كتَّاب إيلاف

الشّرع يشرع بتنفيذ صفقة البعث

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

على القوى اللّبنانيّة الّتي تنشد الوصول إلى الحريّة والاستقلال وبناء وطن مستقلّ وحرّ ومتعدّد المشارب اتّخاذ الحيطة ممّا يُحاك من وراء الكواليس. كنت في مقالة سابقة تطرّقت إلى إمكانيّة حدوث صفقات يبرمها نظام البعث الأموي الحاكم في الشّام مع القوى العظمى من وراء الكواليس، بغية الإبقاء على مخلّفاته في الحكم. وها هي التصريحات الأخيرة لفاروق الشّرع، كما أشاعتها الوكالة السّوريّة للأنباء، تلقي بعض الأضواء على بدء تنفيذ هذه الصّفقة. فقد نقلت الوكالة السّورية تصريحات للشّرع مفادها إنّه "بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، سيتم تبادل السفراء بين دمشق وبغداد، وتبادل الوفود والزيارات بين المسؤولين في البلدين، من اجل تعزيز عرى التعاون بينهما، في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية".صحّ النّوم، كما نقول بلهجتنا الشّاميّة. كيف ذا بين ليلة وضحاها تتغيّر لهجة النّظام البعثي الأموي تجاه العراق، أو تجاه "القطر العراقي"، كما درجت على تسميته البلاغة العربيّة البعثيّة؟

***
بل وأكثر من ذلك، فقد أكّد الشّرع إيّاه، ما غيره، على "أنّ سوريا عملت، في كل المحافل العربيّة والدولية، من أجل تجنيب العراق أي تداعيات سلبية من شأنها إلحاق الضّرر بمصالح الشعب العراقي"، ثمّ شدّدَ على "تمسك سوريا بوحدة العراق أرضًا وشعبًا، وإنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب العراقي من إدارة شؤونه بنفسه". والسؤال الّذي لا مناص من طرحه، منذ متى يهتمّ نظام البعث الأموي بمصالح الشّعب العراقي؟ وعلى من تضحك هذه اللّغة الدّبلوماسيّة البليدة؟ ألا نعرف تلك القطيعة الّتي كانت تسم العلاقات الثنائيّة بين شقّي البعث، البعث العبّاسي الّذي حكم بغداد وشقيقه الأموي الّذي يترنّح في دمشق؟

***
ولكي نفهم عمق هذا الدّجل في السّياسة البعثيّة دعونا نقرأ الاقتباس التّالي من تصريح الشّرع الّذي عبّر عن "الأمل والثقة بأن تكون العلاقات بين سوريا والعراق مستقبلاً نموذجًا للعلاقات بين الدول، رغم أنّه كانت في الماضي محاولات مستمرة لمنع وجود علاقات مستقرة ووثيقة بين البلدين". هكذا إذن، ستكون العلاقات بين سوريا والعراق مستقبلاً نموذجًا للعلاقات بين الدّول. ولماذا لم تكن نموذجًا للعلاقات بين الدّول حتّى الآن؟ على هذا السّؤال لا يجيب الشّرع، لكنّه يُسرّ لنا بإنّه في الماضي، كانت محاولات لمنع هذه العلاقة الطّبيعيّة. فمن قام بهذه المحاولات لمنع هذه العلاقة يا طويل العمر؟ أليس البعث الأموي الحاكم في الشّام يتحمّل جزءًا من هذه المحاولات لمنع إقامة علاقة طبيعيّة، كما فعل البعث العبّاسي، غير المأسوف على انقراضه من بغداد، ومن العراق؟

***
إنّ من لا يفهم هذه الأساطير والخرافات الّتي تقتات عليها شعوب هذه البقعة من الأرض، لن يفهم ما جرى ما يجري وما سيجري مستقبلًا في هذه المنطقة. لم يكن الخلاف بين البعث الشّامي والبعث العراقي سوى خلاف أموي عبّاسي، أو ربّما يذهب أبعد من ذلك إلى عصور جاهليّة سابقة. وإذا لم تستطع أيديولوجيّة البعث ذاتها توحيد هذين "القطرين"، فلن تنفع لغة البلاغة البليدة في ذرّ الرّماد في العيون. وعندما يصرّح الشّرع أنّه وبعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة سيتمّ تبادل السّفراء بين البلدين، فمن حقّ كلّ لبناني حرّ، كما هو من حقّ كلّ عربي حرّ أن يسأل، هنالك في بيروت حكومة قائمة، وقد ذهب عنها الاحتلال البعثي، فلماذا لا يتمّ تبادل السّفراء بين سوريا ولبنان، لكي تشكّل العلاقة بين البلدين مستقبلاً "نموذجًا للعلاقات بين الدّول"؟ أم أنّ هذا البعث الأموي لا يزال يرفض الاعتراف بلبنان، بلدًا حرًّا مستقلاًّ، ولذلك يرفض ترسيم الحدود مع لبنان، ولهذا أيضًا يرفض تبادل السّفراء مع هذا البلد؟
هذا هو السّؤال الحقيقي، وهذا هو التّحدّي الحقيقي، وإن كان لديكم تفسير آخر، هيّا أرشدونا؟

salman.masalha@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف