ايها اللبنانيون: سوريا من خلفكم والعراق من امامكم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"الاشرار وحدهم مؤمنون - بماذا؟- بالنجاح، لذا ينجحون / يمكن إقامة إمبراطوريات على الجريمة، واديان نبيلة على الغش" (بودلير)
[ الفرح خطر وممنوع في عالمنا (لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين - سورة القصص)، وعليه لا نتمكن من تحصين امننا الا بالحزن والكابة والمرارة وتكيف الرفاه البيولوجي مع النحس والكرة والخطوب وانذارات الشؤم، وهكذا نحن الان مصابون بحنين لايام التشرد والقمع الدكتاتوري الاول كي نحصن ادمغتنا من الخراب (فان تبقى مشردا بحماية منطقية للعقل افضل من عودتك من دون عقل)، ونحمي فكرة النضال والكفاح بخصومة منطقية واضحة، تمنحنا كل اسباب الرضا الذاتي على سوء الخصم وفضيلة الذات، كمنطق في بناء النقد والاعتراض، نحن بحاجة الى ترميم واعادة اعتبار حاسة الكراهية بعد ان اصابها تلف وفوضى واستغراق انتقامي، وهذا يكرهنا على حنين عدو واضح المساوئ والجريمة كصدام امام عدو مبهم وغامض ومتنوع، لا نمتلك حياله منظومة ميكانيزمية، تجعل تشردنا وعذابنا مبررا ولكن بعد سقوطه تطور العذاب والالم والماساة اكثر وهذا جعلنا نخجل من انعدام فضلنا على سوء من عارضناه.. انها كارثة تجعلنا نستدرك لغيرنا ما وقعنا بمرارته لان السوء والشر يتطور ولا يتقهقر، وهذا ليس صدفة بل ثمة مولدات ومستقبلات ذاتية تجعل الماضي والتاريخ والتخلف نحو الامام وليس الى الخلف، وهذا يشكل انقلابا في هندسة النمو الاجتماعي. وما علينا الا ايقافه لدرئ الاخطار القادمة، وهنا نضطر ان نقدم جراحنا لاخوتنا اللبنانيين كي لا يضطروا للبحث عن ضمادات بل كي يتجنبوا الجراح، اذ يبدو ان الحرية مصادر توليد الجريمة والطغاة، وعلينا البحث في مساحة الاعفاء من الحرية كي نحمي نظام الامن امام فتك الفوضى والاشرار القادمين بنعيم الديمقراطية. وتجربتنا في العراق شكلت صدمة (صدمقراطية) زلزالية، جعلت كل ماضي التشرد ومحاربة الدكتاتورية هباءً وعدما (فسوء الضحية يمنح شرعة جلاده)، بل مصيدة لنا نحن المغفلين اصحاب النوايا والاحلام الساذجة، وخطورة هذه الصدمة والنموذج ليس في لبنان بل في سوريا فانعكاسه على لبنان. وسوريا هي موئل خصب، فيه كل المقبلات لاحتضان التطرف والتكفير ودولة الخلافة وافكار القاعدة.. فكيف سيواجه اللبنانيون سوريا الاصولية بعد ان عانوا من سوريا العلمانية؟ محيرة هي الخيارات حيث يبدو ان نظام التكافل بين التطرف الديني والوحشية العلمانية هو نوع من عدالة السماء (في عالمنا المعفي من تاخي النظام والحرية لا تاخي صناديق الاقتراع مع دول القرون الوسطى.. هنيئا للدكتاتوريات بفوضى التطرف الجماهيري والشعوب العدوانية) على امكان حماية الحد الادنى من الامن الاجتماعي. انه عالم بلا افكار ولا كلمات بل حواره يقوم على السيوف والخناجر والدبابت والمفخخات.. يا لحيرة الاحرار في امم العبيد.. يالكارثة ان تكون سوريا خلف لبنان والعراق من امامه! ]
حذاري من الحرية!
كتبت هذه المنصوصة، ذات الفسيفساء الاسلوبي، اثر اغتيال الوزير اللبناني بيير الجميل، وكنت فيها ابين قلقي من الاحلام الجميلة والاماني الوقحة في ادفاعتها للحرية والعدل والجمال، في عالم يطور منظومة القبح، في كل مرة يجعله الجور والظلم ثائرا على ابالسة الامس فيشكل نظامه الابليسي الجديد بشكل متقن يتفوق عمن سبقه في الشر. ولكن استجد امر له علاقة بطروحاتي عن الشر القادم بعد صرخات الحرية وكواتم الصمت التي تطيح بالحناجر الصارخة، ولان الحكمة والمعقول كاس مرة رديئة المذاق لا تقبلها الناس المتحمسة للحرية والهادرة باسلوب صوتي لا اكثر، عز علينا خداع الكلمات بلغة الفرح الهادر لنلبسها حداد القادمين بعد كل عهد من عهود الحرية والشكر والرجاء. استحرجنا - من حرج- بهذا الوضع، عناصر النحس والكدر المنهجي الذي وصم حياتنا وحضارتنا وثقافتنا بسواده الخالد، فان نمتنع عن الفرح خير من دفع ثمن كلفته بكل تلك الدماء التي تسيل في شوارع كانت، حواضر الف ليلة وليلة وكانت مانوسة السندباد وقصص الخلق الاولى، تلك الحواضر التي احتكرت ذاكرة الدنيا فخسرت مساحة قبر محترم لموتها الوضيع وجثثها المتفسخة في المزابل، وقد تكرس ابداعية القتل والموت في التراث البشري كي يصبح منافسا لفن المسرح والغناء والرسم والشعر.. هكذا نقدم الموت والقتل كاحدى اهم إضافاتنا الابداعية على الارث البشري ونسجل براءة اختراع خلاقة لا تضاهيها كل اساليب الافتراس الوحشي سواد في التاريخ ام الجغرافيا، ولعلنا خلاقين للاسلبة فاسلبنا انظمة القتل في بلادنا.
المستجد في هذا السياق هو الخداع السوري الجديد، الذي تجلى بتلك المسرحة الدموية لـ (ابي عدس) اخر على حدودها مع لنان، وهي تقدم سرديتها المضحكة بطريقة لا يقبل تفسيرها حتى اقل الناس غباءً وجهلا، وهذا يجعلنا ان نشير الى حاكم دمشق بمعاقبة اجهزته على قلة خبرتهم في حبك الحيلة والمناورة / انهم اهانوا غباءنا ان نكن لا نملك ذرة ذكاء! ولكن هذا الاستباق الممسرح لبيان ان سوريا هي ايضا ضحية الارهاب وضحية التكفير.. هذا صحيح ولا يحتاج لابو عدس او "راجح " (كما جاء بمسرحية الرحابنة)، لا يحتاج لشعارات شبحية من امبريالية وصهيونية، لا يحتاج لغازي كنعان اخر يدفعه الشرف المهني على الانتحار!! كما لو ان مآثره الاخلاقية والعسكرية تفيدنا الى ان امثاله على سعة من الشرف كي يصلوا الى حد الانتحار!.. لا تهينوا غباءنا ايها السادة.. نحن اغبياء مع سبق الاصرار، ولكن ليس الى هذا الحد. وان كنت امتلك خبرة في المدورات الامنية والعسكرية الا انني لا اقبل للنصوص ان تتسخ بهذه التفصيلات القذرة التي شكلت نسيج الاسلوبيات التقريرية لكتاب هذه الازمنة من عمال بلدية اللغة والزبالين التعبويين وديدان الايديولوجيا، ممن راق له فخاخ الزهور البيضاء على مستنقع زاخر بالطفح الكريه من الكلمات والبيان.. التاريخ لا يصنعه رجال الامن وكتاب البلاغة الامنية وخواء عقلية التامر والتخاصم والكيديات، حروب - الله الجنرال - لا حروب العرفان الكوني بصورته الالهية المتعالية.. صورة الالهات الرديئة في التخييل الجرمي والجهاد الجنائي المفزع وهو يغطي ابشع الاعمال، لعالم اصبح جهله جزءً رئيسيا وطقوسيا في عبادته، واصبح علمه راس كفره ومصدر الحاده / عالم يقوده الحشاشون وابناء السوابق وقطاع الطرق والتوابون والذميون والقبائل الطائفية، ممن قدم له التدين اكبر فرصة لتقرير مصير الناس بل تقرير نوع الحياة على الارض! اجل حضارتنا وثقافتنا تسمح بارتقاء مثالية فاحشة للاشقياء والحمقى والقتلة والمجرمين كي يصبحوا ابطالنا ومثلنا العليا، وهم تدريجيا يقضمون الطاقة المعرفية بانتقان واحتراف العنف، فلقد سقطت بالامس كل العلمانيات بايدي حفنة من المجرمين وابناء الشوارع والشقاوات وهاهو الدين يسقط بنفس المصير، حيث يصدر لنا نموذجا من نماذج المفاضلة في العنف والترويع والانحلال والسقوط النهائي في قاع الجريمة، التي يقودها فقه الاستدماء والقتل وانعدام الرحمة. اجل ان سوريا لا تحتاج لمسرحية ما هي الا اثبات مضمر يؤكد تورطها الضمني في الجرائم المتتالية في لبنان لانها مسرحة دور الضحية وهذا يدل على الرغبة في ابعادها شبهة التورط، الامر الذي انيط بالحيل الضعيفة لدى الاطفال حيث يكشفون تورطهم بشيء عبر تصرف يضمر تورطهم.. انها جريمة مسيطر عليها ناهيك عن حجم الاضرار البسيطة، وفي كل مرة، حين تحدث شبيهاتها، ودون ان تثبت الانسياب التلقائي الانتقامي للفاعلين كما يحدث في دول اخرى، تلك التي يكون صدق احداثها مدويا وكبيرا يحمل سعرات الغضب والبشاعة لدى المنفذين..
كنا نحاول ابراق ومضة كسيرة للمعنيين في لبنان، عما يعتمل في الجسم السوري، وكنا نبين جليا، حيرة الخياراتالاكثر مرارة من مرارة هذه الازمنة، وذلك استنادا الى مولدات جوانية ومعتملات ثقافية ستنتج ما هو اخطر على لبنان من هذا النظام الوحشي في سوريا ان هو تبدل نحو التغيير والسقوط، اذ لم يكن غير النموذج العراقي! وبدرجات متفاوتة، قد تكون اسوء مما في العراق، لاسباب تتميز بها الساحة السورية، التي شكلت وسوف تشكل اخصب ساحة لتنظيمات التطرف الاسلامي بل ستكون اسوء من افغانستان لان العامل القومي في افغانستان كان حائلا دون قيادة العرب الافغان للقرار امام سلطانية الملا عمر، عما سيكون عليه العرب المؤفغنين - من افغانستان - في ارض عربية / وهنا ستقدم النسخة الكاملة غير الناقصة، بل واخر مبتكرات العنف والبشاعة والارهاب من افغانستان نفسها،،ناهيك عن اعتبارات تميزت بها الساحة السورية وهي اعتبارات استباقية، تخلص الى ان النسخة الام لتاريخ التطرف الديني قد بدا من هذا المكان، وهو يحمل من التراكم التمامي ما لم يمتلكه اي نموذج اخر سواء كان في ايران ام الجزائر ام اي دولة من الدول المرشحة لقيادة الزلزال الاخير لتسونامي اسلامية (تسولامي)، من داخل سوريا وهذا سيشكل، على لبنان، خطرا جديا يصبح فيه غازي كنعان اشبه بالام تيريزا لما سيقوم به قادة التطرف من امراء مؤمنين المراحل اللاحقة، حيث ستشتعل الحرب على الكفار النصارى والرافضة والسنة المخالفين! هذه المخاوف هي ليست تنبؤات ولا كهانة سياسية، بل هناك مسبوقات انثروبولوجية تؤشر الى ان سوريا ستقدم ما هو اسوء من ابن لادن والزرقاوي وابو درع وطالبان وفرق الموت العراقية! فهل على اللبنانيين التعايش مع نموذج النظام الحالي نظام الاغتيالات والوصاية.. الخ؟ هل يتمكن لبنان ان يحصن نفسه ويخلق امنه الذاتي في حال تبدل الوضع في سوريا نحو تسولامي عراقية جديدة؟ لا ادري ولكن خبرتنا وتجاربنا تفيد بنتائج يائسة وخائبة، ولا سيما هذه الطبقة السياسية التي هي افرازات نتائج حروب طويلة قادها اساطين الموت فجاؤوا للسلام بغنائم تلك الحرب واقاموا سلامهم الاجتماعي في منهج توازنات الرعب المليشوي وانشئوا حكومات ضعيفة جدا لا تقو الا على ادارة الخدمات كاي حكومة بلديات، فيما ملفات الامن الحاسم بايدي قادة الحرب وبارونات لطوائف. كل الحكومات في لحظة المصائر العليا تكون عرضة لابتزاز سلطات موازية من مليشيات الى مرجعيات طائقية الى جبهات متينة القرار (الظلال الشعبية)، والا فان هذه الحكومات لا تكون صاحبة القرار المصيري امام سلطات الظل الا اذا كانت فاحشة بقمعها ومتوحشة في ردعها، تجعل النظام فوق خلفاء الله وائمة الاحزاب، حكومات البطش باكبر المقدسات كما هو حال دول الاجهزة الامنية كسوريا والعراق سابقا وليبيا (وهذا يخص المجتمعات المتمزقة والمؤجلة، ذات التوتر العالي) اما دول كمصر والاردن والجزيرة والخليج وتونس فالمغرب، وهي تتفاوت في ضعفها احيانا امام سلطات الظل الديني، وابالسة الافتاء ضد الحياة المدنية والحريات لكي تجد رمزية للتصادم فالتسييس، وهذا خطر لجهة نمو وتطور التيار الزاحف الى التكفير التمامي الذي يقود مشروع الحرية الى محاكم التفتيش والمحارق المعرفية ويخلق تسمما بصريا عن طريق رمزيات الحجاب واللحى والدشاديش الهزلية والقبعات القبيحة وصولا الى دولة المصلى والعزاء والكابة وتحريم المسرة والفرح والجمال. تلك االدول والمجتمعات الامنة، المتساكنة في الموازاة الردعية والتنموية هي النموذج العالي امام ما ينتظره المجتمع من تمزق وفتن وحروب النخب الدموية، ولابد من حماية هذه الانظمة ليس من شعارات التطرف وحسب بل شعارات الحرية التي نطلقها نحن عشاق الاماني المتمدنة والليبرالية، فحذاري من الحرية!لنحمي ان الناس ونحمي هذه الدول من الحرية..