حيث لم تمنع الثروة التفكير في المستقبل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كان مهماً أن ينعقد في الدوحة مؤتمر تحت عنوان "أثراء المستقبل الأقتصادي للشرق الأوسط"، ذلك أنه من دون التفكير في المستقبل وفي كيفية الأستثمار فيه من الزاوية الأقتصادية، تظل الأصلاحات السياسية، مهما ذهبت دول المنطقة بعيداً في تنفيذها، مجرد اصلاحات منقوصة. وكان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري في غاية الدقة لدى قوله في أفتتاح المؤتمر، والى جانبه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون:" يأتي أنعقاد هذا المؤتمر في وقت نحن بأمس الحاجة الى أن نتدبر الشأن الأقتصادي بعد ان حاز الشأن السياسي في عملية الأصلاح قسطاً كبيراً من النشاط الدولي".
من هذا المنطلق، كان طبيعياً ان تختلط السياسة بالأقتصاد في المؤتمر الذي أستضافته الدوحة بين التاسع والعشرين والواحد والثلاثين من يناير- كانون الثاني الماضي والذي نظمته وزارة الخارجية القطرية مع مركز بيركل للعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلس. وما كان أكثر من طبيعي أن يوجد في المؤتمر، أضافة الى رجال أعمال من بلدان عربية عدة، بينها العراق، الذي كان حاضراً بقوة في الدوحة، رجال سياسة على رأسهم الرئيس كلينتون الذي ساهم في طرح أسئلة جريئة مرتبطة بمستقبل المنطقة والأخطار التي تواجهها، رافضاً في الوقت ذاته أتخاذ مواقف محددة بسبب عدم رغبته الواضحة في توجيه أنتقادات مباشرة الى أدارة الرئيس بوش الأن الذي خلفه في الرئاسة.
أضافة الى رجال الأعمال والسياسيين العرب والأجانب والمسؤولين السابقين في الأدارة الأميركية،كان هناك خبراء في الشؤن الأمنية والعسكرية، تحدثوا عن المخاطر التي تواجه المنطقة وكيفية العمل من أجل مستقبل أفضل. وبغض النظر عن الواقع المتمثل بأن المؤتمر أنعقد في الدوحة، كان هناك شبه أجماع على أهمية تطوير البرامج التربوية ومساهمتها في خلق جيل جديد من الخليجيين يستطيعون التعامل مع المستقبل. وكان ملفتاً في هذ المجال التركيز على دور المرأة واهمية مشاركتها في الحياة السياسية والأقتصادية وفي رفع مستوى الدخل المالي لدى الأسرة بما يساهم في زيادة عدد أفراد الطبقة المتوسطة التي تشكل العمود الفقري للمجتمعات الحديثة. وفي كل مرة كان يأتي فيها الحديث عن تطوير البرامج التربوية ودور المرأة، كان ذكر للتجربة القطرية في هذا المجال والدور الذي لعبه أمير الدولة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وعقيلته الشيخة موزة المسند في فتح فروع لعدد من كبريات الجامعات الأميركية في الدوحة والتشجيع على مشاركة المرأة في النشاطات الأجتماعية والسياسية والأقتصادية.
في بلد مثل قطر حيث لا رقابة على الأفكار، كانت نقاشات طويلة تناولت كل ما يحصل في المنطقة بما في ذلك الأنعكاسات التي ستترتب على الأنتصار الذي حققته "حماس" في الأنتخابات الفلسطينية، والوضع العراقي بكل ما يتضمنه من مخاطر على الصعيد الأقليمي وعلى الدول العربية في الخليج تحديداً، وكيفية التعاطي مع طموحات ايران ومع البرنامج النووي الذي تصر على المضي فيه. وكان أكثر ما يقلق الخليجيين النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب على أي ضربة عسكرية توجه لأيران من جهة وعلى المخاطر التي يمكن أن تنجم عن وجود مفاعل نووي في منطقة الخليج من جهة أخرى. وكان هناك خوف حقيقي من أحتمالات تسرب أشعاعات نووية من أي مفاعل أيران يقع على الضفة الأخرى غير العربية من الخليج نظراً الى قرب هذه الضفة من الدول العربية في المنطقة.
لم يقتصر النقاش على سياسة أيران التي تظل لغزاً لمعظم الخبراء والسياسيين، بأستثناء أعترافهم بأنها كانت المستفيد الأول من الحرب الأميركية على العراق، بل تعداه الى كيفية أستفادة دول المنطقة من ألأرتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز وكيفية العمل على تطوير الطاقة البديلة من أجل المحافظة على مخزونات الطاقة في المنطقة لأطول مدة ممكنة. وكان ملفتاً ان تطوير الطاقة البديلة، بمافي ذلك الطاقة الشمسية أو تلك التي تنتج بواسطة الريح، بات جزءاً من التفكير في قطر، وهو تفكير يشمل أقامة صناعات قرب مراكز أنتاج الطاقة" لأن ذلك يعتبر وسيلة أساسية في رفع مستوى تلبية الأحتياجات العالمية والبشرية للمستقبل وتأمين قيام قاعدة صناعية وأنتاجية منخفضة التكاليف" على حد تعبير النائب الأول لرئيس الوزراء القطري.
لم تغرق قطر في الثروة التي وفرتها لها الطاقة، بل دفعتها الثروة الى الأستثمار بشكل أفضل في الأنسان، ذلك أن الأنسان يظل الثروة الحقيقية في كل بلد مهما أمتلك من ثروات طبيعية. أن الثروة، التي حولت الدوحة الى ورشة كبيرة، تأتي معها بكل بساطة مشاكل من نوع جديد. مشاكل لا يمكن التغاضي عنها، مشاكل مرتبطة بتطور المجتمع وبالوضع الأقليمي المعقد وبالوضع الدولي الجديد الذي نشأ عن أنتهاء الحرب الباردة وظهور نوع جديد من الأرهاب العالمي من جهة وصعود المحافظين الجدد في الولايات المتحدة من جهة أخرى، وهو صعود أوصلهم الى السلطة وجعلهم يقدمون على مغامرات يصعب التكهن بنتائجها. كان مهماً ان تبقى قطر قادرة على التفكير في المستقبل ومشاكله وبالمرحلة الجديدة التي تمر فيها المنطقة والعالم ، وبما يمكن عمله بالثروة بدل الوقوع في أسرها. وقد كان مؤتمر "أثراء المستقبل الأقتصادي للشرق الأوسط" خطوة متواضعة في هذا الأتجاه بمعنى أنه أظهر أن الثروة والفكر يمكن أن يتماشيا وأن يستفيد كل منهما من الآخر، وذلك على العكس مما يحصل في بلدان اخرى حيث الثروة تعطل الفكر والتفكير وتحول دون السعي الى البحث الجدي في حلول لمشاكل الحاضر والمستقبل.