كتَّاب إيلاف

بين مأساة أسمها حماس ... ومصيبة أسمها السياسة ألإسرائيلية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ليس مستبعداً أن تتحوَل الأشتباكات المتقطّعة الدائرة حالياً بين "حماس" و"فتح" ألى حرب أهلية شاملة بين الفلسطينين، علماً بأنّ ما يمكن أن يحول دون مثل هذه الحرب وعي الشعب الفلسطيني لحقيقة مصالحه ولضرورة تفادي الدخول في لعبة مكشوفة ذات أهداف واضحة. ما يحتاجه الشعب الفلسطيني في هذه الأيام هو لقمة العيش وليس العراضات المسلّحة التي أتقنتها "حماس"...
شجّعت أسرائيل على هذه الحرب التي أطلّت برأسها، بل راهنت عليها، عندما رفضت التعاطي بشكل أيجابي مع ياسر عرفات في مرحلة ما بعد توقيع أتفاق أوسلو وعندما وضعت كلّ العراقيل في طريق محمود عبّاس في السنتين الماضيتين، أي منذ أنتخابه رئيساً للسلطة الوطنيّة خلفاً ل"ابو عمّار" في مطلع العام 2005. لذلك من المستغرب أن يدعو رئيس الوزراء الأسرائيلي ايهود اولمرت هذه الأيّام ألى دعم "ابو مازن" بعدما أعلن الرئيس الفلسطيني السبت الماضي عن قراره القاضي بأجراء أنتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة. من يريد مساعدة "أبومازن" والوقوف معه بالفعل لا يكتفي بمثل هذا النوع من التصريحات في هذه المرحلة بالذات، أي بعد بدء المواجهات المسلّحة بين "فتح" و "حماس" وبعدما تبيّن أن حكومة أسماعيل هنيّة على أستعداد للذهاب بعيداً في وجه أي محاولة لأستبدالها بحكومة أخرى يمكن تسميتها بحكومة وحدة وطنية أو أي شيء من هذا القبيل. من يريد دعم الرئيس الفلسطيني يقرن كلامه بالأفعال وينتقل ألى خطوات عملية في هذا المجال أنطلاقاً من الكلام الأخير الصادر عن الملك عبدالله الثاني. لقد أمتلك العاهل الأردني ما يكفي من الشجاعة والوضوح والواقعية لأستقبال أولمرت ومحاولة معرفة آفاق المستقبل، خصوصاً فرص معاودة المفاوضات الفلسطينية - الأسرائيلية. وحدها المفاوضات يمكن أن تؤدي ألى نتائج تخرج الجميع من المأزق الذين وجدوا نفسهم فيه.
كلّما مرّ يوم، يتبيّن كم أن الموضوع الفلسطيني معقّد. يزيد العقيدات تمسّك "حماس" بالسلطة وعدم أستعدادها للتنازل عن أي موقع، وحتى عن الميليشيا المسلّحة التابعة لها، بصرف النظر عما قد يحقق ذلك من مكاسب في الأمكان توظيفها في مصلحة الشعب الفلسطيني وفي مصلحة رفع الحصار عنه. ما الذي يزعج "حماس" من أستمرار الحصار؟ هل رفاه الشعب الفلسطيني وخروجه من المأساة يصبّان في مصلحة حركات من هذا النوع تعتبر أن حليفها الأوّل يتمثّل في الفقر والبؤس والتخلّف؟ لماذا يتوجّب أذا على "حماس" التي تقتات من البؤس الذي يصيب الشعب الفلسطيني المساهمة في حلّ، بل في أيّ نوع من الحلول تخرج الفلسطينيين مما هم فيه؟
هناك مأساة أسمها "حماس" وهناك مصيبة أسمها السياسة الأسرائيلية. لو كانت الحكومة الأسرائيلية صادقة في ما تقوله، لكانت ساعدت ياسر عرفات، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، بدل العمل على تقويض الأسس التي تقوم عليها السلطة الوطنية الفلسطينية. كان ملفتاً في تلك الفترة الشراكة التي قامت بين "حماس" والحكومة الأسرائيلية برئاسة أرييل شارون من أجل ضرب المؤسسات الفلسطينية، على رأسها المؤسسات التابعة للسلطة الوطنية، وحتى المؤسسات التابعة للأدارة الفلسطينية والقائمة منذ ما قبل العام 1967، تاريخ الأحتلال الأسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزّة. هل من يريد أن يتذكّر كيف كانت الحكومة الأسرائيلية تردّ على كلّ عملية أنتحارية تنفّذها "حماس" مستهدفة مدنيين أسرائيليين في معظم الأحيان، بتشديد الحصار على ياسر عرفات بهدف خنقه داخل مقرّه في رام الله. لم يفق الأحتلال الأسرائيلي بأن عليه الردّ على "حماس" وأستهداف قيادييها مباشرة، الاّ بعد تأكده من أنّه قضى على "أبو عمّار" معنوياً، تمهيداً للأجهاز عليه جسديّاً بطريقة لا يزال يلفّها الغموض. كان ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، الرجل الذي وضع فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الوسط، الهدف الأوّل للأحتلال ولأرييل شارون بالذات. أمّا "حماس"، فكانت بأستمرار، ولا تزال، الحليف الموضوعي لأسرائيل، خصوصاً أنّها لم تتوقف عن رفع الشعارات المرفوضة من الأسرة الدولية والتي هي على تناقض تام مع قرارات الشرعية الدولية التي من مصلحة الفلسطينيين التمسّك بها من منطلق أنهم الطرف المظلوم في المعادلة القائمة في الشرق الأوسط.
رفضت أسرائيل شارون مساعدة ياسر عرفات، الذي لا بدّ من الأعتراف أنّه ارتكب أخطاء كبيرة في مرحلة ما بعد فشل قمة كامب ديفيد مع الرئيس كلينتون ومع أيهود باراك رئيس الوزراء الأسرائيلي وقتذاك، صيف العام 2000. لكنّه كان ملفتاً ذلك الأصرار لدى أيهود أولمرت الذي خلف شارون على وضع العراقيل في طريق "أبومازن" الرئيس الفلسطيني المنتخب من الشعب مباشرة على أساس برنامج سياسي في غاية الوضوح في صلبه الأعتراض على عسكرة الأنتفاضة وأعتبار ذلك كارثة على الشعب الفلسطيني. أضافة ألى ذلك، لم يخف "أبومازن" قبل أنتخابه رئيساً وبعد أنتخابه أن هدفه النهائي التوصل ألى حل يقوم على أساس وجود دولتين على أرض فلسطين. ألهذا السبب حارب أولمرت "أبو مازن" وسهّل ل"حماس" الوصول ألى تشكيل حكومة فلسطينية؟ هل آن أوان تراجع أولمرت عن مواقفه السابقة؟
تأخّر أيهود أولمرت كثيراً في دعم "أبو مازن". ربّما يفعل ذلك الآن أرضاء لضيفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي زاره قبل أيّام... أو لأنّه تأكد من أنّ الحرب الأهلية الفلسطينية واقعة لا محالة. والواقع أن الحرب دخلت مرحلة متقدّمة بعدما أعتبرت "حماس" أن لا ردّ لديها على الدعوة ألى تشكيل حكومة، أي حكومة، تعتمد برنامجاً سياسياً واضحاً مقبولاً من ألأسرة الدولية، سوى النزول ألى الشارع وألقيام بعراضات مسلّحة وتوجيه أتهامات ألى "فتح" بأنها سعت ألى أغتيال هنيّة أو وزير الخارجية الدكتور محمود الزهّار. هل من عاقل في "فتح" يسعى ألى أغتيال شخص مثل الزهّار تكفي طريقة حديثه وخطابه السياسي لأفشال أيّ حكومة تابعة ل "حماس" أو غير "حماس"! أن الزهّار حليف طبيعي لكلّ من يطمح ألى التخلّص من حكومة هنيّة. كيف يمكن اذا ل"فتح" التخلي عن مثل هذا الحليف. أوليس في هذا الأتّهام منتهى الغرابة!
بعيداً عن المزاح وعن شخصيّات مثل شخصية وزير للخارجية يستطيع بالكاد التفاوض مع نفسه، لا بدّ من التفكير الجدّي في الخروج من المأزق الفلسطيني الذي هو مأزق خطير بالفعل. لا بدّ من ذلك، على الرغم من أن "حماس" ليست قادرة على التحكّم بقرارها بمقدار ما أنّها، ألى حدّ كبير، اسيرة محور أقليمي لديه حسابات خاصة به يمتد من طهران ويمر بمناطق معيّنة في العراق قبل أن يتابع سيره ألى دمشق ومنها ألى ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان.
ما طرحه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أكثر من منطقي في حال كانت هناك رغبة لدى أولمرت في البحث عن حل وليس في التشجيع على حرب أهلية فلسطينية لا تخدم أحداً في المنطقة بما في ذلك أسرائيل. أن الدعوة ألى تحديد أسرائيل موقفها من الدولة الفلسطينية تقطع الطريق على المزايدات والمزايدين كما تؤكد أن هناك أفقاً لأيّ عملية سياسية تنطلق من تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تعتمد برنامجاً سياسياً واضحاً معقولاً ومقبولاً يرتكز على قرارات الشرعية الدولية. يبعث مثل هذا الطرح برسالة ألى الفلسطينيين وكلّ أهل المنطقة فحواها أن هناك أملاً في المستقبل وأن هناك هدفاً محدّداً ومعروفاً لأيّ مفاوضات مباشرة. هل من يسمع؟ هل من يقتنع بأن الحرب الأهلية الفلسطينية طريق مسدود للجميع وحتّى لأسرائيل؟ تكمن المشكلة في أن ثمّة حاجة ألى موقف أسرائيلي شجاع بدعم "أبو مازن" عن طريق الأعتراف بأنّ هناك شريكاً فلسطينياً يمكن التفاوض معه من أجل التوصّل ألى حل على أساس الدولتين. هذا من جهة، ولكن لا مفرّ من جهة أخرى من أنّ تتحرر "حماس" من الأوهام والأحلام وأن ترفض تحويل الشعب ألى وقود للصراعات والتجاذبات الأقليمية... هل حكومة أسرائيل قادرة على ذلك؟ هل تستطيع قيادة "حماس" أستعادة قرارها؟ يبدو البحث عن حلّ صعباً... أنّه أصعب بكثير من التشجيع على أندلاع حرب أهلية والعمل من أجل تحويلها ألى جزء من الواقع الفلسطيني!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف