سعد الدين إبراهيم؟ كيف توفق بين هذه التصريحات التي تتناقض مع أساس العمل الديمقراطي و أنت المناضل المدني الديمقراطي المعروف؟
د. سعد الدين إبراهيم: " والشاهد أن أنصار بن لادن، والظواهري، والترابي هم في تناقص مستمر، بينما الأنصار والمعجبون بحزب الله وحماس والإخوان هم في تزايد مستمر، وهو ما يعني أن الشرق الأوسط الجديد الذي يساهم في تشييده إسلاميون، من تركيا شرقاً إلي المغرب غرباً، سيكون "ديمقراطياً" إن آجلاً أو عاجلا".
هنا أيضا يبدو قول الدكتور كمن قال نهاية العشرينات من القرن الماضي: "و الشاهد أن أنصار العنف المسلح في ألمانيا هم في تناقص مستمر، بينما الأنصار و المعجبون بالحزب النازي و بزعيمه ادولف هتلر هم في تزايد مستمر، وهو ما يعني أن ألمانيا الجديدة التي سيساهم في تشييدها الحزب النازي ستكون ديمقراطية إن آجلا أو عاجلا"!!!
لعل الخطا الفادح الذي ارتكبه د. سعد الدين إبراهيم يتمثل في انتقائه لبعض الحقائق و الفرضيات التي تبدوا حقيقة واقعة ثم البناء عليها للوصول إلى الاستنتاج الذي يود الوصول إليه للتدليل على ديمقراطية الإخوان المسلمين، الحركة الأصولية التي تتناقض مرجعيتها الفقهية، أي الحاكمية لله وحده تناقضا أساسيا مع الديمقراطية التي هي أساسا حكم الأغلبية. و هنا تكون اللخبطة الكبرى التي لا يمكن أن تؤدي إلا إلى نفس الكارثة التي وصلت إليها كل الدول التي سقطت في مخالب الفاشية و النازية الأوروبية بالأمس و الفاشية الخضراء للانتهازيين الذين يتاجرون بالشعارات الدينية في العالم العربي و الإسلامي اليوم.
Abuk1010@hotmail.com