كتَّاب إيلاف

هل بدأ العرب يستوعبون خطورة ما يشهده لبنان؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

هل الوضع اللبناني ميؤوس منه؟ الجواب أنّه يمكن أن يكون هناك ميل ألى ذلك لدى عرض الطريقة التي يتصرّف بها "حزب الله" المصر على أسقاط الحكومة اللبنانية وتعطيل الحياة السياسية الطبيعية في البلد. ما ينفذه "حزب الله" في الوقت الراهن عملية واضحة المعالم تصبّ في نهاية المطاف في أخضاع لبنان وأفقاره وأعادته ألى الوصاية السورية من جهة ومنعه من الأستفادة من الفورة النفطية الجديدة في المنطقة. هل صدفة أن اغتيال رفيق الحريري جاء بعد سنة من الفورة النفطية الثانية حين بدأ سعر برميل النفط يتجاوز الخمسين دولاراً؟ هل صدفة أن حرب 1975 بدأت بعد الفورة الأولى التي تلت حرب تشرين - أكتوبر 1973 ؟ لم تنته حرب لبنان وقتذاك ألاّ بعدما تأكّد النظام السوري من أنّه نفّذ أنقلاباً ناجحاً على أتفاق الطائف بتسهيل من مهرّج برتبة "جنرال"، أتاح للقوات السورية دخول قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في الثالث عشر من تشرين الأوّل أكتوبر 1990. يعيد التاريخ هذه المرّة نفسه ولكن مع فارق أن "حزب الله" الممول من أيران والمسلّح منها يلعب الدور الذي لعبته المنظمات الفلسطينية، خصوصاً تلك الي كانت مدعومة من النظام السوري، في تأمين أستمرار الحرب التي أندلعت في الثالث عشر من نيسان- أبريل 1975.
كلّما مرّ يوم، يتبيّن كم أن المؤامرة على لبنان خطيرة وكم أن هذه المؤامرة تتجاوز لبنان وكم أنّها في واقع الحال مؤامرة على العرب وعلى مستقبلهم. أن السعي ألى أفقار لبنان وتهديم مؤسساته لا يصب هذه المرّة في مصلحة العرب. على العكس من ذلك، يشير تطوّر الأحداث، في غياب حدث دراماتيكي على الصعيد الأقليمي، ألى أن الهجوم الذي يشنه "حزب الله" بدعم سوري كامل وواضح وبغطاء أيراني على مؤسسات الدولة اللبنانية جزء من عملية ذات طابع أقليمي. الهدف واضح كلّ الوضوح ويتمثّل في تكريس وجود دولة ضمن الدولة في لبنان. دولة تمتلك جيشها الذي هو أقوى من الجيش اللبناني، دولة تمتلك قرار الحرب والسلام مع أسرائيل، دولة قادرة على تعطيل عمل الدولة اللبنانية ونشاطها أكان ذلك في ما يتعلّق بأنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في قضية أغتيال الرئيس الحريري أو في ما يتعلّق بمتابعة تنفيذ القرار الرقم 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن بعد الحرب الأسرائيلية الأخيرة التي تسبب بها "حزب الله". لو لم يكن الأمر كذلك، لماذا أذاً كلّ هذا الأصرار على ألغاء المؤسسة الأخيرة القادرة على أتخاذ قرار لبناني مستقل وهي مؤسسة مجلس الوزراء عن طريق التمسّك بالثلث المعطّل؟ هل هناك بلد في العالم تتمثل فيه المعارضة في الحكومة بالنسبة التي تقرّرها المعارضة؟ هل من هدف آخر ل"حزب الله" سوى تعطيل القرار اللبناني وأيجاد فراغ في السلطة يستغلّه رئيس لا يشكّل سوى دمية في يد النظام السوري؟
لا شكّ أن الوضع خطير في لبنان، خصوصاً أن "حزب الله" الذي أقدم على مغامرة أسمها "غزوة بيروت"، حصر خياراته بالتصعيد ولا شيء غير التصعيد. لكن لا شيء يحول دون النظر ألى الأمور من زاوية أخرى أقلّ تشاؤماً بالنسبة ألى لبنان. يعود هذا التفاؤل النسبي ألى أن العرب، معظم العرب، بدأوا يدركون مدى خطورة وجود حزب مذهبي مسلّح مثل "حزب الله" في لبنان. ألى ما قبل أسابيع، كانت الجماهير المصرية تمجّد "حزب الله" بصفة كونه حزباً مقاوماً لأسرائيل. لم يكن هناك من يريد أن يتساءل كيف يمكن أن يستفيد لبنان من وجود حزب من هذا النوع في أراضيه، حزب أقام جزراً أمنية في البلد؟ أخيراً، بدأ المصري العادي، يطرح تساؤلات في شأن الأحزاب ذات الطابع العسكري. كان المواطن المصري في حاجة ألى ظهور ميليشيا تابعة لجماعة الأخوان المسلمين في حرم جامعة الأزهر، وهو ما حصل قبل أيّام، كي يكتشف مخاطر هذا النوع من الأحزاب ليس على الأمن الوطني المصري فحسب، بل على البلد ككل أيضاً وحتى على منظومة الأمن العربيّة. وطرح نقاش صريح أستضافه التلفزيون الرسمي مساء الأربعاء الماضي( برنامج "حالة حوار" للدكتور عمرو عبدالسميع) تساؤلات في العمق تتناول الظاهرة وأبعادها. وتطرّق المشاركون فيه على نحو مباشر ألى العلاقة بين الميليشيات الحزبية المختلفة أكان ذلك في لبنان أو فلسطين أو مصر ذاتها مع تركيز خاص على أن التجربة اللبنانية في أساس أنتشار الظاهرة...
أخيراً بدأ يتكوّن وعي عربي لخطورة السلاح الذي في يدٍ غير يد الدولة. كما الحال في لبنان. هل يستفيد لبنان من هذا التحوّل العربي الذي لا يزال خجولاً، أم أن القرار الأيراني- السوري بتدمير بيروت على أهلها سينفّذ ما دام هناك أصرار على المحكمة ذات الطابع الدولي وعلى تنفيذ القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن الذي يغلق جبهة جنوب لبنان، على غرار الحال السائدة في الجولان المحتل.
الواضح أن لبنان يشهد حالياً صراعاً بين مشروعين. الأول أيراني- سوري يصرّ على "لبنان- الساحة" والآخر عربي ألى حد كبير يخشى أنتقال العدوى اللبنانية ألى بلدان أخرى في وقت هناك غليان في العراق وفلسطين. أي مشروع سينتصر؟ ربّما كانت للبنان هذه المرة فرص أفضل من تلك التي كانت متوافرة عشية أندلاع الحرب في العام 1975 . ذلك ليس عائداً ألى بداية أستيعاب العرب لأبعاد المعركة التي يخوضها البلد الصغير فحسب، بل لأنّ هناك أيضاً أكثرية لبنانية تضم مسلمين ومسيحيين ملتفة حول فكرة لبنان العربي الحضاري المزدهر المتطور الذي على تماس مع العالم وليس لبنان المحاصر على طريقة حكومة "حماس"... نعم ثمة أمل للبنان بعد أكتشاف معظم اللبنانيين وبدء أكتشاف العرب أن الشعارات شيء والوطنية الحقيقية، بل العروبة الصادقة البعيدة عن المزايدات الرخيصة، العروبة التي مارسها الملك الحسين، رحمه الله، وحاول تعميمها، شيء آخر. ما بدأ اللبنانيون أكتشافه أن شعار مقاومة أسرائيل لم يكن سوى تغطية لأنشاء ميليشيا مذهبية ممولة من الخارج تسعى ألى تكريس لبنان "ساحة" للصراعات الأقليمية لا أكثر ولا أقل. وما بدأ يكتشفه العرب بعد ظهور ميليشيا أسلامية في جامعة الأزهر أن هناك من يريد تعميم تجربة لبنان على دول أخرى في المنطقة. وكان لا بدّ من اجراءات سريعة لمعالجة العدوى اللبنانية التي لم تعد محصورة بلبنان في حال أخذنا في الأعتبار ما يشهده العراق والأراضي الفلسطينية. أن يعي العرب خطورة هذه الظاهرة التي كان الأردن أوّل من نبه لها ظاهرة صحّية حتى لو جاء ذلك متأخراً. في النهاية هناك مثل فرنسي يقول: أن تأتي الأمور متأخّرة أفضل من ألاّ تأتي أبداً!


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف