كتَّاب إيلاف

نهايه الاخوان المسلمين...

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

... والأسئلة الصعبة فى تعـديـلات الدستور

أمام الإخوان المسلمين، وهى جماعة محظورة بحكم القانون، ثلاثة خيارات لا رابع لها.. خلال ثلاثة أشهر من الآن حين يتم إقرار التعديلات الدستورية.. وبعد أن يفرض الدستور حظرا شاملا على إقامة أى حزب دينى، أو ممارسة النشاط السياسى باستخدام الدين. الخيار الأول هو أن يخضع التنظيم الإخوانى إلى المتغيرات، ويبدأ فى مراجعة خطابه، ويتوقف عن استخدام الدين فى الدعاية السياسية، ويقدم برامج حقيقية لعلاج مشاكل الناس.. ووقتها لو حدث هذا لن يكون "الإخوان المسلمون" هم الإخوان المسلمون. الخيار الثانى هو أن يصاب التنظيم بإحباط يؤدى إلى جموده، نتيجة عدم قدرته على التواؤم مع المتغير الدستورى الجديد والرادع.. ومن ثم يختفى تأثيره الرجعى من الساحة السياسية إلى حين.. قد يطول.. وقبل أن يجد طريقة أخرى للالتفاف على القيم المدنية والخصائص العصرية للدولة. الخيار الثالث هو أن تدفع هذه الضغوط الدستورية والقانونية التنظيم إلى الكشف عن صورته الحقيقية.. دون مواربة أو خداع..وبالتالى إما أن يلجأ إلى العنف المباشر.. أو غير المباشر من خلال اختلاق جماعات عنف غير ذات صلة مباشرة ومعلنة مع التنظيم.. أو أن يلجأ إلى الإخلال بالاستقرار من خلال الدعوة إلى ما يسميه بالعصيان المدنى أو إنشاء كيانات موازية غير قانونية تمثل تحديا للقانون.. وفى المحصلة الأخيرة سيكون التنظيم فى حالة صدام واضح.. ليس فقط مع الدولة.. ولكن مع المجتمع برمته. إن هذه هى السيناريوهات التى أعتقد أن الوضع الدستورى الجديد يفرضها.. وهى سيناريوهات أهم ما فيها أنه من المؤكد أن ذلك التنظيم لن يصل إلى الحكم من خلال الديمقراطية وباستخدام الدين.. أو عبر إقناع الناس أن هؤلاء الأعضاء فى تنظيم محظور هم "خلق بتوع ربنا".. وما يعضد ذلك بوضوح أن النص على حظر النشاط الدينى السياسى، أو - للدقة - السياسى الذى يوظف الدين إنما يبعث برسالة إلى كافة أجهزة ومؤسسات المجتمع تقول إنه لا يوجد أى نوع من التواطؤ مع تنظيم متطرف.. وأن هذا العنصر هو خارج المعادلة المصرية للحكم.. ولا يمكن قبوله بأى حال. * احتمالات مرحليا، وأمام هذا التحدى الدستورى، سوف يلجأ الإخوان فى الأيام المقبلة إلى الخيارات التالية.. كلها أو بعضها.. أو أحدها: 1- القول بان الإخوان ليسوا مع استخدام الدين فى السياسة.. بل إنهم -ادعاء- طالبوا بحظر استخدام الدين فى السياسة.. فى محاولة لركوب الموجة ولو كان ذلك يناقض خطابهم. 2- القول بأن هذا النص يتعارض مع ثقافة المجتمع المصرى المسلم.. ومن ثم ترويج رسالة تكفير ضد الدولة مؤداها أن الدولة ضد الدين.. وإيغار صدور الناس ضد البلد بالخديعة. 3- تسويق نظرية أن كل هذه التعديلات الدستورية قد تم إعدادها خصيصا للقضاء على الإخوان.. وتقمص دور المضطهد الراغب فى اكتساب تعاطف الناس. 4- السعى إلى أى متغير طائفى من أى نوع، وبما يتزامن مع دعاية تقول: إن الدولة تنحاز للأقباط.. وهو ما بادر إليه وقال به المضلل العام.. محمد مهدى عاكف خلال حوارات صحفية أخيرة.. وبما يوحى أن الإخوان، فى إطار السعى للتخلص من ضغوط فضيحة "الوحدات القتالية" فى الأزهر يسعون إلى فتنة طائفية. 5- تشويه التعديلات الدستورية ومقاصدها وأهدافها الوطنية، وتكريس الانتقادات لها.. من خلال وسائل مختلفة.. خاصة عبر علاقات ممتدة بين المحظورة ووسائل إعلام داخلية وخارجية. 6- محاولة إثارة التوتر فى الشارع، وتصعيد التسخين شبه العنيف، من خلال مظاهرات أو تحركات جماهيرية.. سواء نظمها الإخوان بأنفسهم.. أو عبر ركوب موجة تفاعلات تقوم بها أية تيارات أخرى.. أو دفع هذه التيارات لذلك. 7- التشكيك فى الشرعية الدستورية، والطعن فيها، وبدء الحديث عما يسمونه بـ"الشرعية الشعبية".. على حد قول محمد مرسى.. القيادى فى الجماعة قبل أيام فى نقابة الصحفيين.. وهو أمر يمثل سلاحا ذا حدين أحدهما فى صدر الإخوان.. لأن النواب المستقلين الذين يمثلون الجماعة فى البرلمان.. شاءوا أم أبوا.. هم الآن جزء من هذه الشرعية الدستورية. وقد يؤدى ذلك بصورة من الصور إلى شقاق ما بين قيادات الجماعة غير الممارسة للسياسة من خلال آليات القانون.. أى أعضاء مكتب الإرشاد وما شابه.. وبين أعضاء الجماعة فى البرلمان.. هؤلاء يشعرون الآن بطعم السلطة والحصانة البرلمانية ويريدون الحفاظ على هذه الوضعية الاجتماعية والسياسية المميزة. 8- التقليل من أهمية التعديلات الدستورية من الأصل، وعدم جدواها، والقول بأنها غير ضرورية الآن.. وهو اتجاه بدا أن الذى يتبناه محمد حبيب الذى عبر عن ذلك وحده فى تصريحات مختلفة، يبدو أنها لم تلق استجابة أو قناعة من أجنحة أخرى داخل الجماعة. * بلا سند والمؤكد أن الجماعة فى مسعاها لتعكير صفو هذه التعديلات الدستورية التاريخية لن تجد سندا سياسيا واسعا من خارجها لأكثر من سبب: أن موضوع ميليشيات جامعة الأزهر، مازال ماثلا فى الأذهان، ويثير قلقا هائلا حول توجهات الجماعة الحقيقية بين قطاعات عريضة من الناس.. خاصة أحزاب المعارضة. أن هذه الأحزاب عانت من عقد صفقات مع الإخوان، وبعضها فى الماضى القريب، خاصة خلال الانتخابات البرلمانية، وفوجئت غالبية الأحزاب إما بالإخوان تنقلب عليها.. أو تحفر لها الفخاخ.. أو تتركها فى منتصف الطريق. إن التعديلات الدستورية تحقق مصالح حقيقية للأحزاب فى أمور عديدة، وأن التعددية الحزبية وترسيخها هى أحد أهم مقاصد التعديلات.. ومن ثم فإن أى تحالف مع الإخوان يمثل خصما من رصيد المكاسب التى تحققها الأحزاب دستوريا. وبالتالى فإن أمام الإخوان استخدام بضع أدوات.. وهى: الصحف الأسبوعية الخاصة المفروشة، التى يستأجر فيها الإخوان ما بين 4 إلى 6 صفحات من كل عدد، وإقامة تحالف هش مع حركة كفاية التى تضربها الانشقاقات وأعراض الذبول الأخيرة و استغلال عدد من النقابات المهنية.. خاصة الصحفيين.. وتوظيف عدد من الأصوات التى تمثل جناحا غير رسمى واستشارى للجماعة.. تنطق باسمها دون أن تكون معها رسميا.. وأعنى بذلك أسماء مثل حسن نافعة، ضياء رشوان، يحيى الجمل، فهمى هويدى، عبد الوهاب المسيرى، محمد سليم العوا. *كشف أوراق لقد تعمدت أن أتحدث فى كل ذلك بصراحة، لتحقيق هدفين.. الأول هو القول بأن كل أوراق الجماعة.. -التى اتصورها على الأقل - مكشوفة تماما.. والثانى هو التأكيد على ضيق الأفق السياسى لجماعة محظورة.. تجد نفسها الآن أمام موقف صعب للغاية. ولست أبالغ بناء على كل ذلك فى أن أقول إن المتغير الدستورى الجديد يمثل تحديا هائلا للجماعة.. وهو الأهم منذ صدر قرار حظرها قبل ما يزيد على نصف قرن، بل وأزعم أنه التحدى الأكبر لها منذ تأسست.. بشكل يكاد يرقى إلى الجزم أننا بصدد مرحلة الأفول الأخير للجماعة.. أيا ما كان سيناريو الختام. لقد اخترت تلك الزاوية لكى أبدأ تعليقى المطول على التعديلات الدستورية. التى طلبها الرئيس مبارك فى طلب تاريخى تقدم به إلى مجلسى الشعب والشورى صباح الثلاثاء الماضى.. لسببين: 1- إن استخدام الدين فى السياسة هو أهم تحد يواجه الديمقراطية المصرية فى مصر.. ويقوض فرص التنافس النزيه.. إذ كيف لشخص أن يناقش من يقول إنه ينطق باسم الله. 2- إن "روزاليوسف" طالبت على مدى تاريخها، وخاصة خلال الأسبوعين الأخيرين، بمنع أى توظيف للدين - أى دين- فى السياسة... واقترحت فى العددين الأخيرين أن يتم النص دستوريا على ذلك الحظر.. ولعل هذا توافق مع ما كان يفكر فيه الرئيس.. فاستجاب له.. على أساس أن ذلك أحد مطالب الرأى العام. أضف إلى ذلك أن التعديلات الدستورية التى اقترحها الرئيس كان هذا الحظر الدستورى للنشاط السياسى على أساس دينى هو أهم ما يميزها.. وإن كان من الواجب القول أن الرئيس لم يسع إلى إنهاء أحد.. وإنما اقترح هذا الخطر الدستورى للنشاط السياسى القائم على الدين، من خلال إطار أوسع وهو ترسيخ المواطنة.. ومنع التمييز بين المواطنين.. أو كما قال فى نص خطابه أمام نخبة من ممثلى فئات الشعب فى مقر الرئاسة: "سأقف مدافعا عن مجتمعنا بمسلميه وأقباطه.. فى مواجهة ممارسات تسعى للالتفاف على القانون.. والانقضاض على الموروث الثقافى الراسخ لشعب مصر.. ممارسات تخلط الدين بالسياسة، والسياسة بالدين، تنشر الفتنة والتطرف، وتحاول الوقيعة بين جناحى الأمة". * أسئلة فى الدستور بخلاف ذلك فإن الحدث التاريخى الذي بادر إليه الرئيس، وفاء بوعده الانتخابى، أى تلك التعديلات الدستورية الجوهرية.. والفاصلة فى لحظة حاسمة.. عامرة بما ينبغى التعليق عليه.. غير أنى أبدأ بعدة نقاط أراها أساسية.. وأمامنا.. فيما بعد.. وقت طويل.. يمتد إلى ثلاثة أشهر.. لكى نقول ما لدينا فى هذه التعديلات.. وما سوف يثار حولها من تعليقات.. 1- أى نظام نحن الآن؟ لقد كتب المحرر السياسى لجريدة روزاليوسف اليومية، الاثنين الماضى، وقبل يوم واحد من إعلان التعديلات على لسان الرئيس أننا بصدد أكبر عملية تغيير لنظام الحكم بموجب الدستور.. وفى إطار سلمى وقانونى وديمقراطى.. وقد أثبتت الوقائع التالية والوثائق الرئاسية صدق توقع روزاليوسف اليومية.. حرفيا.. إلى الحد الذى وصف فيه الرئيس مبارك ما يقوم به بأنه "تحول جذرى فى النظام السياسى". إننا لا نريد القفز على مسار العملية الدستورية لإتمام التعديلات، من خلال البرلمان والمناقشات العامة، ثم الاستفتاء.. لكن الواقع يقول إنه مع إعلان الرئيس لمقترحاته تغيرت معادلة الحكم.. وحدث تحول جوهرى فى طبيعة النظام.. وإن كانت أسسه قائمة.. إلا أن الأدوار صارت مختلفة. بمعنى أوضح لم يزل النظام المصرى يقوم على تعدد الأحزاب.. ولكن هذا التعدد صارت أمامه آفاق أوسع وأرحب.. وأصبحت الرسالة الموجهة من قمة النظام إلى كافة جوانبه أن هذه الأحزاب ليست ديكورا.. وإنما هى أساسية ومحددة.. وذات دور ومن حقها أن تسعى إلى السلطة.. وينبغى أن تصل إليها.. وأن يكون هذا هو هدفها.. وإذا قال أحدهم: إن ذلك ليس صحيحا.. فليقل أولا: لماذا إذن يتم كل هذا التعديل الذى يحدد الأدوار.. ويعيد صياغة الاختصاصات والصلاحيات بصورة أكثر وضوحا وأرسخ ديمقراطية. بمعنى آخر، فإن النظام المصرى جمهورى، ولكنه أصبح "شبه رئاسى" أكثر من كونه نظاما رئاسيا، ويميل إلى أن يكون برلمانيا، فيه دور واضح لمجلس الوزراء بصلاحيات واسعة.. وجديدة.. وبحيث يمكن القول إن النظام فى مصر بتلك الصيغة بعد إقرار التعديلات قد يبدو أنه يشبه غيره.. إلا أنه واقعيا ليس هو النظام الفرنسى.. كما أنه بالطبع ليس النظام الأمريكى.. ولا هو النظام الروسى.. وكلها أنظمة رئاسية.. وإنما هو يمثل نموذجا سياسيا فريدا ابن بيئته وثقافته.. وبحيث يمكن أن نطلق عليه وصف "النموذج المصرى". بمعنى ثالث، ومع منح التعديلات الدستورية اختصاصات تشريعية لمجلس الشورى، إلا أن نظام برلمان مصر الذى يقوم على "المجلسين".. هو ليس "نظام مجلسين" كاملا.. لأن مجلس الشورى لايحظى باختصاصات رقابية.. كما هو الحال فى مجلس الشيوخ الأمريكى مثلا، ولكن.. له قول واضح ينبغى الاستماع إليه فى كافة القوانين المكملة للدستور. ومن ثم فإن على النموذج المصرى الفريد أن يطرح على النظم السياسية تصوره لطبيعة العلاقة بين المجلسين.. إذ أن هناك تقاطعا فى الأدوار.. وبالتالى فإن افتراض حدوث خلاف بين المجلسين يقتضى وجود تصور واضح لطريقة حل هذا الخلاف.. من خلال اجتماع مشترك لهما.. تحيط به عوامل التفوق الدستورى لمجلس الشعب على مجلس الشورى.. رغم دوريهما المتوازيين.. فمجلس الشعب كله منتخب.. فى حين أن هناك نسبة تعيين فى مجلس الشورى.. ثم إن الثانى ليس له حتى الآن دور رقابى ومساءلة للحكومة. وقد يخيل إلينا أن مجلس الشورى يستطيع أن يحصل على صلاحيات رقابية على الحكومة، إذا افترضنا أن قرار منح الثقة للحكومة من مجلس الشعب هو "قانون" يصدر عن مجلس الشعب.. يحقق ما يأمر به الدستور.. وبالتالى فإن الحكومة يجب أن تخضع بدورها إلى مجلس الشورى. وقد يخيل إلينا ايضا أن الحكومة سوف تسعى إلى إرضاء مجلس الشورى حين تريد ان تحصل على موافقته على القوانين المكملة للدستور.. وبالتالى هى ضمنيا تخضع لسطوة رقابية منه.. على أساس المقايضة. هذه مسائل قانونية محل جدل.. ولكنها فى النهاية تفترض أن العلاقة بين المجلسين وبعضهما.. وبينهما وبين الحكومة. سوف تكون شدا وجذبا.. وكل هذا فى صالح الديمقراطية.. 2- ما هى حدود دور الرئيس؟ فى العادة يسعى الرئيس الحاكم من خلال التعديلات الدستورية إلى أن يضيف لصلاحياته المزيد من التوسعات.. لكن الرئيس مبارك وترسيخا لما أعلنه أكثر من مرة"لا مصلحة شخصية لى فى تعديل الدستور".. كان أن قام بخطوة تاريخية حين تنازل طوعا وبتوقيع يده عن بعض صلاحيات منصب الرئيس.. لصالح مجلس الوزراء.. ورئيس الوزراء. لقد خلق هذا معادلة حكم جديدة.. بالتأكيد.. وسوف يقول البعض أن الرئيس يختار رئيس الوزراء الذى قرر أن يمنحه بعض صلاحياته.. وهذا كلام صحيح.. لكنه لا يعى أهم حقائق الأمور.. وأولاها أن الرئيس منتخب فى اقتراع حر مباشر.. وهو حين يختار رئيس الوزراء إنما يضفى على ذلك الاختيار من شرعية انتخابه.. فضلا عن أن خضوع تشكيل الحكومة برئيسها، إلى طرح الثقة فى البرلمان.. يعنى أن رئيس الوزراء حصل على شرعية من قوة أصوات أعضاء مجلس الشعب المنتخبين.. وبالتالي فإن رئيس الوزراء ومجلس الوزراء يكون قد جمع بين شرعيتين منتخبتين هذه حقيقة وليست مجرد نظرية فى تفسير التعديل الدستورى. لكن هذه المعادلة، الجديدة، التى منحت البرلمان "مجلس الشعب" تحديدا أدوارا رقابية مميزة.. ورئيس الوزراء صلاحيات أوسع.. لا تنفى أن الرئيس فى النظام المصرى هو صاحب الدور الأهم والأكثر تأثيرا.. ولذلك أسبابه فى ما أسميه النموذج المصرى فى الأنظمة السياسية. ذلك أن طبيعة المجتمع، وثقافته، تفرضان وجود مؤسسة حاكمة، هى مؤسسة الرئيس، ذات دور محورى، قوى، يمثل ضمانة أخيرة، وراعية، يساندها فى ذلك تراث المؤسسة الفرعونية بمعناها الحضارى، وتراث مؤسسة الرئاسة بدورها الفاعل منذ ثورة 1952 وتراث مؤسسة الرئيس بدورها الرائد.. الذى يحافظ المصالح القومية.. والمبادر، فى عهد الرئيس مبارك.. والذى عبر عن محصلة كل ذلك التراث ووعيه التاريخى من خلال طلب هذه التعديلات الدستورية التاريخية قبل ايام. إن مؤسسة الحكم، أى مؤسسة الرئاسة، هى أعرق كيان فى النظام السياسى المصرى منذ فجر التاريخ، ولحظة نشوء الدولة، وبالتحديد عصر موحد القطرين.. مينا العظيم.. وهذه العراقة ليست مجرد قرون وسنين مرت.. ولكنها تجربة فريدة وخبرة عريضة.. كلها حاضرة فى جوهر التعديلات.. وفى أبعاد دور الرئيس وتأثيره فى توجيه النظام السياسى..وبالخضوع لكل عوامل الرقابة الدستورية والشرعية الانتخابية والمسئولية أمام الشعب. فى المادة 73 من دستور ,1971. قيد التعديل، يتم تعريف الرئيس على أنه: "يسهر على تأكيد سيادة الشعب، وعلى احترام الدستور، وسيادة القانون، وحماية الوحدة الوطنية، والمكاسب الاشتراكية، ويرعى الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها فى العمل الوطنى".. ومن الواضح أن نص هذه المادة سوف يخضع للتعديل بناء على طلب الرئيس على الأقل فيما يتعلق بمسألة حماية المكاسب الاشتراكية.. لكن فحوى تعريف الرئيس.. وتوصيف دوره.. سوف يظل باعتباره الضمان الأهم دستوريا لحماية نظام البلد. 3- ما هى مكاسب الناس فى التعديلات الدستورية؟ يظن بعض السياسيين أن تعديل الدستور هو قضية نخبوية لا يهتم بها سوى السياسيين والمثقفين والصحفيين، وقد يكون ذلك صحيحا من الناحية الشكلية.. لكن ذلك واقعيا غير دقيق.. ومن الواجب أن ننبه الناس إلى أن ما يحدث يخصهم بالدرجة الأولى. الشعب.. وسيادته.. والمواطن.. وحقوقه.. هما أساس فلسفة التعديل.. أى أن المواطن هو الهدف الأصيل.. والمقصد الرئيسى.. من العملية برمتها.. وفى خطابه للشعب حول التعديلات قال الرئيس مرارا أنه مسئول أمام الشعب. وأن الاستقرار - الذى لا يعنى الجمود - هو مسئوليته. وأن الكلمة الأخيرة للشعب فى كل هذه العملية الدستورية.. بمعنى أوضح فإن المواطن هو الشريك الأول.. وهو الذى سوف يتم ذكره فى المادة الأولى من الدستور بعد تعديلها بما يقر "المواطنة" أساسا ومنهاجا.. والمواطن حقق مصلحة من الإبقاء على مجانية التعليم.. وحقق مصلحة من عدم تعديل المواد التى تكفل حقه فى العمل.. والحرية.. وحقق مصلحة من كافة الضمانات الاجتماعية التى لم يقترب منها التعديل.. وهو عدم اقتراب عن وعى وإدراك. وحقق مصلحة من الحرص على حقه فى الأمن من خلال توفير صيغة لصدور قانون مكافحة الإرهاب. وحقق مصلحة من خلال سعى التعديلات الدستورية إلى إقرار دوره كناخب. وحقق مصلحة من خلال سعيها إلى توفير السبل إلى أوسع مشاركة له فى العملية السياسية. وحقق مصلحة فى أنه وجد رئيسا يلتزم بتعهده الانتخابى.. ويحترم ناخبه. وحقق مصلحة من خلال تنامى دوره الرقابى على الحكومة عبر مجلس الشعب، الذى صار عليه أن يراقب ميزانية الحكومة.. ويخضع حسابها الختامى للمساءلة. هذه كلها مسائل جوهرية فى مصالح الناس، تؤكد أنهم أصحاب فائدة حقيقية فى تعديل الدستور.. والأهم أن هذا التعديل يتم فى مناخ سلمى.. هادفا إلى الاستقرار والحفاظ عليه.. وتلك هى المصلحة الأكبر للناس فى بلد يتمتع بنعيم الأمن والطمأنينة فى إقليم متفجر ويغلى.

كاتب المقال رئيس تحرير روزاليوسف
abdullah@rosaonline.net

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف