سعاد أبو المعاطى تصبح نورالعيون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى (17)
إستمرت سعاد فى حياتها بالإسكندرية ما بين دراستها بالجامعة وعملها بفندق الشيراتون ومؤخرا محاولتها الإشتراك فى ملكة جمال مصر وتكرر لقائها بالإستاذ عادل كمال مندوب شركة مستحضرات التجميل الفرنسية بالإسكندرية والتى ستتولى إختيار الفتاة التى سوف ترعاها الشركة لدخول المسابقة، وقد إهتم بها عادل إهتماما شخصيا دل على رغبته الشديدة فى نجاحها فى تمثيل شركته، لأن فى نجاح سعاد نجاح له ونجاح لشركته.
وأخذ عادل يعرفها على بعض خبراء الدعاية والإعلان وأخذت تتعلم منهم كيف تختار الملابس المناسبة لها ولكل زمان ومكان، كيف تضع مساحيق التجميل على وجهها الجميل والذى تميز بجمال ربانى وأكسبته مساحيق التجميل إثارة وتألقا، وعلموها أيضا كيف تمشى وتسير و تتحدث أمام الكاميرا، وحاولوا أن يعلموها التخلص من لهجتها الفلاحى، ولكنها رفضت وكانت دائما تقول: أنا فلاحة بنت فلاحة ودى لغوتى مش حأقدر أغيرها، وكان عادل كمال يقول لمعاونيه دائما: - خلوها تتكلم براحتها، لهجتها الفلاحى دى حتكون سر نجاحها.
وبذل عادل مع طقم معاونيه (رجالا ونساء) مجهودا كبيرا وكان لتجاوب سعاد السريع معهم أكبر الأثر على سرعة إكتسابها مهارات جديدة وبدت سعاد وكأنها ولدت بتلك المهارات، ومع إقتراب نهاية البرنامج التدريبى، وأثناء إحدى فترات الإستراحة، سألها عادل:
- إيه رأيك يانور فى البرنامج ده، بيفكرك بإيه؟
- مين نور دى ؟
- يانهارك أبيض ياسعاد، إنتى نسيت إسمك الفنى ولا إيه :"نور العيون"؟!
- آه صحيح، أنا متأسفة ياإستاذ عادل.
- خلاص إنتى بقيت نور العيون من هنا ورايح، وأن شاء الله فى مسابقة الجمال حنقدمك كفتاة الإسكندرية "نور العيون".
- نور العيون إسم فنى جميل.
- أنا متوقع الإسم ده مش بس حياخدك لمسابقة الجمال، لكن أكيد حياخدك لعالم الإعلانات مع شركتنا، ومين عارف يمكن يوم تكونى نجمة سينما كبيرة وما حدش يعرف يكلمك.
- معقولة دى ياإستاذ عادل.
- إنت ما تبصيش لنفسك فى المراية، مابتشوفيش نظرات الناس ليكى فى الرايحة والجاية؟
- أنا ورايا شغلانة غير المراية!! على فكرة أنا نفسى فى حاجة ياإستاذ عادل، أنا باأرتاح لك قوى ياأستاذ عادل، وأنا دايما باأقرأ إن كل نجمة بيكون عندها مدير أعمال، إيه رأيك لوربنا أخد بيدى وكسبت المسابقة تكون إنت مدير أعمالى، لأن زى ما إنت عارف أنا بنت فلاحة وما بأعرفش حاجة خالص فى الأعمال.
- ياسلام ياست نور ده أنا يحصلى الشرف، إحناالكلام خدنا وما قلتليش البرنامج التدريبى بتاعنا ده بيفكرك بإيه ؟
- مش عارفة
- إنتى ما شفتيش فيلم سيدتى الجميلة ؟
- أنا شفت فى التليفزيون مسرحية إسمها سيدتى الجميلة بتاعة فؤاد المهندس وشويكار.
- ما هو المسرحية دى متاخدة من الفيلم الأمريكى سيدتى الجميلة، وإللى اساسا مأخوذ من مسرحية بيجماليون للكاتب البريطانى برنارد شو، والفيلم كان فيه الممثلة الجميلة الرائعة "أودرى هيبورن".
- آه إحنا درسنا برنارد شو فى كلية الآداب، وأنا باأحب قوى أودرى هيبورن.
- سعاد أبو المعاطى (زى فى الفيلم والمسرحية ) حتختفى وتظهر بدلها نور العيون.
- بس فى آخر المسرحية البنت الغلبانة بعد تحولها وقعت فى حب إستاذها!
(قالتها سعاد وهى تضحك ضحكة أبرزت اسنانها المصنوعة من اللؤلؤ)
- فى الموضوع ده أنا مش حأقدر أساعدك لأنى ما ليش فى موضوع الحب ده.
- طيب ممكن أحبك زى اخويا سعيد.
- زى أخوكى معلهش، وبعدين ضرورى ياسعاد تقرى كتب كثير قوى وتسمعى مزيكة، كل أنواع المزيكة قديم وجديد عربى وإنجليزى وكلاسيك، المعرفة ياسعاد سلاح لا يقل عن سلاح الجمال، وبعدين الناس دايما عندها تصور إن أى واحدة جميلة زيادة عن الحد يبقى كفاية عليها جمالها وعقلها بيكون فاضى ومش محتاجة تعرف أى حاجة تانية، تخيلى بقى لما يكون عندك الجمال والمعرفة مع بعض، أقوى الأسلحة فى تاريخ البشرية.
- أنا نفسى أعرف كل حاجة ما تتصورش أد إيه إتبسطت لما دخلت كلية الآداب وأول مرة اعرف يعنى فلسفة ويعنى إيه منطق وأنا واخدة الحاجات دى جد رغم إن كثير من الطلبة والأساتذة مش واخدينها جد، معتبرين إنهم دخلوا الجامعة علشان يبقى معاهم شهادة.
- المعرفة حتخليكى إنسانة تانية خالص، وجمالك حيكون جمال داخلى زى ما هو جمال خارجى.
....
دائما تشعر بالألفة والصداقة الحقيقية مع عادل كمال، وتحترمه وتقدره لأنه ربما واحد من الرجال القلائل الذى لا يرغب فيها كأنثى، ولكنه يرغب فى نجاحها لإيمانه بها، ورغم أن عادل جاء من عائلة ثرية إسكندرانية إلا أنه يعاملها وكأنها من طبقته بدون أى تعال، وقد سبق أن عرض عليها أى مساعدات مادية، ولكنها رفضت.
وكانت سعاد تتخوف من منافسة بنات القاهرة فى المسابقة التمهيدية لتمثيل شركة التجميل فى مسابقة ملكات الجمال، ولكن عادل كان دائما يشجعها قائلا :
- إنتى أجمل واحدة فى بر مصر كله، إنتى عارفة إنتى لو كنتى موجودة أيام الفراعنة كان فرعون مصر إختارك علشان يهديك للنهر فى الإحتفال بوفاء نهر النيل، والملك شهريار كان حيسمع حكاية منك كل يوم وكان حيكون مركز على جمالك أكثر من تركيزه على حكاياتك.
...
وذات يوم طلبها عادل كمال للحضور إلى المكتب لمقابلة بنات القاهرة، ولما جاءت إلى مكتبه وجدت فتاتان ذو جمال مبهر، واحدة شقراء والأخرى لها بشرة قمحية، ونظرت الفتاتان إلى سعاد "من تحت لفوق" ، وعرفهما على سعاد:
- دى الآنسة نور العيون من جامعة الإسكندرية، ودى الآنسة سوزان بتدرس فى جامعة هيدلبرج فى ألمانيا، ودى الآنسة فاتن بتدرس فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة.
وبعد المجاملات السطحية، كانت سعاد تحاول قدر الإمكان تجنب الكلام، لأنها كانت تخشى أن تفضحها لهجتها ولكنها فوجئت بالإستاذ كمال يقول:
- نور العيون دى بقى فلاحة بنت فلاحة وجذور عيلتها تمتد حتى تصل إلى الملكة حتشبسوت، أما سوزان فهى نص خواجاية أمها ألمانية وأبوها مصرى عايش ما بين مصر وألمانيا، وفاتن بقى قاهرية أبا عن جد.
وتشجعت سعاد بعد هذه المقدمة، ولاحظت بالفعل أن سوزان كلامها العربى مكسر لأنها على حسب ما فهمت عاشت معظم حياتها فى ألمانيا، لذلك عرفت سعاد بحسها أن فاتن هى منافستها الحقيقية لأنه من غير المعقول أن تختار الشركة سوزان الخواجاية لكى تمثلها فى مصر، وبرغم ذلك فقد شعرت سعاد بإرتياح أكبر مع سوزان لأنها بدت على طبيعتها أكثر من فاتن المتكلفة والتى كانت تعاملها بتعالى طبقى لذلك كرهتها سعاد وقررت أنه لا بد أن تهزمها فى المنافسة.
وتحدد يوم المنافسة وحضرت سيدة فرنسية من مقر الشركة الرئيسى فى باريس لكى تتولى رئاسة اللجنة والتى سوف تقوم بإختيار فتاة الشركة، وكانت هناك جلسات طويلة مع كل فتاه على إنفراد مع أعضاء اللجنة، وقلقت سعاد كثيرا لأن عادل كمال لم يكن من أعضاء اللجنة ولكنه إستمر فى تشجيعها من وراء الكواليس، وكانت نقطة ضعف سعاد الوحيدة هى جهلها باللغات، وبالرغم من أنها درست اللغة الإنجليزية فى مراحل التعليم الإعدادى والثانوى، ودرست اللغة الفرنسية فى المرحلة الثانوية إلا كانت تتجمد تماما وتبدو كا لخرساء عندما كانت تحاول الكلام بأى من اللغتين أمام أعضاء اللجنة، وكانت تتأمل وتتحسر وهى تشاهد سوزان وهى كالهلوبة عندما تتكلم الألمانية اوالإنجليزية أو حتى الفرنسية ونقطة ضعف سوزان الوحيدة كانت اللغة العربية، وفاتن كانت لبلب فى الإنجليزية و"نص نص" فى الفرنسية، ومما خفف من حسرة سعاد أنها تفوقت عليهما فى اللغة العربية.
...
وبعد يومين من التوتر والإختبارات جمعت اللجنة البنات الثلاث وتم إعلان أن الشركة قد إختارت نور العيون لتمثيل الشركة فى مسابقة ملكة جمال مصر، ولم تصدق سعاد إذنيها وتخيلت أن اللجنة تتكلم عن واحدة أخرى أسمها نور العيون، ولم تصدق أنها الفائزة إلا عندما إندفع عادل كمال إليها يهنئها ووجدت نفسها بدون أن تشعر تحتضنه أمام الجميع، وخرجت اللجنة مع "نور العيون" وعادل كمال فى سيارات إلى فندق سان إستيفانو على الكورنيش، وتوجهوا جميعا إلى صالة محجوزة داخل الفندق ودخلت "نور العيون" وفوجئت بعدد من الصحفيين والمصورين ووجدت منصة عالية عليها طاولة طويلة عليها مفرش مخملى أزرق ووجدت الجميع يوسع لها الطريق لكى تجلس فى منتصف الطاولة وخلفها على الحائط لافتة كبيرة عليها العلامة التجارية لشركة التجميل، وجلست إلى يمينها السيدة الفرنسية رئيسة لجنةالإختيار، وعن يسارها جلس مدير الشركة فى مصر وعلى مسافة جلس عادل كمال، وشعرت سعاد بنشوة وكادت أن تفقد شعورها وخاصة عندما بدأت عدسات وفلاشات المصورين وكاميرات الفيديو تتجه ناحيتها وشعرت أنها بدأت تخطو وتلج من باب النجاح والشهرة، وكانت جد مشوشة من هى ؟ "سعاد" الفلاحة من قرية بالقرب من رشيد فى دلتا النيل؟ أم أنها "نور العيون" فتاة جامعة الإسكندرية ونجمة شركة التجميل الفرنسية ؟ ولم تبال كثيرا من هى وقررت الإستمتاع بنشوة اللحظة، وبدأت السيدة الفرنسية تتحدث من خلال مترجم وتقول:
- اليوم قد تم إختيار مدموازيل "نور العيون" لتمثيل شركتنا فى مسابقة ملكة جمال مصر القادمة، وقد قررنا إختيار "نور العيون" لأنها تعبر عن الجمال المصرى الأصيل، تذكرنا بجمال نفرتيتى وكليبواترا ولأنها جاءت من أسرة مكافحة وشقت طريقها بعلمها وعملها فى هذا الطريق الوعر وخاصة فى مجتمع محافظ مثل المجتمع المصرى.
..
ودار مؤتمر صحفى لم تع سعاد شيئا منه لأنها كانت محلقة فى عالم من الخيال وعالم ألف ليلة وليلة حينما يصبح الحلم حقيقة وحين يطير الحصان الأبيض فوق القلعة حاملا ست الحسن والجمال مع الشاطر حسن، وحين يأخذك البساط السحرى محلقا إلى أرض الأحلام وإلى سكة السلامة، وفوجئت فى غمرة إنفعالها وسرحانها فى الخيالات البعيدة بصحفية تسألها :
- إيه رأى اسرتك كأسرة قروية عن إشتراكك فى مسابقة جمال مصر ؟
وحاول الإستاذ عادل كمال التدخل (خوفا من تلعثمها فى لإجابة) قائلا:
- الآنسة نور العيون مش حتقدر تجاوب على أى أسئلة علشان عندها إرتباطات كثير الليلة.
ولكنه فوجئ بنورالعيون تقول:
- بعد إذن إستاذى عادل كمال أنا أحب أجاوب على السؤال ده: أولا أشكر الآنسة الصحفية على السؤال المهم، أنا أولا أفخر إنى مصرية صميمة واسرتى فخورة بى، ومن حق كل مصرية من أى مكان أو من أى طبقة إجتماعية أن يكون لها أحلام تطير بيها فى أى مكان يمكن تاخدها زيها زى أى بنت تانية فى أى مكان فى العالم.
وفوجئ الحضور من إجابتها كما فوجئت سعاد نفسها من إجابتها، وبلغت سعادتها المدى عندما فوجئت برئيسة المؤتمر الفرنسية تصفق بشدة عندما ُترجم لها ماقالته سعاد.
وبعد ذلك طلب من "نور العيون" أن تحمل بيدها إحدى منتجات شركة التجميل لكى يتم إلتقاط بعض الصور تمهيدا لتقديمها كفتاة إعلاانات لمنتجات الشركة.
...
رجعت سعاد من فندق سان إستيفانو فى سيارة عادل كمال :
- مبروك ياست نور، ولا أقولك سعاد أحسن.
- اسم نور إسم جميل بس لسة ما إتعودتش عليه.
- لأ ضرورى تتعودى عليه من هنا ورايح، وخللى إسم سعاد بينك وبين عيلتك.
- حأحاول.
- دلوقت ضرورى نتكلم فى موضوعات مهمة، أنا رأى إنك تسيبى الشغل فى شيراتون المنتزة لأننا قريب حنوقع عقد إحتكار معاكى.
- إحتكار ليه كفى الله الشر.
- لأ يا ستى إحتكار يعنى إنك ماتقدميش إعلانات لشركة تانية لمدة معينة.
- مدة أد إيه يعنى.
- إحنا عادة بنعمل عقد لمدة خمس سنين.
- خمس سنين دى مدة كبيرة ياإستاذ عادل، إنت عارف أنا نفسى قوى أمثل فى السينما، أنا مثلى الأعلى سعاد حسنى، إنت عارف إن سعاد حسنى ما كملتش تعليمها، وبرغم كدة من أول فيلم عملته (حسن ونعيمة) الكل عرف إنها موهبة ما حصلتش.
- طيب وإيه علاقة التمثيل بالعقد معانا، إحنا مش حنمنعك إنك تمثلى.
- أيوه بس أنا خايفة الناس تبص لى على إنى مجرد فتاة إعلانات جميلة.
- فيه ممثلات كثير بدأوا بالإعلانات أو مانيكانات وبعد كده إتفرغوا للمتثيل.
- أيوه يالإستاذ عادل، الله يخليك حاول تخللى مدة العقد أقل ما يمكن.
- خلاص ياستى حنعمل لك العقد سنتين قابلة للتجديد، ولو ربنا ما وفقكيش فى التمثيل يبقى نجدد العقد مدد إخرى.
- إنا نفسى يالإستاذ عادل فى حد يدينى دروس خاصة فى التمثيل والإلقاء.
- أنا أعرف واحد كان إستاذ فى معهد السينما وهو تقاعد فى إسكندرية دلوقت، ممكن نبقى نروح نزوره ونتفق معاه، وأنا حأحاول أخللى الشركة عندنا تتكفل بمصارف الدروس دى.
- الله يخليك لىّ ياإستاذ عادل، مش عارف مين غيرك كنت عملت إيه.
- وكمان ياستى ضرورى نشوف سكن مناسب غير بيت الطالبات، لأن شغلك معانا مش حيتفق مع مواعيد بيت الطالبات.
- بس أنا حأصرف على الحاجات دى كلها منين، ده أنا ما أحكمش إلا على الفستان إللى علىّ، حتى ده شركتكم إللى جايباه لى.
- يانور، إنتى حتعملى فلوس عمرك ولا عمر أى حد من عيلة أبو المعاطى يكون حلم بيها من أيام أحمس الأول.
- بس أنا ضرورى أخلص كلية الاداب، لأنى ضرورى أكون متعلمة كويس.
- طبعا أنا معاكى ، وإحنا إتفقنا أنا خلاص بقيت مدير إعمالك.
...
نزلت سعاد من سيارة عادل كمال وهى تكاد أن تطير من الفرحة ومن نشوة النجاح، ولم تأبه كثيرا لقذارة بيت الطالبات، ولم تأبه لصراخ مسئولة هذاالبيت لتأخيرها المتكرر ليلا، وعرفت أنها قريبا على وشك الدخول إلى عالم "نور العيون" والإنسلاخ من عالم سعاد أبو المعاطى.