كتَّاب إيلاف

لماذا مناقشة الشذوذ فى البرامج حلال وفى الدراما حرام؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

* علاء الأسوانى : إلغاء شخصية الصحفى الشاذ جنسياً من مسلسل "عمارة يعقوبيان " أفضل من خيانة الرواية.
* حاتم رشيد شاذ جنسياً ولكنه ليس فاسداً سياسياً.
* هل الشاذ جنسياً مجرم أم ضحية؟

[ ستظل شخصية حاتم رشيد الصحفى الشاذ جنسياً فى رواية "عمارة يعقوبيان " مصدراً للمشاكل وحقلاً للألغام، فبعد أن دخلت مجلس الشعب من خلال الفيلم وأثارت غباراً كثيراً فى أرض المعركة وقدمت من أجلها الإستجوابات، وإنعقدت لإدانتها اللجان والمنتديات والمؤتمرات، ومن قبلها أخفاها المتحفظون تحت وسائدهم وهى رواية، إلتهموها قراءة ثم أدانوها بتهمة أنها "بوظت " الجيل الجديد، وكم من الجرائم ترتكب بإسم هذا الحفاظ على الجيل الجديد، بعد الرواية والفيلم أطلت الفتنة برأسها من خلال مسلسل "عمارة يعقوبيان "، فقد أعلن السيناريست عاطف بشاى أن شخصية حاتم رشيد ستتحول من شاذ جنسياً إلى فاسد سياسياً!.
[ أخبرنى د.علاء الأسوانى أنه رافض لهذا التحويل برغم إحترامه للمعالجة الجيدة والواعية لعاطف بشاى، وأضاف أنه ينتهج نهج أستاذه نجيب محفوظ فى أنه مسئول فقط عن روايته التى كتبها أما الدراما المرئية سواء فيلم أو مسلسل فالسيناريست والمخرج أحرار، ولكن علاء الأسوانى أضاف شرطاً وهو " فليفعل صناع الدراما ذلك بشرط عدم خيانة الرواية، وتحويل حاتم رشيد هذا التحول العجيب ليس من نسيج الرواية، والأفضل شطبها نهائياً من المسلسل "، وأعتقد أن موقف الأسوانى هذه المرة قوى لأنه إشترط فى العقد أن يوافق على المعالجة والسيناريو، وهو إتجاه محمود فى العقود الفنية بين المنتج والمؤلف.
[ السيناريست عاطف بشاى كاتب ذكى وحساس ومحترف ولكنه فى مأزق، فهو بالفعل قد أخبرنى أنه ينوى تحويل حاتم رشيد إلى فاسد يناصر البرلمانى النصاب فى حملته الإنتخابية وهو يعتبر أن الشذوذ ليس خطاً هاماً ورئيسياً فى العمل، ولكنه بخبرته الطويلة فى كتابة الدراما التليفزيونية، ومن خلال معرفته بكواليس الرقابة التليفزيونية، يعرف جيداً أن تقديم حاتم رشيد بصفته رئيس تحرير شاذ جنسياً كما هو مكتوب فى الرواية لن يمر إلا على جثة جهاز الرقابة بأكمله، ويمكن يعزل فيها وزير الإعلام، وإذا كان وزير الثقافة كان سيذهب فى عاصفة الحجاب، فمن المؤكد أن وزير الإعلام سيطير فى إعصار الشذوذ الجنسى، ولأن مجلس الشعب تعامل مع فاروق حسنى بمنطق إضرب المربوط يخاف السايب، فإن كل سايب من المؤكد أنه قد أخذ عبرة من رأس الذئب الثقافى الطائر!.
[ الأزمة ليست أزمة شخصية بين روائى وسيناريست فكلاهما يحترم الآخر شخصياً ويحترم إبداعه، وهى ليست أيضاً مجرد تعامل مع شخصية روائية من ضمن اكثر من ستين شخصية تحتل عمارة يعقوبيان، وليست مجرد إختلاف وجهات نظر تعودنا عليه فى مسلسلاتنا كل عام، ولكن القضية أكبر من هذا وتطرح أسئلة أعمق من مجرد التناول السطحى لها، فكاتب الرواية مؤلف يحترم نفسه ويتمسك بإبداعه، وهو ليس عنيداً لمجرد العند، ولكنه يحس أن التغيير الجذرى الشامل لشخصية حاتم رشيد هو خيانة غير شرعية لروح الرواية، وإنه مالوش دعوة بإختلاف الميديا فى هذه النقطة فالحل سهل وهو الإلغاء ونفى حاتم رشيد خارج فردوس التليفزيون لن يفرق مع الأسوانى شيئاً ولن يحرك فيه ساكناً، وبشاى رؤيته لشخصية حاتم رشيد أن شذوذها ليس مفصلياً فى الرواية، وأنه لكى يمر هذا العمل العملاق من ثقب إبرة الرقابة علينا أن نتعاون ونطاطى للريح شويه، لأن عمارة يعقوبيان أكبر من أن تتوقف عند حاتم رشيد، وأنا سأخرج من هذه النقطة الضيقة إلى رحاب القضايا التى تفجرها مثل هذا الخلاف الذى يبدو للبعض بسيطاً، وأطرح بعض التعليقات للمناقشة.
[ الصحفى حاتم رشيد شخصية مركبة فى رواية جدارية، وليس معنى أنه شاذ جنسياً أنه بالضرورة فاسد سياسياً، بل على العكس ينشأ الصراع داخل الرواية من التناقض بين كونه رئيس تحرير ناجح وجاد ودوغرى فى عمله، وبين كونه ينتمى إلى المثليين جنسياً، ومن هنا ينشأ الصراع الداخلى بينه وبين نفسه، والصراع الخارجى بينه وبين المجتمع، وإذا كان الأسوانى قد ألقى حجراً فى البحيرة الراكدة، وطرح سؤالاً صادماً على كل من قرأ الرواية وهو هل الشاذ جنسياً مجرم أم ضحية؟، وهو سؤال مطروح من قبل فى كتب علم النفس، وحسمه أطباء علم النفس بأنه ضحية أحياناً لمتاعب نفسية فى الطفولة، وأحياناً لخلل كيميائى، وأحياناً أخرى لصراعات زرعتها فيه العائلة، وهذا أهم ماطرحته هذه الشخصية المركبة المثيرة للجدل، لدرجة انه عندما عرض الفيلم تخيلنا من كثرة مناقشة شخصية حاتم رشيد أنه لايوجد شخصية غيرها فى الرواية، فهى بمثابة عصا موسى التى إلتهمت حيات السحرة!.
شخصية بهذا الحجم وهذا التأثير وبعد أن أثارت هذا الجدل اعتقد أنه من الظلم أن نختزلها فى تفسير نمطى للفساد، يعنى بإختصار نتعامل بمنطق إذا ماكناش قادرين نظهره شاذ إذن نظهره فاسد والسلام، وهو منطق يجعلنا نعود إلى المربع رقم واحد ثانية أو إلى نقطة الصفر مرة أخرى فى مناقشة قضية المثليين جنسياً، فنحن إذا كنا نتعامل مع مرض نفسى فلابد أن نفهم من يعانون منه قبل أن نعدمهم غيابياً، ولا أقول أن مجتمعنا لابد أن يتعاطف لكن على الأقل يفهم، لأن إلغاء شخصية حاتم رشيد من المسلسل لن تلغيه من الحياة، فهو كان ويكون وسيكون ويظل إلى قيام الساعة، ولن ينفع السجن أو الإعدام فى الإجتثاث، ولذلك كان فضل الرواية أنها فجرت قضية فهم هؤلاء المثليين، وكيفية نشوء مثليتهم.
[ ثانى القضايا التى طرحها هذا الخلاف قضية الشعرة الرفيعة التى بين حرية السيناريست فى تناول الرواية الأصلية ومد خطوط درامية تجدد دماءها وتعمقها، وبين حريته فى خيانة الرواية أو تشويهها، وأنا لاأتحدث عن هذا العمل بالذات أو عن عاطف بشاى بالذات، فهو كما عرفته من خلال تناوله السابق لروايات مثل "لا " وغيرها من الأعمال كان مخلصاً للعمل الأصلى وليس مترجماً فورياً، ولكن القضية أشمل من محيط ودائرة الأسوانى بشاى، فهى تمس علاقة شابها التوتر بين المؤلف الأصلى والسيناريست، تخلى فيها المؤلف كثيراً عن ثوابته الروائية الفنية أحياناً تحت إغراء المال، وأحياناً أخرى تحت تعسف المنتج وعقوده الإذعانية المتعجرفة المتعنتة، ولذلك أطالب بتثبيت بند موافقة المؤلف كشرط أساسى على ظهور السيناريو وبالتالى المسلسل إلى النور، حتى لانترك المسألة بدون شروط وقواعد، وفى هذه الرحلة أيضاً تخلى السيناريست الذى يتعامل مع عمل روائى عن بديهيات التعامل الفنى أو حتى الإنسانى، وقرر معظمهم تشريح وتمزيق الأعمال الأصلية، أحيانأً للتفصيل على مقاس النجوم، وأحياناً أخرى لإثبات أنه ليس أقل من المؤلف الأصلى، فنشاهد فى النهاية على الشاشة مسلسلاً لايمت بصلة للرواية إلا فى الإسم فقط، أما الحشو الداخلى فهو جنين حرام لقيط لايصلح معه حتى التبنى.
[ لاأفهم حتى الآن لماذا يستطيع التليفزيون مناقشة كل القضايا ومن بينها الشذوذ الجنسى فى البرامج ولايستطيع ملامستها أو الإقتراب منها درامياً؟!، نقطة غير مفهومة أتمنى أن يجيبنى عنها مسئولو الدراما فى التليفزيون، والمدهش أن هناك أفلاماً ومسرحيات موجودة فى مكتبة التليفزيون فيها شخصيات يفهم منها أنها مثلية جنسياً أو على الأقل مخنثة مثل شخصية عبد السلام محمد فى مسرحية "سكة السلامة "، أو فاروق فلوكس فى فيلم "الراقصة والسياسى "، أو حتى الفنان الكبير عادل إمام فى فيلم "سيد درويش " إن لم تخنى الذاكرة فى دور صبى العالمه....الخ!، كل هذا مر وعرض دون أدنى إعتراض أو إحتجاج من المشاهدين برغم أن درجة التخنث والمياصة والميوعة كانت عالية، ولون الإيحاءات كان فاقعاً وزاعقاً أكثر من شخصية حاتم رشيد فى الفيلم، وهنا يظهر التناقض، نفس الجهاز وهو التليفزيون يعرض موضوعاً بوسيلة وطريقة، ويخجل ويصادر نفس الموضوع بوسيلة أو طريقة تناول مختلفة.
[ الخلاف حول شخصية حاتم رشيد فى مسلسل عمارة يعقوبيان ليس تصدراً فى الهايفه، وإنما هو تصدياً لقضية أن كل شئ مطروح للمناقشة والتناول، ولذلك إلغاء حاتم رشيد أفضل من تفصيله على مقاس الذوق الاخلاقى السائد، ورشوة المجموع حتى ولو حساب الإبداع والعلم، وإذا كان حاتم رشيد قد مارس الشذوذ الجنسى وتمت إدانته سينمائياً، فأنا أعتقد أن صناع المسلسل لن يقعوا أبداً فى خطيئة الشذوذ الإبداعى الفنى ويحملوا حاتم رشيد جرائم أخرى لم يرتكبها، وهذا دفاع عن الحق الفنى وليس دفاعاً عن حاتم رشيد.

* د.شامه مستشار وزير الأوقاف يقول : *إن من ينكر حديثاً، لشكه فى صحة نسبته إلى الرسول لا يصير بذلك الإنكار كافراً.
* الشيوخ ليست لهم القداسة التى يتمتع بها رجال الدين فى الأديان الأخرى، وليس بينهم وبين الله عهد بأن يتصل بهم ويملى عليهم ما يريد إبلاغه للناس.
* البحث فى مجال العقيدة ليس حكراً على طائفة، ولا يعتبر "تابو" محرماً على غير "رجال الدين" لمجرد أنهم لا ينتسبون "مدرسياًّ" إلى هذه الطائفة.
* فى الإسلام رجال الدين لايملكون حق التشريع وليست لديهم صكوك غفران و ليس لهم حق مصادرة رأى، أو فرض وصاية.

وصلنى من د.محمد شامه عالم الدين المستنير ومستشار وزير الأوقاف تعليقاً على ماكتبته فى إيلاف عن الخوف من سطوة رجال الدين وتحولهم إلى كهنوت أشبه بكهنوت العصور الوسطى الذى صادر الأفكار وقمع الحريات بإسم الدين، ود.شامه رجل تعرض فى مرات كثيرة بسبب آرائه الجريئة والتى نشر بعضها فى صوت الأمه فى حواراته مع الزميل مطاوع بركات إلى هجوم بلغ حد التجريح والسباب لمجرد أنه إختلف عن السائد وطالب بفهم وخطاب دينى جديد، وإقتطفت من رسالته المطولة هذا الجزء المهم والذى أعتقد أنه لابد أن يكون دستوراً لفهم دور رجال الدين فى الإسلام، وعدم إرهابنا بإسم التخصص وكأن الدين أصبح حكراً عليهم، مؤمماً لدى طائفة معينة تصادر على كل منهج جديد فى التفكير بدعوى أنه ليس خارجاً من "الجيتو" الخاص بهم، يقول د.شامه "فهم النصوص القرآنية، قد اختلف فيه العلماء - إلا ما كان قطعي الدلالة، وهو قليل جداً - اختلافاً كبيراً، وذلك نظراً لاختلاف الرؤى، وتباين الثقافات، وتعدد المذاهب، سواء كان ذلك من منطلق البحث عن الأحكام الفقهية التى تتعلق بالعبادات، أو كان توضيحاً لأسس العقيدة وما يتعلق بها من تفصيلات وتفريعات، أو كان بياناً لمبادئ وتنظيمات تقوم عليها حياة المجتمع الإسلامى. وعليه فلا يجوز لأحد الحكم على آخر بالكفر، لأنه خالفه فى فهم النص، أو اتجه اتجاهاً مناقضاً له فى التفسير والتأويل ؛ لأنه لو كان ذلك جائزاً لأصبح الجميع كفاراً، لأن كل واحد سيرمى الآخر بالكفر، مع عدم إمكانية ترجيح واحد على الآخر. ومن هنا لا يصح اتهام " مجتهد " بالكفر، حتى وإن خالف رأيه ما ذهب إليه جمهور المسلمين، ما دام اجتهاده قائماً على أسس سليمة لغوياًّ ومنهجياًّ.
هذا فيما يتعلق بنصوص القرآن الكريم، أما السنة فينبغى التفريق بين السنة القولية والسنة العملية ؛ فالعملية، كهيئة الصلاة، وما يشبهها فى وضوحها وتكرارها لا خلاف فيه، أما ما عدا ذلك فقد كثر فيها الخلاف، ما بين منكر لها لعدم إمكانية التأكد من صدق رواتها، مما يشكك فى صحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين من يرى أنها كلها واجبة الاتباع، وخاصة ما تأكد علماء الحديث - طبقاً للشروط التى وضعوها - من صحة روايتها عن رسول الله 
غير أن بعضهم - وخاصة فى العصر الحديث - يرى أن صحة الرواية لا تكفى، بل يجب أن يُضَمَّ إليها صحة المتن، بحيث لا يتناقض مع العقل، ولا يتنافر مع مصلحة مؤكدة، أو يصطدم مع مسلمات بدهية، لا مجال للشك فيها، كدوران الأرض وغيره من المعلومات الكونية التى تأكدت صحتها بوسائل شتى. وإزاء هذا الوضع نستطيع أن نقول : إن من ينكر حديثاً، لشكه فى صحة نسبته إلى الرسول لا يصير بذلك الإنكار كافراً، لأن ذلك من الأمور المختلف فيها، وخاصة أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوجه اهتمام المسلمين - ولم يأمرهم - بتدوين الحديث، وذلك على أرجح الأقوال المروية فى التراث.
وننتقل إل العنصر الثانى، وهو مدى ما يتمتع به المتخصصون فى الدراسات الإسلامية ( رجال الدين ) فى مجال التشريع، ومدى إمكاناتهم فى تحديد الحلال والحرام!!!! لا يتميز رجال الدين فى الإسلام عن غيرهم إلا بمقدار إخلاصهم فى العقيدة، واجتهادهم فى مجال خدمة المسلمين، عن طريق تعليمهم أحكام الدين وإرشادهم إلى ما ينفعهم فى دينهم ودنياهم، أى أن درجة التقوى والصلاح التى تدفعهم إلى إتقان عملهم، هى التى ترفع مكانتهم عند الله، وليس انتسابهم - مجرد الانتساب - إلى هذه الطائفة، هو الذى يرفع مكانتهم، ويفضلهم على الآخرين، كما أنهم ليسوا هم وحدهم الذين تُرْفَع درجاتهم لو أخلصوا العمل، إذ ينال كل مجتهد هذا الجزاء، حتى وإن كان تخصصه بعيداً عن مجال الدين، فكل من أخلص فى عمله، واجتهد فيه، وأتقنه، فإن الله يكرمه، ويجازيه على ما بذله من جهد، وما تحمل من تعب فى سبيل خدمة أمته. ومن هنا فإن "رجال الدين " لا يختلفون فى الإسلام عن غيرهم، فليست لهم القداسة التى يتمتع بها رجال الدين فى الأديان الأخرى، وليس بينهم وبين الله عهد بأن يتصل بهم ويملى عليهم ما يريد إبلاغه للناس، كما يدعى بعض رجال الدين فى كثير من الأديان الأخرى، فهم بشر، صلتهم بالله كصلة أى إنسان آخر، تخضع فى قربها وبعدها عن رحمة الله لما يقوم به المرء من أعمال، وتتعلق بمدى الإخلاص له فى العبادة، وعليه، فلا يجوز لأحد أن يدعى أنه هو وحده - بحكم انتمائه إلى هذه الطائفة - المختص بالبحث فى مجال النصوص المقدسة، إذ يجوز لكل مسلم أن يدلى بدلوه فى هذا المجال، ما دام قادراً عليه بثقافته، وعلمه، وإلمامه بالنصوص المقدسة، وتمكنه من تفاصيل المناهج اللازمة للبحث، وإن لم يكن من الوجهة الرسمية فرداً من هذه الطائفة، لأن البحث فى مجال العقيدة ليس حكراً على طائفة دون غيرها، ولا يعتبر " تابو " ( أى مُحَرَّماً ) على غير " رجال الدين " لمجرد أنهم لا ينتسبون " مدرسياًّ " إلى هذه الطائفة، بل هو متاح لكل قادر على الالتزام بقواعده، ومراعاة أحكامه.
ولما كان هذا هو وضع " رجال الدين " فى الإسلام، فهم لا يملكون حق التشريع، كما يملك ذلك نظراؤهم فى الأديان الأخرى، بل مهمتهم تنحصر فى البحث واستنباط الأحكام من النصوص المقدسة فقط، كما أنه لا يصح لهم الادعاء بأنهم يُؤْثَرون فى غفران خطيئة المخطئين، سواء كان ذلك بكتابة صك غفران كما فى الأديان الأخرى، أو بالإيحاء بأن " بركاتهم " تحل على من يرضون عنه، فيغفر الله لهم، كما يشيع ذلك بين عامة الناس، لأنهم لايملكون لأنفسهم من الله نفعاً ولا ضراًّ إلا ما شاء الله لهم، فكيف يدعون ذلك لغيرهم.
وبناءً عليه، فليس لهم حق مصادرة رأى، أو فرض وصاية على أفكار المسلمين وإبداعاتهم، فإن رأوا فيها مخالفة لما يفهمونه من النصوص المقدسة، أو خروجاً على ماارتآه جمهور الفقهاء، فليس لهم إلا مناقشته وبيان خطئه بالحجة والدليل، وذلك ما كان عليه علماء هذه الأمة فى العصور الأولى للدولة الإسلامية ؛ فقد كان المجتمع يموج بآراء شتى، وأفكار متنافرة، ظهر فيه النصيون، والعقلانيون، وأصحاب الرأى، وأصحاب الحديث، والقدرية، والمجسمة والمشبهة، ومن غالى فى نفى الصفات إمعاناً فى التوحيد، بل كان هناك زنادقة، ومسرفون فى الجهر بالمنكرات والموبقات، لدرجة أن كثيراً من الموروثات الأدبية سجلت ذلك فى صفحات تاريخ هذه الأمة، فأصبح جزءًا من تراثها، ومع ذلك لم يكن فى وسط هذه الأمواج التى تلاطمت بشتى الأفكار والصور من إدعى لنفسه الحق فى مصادرتها، أو الحجر عليها - إلا ما ندر -، بل هب العلماء والفقهاء للدفاع عن الدين، والزود عن حياضه بالكلمة والحجة والدليل، فكانت حلقات النقاش حول ما يجد من آراء منتشرة فى طول البلاد وعرضها، تقرع الحجة بالحجة، وتتصارع الأدلة حول المفاهيم والاستنتاجات، فما قوى منها، ثبت واستقر، وما كان ضعيفاً تهاوى واندثر، وبذلك نهضت الأمة، وشيدت حضارة لا زلنا نتغنى بها دون أن ندرك أسباب نشأتها، ونعى أهم ما قامت عليه، وترعرعت فى ظله، ألا وهو حريه الرأى، فطفقنا نحجر على هذا، ونقيد ذاك، ونكتم أنفاس حرية الكلمة فى كل مجال، بحجج شتى، ومعاذير واهية، حتى وصل الأمر إلى تصفية من يتجرأ، فيفكر بصوت عالٍ بالقتل، أو على أقل تقدير بعزله اجتماعياًّ، ومحاصرته اقتصادياًّ حتى يموت كمداً.
khmontasser2001@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف