كتَّاب إيلاف

مؤتمر المصالحة الوطنية ما له وما عليه

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قال نصير العاني، المتحدث الرسمي باسم مؤتمر المصالحة الوطنية الذي عقد بحضور العديد من رؤساء الاحزاب والمنظمات والشخصيات الدينية والعشائرية من تكوينات عراقية مختلفة في مؤتمر صحفي عقده عقب الجلسة الختامية لاعمال المؤتمر التي استمرت يومين: "أن عملية المصالحة عملية صعبة وشاقة، وأنه سيتم على مدار الشهرين القادمين إجراء نقاشات ومتابعات مستمرة لما صدر من مقررات وتوصيات سواء في الداخل او في الخارج". قاطعت المؤتمر بعض التيارات السياسية وجماعات دينية. من اقوال الامام الشافعي التي يمكن ان تكون منهجا في التعامل: " قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ". ان الظرف الصعب الذي يمر به العراق لا يتحمل الاجتهادات البعيدة عن الواقعية وكذلك غير الوطنية العراقية. ان ما يمر به شعب كان يحلم بان يتخلص من النظام الشمولي حتى ولو حرره آريل شارون، يقف اليوم في مفترق طرق، اما ان يكون او لا يكون، حسب مقولة شكسبير. فجاء مؤتمر المصالحة الوطنية كمحاولة من اجل ايقاف نزيف الدم العراقي والمباشرة في إعادة اعمار العراق وعودته إلى حضيرة الامم الآمنة. جاء في كلمة الرئيس جلال الطالباني للمؤتمر: " لقد حان الوقت، والمؤتمر فرصة ثمينة في هذا السياق، لتحديد الموقف بكل حزم من الخندقين المتعارضين، خندق الديموقراطية والوطنية العراقية الحقة، وخندق الارهاب والمجازر والقتل على الهوية والتكفير والتخلف. خندق العراقيين الذين يريدون في الحوار فقط يمكن بناء النفوس عبر زيادة الفهم والإفهام وبالتالي، خلق نمط من المساهمة الأخلاقية التي تحفظ حق الجميع في التعبير عما يجول وتجيش به العقول وتسيّده الأفكار استعادة الطمأنينة والاستقرار واعلاء شأن الوطن العراقي ودوره في المحافل العربية والدولية، وحجور ازلام الدكتاتورية والاستبداد التكفيري والظلامي". نعم، اجاد الطالباني في قوله ذاك، فلا بد من التحلي بالروح الوطنية وتفضيلها على المصالح الحزبية والطائفية وحتى القومية. ان الاعتراضات التي جاءت ضد المؤتمر مبنية اساسا على نظرة ضيقة وغير وطنية من جانب المقاطعين، على الرغم من ان المؤتمر هذا اختلف عن غيره من المؤتمرات كون مقرراته لم تكتب سلفا وأنها أعتمدت على الحوار المفتوح، رغم عدم شموليتها. فجماعة مقتدى الصدر التي تضم 30 نائبا في مجلس النواب قاطعت، مشترطة عدم حضور البعثيين وقبلها اوقفت عملها السياسي في التعامل مع الحكومة العراقية. فجماعة مقتدى رفضت المشاركة على اساس حظور بعثيين، متناسية ان الجماعة نفسها ملغومة بعصابات البعثصدامي من القمة إلى القاعدة، وما جيش المهدي، رمحها المسلح إلا صورة " مطوئفة" لفدائي صدام.

كما وانها دخلت الاتلاف وشاركت في حكومة المالكي مع معرفتها بان في قمة هرم السلطة العراقية الحالية ومن قادة الاتلاف من كان بعثيا، ويحتل البعثيون السابقون مناصب في دوائرها والعديد من السفراء الحاليين من كان بعثيا إلى وقت قريب حتى قبل سقوط النظام، وبالتالي التخندق حول هذه الحجة امر تافه لا يمكن تبريره اطلاقا. كما وان الجماعة اوقفت نشاطها في حكومة المالكي مطالبة بخروج قوات التحالف من العراق، دون ان تضع برنامجا سياسيا بديلا وهي تفتقد إلى وضوح رؤيا سياسية فكيف لها ان تقرر مصير العراق ومستقبله وامنه،في الوقت الذي لا يملك العراق جيش قوي يحميه، إلا إذا كان غرض الصدر ومرشده كاظم الحائري في قم، افراغ العراق من اي قوة يمكن ان تدافع عنه لكي يكون لقمة صائغة لقوات راية ولاية الفقيه، فهذا موضوع آخر. اما الجماعات الثانية التي قاطعت المؤتمر وخرجت ببيانها الطائفي من استانبول كالجبهة العراقية للحوار الوطني برئاسة صالح المطلق والتي تضم 11 نائبا في مجلس النواب وكتلة المصالحة والتحرير لعدم الموافقة على الشروط التي وضعتها للمشاركة والمتمثلة بالغاء كل قرارات الاجتثاث وتسريح الجيش والقوى الامنية والسماح لممثلي حزب البعث المحظور دون تفريق ( ومن ضمنهم قتلة العراقيين وسكاكين سلطة البطش السابقة )،كما قاطعت المؤتمر جبهة الحوار الوطني برئاسة النائب خلف العليان الذي اشترط مشاركة "المقاومة" في اعمال المؤتمر، دون تحديد معنى المقاومة. فهل من يقدم العون اللوجستي لقتل العراقيين ايظا من المقاومة؟ او الذين يغتالون العراقيين ويفجرون السيارات في الاسواق والاحياء السكنية، من يقتل الاطفال ويهدم دور العبادة من ظمنها ايضا؟ وقاطعت المؤتمر هيئة "علماء المسلمين"التي تبنت بيان اسطنبول عما سمي مؤتمر"نصرة الشعب العراقي" الذي عقد يومي الاربعاء والخميس الماضيين والذي طالب بالغاء العملية السياسية برمتها في العراق، اي عودة النظام الساقط ورموزه وقيادته الطائفية الحاقدة. فاي إسلام هذا الذي تمثله الهيئة الذي يقف مع ذبح المواطنين، سبي النساء وقتل الناس من الديانات الاخرى؟ حيث كانت احدى مقرراته التي ساهمت "الهيئة" وحلفائها في صياغته إلى تأييد ما سمته "المقاومة العراقية الباسلة" التي اعتبروها الدرع الواقي للعراق وأهله،إن هي تمسكت بأسباب الائتلاف واجتماع الكلمة وتجنبت أسباب الفرقة والاختلاف!!!

ومن المؤسف ان تنسحب حركة الوفاق الوطني العراقي برئاسة اياد علاوي من المؤتمر بسبب استبعاد قوى سياسية على الساحة العراقية وعدم توجيه الدعوة لها لحضوره معتبرة استبعادها لايخدِم المصلحة الوطنية العليا، لكن الحركة لم تحدد القوى المستبعدة. فهل تقصد حزب البعث كحزب مثلا؟ مع العلم شارك بعثيين بصفة أفراد مستقلين ومعارضين لحكم البعث الساقط الذي كان السبب الرئيس في كل المآسي التي تعرض لها الشعب العراقي سابقا وحاليا ومنها الارهاب المنتشر الذي هو نتيجة واستمرارا لجرائم البعثصدامي. والغريب ان السيد علاوي كان من ضحايا الحزب المذكور وقيادته وتعرض للموت على يدي اجهزته. فمن اراد دعوته إذا؟

لا اتفق مع النص التالي الذي جاء في كلمة الرئيس طالباني بان اقامة المؤتمر لم تاتي من موقف ضعف، حيث يقول:" لاننطلق من موقف ضعف أو شعور باستنفاذ الطاقة والاحساس بالوهن ازاء التعقيدات و الصعوبات والتحديات التي نتعرض اليها من قبل الارهابيين والتكفيريين والصداميين ومن يواليهم أو يساندهم ويمدهم بوسائل القتل و التدمير ". نعم ان عقد المبتمر من موقف ضعف وإلا ما حضره من يرفع السلاح ضد العراق المحرر من الفاشية دون ان تكون لغة الحوار منهجه في المعارضة، كما وان الاجهزة الامنية العراقية اما مخترقة او بسيطة التسليح وضعيفة الإيمان بالعراق الجديد وان الكثير من عناصرها يغلب عليه الولاء الطائفي، وبالتالي جاء المؤتمر لتلافي ذلك واسكات الاقوى (من يملك السلاح)، ولكن الرئيس طالباني كان على حق في مكان آخر من كلمته في ان المؤتمر وكذلك اي مجهود يجمع شمل العراقيين، خاصة اولئك الذين تمثل الوطنية العراقية لديهم منهاج عمل والمصلحة الوطنية العراقية هدفا، حيث يقول: "بل من الثقة بتوفر امكانات الحاق الهزيمة باعداء مسيرتنا الديموقراطية، والاهم من ذلك من الحرص على تجنيب شعبنا المزيد من الويلات والمجازر التي يتكبدها، والعمل على جذب اوسع قاعدة شعبية سياسية الى العمل الجاد و المستمر لجهة اعادة الأمن والاستقرار وحماية ارواح المواطنين وممتلكاتهم وثروات البلاد التي يسعى المخربون الى تبديدها للحيلولة دون توظيفها للمضى قدماً في طريق التحولات الاجتماعية الاقتصادية و السياسية التي تفضى في نهاية المطاف الى ازدهار العراق وتطوره.

ان الجميع معنيون بها، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية بمن فيهم الذين انتموا الى حزب البعث أو العاملين في اجهزة النظام الدكتاتوري السابق باستثناء المجرمين و القتلة من الصداميين الذين يجهرون بلا حياء، "ناهيك عن اعتذار " باستمرار تمسكهم و ولائهم لصدام حسين سياسياً وفكرياً، بل واعتمادهم ذات الاساليب الاجرامية في ترويع المواطنين وقتلهم و الاستهانة بكراماتهم والاستهتار بمقدرات البلد ومستقبل ابنائه". يمكن اخذ الكثير مما جاء في كلمة الطالباني لكي تكون برنامج عمل واضح للمؤتمر القادم، يضاف إلى مقررات اللجان الاربعة التي شكلها المؤتمر الاخير؛ وهي: لمعالجة الموازنة السياسية وتوسيع المشاركة السياسية، ولجنة النظر في الدستور والفيدرالية، ولجنة قراءة الموقف من الاحتلال والميليشيات، إضافة إلى لجنة الكيانات المنحلة. باعتقادي ان من اولى مهمات المؤتمر القادم اعداد ووضع برنامج وطني يلم شمل العراقيين ويوحد القوى الوطنية المخلصة ورفض العابثين بامن ومستقبل العراق بعد ان رفضوا مبدئ الحوار. والحوار عبر المؤتمر الاخير كان من الواجب اعتباره فرصة وعنصر أساسي من عناصر النمو العقدي العقلاني في التعامل مع الآخر على اساس المواطنة والاعتراف بالعراق الجديد بكل سماته، في إعادة التفكير في التنوع والسعي إلى إقامة علاقة جديدة بين الفعاليات السياسية العراقية قائمة على الاندماج في مسيرة واحدة من اجل امن الوطن وإعادة بنائه. فان هدف مؤتمر "المصالحة الوطنية" هو تعزيز إقامة حوار يكون واقيا من الصراعات الحزبية والتقاتل الطائفي وقائما بطبيعته على ان العراق وطن لجميع العراقيين، بغض النظر عن الدين والقومية والطائفة والمنطقة.

وطن واحد موحد كل ثرواته لجميع العراقيين وان التاسع من نيسان حد فاصل بين ظلام الماضي وامل المستقبل. فالحوار الذي كان الغرض من عقد المؤتمر من اجله يعتبر من المفاهيم الأكثر رقيا في التعامل بين البشر، فمنذ اللحظة الأولى للتكوين الإنساني، والحوار في حد ذاته ليس قصرا على الفرد بعينه، بل تعدى ذلك، ليصبح حواراً بين الأمم، فكيف الحال إذا كان بين ابناء الوطن الواحد؟ فالحوار الذي كان يتمناه العراقيون من ان يكون المؤتمر بودقة له كتعبير من أحسن الوسائل الموصلة إلى الإقناع ويدفع إلى تعديل السلوك إلى الأفضل من اجل اعتبار الاختلاف بين مكونات الشعب وحلها على اسس سلميةوترويض النفوس التي افسدها النظام الشمولي لمدة اربعة عقود كاملة في عدم قبول النقد، واحترام آراء الآخرين. التخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات الطائفية والمشاعر العدائية للآخر. في الحوار فقط يمكن بناء النفوس عبر زيادة الفهم والإفهام وبالتالي، خلق نمط من المساهمة الأخلاقية التي تحفظ حق الجميع في التعبير عما يجول وتجيش به العقول وتسيّده الأفكار. ان مهمات المؤتمر القادم يجب ان تكون بالإضافة إلى متابعة قرارت اللجان الاربعة السالفة الذكر في صياغة الميثاق الوطني لكي تجمتع تحت مظلته جميع أطياف وانتماءات العراقيين، يكون قاعدة إلى إرساء مفهوم الحوار بين مختلف ألوان المجتمع العراقي واطيافه المختلفه واستغلالها كعامل قوة. ميثاق وطني يعمل على تطوير مستوى الوفاق الوطني الداخلي والعيش المشترك بين شرائح المجتمع العراقي وتوسيع قاعدة منظماته المدنية من أجل التعايش السلمي، بغض النظر عن الطائفة والقومية والدين والمنطقة، لبناء صرح الوحدة الوطنية الحقيقية، التي ليست لفئة او طائفة او قومية اليد العليا في التحكم بمصير الوطن، وبغض النظر عن غلبتها الاكثرية او قوتها. توسيع مفهوم الشراكة الوطنية على حساب مبدئ المحاصصة السائد اليوم وإلغاء إلى الابد مفهوم الفدرالية المبني على بناء دول داخل الدولة الواحدة، او كانتونات طائفية او قومية. أن مفهوم الشراكة الوطنية لا يبنى على أساس المكونات العرقية أو القومية أو المذهبية أو الدينية في الوطن العراقي الذي حاول ان يكون بعيدا عنها خلال عصره الحديث، لولا مرض الطاعون البعثصدامي. فصياغة ميثاق وطني يعطي الحق لكل مواطن، بصرف النظر عن قوميته أو منطقته أو مذهبه أو دينه كامل الحقوق في المشاركة في شؤون الوطن المختلفة. فالأساس الدستوري والقانوني والسياسي الذي يحدد مفهوم الشراكة هو المواطنة بكل مدلولاتها الثقافية والقانونية والسياسية، وليس الانتماءات القومية والدينية والطائفية وحتى المناطقية. بناء المجتمع المدني ورفض العنف بكل اشكاله في العمل السياسي او الاجتماعي، في تأصيل مفهوم الشراكة في الوطن العراقي التي يجب ان تبنى بعيدة عن المنافع والأرباح الحزبية والطائفية والمناطقية.

الشراكة الوطنية التي يجب ان يكرس لها اي مؤتمر للمصالحة الوطنية عبر ميثاق وطني يصوغ منظومة الحقوق والواجبات في الحفاظ على امن المواطن وحريته حتى يستطيع العمل والتنافس السلمي للقيام بواجباته الوطنية.فالشراكة الوطنية التي نتمنى ان يخرج منها اي مؤتمر عبر الميثاق الوطني بعيد عن عقلية المحاصصة أو المنافع الحزبية والطائفية والقومية الضيقة، في تأصيل مفهوم المواطنة بكل مقتنياتها القانونية والاجتماعية، وبدون ذلك لن تتحقق الوحدة الوطنية وستكون المصالحة هدف بعيد، حتى وان تمناه الكثرين. ان التوقيع على الميثاق الوطني او "العقد الاجتماعي " ان اعطي صفة اكثر شمولية يجب ان لا يكون مقتصرا على المشاركين في أي مؤتمر وانما لكل مواطن عراقي كما كان التصويت على الدستور. الغاء الاعتماد على البرلمان الحالي في موضوع المصالحة الوطنية لفشله الكلي في تلبية حاجات المواطن والدفاع عن مصالحه.ففي ظل الاوضاع الامنية المتردية التي تعصف بالمواطن وتشهدها الساحة العراقية من قتل وتهجير وتفخيخ وتفجير وقتل على الهوية والعراقيون يغرقون في بركة من الدم، اعلن مصدر في لجنة شؤون مجلس النواب ان مايقارب 176 عضواً من مجموع 270 اعضاء المجلس سيغادرون لاداء فريضة الحج، على الرغم من اعتراض بعض الأعضاء على ذلك.ولم يحظ بهذه الامتيازات معظم العراقيين المسنين ممن تقدموا منذ عامين او اكثر ولم يحالفهم الحظ في قرعة الحج للاعوام الثلاثة المنصرمة وحتى هذا العام بهذه الميزة. ومن المضحك ان يطالب النواب بتاجيل التصويت على القرارات المهمة لحين عودتهم من الحج. لقد نسى نواب شعبنا الذين جازف العراقيون بارواحهم من اجل انتخابهم لعضوية البرلمان بان الحج، ليس فقط "لمن استطاع إليه سبيلا"، من الناحية المادية البحته، وانما أيظا من الناحية الخلقية والالتزام بالواجب العائلي اي الوطني في هذه الحالة. ان العراقيين يحتاجون إلى اكثر من مؤتمر للمصالحة والمصارحة مع الذات بأن العراق الجديد قد ولد في التاسع من نيسان ولا عودة للوراء، كما هو التأريخ الإنساني.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف