أرقام مذهلة لإرهاب متجول...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
...اقتصاديات عولمة الخوف!
في التاسع والعشرين من كانون الاول/ ديسمبر العام الماضي، أطلق الضاد "القاعدة" صواريخ على مستوطنات اسرائيلية من الاراضي اللبنانية. "حصل ذلك بغير شك"، تقول أطراف لبنانية، ويوافقها الرأي جبهات دولية على علاقة شديدة بالأزمة اللبنانية القائمة، في حين رأت أطراف لبنانية أخرى، أن شيئاً من ذلك لم يحدث وإسرائيل تدعي ذلك. لكن الشيء المؤكد، انها المرة الاولى التي يتحدث فيها الاعلام المحلي والاقليمي والدولي عن تدخل المنظمة في الشأن اللبناني. وفي جميع الاحوال، شهد العام 2005 عمليات ارهابية تنقلت بين عدد من البلدان، في حين تلقت بلدان اخرى، تهديدات بعمليات تفجير تجبر الولايات المتحدة واسرائيل والاتحاد الاوروبي وبعض الأنظمة العربية على مراجعة حساباتهم السياسية في العالمين العربي والإسرائيلي.
وما هددت به "القاعدة" وأمثالها نفذته في أكثر من مكان وزمان. في السابع من تموز/ يوليو الماضي، اربع قنابل شديدة الاشتعال في حين رجال الاعمال في لندن، ادت الى سقوط 56 قتيلاً وعشرات الجرحى، فضلاً عن دمار كبير اصاب المؤسسات والمحال التجارية. وبعد اسبوعين تمكن رجال الامن من تعطيل عملية مماثلة في العاصمة البريطانية. ثم بعد يومين، انتقلت التفجيرات إلى مصر حيث أدت سلسلة انفجارات في منطقة شرم الشيخ السياحية إلى سقوط 88 قتيل من جنسيات مختلفة من جنسيات مختلفة. وفي التاسع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، تابع "الارهاب" مساره، ليضرب وبعنف، كما في كل مرة، ثلاثة فنادق سياحية كبرى في العاصمة الاردنية عمان، مخلفاً وراءه 60 جثة، اعلن على اثرها ابو مصعب الزرقاوي رئيس "القاعدة" في العراق مسؤوليته الكاملة عن التفجير.
وعلى عكس ما يرى البعض، لم يكن عام 2005 استثنائياً في "المسلسل الارهابي" المستمر. فمنذ الحادث عشر من أيلول/ سبتمبر 2000، تحوّل العالم عن ركوب الباصات والقطارات وارتياد اماكن السياحة والتسلية والمطاعم بنسبة كبيرة. "القاعدة" حسب توصيف جودي م. فيتوري، الباحث في جامعة "دنفر" اصبحت "ارهاباً معولماً". أضاف "توظف المنظمة ما بين 5 - 10 ملايين دولاراً، غير أن مصادر اميركية مطلعة، اكدت ان المبلغ التوظيفي يصل الى حوالى 35 مليون دولاراً، فضلاً عن امتلاك المنظمة وإدارتها لثمانين مؤسسة تحمل صفتها الشرعية والقانونية في الدول التي تستضيفها، أقله "وجهها الشرعي" تتوزع حول العالم، ويتولى اعمالها من تهريب المخدرات الى غسل الاموال وتزوير الوثائق عشرات آلاف العملاء والإداريين والموظفين والعمال الذين يعملون بطريقة سرية للغاية، وفي أحيان كثيرة مع الاجهزة الامنية المختصة، فضلاً عن عشرات المتطوعين الذين سرعان ما يتم نقلهم الى مخيمات في السودان وأفغانستان حيث يتم تدريبهم على يد خبراء في السلاح والعمليات.
في الواقع، بات واضحاً بحسب التحاليل والنتائج التي تناولت عملية الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر في كل من نيويورك وواشنطن، وكما أكدته الاجهزة الامنية والمخابراتية الاميركية، ان العولمة وفّرت تسهيلات عديدة ومهمة لرجال العصابات والمنظمات الارهابية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن بالطرق الالكترونية والتقنيتات الحديثة، تحويل اي مبلغ من المال، بين طرفي الكرة الارضية في اقل من عشرين دقيقة. ويبدو أن هذه التحويلات، وعلى الرغم من الاحتياطات والمحاولات الدولية الجادة والحقيقية، آخذة بالتكاثر يوماً بعد يوم.
لوريتا نابوليوني مؤلفة كتاب "من يموّل الارهاب العالمي؟" الجيش الجمهوري الايرلندي، الباسك، القاعدة... دولارات الارهاب، قدّرت الحركة الاقتصادية العالمية غير الشرعية في العام الماضي، بحوالى 1500 مليار دولار، اي ما نسبته 5% من الاقتصاد العالمي، او ما يعادل ضعفي الناتج الوطني الخام في بريطانيا، يتأتى ثلثه، حسب قولها من غسل الاموال والاعمال الاجرامية! تهريب مخدرات، اسلحة، ذهب، جواهر او من تجارة الرقيق، وثلثه الثاني من عمليات تهرب الثروات الناتجة عن التهرّب من دفع الضرائب او الافلاس الاحتيالي، والثلث الاخير المسمى "اقتصاد الارهاب الجديد"، يقوم في جزء كبير منه على اعمال شرعية لتمويل عمليات غير نظيفة".
وكشفت دراسة صدرت أخيراً عما يزيد عن 70 "جنة ضرائبية" تتوزع على كامل الكرة الارضية، بعدما كانت هذه "الجنات" محصورة حتى السنوات القليلة الماضية في جزر الكاريبي. وقد تم حتى الآن، حسب الدراسة، احصاء ما يزيد عن مليون شركة "اوف شور" (لا تتعاطى اعمالاً تابعة للاقتصاد المحلي)، وحيث في كل عام يتم تسجيل اكثر من 150 ألف شركة جديدة، غالباً ما تستوفي شروط تأسيسها، خصوصاً ان عليها، وفق القوانين الدولية الجديدة والقاسية، ان تكشف عن مصادر تمويلها، وتقديم بيانات وإحصاءات دورية عن حجم معاملاتها في الاسواق العالمية ونسب ارباحها، وذلك في محاولات جادة ومكثفة لمكافحة أموال الارهاب، وهي عملية تبدو حتى الآن، مهمة شبه مستحيلة.
وحسب الخبرة الاقتصادية ماري كريستين دوبوي دانون، المستشارة السابقة في منظمة مكافحة الجريمة والمخدرات وتبييض الاموال التابعة للامم المتحدة، "تبدو عملية مواجهة تميل الارهاب معقدة لجهة اختصاصها، لانها تفترض، فضلاً عن الشفافية، استراتيجية تختلف تماماً عن تلك المتبعة في مكافحة شبكات المافيا ومصادر دخلها وحركتها الاستثمارية، وحيث يعتمد الارهاب على نظام يصعب اختراقه: مصارف، منظمات خيرية، مساعدات دولية او دينية"...
وفي هذا المجال، وبعد تفجير الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر، اتخذت العديد من الدول سلسلة اجراءات لتعزيز وتوحيد المساعي لمكافحة وضط اموال الارهاب المتنقل بسرعة وسرية حول الكرة الارضية، وتم انشاء "المجموعة المالية لمكافحة تبييض الاموال" من 33 عضواً، بينها 31 دولة ومنظمتان دوليتان (اللجنة الاوروبية ومجلس التعاون الخليجي) لكن اللجنة المذكورة، وعلى الرغم من المساعي والمحاولات، فشلت حتى الآن، في اعتماد قانون دولي رادع وضاغط لموقف عمليات التهريب وغسل الاموال والتلاعب بالمستندات والتحويلات، او اقله الحد من تماديها واتساعها لتلف العالم من أدناه إلى أقصاه، وبالسرعة القصوى، ما جعل الارهاب سيد الساحات القادر بنفوذه المالي، وفي أحيان كثيرة بقدرته على اختراق الاجهزة الامنية المحلية والدولية، بالرشاوى والاغراءات المالية، على تنفيذ عملياته، هنا هناك وحيث يشاء. صحيح ان تطوراً كبيراً حدث في السنوات الاخيرة، لجهة تبادل المعلومات من خلال شبكات عاملية لمحاربة التدفق المالي على المنظمات الارهابية، لكن الدولة المعنية تستمر عاجزة وشبه مشلولة عن مواجهة عمليات تتسم بسرية مطلقة وبعامل المفاجأة، فضلاً عن ان الكشف عمل يقف وراءه هذه العمليات، غالباً ما يتم عبر الانترنت والشاشات الصغيرة، وقد تكون عما أو عمن يعلن عنه، من ضمن عملية مدروسة لاخفاء الوجوه الحقيقية لأسياد الإرهاب.