كتَّاب إيلاف

في يوم السلام العالمي 1\1\\2007

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كم تمنّيت أن أسمع من فضائية عربية، امتناعها عن عرض صور "الإعدام السياسي" التي تسابقت فضائيات العالم والمواقع الالكترونية على نشرها، معارضة كل المواثيق التي تحرِّم الاتجار بالبشر بالصورة أو بالكلمة أو بالفعل. فالإعلام الذي أساسه خدمة الإنسان، بات مع كل أسف يعرض الموت وكأنّه وجبة دسمة " يتحف" بها القرّاء أو المشاهدين القابعين بيوتهم، يأكلون ويشربون. بينما أمام الموت بشكل عام، لا ابتهاج ولا "شماتة" اذ هو النهاية الإنسانية الطبيعية التي جعلها الخالق للإنسان. يمثل فيه الانسان المنتقل أمام دينونة الله الذي يعرف ما في القلوب، وله تعالى وحده الحق في الحكم على الأعمال والنيات. وقد حزنت حقا لمرأى أشخاص، ومنهم أطفال، يطربون فرحا وتهللا للموت وكأنّه عرس وفرح في وقت قلت فيه الأفراح العربية . وحزني هو مضاعف على الإعلام الذي أريده أن يكون ما يجب أن يكون : أي خادما للحقيقة والإنسان.
ومن المؤلمات أيضا أن يأتي هذا الفرح غير السليم فيما كان العالم الإسلامي يدخل في " أفراح عيد الأضحى" وهي حق شرعي للإنسان المتعبّد والنادم. وأيضا وأيضا فيما كان العالم يستعد للخوض في غمار العام الجديد، بتصميم من حديد أن يكون عاما سلاميا لا خصام فيه ولا أحقاد ولا انتقام.
لست هنا لأناقش شرعية الحكم الذي صدر ونفّذ. فقد سبقني الفاتيكان (
انظر رسالته) وأعلن، بما يتوافق وتعليم الكنيسة منذ ألفي عام أنّ الحكم بالإعدام غير جائز نظرا لأنّ قدسيّة الحياة البشرية أمر لا جدال عليه، ولا يجوز الرجوع الى القتل تبريرا لمعالجة شخص مجرم . وجلّ ما أرجوه هو أن أسلط الضوء على الشخص البشري، أي الإنسان، كل إنسان، بغض النظر عن عرقه أو لون بشرته أو دينه أو توجهاته السياسية والثقافية .
ومن المؤلمات أيضا، أن تتسابق وسائل الإعلام على صور إعدام صدام أو صدام معدوما، بينما تغضّ الطرف عن رسالة السلام العالمي الذي يحل في أول أيام السنة. أي بعد الإعدام بيومين . وأرجو ألا يكون العالم قد قرأ "مكتوب" هذا العام من عنوانه، ووسمه كسابقيه بالظلم والظلام.
صور "الإعدام السياسي" التي تسابقت عليها وسائل الإعلام، ورسالة البابا بندكتس السادس عشر من أجل اليوم العالمي للسلام، نقيضان يؤديّان إلى نتيجة مفادها وجود معسكرين في هذا العالم: معسكر استخدام الإنسان من أجل مصالح سياسية تحت غطاءات قضائية وقانونية. ومعسكر يضع "الشخص البشري في قلب السلام" وهو العنوان الذي أختاره "رئيس" دولة الفاتيكان ذات القيمة المعنوية والأخلاقية الروحية الواسعة لرسالته هذا العام.
لنترك المعسكر الأول، فقد شبع المواطن العربي والمشاهد المدمن على تلفزيونات العرب من الاستماع إلى التحليلات والأخذ والعطاء والمواقف المتعدّدة من إعدام رئيس سابق والاتجار بصوره قبل وبعد تنفيذ حكم الإعدام، لندع هذا كله ولنقف قليلاً عند رسالة السلام فهي جديرة بالقراءة وإعادة القراءة وأخذ العبرة منها، سيّما وأن كاتبها قد حظي في سبتمبر الماضي بتحليلات كبيرة- أغلبها هجومية- لمحاضرة علمية له في ألمانيا. بينما رسالة السلام التي بعثها هذا العام لم تحظ - بأي تعليق عربي عليها، وفي ذلك إشارة ايجابية على كونها رسالة تخدم الانسان، وهذا مع كل أسف ما لا يريده الاعلام العربي أو ما لا يركز عليه.
الشخص البشري في قلب السلام، وكل مساعي الخير والنبل الصريحة والصادقة ينبغي أن تضع نصب العيون أن الإنسان هو خير الخلائق كلها. وأنّه له الحق في إنماء عالمي مشترك. و "إنماء الشخص البشري، يعني بالضرورة إنماء السلام". والشخص ما كان ولن يكون أبداً شيئاً مبتذلاً يتحكم فيه أولو الحكم وأصحاب القرار.
تتحدّث الرسالة عن أولية الإنسان أو الشخص البشري، فهو مخلوق على صورة الله ومثاله، وبالتالي إن احترامه واحترام حقوقه وكرامته ضروريّة ضرورة كاملة لا تراجع عنها ومبنية على " الشريعة " الطبيعية الموسومة داخل الإنسان. و من أثمن الحقوق وأكثرها إلحاحاً تبرز الحرية الدينية أمّا وأساساً لكل الحريات التالية. وهي حرية في خطر، نظراً لواقع ما زال المؤمنون فيه من ديانات شتى يعانون صعاباً كبيرة في ممارسة المعتقدات الدينية بحرية. فضلاً عن السخرية الثقافية تجاه المعتقدات الدينية. و إنَّ القتل الذي يريد إفناء الآخر على أساس تكفيري أو ديني هو أيديولوجية سيئة تستخدم تشويهاً في الدين من أجل تشويه كرامة الإنسان.
ومن الملفت للنظر في رسالة هذا العام التركيز على الإيكولوجيا- أو البيئة- وهي ليست البيئة الطبيعية من هواء وتراب وأشجار فحسب بل هنالك "إيكولوجيا إنسانية" تهدف إلى احترام الطبيعة البشرية وتقديم العون المناسب لها في أوان الرضى والضيق وفي كل ظروف الحياة المتشعبة. و هذا ما يجب أن تهدف إليه كل التشريعات على مستوى الدول المنفردة أو على المستوى العالمي.
أتراها أفكار طوباوية غداة عرض صور لشخص بشري أعدم ؟ فلتكن طوباوية . ألم يحقق مارتن لوثر كينج تحرير العبيد في أميركا " الديمقراطية والمساواة" بكتابة " حلمه " الذي أصبح حقيقة، وان دفع صاحبه حياته ثمنا له .
و قد قلنا بداية أن هنالك معسكرين: واحد للانتقاص من الحق الإنساني حياً أو ميتاً والأخر لاحترامه وتقديم العون له ومن خلاله للأسرة البشرية برمّتها.... السلام هو عطش العالم أجمع ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. والله نسأل مع بداية الحياة لهذا المولود الجديد، عام 2007، أن يتضاعف المنتسبون للمعسكر الثاني، وأن يتقلص أتباع الأول والمروّجون له . فالشخص البشري، شئنا له ذلك أم أبينا، له الحق في أن يكون في قلب السلام المنشود.

www.abouna.org
rifatb@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف