إصلاحيو إيران من التشدد الديني إلى التطرف القومي!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
شكل ظهور ما سمي بالتيار الإصلاحي بقياده الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في تسعينيات القرن المنصرم حدث جديد في الساحة الإيرانية مما دفع بالعديد من مكونات المجتمع الإيراني للتفاعل مع هذا الحدث... الأمر الذي ساهم في وصول خاتمي إلى رئاسة الجمهورية بنسبة أصوات عالية جدا بلغت اثنين و عشرين مليون صوت من أصل أصوات ثلاثين مليون ناخب حسب الأرقام الرسمية التي أعلنتها السلطات الحكومية آنذاك. وهذا ما جعل بعض المراقبين يطلق على خاتمي وصف خميني إيران الثاني من حيث القاعدة الشعبية وهو ما حفز العديد من الأطراف الإقليمية والدولية بالانفتاح على النظام الإيراني ظنا منها أن خاتمي سوف يحدث نقلة نوعية في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية اعتمادا على تلك الشعبية التي حضي بها. وما عزز ذلك الاعتقاد الجولات العربية التي قام بها خاتمي في مطلع رئاسته الأولى والتي شملت سوريا والمملكة العربية السعودية ودولة قطر ولبنان و غيرها من البلدان المجاورة الأخرى في آسيا الوسطى والقوقاز بالإضافة إلى مشاركته في احتفالية الألفية الثانية التي أقيمت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك حيث التقى على هامش تلك الاحتفالية بالعديد من قادة دول العالم واسمعهم كلاما منمقا لم يعهدوا سماعه من مسؤول إيراني قبله. غير أن هذا التفاؤل الداخلي والدولي تحول شيئا فشيئا إلى تشاؤم وقد تبددت أحلام وضاعت آمال الذين كانوا يعتقدون أن خاتمي وتياره (الإصلاحي) سيقلب الصورة في إيران على طريقة غرباشوف الاتحاد السوفيتي و ذلك بعد أن تبين لهم، ومنهم الشعوب والقوميات الإيرانية تحديدا، أن خاتمي الداعي إلى الخروج من التزمت والتشدد الديني بات سائرا نحو التعصب العنصري. وذلك اعتمادا على جملة من التصريحات والقرارات التي أطلقها خلال فترتي رئاسته الأولى والثانية. بالإضافة إلى تنصله من جميع الوعود التي كان قد قطعها على نفسها ومنها ذلك الوعد المتعلق بتطبيق المواد الدستورية المعطلة، المواد 15 و 19 و 48 اللتي تنص على أن يتمتع أفراد "الشعب" الإيراني من أي قومية أو عشيرة كانوا، بالمساواة في الحقوق، ولا يعتبر اللون والعنصر أو اللغة و ما شابه ذلك سببا للامتياز. كما لا يجوز التمييز بين مختلف المحافظات والمناطق في مجال استغلال المصادر الطبيعية للثروة والموارد الوطنية العامة وتنظيم وتقسيم النشاط الاقتصادي في مختلف المحافظات ومناطق البلاد، بحيث يوظف في كل منطقة رأس المال والإمكانات الضرورية في حدود حاجاتها واستعدادها للنمو. ولكن على الرغم من أن هذه المواد تشكل حجة على معارضي خاتمي فيما لو أرد تطبيقها كونها مواد دستورية، غير انه لم يعمل على تطبيقها طوال مدت رئاسته التي دامت الثمانية أعوام وبقيت تلك المواد الدستورية معطلة إلى يومنا هذا.
وكان خاتمي قد ابتدئ تصريحاته التي وصفت بالعنصرية وشكلت وقتها مفاجئة للدول الخليجية، ابتدأها من ميناء بدر عباس عند مضيق هرمز في أوائل شباط 2000 والتي قال فيها: أن الخليج فارسي كان وسيبقى إلى الأبد، وان هذه الصفة حقـيقة تاريخية.
وقد الحق خاتمي تصريحه هذا بتصريح مشابه آخر لدى استقباله الرئيس الآذربيجاني السابق حيدر علييف في طهران وذلك عندما أطلق تسميت، بحر مازندران، على بحر قزوين فرد عليه الرئيس الآذري بتهكم قائلا، إنها تسمية جديدة لم نسمع بها من قبل وهي مخالفة للتاريخ،.
كانت هذه التصريحات البداية التي كشفت الصورة الحقيقية لقائد التيار (الإصلاحي) وداعية حوار الحضارات الرئيس محمد خاتمي الذي اصبح يستغل المناسبات والإمكان الهامة ليعزف منها على وتر تعصبه القومي ليبين تخلصه من التشدد الديني الذي ظهر به نظام الجمهورية الإيرانية قبل مجيئه إلى سدة الرئاسة . و كان خاتمي قد أطلق من نيويورك في عام 2000م لدى اجتماعه بالجالية الإيرانية كلمته الشهيرة التي قال فيها "نفخر نحن الإيرانيين بأننا قبلنا الإسلام ورفضنا العربية" متناسين أن عرب الأحواز كانوا قد صوتوا له ضد منافسه علي شمخاني الذي يقال انه من أصول عربية أيضاء.
إلى جانب هذه التصريحات هناك العديد من التصريحات والقرارات المحملة بروح التعصب العنصري التي أطلقها خاتمي خلال فترة رئاسته وهو ما أعطى الفرصة للتيار القومي الفارسي المتعصب للانتعاش والعودة إلى مراكز القرار في حكومة الإصلاحيين والعمل بقوة دون تخفي أو مؤاربة مثل ما كان يعمل في العهود التي سبقت رئاسة خاتمي. ولعل الوثائق السرية التي كشفت عن الخطط التي وضعتها حكومة "الإصلاحيين" بشأن تهجير أبناء عدد من الشعوب والقوميات غير الفارسية من مناطقهم وسلب أراضيهم و إسكان مستوطنين فرس محلهم خير دليل على أن السيد خاتمي وتياره الموسوم ( بالإصلاحي ) كانا يسعيان إلى الانتقال من سياسة التشدد الديني إلى التعصب القومي. و أن هذه السياسة لم تفارقهم على الرغم من فقدانهم للسلطة. ولعل ما نشرته بعض الصحف الموالية لهم مؤخرا من صور كاريكاتورية مسيئة للغة وملابس كل من القومية الاذارية و اللرية تؤكد ذلك. كما أن اعترضهم الشديد على خطوة حكومة احمدي نجاد الأخيرة بشأن جعل العطلة الرسمية لعيد الفطر الماضي من يوم واحد لمدة ثلاثة أيام، وهي المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإيرانية حيث كانت العطلة لعيدي الفطر والأضحى يوما واحد فقط غير أن هذه المرة وحسب ما أوضحه الناطق باسم الحكومة الإيرانية" السيد الهام " جاءت العطلة لمدة ثلاثة أيام لكون الحكومة لم تكن تعلم ما إذا ما كان العيد سوف يصادف يوم الثلاثاء أو الأربعاء ولهذا جعلتها ثلاثة أيام لكون العيد قد تزامن مع عطلة نهاية الأسبوع. ولكن رغم ذلك فقد شأن تيار خاتمي حملة ضد حكومة الرئيس احمدي نجاد متهما إياها بتعطيل العمل وتحميل الدولة خسائر مالية كبيرة جراء هذه العطلة الطويلة والمفاجئة.
ومن الملفت للنظر أن من ابرز منتقدي هذه العطلة هو نائب الرئيس الإيراني السابق السيد محمد علي ابطحي صاحب " وثيقة ابطحي " المشهورة و الداعية إلى تهجير عرب الأحواز من مناطقهم و إسكان الفرس محلهم تلك الوثيقة التي تم الكشف عنها في أواخر عهد خاتمي وأدت إلى تفجر انتفاضة شعبية في الأحواز عرفت بانتفاضة نيسان .
فقد كتب السيد ابطحي معترضا على عطلة عيد الفطر قائلا: "إن الإعلان المفاجئ لهذه العطلة يأتي للتقليل من أهمية عطلة عيد النوروز، حيث وصفت بعض المواقع المقربة من الحكومة هذه العطلة بأنها خطوة إسلامية لمحاربة ظاهرة الخرافات. فإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني وضع الشعائر الدينية في مواجهة التقاليد الوطنية والقومية وهذه من اخطر الأمور، ولكن سوف يفشل من يسعى إلى ذلك. و إذا كانت أهمية وعظمة تاريخ إيران والإيرانيين تكمن في فتح ذراعيهم للإسلام، فان الإيرانيون لم يتخلوا عن عاداتهم و تقاليدهم القومية ولم يبدلوا لغتهم الفارسية باللغة العربية و بقوا فخورين بايرانيتهم. و إن سر بقاء شعار الهوية الإيرانية يكمن في النوروز. إن ما نخشاه هو أن يذهب هؤلاء فعلا إلى حرب التقاليد القومية بالشعائر الدينية ليجروا البلاد إلى فقدان الهوية القومية والدينية معا".
السيد ابطحي الذي يرتدي لباس رجل الدين المثقف قد كشف في هذا الموقف حقيقية طالما حاول الكثير من قادة ما يسمى بالتيار الإصلاحي واتباع الرئيس محمد خاتمي وغيرهم من المسؤولين الإيرانيين إخفاءها.
ولكن السؤال الذي يوجه إلى هؤلاء الاصلاحيين، ترى هل التخلي عن ثقافة التشدد الديني يتطلب الانتقال إلى التعصب القومي؟.
الكاتب : رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي