تجارة حرة مع أوروبا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حققت الدول التي عملت على دمج اقتصادها في الدورة الاقتصادية العالمية، بالتركيز على التصدير، مثل النمور الآسيوية، أفضل النتائج مقارنة بالدول التي دعمت الأنشطة الموجهة للاستهلاك المحلي. وشجع هذا جل الدول النامية تقريباً على تحرير التجارة الخارجية ودعم الصادرات كاختيار استراتيجي خلال العقدين الماضيين. ومن أهم الآليات المتوفرة حالياً التوقيع على معاهدات التجارة الحرة مع أوروبا وأمريكا. فما أهمية هذا الاختيار ؟ وما هي الفوائد المرتقبة ؟
اتخذ مجلس دول الاتحاد الأوروبي قراراً هاماً عام 1994 يشجع على إنشاء منطقة تجارة حرة مع دول جنوب المتوسط. و انتهزت تونس الفرصة في العام التالي، فكانت أول الدول المنخرطة في هذا المشروع.
جاء القرار التونسي بناء على فرضية أن الدول التي تسرع في هذا المجال ستحصل على المغانم التالية :-
(1) الحصول على مساعدات مالية أهم لتحديث صناعاتها.
(2)جلب استثمارات خارجية اكثر، كما سيكون بإمكانها التصدير إلى السوق الأوروبية دون دفع التعريفة الجمركية.
(3)إعطاء مصداقية أكثر للاقتصاد الوطني، إذ أن التراجع عن الاندماج في السوق الأوروبية سيكون صعباً، بل شبه مستحيل.
(4)تمكن تونس باعتبارها المفاوض الأول من تعديل محتويات الاتفاقية بصفة أفضل مما لو كانت سبقتها دول أخرى.
بدأ الحصاد بعد سنة تقريباً في العام 1996، حيث انطلق " برنامج التحديث الصناعي " الذي قدم لتونس دعماً لا يقدر بثمن في مجال تحسين الإدارة ومراقبة الجودة وتحديث أجهزة الإنتاج. وبلغ إجمالي التمويلات 1.5 مليار دولار وتم تحديث أكثر من 1500 مؤسسة في الفترة 1996- 2003. بينما تأخرت دول أخرى مثل مصر، خلال نفس الفترة، وفوتت بذلك فرصة ثمينة. وهذا ما أدركته كل من الأردن والمغرب وبادرتا بتلافي الخطأ بالمصادقة على المعاهدة بعد تونس بسنتين.
والحقيقة أن تونس قد استفادت كثيراً من المصادقة على اتفاقية التجارة الحرة مع أوروبا، وجرت الأمور كما كان متوقعاً، إذ زاد الاستثمار الأجنبي فيها من 365 مليون دولار عام 1997 إلى 821 مليون دولار عام 2002، بينما انخفض في مصر، خلال نفس الفترة، من 887 مليون دولار إلى 647، وفي المغرب من 1188 مليون دولار إلى 481 مليون دولار. والفائدة الأكبر في تقديرنا تمثلت في عديد من الإصلاحات المؤسسية بهدف تحسين منافسة المنتجات التونسية، لذا جاءت تونس في المرتبة الأولى عربياً و 30 عالمياً في مؤشر التنافسية لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي، الذي نشر مؤخرا، مقارنة بالمرتبة 52 للأردن و63 لمصر، و70 للمغرب (الموقع: www.weforum.org)، علما بان حداثة أي اقتصاد معاصر تقاس بقدرته التنافسية في السوق المعولمة.
لتبرير تخلفها، ادعت مصر أنها تود الحد من الآثار الجانبية -خصوصاً الاجتماعية منها- وهذا ادعاء غير مقنع لأن التأخير في القيام بالإصلاحات الاقتصادية - السياسية والتشريعية والمؤسسية - ينعكس سلباً على التنمية والظروف المعيشية للمواطن، لا العكس.
غالباً ما يدعي المعارضون لاتفاقية التجارة الحرة ضرورة عدم التسرع بدعوى أن ذلك يهدد المؤسسات الاقتصادية و يؤدي إلى مزيد من البطالة. والحقيقة أن الإسراع بتحرير التجارة يوفر حافزاً ضرورياً للمؤسسات الصناعية لإعادة الهيكلة اللازمة والتي من نتائجها الاستغناء عن بعض العمالة. ويمكن الحد من هذه الآثار بتشجيع الاستثمار في الأنشطة الصاعدة - ذات المزايا التنافسية - وتدريب العمالة في هذا الميدان.
أدركت السلطات المصرية ذلك، لكن بعد أن وقعت الفأس في الرأس، فسرعت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي مع بداية الألفية. وعينت المدير السابق لبرنامج التحديث الصناعي بتونس - المهندس سليم التلاتلي - لإدارة نفس البرنامج في مصر، لكن الفرصة الضائعة لن يسهل تداركها في المستقبل القريب، وفي هذا عبرة للدول التي ما زالت إلى الآن تتأخر في المصادقة على معاهدة التجارة الحرة مع أمريكا، والتي ترتكب بذلك نفس الخطأ المصري.
------------------------
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي، باحث أكاديمي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
Abuk1010@hotmail.com