كتَّاب إيلاف

الجهلوفوبيا والعلمو نورن!!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

القرية الذكية هى مجمع للصناعات المتقدمة وتوجد بها فروع لشركات تكنولوجية عالمية مثل شركة ميكروسوفت وتقع فى أول طريق القاهرة الإسكندية الصحراوى ولا شك أنها أحدى منجزات الحكومة المصرية والتى نأمل أن تأتى ثمارها فى القريب وتكون اللبنة الأولى فى الصناعات الفائقة التكنولوجيا (هاى تك)، ولكن (التكة) الحقيقة هى كيف نجعل من الشعب شعبا تكنولوجيا !!، كيف نستطيع تحويل إنتباه الناس إلى أن القرية تحتاج إلى أذكياء يؤمنون بالعلم لكى يديرونها ويعملون وينتجون بها، كيف نستطيع أن ننقل إنتباه الناس من الإيمان بلبن العصفورإلى الإيمان بالعلم والذى من المفترض أن تبنى عليه القرية الذكية، كيف نستطيع أن نضع القرية الذكية على خريطة عقل المواطن. ولكى أشرح لكم موقع القرية الذكية من "خريطة عقل" المواطن العادى فقد أرسل لى بعض الأصدقاء تسجيلا لبرنامج تليفزيونى جماهيرى يتكلم فيه بعض المواطنون عن القرية الذكية وتلك نبذة من المقابلات التى أجرتها المذيعة مع بعض المواطنين:

المذيعة (تسأل عددا من المواطنين): تعرف إيه عن القرية الذكية؟
مواطن 1: القرية الذكية موجودة فى شرم الشيخ والإسكندرية وأسوان وراس البر وفى كل مكان !!، بس هى معروف يعنى إنها فى شرم الشيخ.
مواطن 2: القرية الذكية بيركبوا فيها خيل، وبيعملوا فيها أفراح للناس المرفهين شوية !!
مواطن 3: القرية الذكية فى شرم الشيخ طبعا !!
المذيعة: إنت رحتها؟
مواطن 3: أيوه رحتها وبأحب قوى أتفسح فيها، وعجبتنى قوى المية بتاعتها... بتدى ألوان جميلة، وشوارعها نظيفة ومبانيها جميلة !!
مواطن 4: القرية الذكية.. عادى يعنى!!
المذيعة: عادى إزاى؟
مواطن 4: قرية زى أى قرية عادية، بس بياخدوا فيها الأطفال من سن صغير ويعملوا لهم دورات، بحيث يطلع الطفل ذكى!!

......
والحقيقة أن الإجابات عاليه لا تطمئن عدو أو حبيب على أننا فى الطريق لا إلى القرية الذكية ولا إلى قرية الفطير المشلتت بالمنوفية!!، لأن تلك الأجوبة تعكس إسلوب الفهلوة المتفشى فى المجتمع، فقلما تسأل سؤالا لأى مواطن عن أى موضوع ويقول لك ما أعرفش !! لأن المواطن يعتبر عدم المعرفة والجهل بالأشياء (عيب) لذلك يبدأ على الفور فى إستخدام أسلوب الفهلوة و(الفتوى)، وإنتقلت عدوى إسهال الفتاوى من رجال الدين إلى عامة الشعب، أو العكس من عامة الشعب إلى رجال الدين ويبدو أنها وصلت إلى حد الوباء، وبالرغم من أن واحدة من أجمل أقوال التراث تقول " من قال لا أدرى فقد أفتى" إلا أننا عند تطبيق التراث نختار (إللى على مزاجنا)، يعنى مكن جدا نختار العلاج (ببول الأبل) ونغض النظر عن: " طلب العلم ولو فى الصين".

ووباء (الفتوى) والكلام عن ما نجهل بثقة العالم هو أعراض مرض ممكن أن نطلق عليه مرض (الجهلو فوبيا) (أى الخوف من الإتهام الجهل)، ولما كان الجهل ما زال منتشرا بين عامة أفراد الشعب أميين وأنصاف متعلمين وحتى المتعلمين، فإن الخوف من إلصاق تهمة الجهل بأى شخص أصبحت تشكل (فوبيا)، مثلها مثل (الكلوستر فوبيا) (الخوف من الأماكن المغلقة).

...
جرب أن تقف فى أى مكان عام وتسأل عن أى شارع وهمى (شارع سور الصين العظيم)، وأتحداك أنك إذا سألت خمسة اشخاص فربما تحصل على عشر وصفات دقيقة لهذا الشارع (الغير موجود أساسا)، وسوف يقول لك أحد العارفين ببواطن الشوارع:
"تمشى على طول، أول شارع تسيبه، تانى شارع تسيبه، ثالث شارع تخش على إيدك اليمين، بعد عمارتين حتلاقى جنينة كبيرة إسمها (الحديقة الدولية) وهناك أكيد حتلاقى (شارع سور الصين العظيم)"!!

..
وفشلت فى أن أحاول الغوص فى أعماق فكر المواطن العادى، لماذا (ينكسف) من أن يقول (ما أعرفش)، لماذا يخجل المواطن من أن يكون (شكله وحش) أمام الناس، ولا يخجل من أن (يكذب) على الناس، بالرغم من أننا قد تعلمنا أن الكذب هو أكبر الكبائر. لماذا تعلو قيمة (المنظرة) على قيمة الحقيقة ، الحقيقة هى من أسمى القيم الإنسانية، وعلى رأى نجيب محفوظ فى رواية (المرايا) على لسان (إبراهيم عقل) الإستاذ الجامعى يخاطب تلاميذه فى الجامعة:
"الحقيقة، إعبدوا الحقيقة عبادة، ليس ثمة ما هو أثمن ولا أجل منها فى الوجود، إعبدوها وأكفروا بأى شئ يتهددها بالفساد".

.....
وللأسف فإن وباء (الجهلو فوبيا) منتشر بين كل الطبقات:
كم من مريض يموت يوميا لأن طبيبه يرفض أن يقول: "ما أعرفش" ويداويه خطأ، ثم يلصق التهمة بالقضاء والقدر ويقول (إحنا عملنا إللى علينا ولكن الأعمار بيد الله) !!
كم من عمارة إنهارت فوق رؤوس ساكنيها لأن مهندسها أفتى بتصميم خاطئ أو تنفيذ جاهل، ومشئية الله هى الشماعة الجاهزة لتعليق المصائب: " دى مشيئة ربنا..."؟
كم من مرة ُطلبت فتوى من رجل دين وبدلا من أن يقول: "لا أدرى.. لا يوجد نص.. إستفت عقلك" يعطيك فتاوى( تودى فى داهية) وتدفع شاب إلى أن يفجر نفسه فى فرح بفندق بعمان!
كم من مسئول كبير أبى إلا أن يكون كبيرا ويفتى فيما لا يفهم فى أمور الزراعة والسياحة والهندسة والصحة، وبدلا من أن يقول (ماأعرفش)، (يجيب عاليها واطيها ويغرق البلد).

...
ممكن أن نبنى أكثر من قرية ذكية، ولكن الذكاء الحقيقى ليس فى جمال وروعة مبانى القرية الذكية ولكن فى تعليم أطفالنا الصدق وإحترام الحقيقة والعلم، وألا يخافوا من أن يقولوا (ما أعرفش)، وألا يخاوفوا من التفكير والشك، يجب أن نعلمهم مبدأ ديكارت فى الشك (أنا أشك إذن أنا موجود) والتى حولناها إلى نكتة (أنا أشك إذن أنا دبوس)!! ساعتها سوف أطمئن إلى أن القرية الذكية سوف تكون ذكية حقا، وربما نستطيع تحويل كل قرية إلى قرية ذكية.

...
وبمناسبة الفهلوة و(الجهلو فوبيا)، تحضرنى نكتة: عن شركة أجنبية تقوم ببناء مشروع كبير خارج القاهرة، وطلبت تعيين بعض العمال المهرة، وتقدم الأسطى (حامد) السباك بطلب توظف لدى الشركة، وفى أثناء المقابلة الشخصية، سأله المهندس الأجنبى مدير المشروع:
المهندس: البوصة فيها كام سنتيميتر يإإسطى حامد؟
الأسطى (حامد) (بعد تفكير عميق ): والله ياباشمهندس بقى... مش كله!!

samybehiri@aol.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف