كتَّاب إيلاف

سعيد أبو المعاطى والزواج العرفى

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى (18)

كانت سعاد تخبر أخاها سعيد بتطورات عملها الجديد مع شركة مستحضرات التجميل الفرنسية وعن تركها لعملها فى شيراتون المنتزة، وعن إنتقالها من بيت الطالبات إلى سكن مشترك مع إحدى زميلاتها فى الشركة، ولأول مرة شعرت سعاد بأهمية المال بعد أن بدأت تتقاضى مبالغ محترمة من الشركة بالإضافة إلى أن سيارة الشركة وسائقها كانا تحت تصرفها وكانت الشركة تدفع إيجار سكنها بالإضافة إلى مصاريف دروس التمثيل والإلقاء التى بدأت تتلقاها على يد إستاذ متقاعد من معهد السينما، وكانت سعاد مشغولة طوال الوقت وحاولت قدر الإمكان التوفيق بين عملهاالجديد وبين دراستها فى الجامعة وبين دروس التمثيل، ولم يكن لها حياة إجتماعية بالمعنى المفهوم سوى إنتظارها لزيارات أمها وسعيد من حين لآخر عندما يحضر سعيد أمه للإسكندرية للفسحة وكانت تتشوق كثيرا لرؤية أخواتها ولكنها كانت تخشى الذهاب للقرية بعد أن أصبحت نور العيون، ولم تك تدرى كيف سيستقبلها أهالى القرية، لذلك قررت تأجيل ذلك إلى ما بعد مسابقة ملكة الجمال. ولأول مرة بدأت فى إرسال بعض المال إلى أمها وأخواتها، ولم يشعر سعيد بغيرة حقيقية عندما عرف أن سعاد تكسب فى الشهر أضعاف ما يكسبه من عمله كموظف حكومى، وفرح لأخته وفى نفس الوقت نعى حظه السئ ولكنه كان دائما يحمد الله على كل شئ، وكان يقول مقولته الخالدة :"كل إللى يجيبه ربنا كويس"، وكان يقول لنفسه أنه ربما لو كان بنتا وبجمال سعاد لإستطاع أن يكسب قدرا مماثلا من المال !!

وكانت أم سعيد تشعر بالفرح كلما رأت سعاد فى ثوبها الجديد (نور العيون) ودائما كانت تتسائل لو مد الله فى عمر المرحوم أبو سعيد هل كان سيوافق على ما تفعله سعاد ؟ وكانت دائما مشغولة على سعاد وتدعى لها أن يرسل لها الله إبن الحلال "يهنيها ويستتها"، وكانت سعاد تسخر من أمها قائلة: "يهنيها ويستتها إيه بس يامة، بنتك سعاد بقت نور العيون، وقريب قوى هى إللى حتختار راجل بصحيح وهى إللى حتهنيه !!".
...
مع تطورات الأمور إلى الأفضل مع سعاد قرر سعيد بعد تأنيب ضمير أن يقدم على موضوع شقة رشيد وقال لنفسه إذا أراد الإرتباط بدولت فلا بد له من شقة حتى لو جاءت عن طريق الحزب، لذلك ذهب لمقابلة الحاج عفيفى فى مقرالحزب.
- أيوه ياحاج عفيفى أنا جاهز آخد الشقة.
- أيوه كده أنا مبسوط إنك عقلت، وبعدين دى يا سعيد يابنى أموال الشعب، يعنى أموالنا كلنا، أكتب لى إنت بس طلب سلفة بمقدم الشقة وإحنا حندفع لك المقدم مباشرة لبنك الإسكان ونحجز الشقة.
- وإمتى إن شاء الله ممكن أستلم الشقة؟
- أنا سمعت إن المحافظة إشترت الأرض، وبدأت عمل الرسومات.
- يعنى الموضوع مطول ؟
- مش قبل أربع أو خمس سنين.
- يانهار ابيض خمس سنين ده أنا يكون شعرى شاب.
- ياسعيد يابنى، طولة العمر تبلغ الأمل !
- على العموم أنا حأكتب الطلب وربنا يسهل.
hellip;
وخرج سعيد من عند الحاج عفيفى مهموما، سوف ينتظر خمس سنين، وإن هو إستطاع الإنتظار فهل تنتظره دولت والتى يجيئها الخطاب بصفة مستمرة، وشعر بخطورة فقد حبه الأول والأخير مقابل شقة، وأخذ يفكر كيف وصل المجتمع إلى الدرجة التى لا يستطيع أن يوفر لشبابه وشاباته المسكن (أهم حاجات الإنسان)، ودائما الناس تلوم الحكومة على شئ، وكأن الحكومة أصبحت الأب الروحى للشعب تؤكله وتشربه وتسكنه وتعلمه و....و... والحكومة قبل تبنى الحل الإشتراكى لم تبن أى مساكن للناس وكان الناس دائما تجد المسكن المناسب كل على مقدرته، ولكن ما أن تدخلت الحكومة فى مسألة إسكان الناس إلا وظهرت أزمة السكن، وأخذ يتسائل كيف يضع تلك التصورات والأفكار فى ورقة العمل التى سوف يقدمها لفرع الحزب فى الإسكندرية لعرضها على مؤتمر الحزب، كيف يتحرر الناس من عبوديتهم للحكومة وكيف يتوقفون عن إنتظار الإحسان من الحكومة وكيف وقع نفسه فى هذا المأزق حين وقع طلب الحصول على شقة فى مشروع حكومى، وكيف يلوم عامة الشعب إن فعل نفس الشئ، ولماذا لا يلوم الإنسان نفسه بنفس القدر الذى يلوم به الآخرين، ولماذا لا ينصح نفسه قبل أن ينصح الآخرين ؟
المهم أن ورطة سعيد الشخصية أهم بكثير من الورطة الشعبية الكبرى وهو يريد الإجابة فورية عن ورقة العمل الخاصة بدولت، و"طظ" فى ورقة العمل الخاصة بالحزب.
...
وتكرر سفر دولت وسعيد إلى الإسكندرية وتكرر ذهابهما إلى حدائق قصر المنتزة للتمتع بالنزهة هناك والحصول على خلوة شاعرية نادرة لا يمكن توفرها فى رشيد حيث أعين الناس تقف بالمرصاد، وتكررت القبلات والإحضان الدافئة، وأصبحت الحاجة ملحة إلى أكثر من مجرد أحضان وقبلات، والغريزة الطبيعية تلح وتطلب المزيد، والشقة مثلها مثل الزواج، مجرد سراب يبعد خمس سنوات قد تزيد، والزمن لا يريد أن يتوقف فما دامت الأرض تدور حول نفسها مرة كل يوم وتدور حول الشمس مرة كل سنة وكل يدور فى مجرة سكة اللبانة فلن يتوقف الزمن ولن تتوقف الشعيرات البيضاء فى النمو فى شعر سعيد ولن تتوقف ظهور صلعة خفيفة فى أعلى رأسه، وشعر لأول مرة فى حياته أنه فى سباق مع الزمن اللعين للإحتفاظ بدولت.
وقرر سعيد أن يفاتح صديقه وزميله فى قصر الثقافة عمرالحداد، ودائما يذكر عمر بكل خير لأنه هو الذى قدمه للحاج عفيفى فى الحزب، وهو الذى ساعده فى إستعادة وظيفته بعد خراب مالطة، لذلك ذهب مع عمر فى "تمشية" بجوار فرع رشيد من نهر النيل وإشترى سعيد "كوزين درة مشوى" لزوم نهر النيل، فالتمشية على نهر النيل لا تكتمل إلا بكوز الدرة المشوى.
- فيه موضوع كنت عاوز أكلمك فيه من زمان.
- ياعم ياسعيد إنت من ساعة ما عملوك رئيس لجنة السياسات فى الحزب وإنت ما حدش عارف يكلمك.
- معقولة دى، ده إنت إللى عرفتنى بالحزب.
- ياعم مين لقى أحبابه نسى أصحابه.
- ما هو ده الموضوع إللى أنا عاوز أكلمك فيه : موضوع "أحبابه" ده
- قصدك موضوع دولت ؟
- الله يخرب عقلك إنت إيه إللى عرفك بموضوع دولت ؟
- وهل يخفى القمر!! الحب زى القمر والشمس لا يمكن إخفائهما ولو حتى بالسحاب، الحب زى الكولونيا كل الناس حتشمها، إنتى مش كل شوية تاخد دولت توصلها البيت بالليل آل إيه علشان الوقت متأخر، طيب مرة وقولنا ماشى، مرتين وقولنا ما يضرش، إنما مش معقولة توصلها مرتين تلاتة فى الإسبوع وما حدش ياخد باله.
- الله يجازيك ياعمر وكل الناس فى الحزب واخدة بالها من الموضوع ده؟
- كل الناس بإستثناء الحاج عفيفى، لأنه ما بياخدش باله من الحاجات دى.
وحكى سعيد لعمر عن لقاءاته بدولت فى الإسكندرية وعن خشيته أن يخسرها.
- طيب ليه ما تتقدمش علشان تطلب إيدها من أهلها؟
- أطلب إيدها إزاى هو أنا حيلتى حاجة.
- مش إنت قدمت على طلب شقة؟
- شقة إيه ياعمر، دى مش حأستلمها إلا بعد خمس سنين، وموت ياحمار، تكون دولت إتجوزت وخلفت وإبنها دخل المدرسة كمان.
- طيب مش ممكن تخطبها، علشان تحجزها على الأقل ؟
- أحجزها إيه يأخى، هى عربية نصر ! أنا فاتحتها فى الموضوع وقالت لى إن أهلها مش ممكن يقبلوا بخطوبة طويلة بعد تجربة جوزها إللى هرب وراح ألمانيا.
- على فكرة أنا شقتى تحت أمرك لو تحب تبقوا تيجوا تقعدوا وأنا أسيبكم علشان تقعدوا على راحتكم فيها لوحدكم.
- أنا نفسى فعلا نقعد فى مكان لوحدنا من غير رزالة الناس إللى حوالينا، لكن دولت مش ممكن توافق على كده.
- إنت إيه إللى عرفك يأخى ؟ إسألها الأول.
...
يعرف تماما حاجته إلى دولت، إلى أن يأخذها بين أحضانه ولا يتركها ويعرف تماما أنها فى حاجة إليه أيضا، ولكنها أيضا فى حاجة إلى عريس، الفتاة بطبيعتها تبحث عن عريس أما الشاب فيبحث عن المغامرة والمتعة، الفتاة تبحث عن الإستقرار والشاب يبحث عن صيد، فالواضح أنه منذ إنسان الكهف حتى اليوم المرأة ترغب فى بناء العش أوالكهف والرجل يخرج للصيد وقد يصطاد فريسة يأكلها أو يصطاد إنثى أخرى يستمتع معها.
...
وقرر أن يصارحها برغباته فى أحدى جلساتهما الشاعرية فى قصر المنتزة والذى أصبح المقر الدائم لحبهما (أو المقر المؤقت كما تحب دولت أن تطلق عليه)، وبعد أن أمطر شفتيها وعنقها وخدودها بقبلاته الملتهبة دفعته برفق قائلة:
- لغاية إمتى ياسعيد حنفضل نحب بعض هنا زى الحرامية ؟
- دى أجمل لحظات عمرنا ما فيش داعى تقولى أننا زى الحرامية، إحنا مش بنسرق حاجة من حد، إحنا بنمارس حقنا الطبيعى فى الحب، ودى من أول حقوق الإنسان والتى ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة فى إعلان حقوق الإنسان.
(تبستم دولت إبتسامتها اللؤلؤية)
- والنبى تبطل الكلام الكبير ده ياسعيد إنت فاكر نفسك مع الحاج عفيفى فى مقر الحزب.
- الحزب ده أجمل حزب فى العالم علشان خلانى أعرف أحلى واحدة فى العالم.
- خلينا نتكلم جد بقى، إيه آخرة مقابلاتنا دى، أنا مامتى بقت بتشك فى كل مرة أقولها إنى رايحة إسكندرية، خلصت كل الحجج والأكاذيب.
- أنا رأئى إننا نتجوز !!
فوجئت دولت بإجابته المباشرة وإحمرت وجنتاها
- إيه رأيك يادولت؟
سكتت مرة أخرى دولت وزادها خجلها جمالا
- أقول إيه السكوت علامة الرضا ؟
هزت رأسها موافقة وهى تنظر بعيدا إلى حمرة السماء عندما تلتقى بزرقة البحر، فإحتضنها سعيد وقبلها، وقبلته وختمت موافقتها على عرضه بالزواج بقبلة من صميم القلب.
...
لم يرغب سعيد فى إضاعة بهجة اللحظة الرومانسية فى التفاصيل التى تقتل الحب، وقرر أن يؤجل الكلام عن الشقة والمهر والفرش وفترة الخطوبة إلى المقابلة القادمة، وعاد كلاهما إلى رشيد والقلب مفعم بالمحبة والأمل والجمال.
...
قرأ سعيد كثيرا عن أنواع الزواج والتى إبتدعها مشايخ العصر الحديث، مثل زواج عقد القرآن، زواج المتعة وزواج المسيار وزواج على أبوها ! والزواج العرفى، وتوقف كثيرا عند الزواج العرفى، ورأى أنه الأنسب فى حالته، وإعتقد أنه فى إمكانه إقناع دولت بالقبول بالزواج العرفى، لأنه رأى أن الزواج العرفى هو إجابة الشباب والشابات على رفض المجتمع فى إقامة علاقات بين الجنسين فى النور، وأيضا إجابة على فشل المجتمع فى توفير السكن الآدمى لملايين من بناته وشبابه لكى يمارسوا حقهم الطبيعى فى الحياة وبناء أسر كريمة.
وبرغم أن سعيد متدين بطبيعته يصلى ويصوم إلا أنه لا يسأل شيخ الجامع فى قريتهم عن أمور الدنيا وكان مؤمنا بقول الرسول الكريم :"أنتم أدرى بأمور دنياكم" وأعتبر أن فى هذا أساس للدولة المدنية بمعناها العصرى، ولكنه قرر أن يسأله فى مسألة الزواج العرفى، وشيخ مسجدهم هو شخص أكمل تعليمة فى المعهد الأزهرى برشيد، وكان فى منتصف العمر متزوج من قريتهم وهو إنسان مهذب ينشر دعوة الدين الحنيف ولا يدعو إلى عنف ولا يستخدم ألفاظا نابية أو يهاجم أتباع الأديان الأخرى إيمانا منه بالقول الكريم "لكم دينكم ولى دينى"، وكان يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنى، لذلك كان يرتاح إليه سعيد كثيرا ويحب أن يحضر صلاة الجمعة لكى يستمع إلى خطبه الهادئة بدون تشنج.
وطلب مقابلته ذات ليلة بعد صلاة العشاء.
- حرما ياسيدنا الشيخ.
- جمعا ياسعيد، سيدنا الشيخ إيه بس ياسعيد ده أنا أكبر منك بكام سنة بس.
- لكن مقامك عندنا كبير.
- الله يخليك، إيه أخبار الدنيا معاك؟
- الحقيقة أنا كنت عاوز أسألك فى موضوع مهم، هو الزواج.
- خير... خير ومين بنت الحلال بقى؟
- لأ أنا بسألك عن موضوع الزواج، وأنواع الزواج الأيام دى بقت زى بضاعة السوبر ماركت، أشكال وأنواع، زواج المسيار، زواج المتعة الزواج العرفى، زواج على أبوها.
- إنت بتجيب الأسامى دى منين ياسعيد، وإيه جواز على أبوها ده، أنا عمرى ما سمعت عنه؟!!
- ده بقى ياسيدى البنت تستمر فى السكن عند أبوها وزوجها يروح يزورها ينام معاها ويمشى آخرالليل.
- بالذمة ده كلام، أنا مش حأقولك رأئى ياسعيد فى كل أنواع الزواج إللى قلتها دى، لكن حأقولك آية واحدة وهى فيها الشفاء إن شاء الله والآية دى هى أساس الزواج فى الإسلام :
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (صدق الله العظيم).
وزى ماأنت شايف هدف الزواج فى الأساس هو "السكن: أو السكينة هنا بمعنى الإطمئنان والألفة، وبعد الإطمئنان والألفة تأتى المودة والرحمة " وبعد هذا يجب على الإنسان أن يفكر ويعمل عقله لأنه كما قال سبحانه وتعالى أن هذه الآيات :" لقوم يتفكرون".
- أيوه ده كلام جميل بس إنت برضه ما قلتيش رأيك فى أنواع الزواج إللى قلتها لك؟
- "لقوم يتفكرون": وتصبح على خير ياسعيد وربنا يوفقك.

كلام الشيخ لم يرو غليله، وماله يتكلم بالرمز، وماله لا يتكلم دوغرى مثل باقى المشايخ، لكن ختمها بقوله بأن عليه إستخدام عقله، هو يود أن يكون مع دولت بهدف الألفة والمحبة والمودة والرحمة يعنى نواياه تشمل كل أهداف ومبادئ الزواج، وكلها تحمل دلالات الديمومة وليس من بينها أى إشارة أو إحتمال أن يكون الزواج قد أسس لنزوة عابرة، وتوكل على الله وقرر أن يفاتح دولت فى "الزواج العرفى" وذلك لحين إكتما ل الشقة بعد عمر طويل !

samybehiri@aol.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف