شعب عظيم حقاً.. دقوا على الخشب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
-1-
الأخبار التي وردت بالأمس من الإمارات العربية المتحدة، تكاد تكون الأخبار العربية المفرحة الوحيدة هذه الأيام، في غمار هذه الأخبار الحزينة والمقلقة من العراق ولبنان ومصر ونواحٍ كثيرة من العالم العربي. فأينما تلفت المراقب في العالم العربي، لا يجد كوة ضوء واحدة، يمكن أن ينفذ منها إلى المستقبل القريب أو البعيد.
شعب الإمارات العربية المتحدة، فتح لنا هذه الكوة بالأمس، عندما شارك في الانتخابات التشريعية التي تجري لأول مرة في الإمارات، بنسب عالية لم تبلغها أكثر الدول العربية عراقة بالديمقراطية كمصر ولبنان.
فقد قالت الأخبار، بأن نسبة المشاركة في الانتخابات في أبو ظبي كانت 60 بالمائة، بينما وصلت في إمارة الفجيرة الى 80 بالمائة ، وهي نسبة لم تصلها أعرق الدول الغربية بالديمقراطية.
دقوا على الخشب، وتمنوا لنعمة الوعي والعقلانية أن تدوم على عرب الإمارات.
-2-
لقد استطاع شعب الإمارات، الذي مُنح فرصة الديمقراطية فعرف كيف يستغلها جيداً، وأُعطي كرة الديمقراطية فعرف كيف يلعبها بمهارة، أن يوصل أول سيدة خليجية إلى مجلس النواب، وهي أمل القبيسي.
لقد أصبحت أمل القبيسي، هي أمل نساء الخليج كلهم.
فهي أول سيدة خليجية تدخل مجلس النواب لا بالتعيين، ولا بالكوتا، ولا بالتزكية، ولكن بالانتخاب الحر الشعبي، وذلك وعياً وحرصاً من شعب الإمارات على لعب كرة الديمقراطية بحرفية عالية.
فدقوا على الخشب، وتمنوا لهذه النعمة.. نعمة الوعي والعقلانية أن تدوم، بعيداً عن التعصب الديني والقبلي، الذي يسيطر على معظم دول الخليج، التي سبقت الإمارات بسنوات طويلة، في المسيرة الديمقراطية.
-3-
نجاح شعب الإمارات العربية المتحدة - وما اجمل هذا الاسم، ونأمل أن نرى اسم "البلدان العربية المتحدة"، في يوم ما - هو نجاح لكل شعوب أقطار الخليج.
نجاح اللعبة الديمقراطية الإماراتية اليوم هو تحفيز وتشجيع لأنظمة المنطقة السياسية، لكي تزيد من الجرعة الديمقراطية، ولا تخشى الديمقراطية. فمستقبل أنظمة الخليج في الديمقراطية. وهذا النجاح، تحفيز وتشجيع ودفع إلى الأمام لشعوب دول الخليج الأخرى للإقبال على اللعبة الديمقراطية.
فأمام هذه الشعوب أحد خيارين: إما حكامهم الحاليين بنظام ديمقراطي سليم، لا يتيح فرصة للتدخل الخارجي مستقبلاً، وإما حكم دولة كدولة طالبان المتمثلة بدعوة اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وهو البديل الوحيد المتاح الآن، والذي يسعى الارهاب بالخليج متحالفاً مع الأحزاب الدينية والمؤسسات الدينية إلى تحقيقه في غياب الاستحقاق الديمقراطي.
-4-
شعب الإمارات العربية المتحدة - وأنا أتلذذ بذكر هذا الاسم كاملاً كي يكون فألاً حسناً لبلدان عربية متحدة مستقبلاً - نجح في السياسة اليوم كما نجح بالاقتصاد والتنمية بالأمس.
ففي الأمس حقق شعب الإمارات العربية المتحدة أعلى النسب العربية في النمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية. وأصبحت دبي في خلال سنوات معدودات، تنافس هونج كونج وسنغافورة في حجم الاستثمارات والنمو الاقتصادي السريع والمذهل.
صحيح أن حكام الإمارات طموحون وجريئون ومقدامون، ولكن هذا الطموح، وهذه الجرأة، وهذا الاقدام، كان سيدفن تحت الرمال حياً، لو لم يجد شعباً أكثر طموحاًً ، وأكثر جرأة، وأكثر إقداماً.
يبدو أن شعب الإمارات العربية المتحدة قد تخلص من العقد الدينية المتشددة وفتح بلاده وبيوته وقلوبه للعالم الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي الجديد.
ويبدو أن شعب الإمارات العربية المتحدة قد تخلص من عقدة القبلية، وأصبح يطمح إلى التعددية، وبناء مجتمع حر ديمقراطي حداثي سليم.
وهذا الشعب، كما أذهل جيرانه من الخليجيين وأشقاءه من العرب وأصدقاءه من الغربيين بنموه الاقتصادي السريع، يذهل اليوم كل هؤلاء بنموه السياسي السليم والسريع.
-5-
لقد أصبح شعب الإمارات العربية المتحدة المثال الذي يجب أن يُحتذى في العالم العربي. فهو الشعب الذي لم يخش على هويته من العولمة والشركات العابرة للقارات. ولم يخش على دينه من هذا الانفتاح الاجتماعي المرموق. ولم يخش على تقاليده وعاداته من هذا الانفتاح السياسي المتدرج. ولم يخش على ثقافته من هذا الانفتاح الثقافي الحداثي المشهود.
فدقوا على الخشب، وتمنوا لهذا الشعب دوام النعمة.. نعمة المغامرة المباركة المحسوبة حساباً دقيقاً.. وهي التحدي الكبير لشعوب الخليج الأخرى وللشعوب العربية الأخرى التي ما زالت رهينة أبدية مهينة للموروث والقيم البالية التي لم تعد صالحة لمستقبل مشرق ومضيء.
تهانينا لشعب الإمارات العربية المتحدة العظيم فعلاً.. عظمة الفعل المُجدي والشجاع، وليست عظمة القول والشعارات السياسية القومية والدينية الخطابية والحماسية.
تهانينا لشعب الإمارات العربية المتحدة على هذا الانجاز السياسي المشرف والمضيء اليوم، في ليل السياسة العربية البهيم والطويل.
السلام عليكم.