فاروق الشرع: ليتك سكت!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا يمكن أن تكون شخصية سياسية بارزة دون أن تكون مقنعاً أولاً، وأن تحترم عقول مواطنيك، فضلاً عن عقول الآخرين ممن هم خارج بلادك، ثانياً.
فاروق الشرع نائب الرئيس السوري، تحدث مؤخراً بحديث مطول في إحدى المناسبات في سوريا، كان فيه خليط بين (منظر) فاشل، و(سياسي) متدني القدرات. تحدث طويلاً، وبإسهاب، ولكنه حديث تنتهي منه، وتحاول أن تتذكر منه عبارة ذات قيمة، فلا تجد إلا أنه أساء إلى نفسه، وإلى بلاده، وإلى الآخرين، قبل أن يُمرر رسالة (ما) على افتراض أنه كان يريد أن يُمرر رسالة معينة.
كان العرب يقولون : (فأرسل حكيماً ولا توصه)؛ لان الحكيم، وصاحب الفطنة، والعقل، يعرف ويدرك ماذا يقول، وكيف يتحدث، وماذا تريد منه أن يوصّـل، فيؤدي المهمة كما يجب أن تكون. غير أن الرسول إذا كان متدني القدرات، مشوش الأفكار، مهزوز العبارة، فإنه يُسيء لمن بعثه، قبل أن يُسيء إلى نفسه، ويخلط الأوراق بدلاً من أن يعيد ترتيبها بالشكل الذي يخدم مصالح بلاده.
لقد أعادتني تصريحات (الشرع)، إلى الوزير العراقي للنظام البعثي المخلوع، طارق عزيز، أبان غزو الكويت، عندما اجتمع مع جيمس بيكر الذي كان وزير خارجية أمريكا آنذاك في جنيف. هل تتذكرون ذلك اللقاء العاصف، وكيف كانت لغة طارق عزيز المتخشبة، وكيف كان (يعزف) على (أماني) الامة العربية (الواحدة)، ورسالتها (الخالدة)، والكرامة العربية، وحوار الطرشان الذي (شَـلَّ) ذلك اللقاء بين الوزيرين ؛ قارنوا - بالله عليكم - ذلك الخطاب الذي مضى عليه الآن ما يقارب الخمسة عشر سنة، وإلى أين وصل بنظام صدام؛ مع ما جاء في لغة الشرع في تصريحاته الأخيرة، وكيفية تعامله مع المستجدات الدولية، لتكتشفوا أن العصا أخت العصية، وأن (طارق وفاروق) وجهان للغة واحدة، وفكر واحد، لا يستفيد من أخطائه، وتوجه لا يقرأ الأحداث كما ينبغي.
يقول الشرع : أن القضية بين المملكة وبين سوريا قضية شخصية، أو كما سمّاها (شخصانية) !!.
طيب؛ إذا افترضنا - جدلاً - أنها كذلك، فهل مشكلة سوريا مع العالم من أقصاه إلى أقصاه (شخصية) أيضاً؟. وهل (العزلة) التي تعيشها الدبلوماسية السورية إلى درجة الاختناق، والتي تضيق مع مرور الوقت، شخصية أيضاً؟. وهل (برود) العلاقة مع كل الدول المحيطة (جغرافياً) بسوريا، ما عدى إيران، تعود أيضاً لأسباب (شخصية) ؟... وماذا عن (تردي) علاقات سوريا ببقية الدول العربية الرئيسية في المنطقة، (كمصر) مثلاً، هل هي- أيضاً - تعود لأسباب شخصية؟. وقبل كل ذلك، هل (المآزق) السياسية التي تتخبط فيها الدبلوماسية السورية، يصح فيها القول، أن (الآخرين) يتعاملون مع سوريا بناء على مواقف هي الأخرى (شخصية)؟.
أسئلة تبحث - أيها الشرع - عن إجابة!
ولو عاد معاليه بذاكرته، التي أرجو أن تكون (قوية) كما ينبغي، لتاريخ العلاقات السعودية السورية، خاصة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، سيجد أن هذه العلاقات كانت تقوم على قاعدة صلبة من التعاون والتنسيق والتفهّم والتفاهم، تقبل الاختلاف، وتتعامل مع التباين في وجهات النظر، دون أن ينعكس هذا التباين على أسس ومتانة واستراتيجيات هذه العلاقة. ولو سأل الشرع نفسه بعقلانية وواقعية: من الذي تغير؟، لا شك لدي أنه سيجد الإجابة. فأولئك (الساسة) الذين كانت تتعامل معهم الدبلوماسية السورية (بالأمس)، هم الذين تتعامل معهم (اليوم)، والثوابت التي كانت في الماضي هي ذات (الثوابت) التي عليها سياسة المملكة اليوم، بينما أن الوضع على الضفة الأخرى من النهر لم يكن - للأسف - كذلك، حيث المواقف غير المبررة استراتيجياً، والتصاريح التي تسعى إلى تأزيم الأمور، والتصرفات والممارسات، على المستوى الدبلوماسي، التي يصعب على (الحصيف) أن يفكك أسبابها وبواعثها، بل ويفهمها، ويفهم ما ترمي إليه.
فمن الذي (تغير) بالله عليك؟
قد تختلف مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، ولكنك لا يمكن إلا أن تحترمه، وتحترم قدرته على (قراءة) المستقبل، ورسم سياساته الاستراتيجية ومواقفه بدهاء وذكاء بناء على هذه القراءة، فهو يتمتع بقدرة غير عادية على (التكيّف) مع متغيرات الواقع، إذا لم يستطع أن يكيّـف (الواقع) لما يريد؛ حتى أصبح من أهم من حكموا سوريا في العصر الحديث، إذا لم يكن أهمهم على الإطلاق. كان يعرف متى يقول : لا. ويعرف متى يقول : نعم. وهو - كما يقولون ويؤكدون - رجل يحترم كلمته، وبقدر ما كان صلباً، وصعب المراس، وقوياً حازماً في مواقفه، وعنيداً لا يتزحزح، كان إذا وعدَ (بقي) عند وعده، وإذا اتخذ موقفاً تستطيع بسهولة أن تفهمه، وتفهم بواعثه، لأنه صاحب نهج لا يحيد عنه، وإذا اضطر أن يحيدَ عنه نتيجة لظروف طارئة، عاد إليه في نهاية المطاف.
سيدي نائب الرئيس : ليتك سكت !.. وهنا - فقط - يجوز القول : إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب، وربّ كلمة قالت لصاحبها : دعني !