كتَّاب إيلاف

وفاء لوفائي دياب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كان رحيلك نقيضا لك ياوفائي، كان رحيلا غادرا وكان ضد عقلك وطبعك ان تغدر. لم نتهيا ولا للحظة لحقيقة اننا لن نراك بعد الان، فانت استوطنت ذاكرتنا صديقا حاضرا دافئا في وداع وفائي دياب

تضيق بدفق الطيبة والمحبة تمنحنا بلاحساب بلاتردد بلا جدل.
شئ من اعماقي مضى معه،هكذا، فجأه، بلا اي تمهيد لن انسى في ماتبقى لي من ايام هذه الصدمة التي بادرتني بها، خلافا لعادتك، لكن عذرك كان الاكبر: بين آخر مكالمة بيننا وموعد لقائنا وقع الحدث الذي لن تستطيع تسجيله بقلمك. انتهى العمر. توقفت الحياه، مع ان كل شي كان يوحي بانها لاتزال في عز حيويتها.
تسارعت افكاري فورا نحو احبابك، نحو غنوه الزوجة وسامر الابن وتمارا الابنة، ولم اجد سوى الدعاء بان يقدروا على المصاب. كيف يصدقون ان حبيبهم لن يعود بينهم بعد الان، هو المالئ حياتهم الحاضر دائما وابدا الذي لايبخل بوقت او بجهد لهم وللاخرين، بل تكاد تشعر بانه لم يعش لنفسه وانما للاخرين، القريبين والبعيدين.


قلت لصديقي الكويتي وهو يودعني انني سالتقي وفائي دياب بعد لحظات. قال سلم لي عليه امانه، جلست انتظر وفائي، تاخر قليلا، ورن جوالي لاعرف من صديق كويتي آخر ان وفائي اعطانا عمره. لم يكن يعام هذا الصديق انني انتظر وفائي. لم اصدق ماقال، صوت وفائي كان لايزال في اذني:سامر عليك في السابعة والنصف. لم اصدق، واصلت الانتظار، لكن اتصالات اخرى حطمت املي بان يكون الخبر غير صحيح.
في تلك الاثناء كانت تمطر في الكويت كما لم تمطر ابدا. ذهبت الى مستشفي مبارك الكبير لاكون بالقرب من ذوي وفائي، بل بالقرب منه كان لدي تعرف هائل لان اراه كيفما كان، المهم ان اراه، لاصدق. كان المشهد في عنبر الطوارئ في هذا المستشفى مريعا، كأنه خارج من روايات الحروب، كأنه لفرط بؤسه وتعاسته يحضك علي ان الموت افضل من ان تستضاف في مكان كهذا.


كان وفائي هناك ولم اره، كان هناك في مكان ما ولن يعود الى البيت هذه الليلة تلك هي قسوة الرحيل، قسوة حاسمة ونهائية. كان وفائي انسانا حقيقيا وعفويا، تشعر بالاطمئنان الى انه موجود، يتساوى في ذلك ان تلتقيه كثيرا او لاتلتقيه.


التقينا وافترقنا كثيرا، وفائي وانا، وكلما رايته كنت اتذكر الشاب الحميم الذي صادفته في احد شوارع بيروت فيما كنا نغطي واحدة من تلك التظاهرات الساخنة التي مهدت للحرب الاهلية ونسجت مناخها. كان في"الحياه" قبيل اقفالها القسري وكنت في "النهار". بعد نحو سنتين انتقل الى لندن للعمل في" الشرق الاوسط" وبعد نحو اربع سنوات انتقلت الى باريس. ظروف العمل جمعتنا اكثر من مرة بشكل متقطع، لكن الصداقة نسجت نفسها وتمتنت. كان كلانا يرتاح الى ان الاخر ليس بوجهين، يمقت الخبث والحقارة، ولايخطر في باله ان يطعن او يخطط لطعن احد في الظهر. كانت جلساتنا تتسم بالصراحة والفضفضة، وهذا مااتاح لي ان اقدر كم عانى وفائي في تجربته الاخيرة في الجريدة الكويتية، وكم احس بان مهنيته قد اهينت وان عنفوانه الصحافي قد جرح، هه المعاناة هي التي نخرت قلبه واتعبته، وقد لاحظت ذلك في احدى زياراتي للكويت، اذ وجدته حزينا في اعماقه علي الرغم انه لايبدي - كعادته - سوى ابتسامته السمحه.
كان وفائي شجاعا يواجه احلك الاوقات واصعبها بفلسفة شخصية ساخرة يستمدها من واقعيته الحادة وشفافيته المرهفة. لعله ترك بعضا من تلك الشجاعة لذويه ليتمكنوا من تحمل غيابه القسري المفاجئ.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف