كتَّاب إيلاف

لماذا فشلت قائمة علاوي؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أزمة التيار الليبرالي في العراق

بعد تحليل مدى مصداقية بعض المتهجمين على نتائج الانتخابات الأولية من المناوئين للعملية الدمقراطية والمندرجين ضمن ممثلي السنة، أهتم في هذا المقال بتحليل أسباب فشل القائمة الوطنية العراقية بقيادة د. علاوي، والتي بادرت، بعد اعلان النتائج الأولية، الى الاحتجاج على النتائج والى الطعن في مصداقية المفوضية المستقلة للانتخابات. واضافة الى جوهر الموضوع المتمثل بالجانب السياسي الانتخابي، يشكل فشل قائمة د. علاوي مثلاً مهماً على الأزمة التي يعيشها التيار الليبرالي في العراق ذاتياً، في الموقع والانتماء، وموضوعياً، من جهة الخطاب والتفاعل مع المحيط الثقافي.

سأحاول اذن تحليل أسباب فشل هذه القائمة من خلال النظر الموضوعي في تركيبتها وتحليل حملتها الانتخابية التي قادها د.علاوي والاتجاه المتوقع لتأثيراتها في نفسية الناخبين الذين طمحت القائمة المذكورة الى كسب أصواتهم، حيث يشكل الجانب النفسي عنصراً أساسياً في دراسة السلوك الانتخابي في أي مجتمع. وهذا بغض النظر طبعاً عن الشكاوى التي قدمتها القائمة فقد يكون الكثير منها صحيحاً، ولكن تحليل الفشل سيثير بداهة تساؤلات مهمة عن مشروعية سلوك قادة القائمة. فالمفوضية معرضة للوقوع في الأخطاء لذلك يجب نقدها وتقويم عملها باستمرار، لكن لا يصح التهجم عليها والطعن في مصداقيتها كمرجعية انتخابية بدون مبررات أكيدة وخطيرة توجب مثل هذا الأمر. لأن المفوضية اكتسبت هذه المرجعية بجهودها المضنية في ثلاث عمليات اقتراع (في سنة واحدة) نفتخر بها جميعاً، والتهجم عليها يضر بالعملية السياسية وبالتالي بمصالح الوطن العليا المرتبطة بانجاح العملية الديمقراطية، وقد أكد رئيس القائمة الوطنية نفسه على هذا الترابط مرات عديدة.

1- التركيبة الغريبة:
تعبر تركيبة هذه القائمة بحد ذاتها عن أزمة التيار الليبرالي في العراق، حيث لم يستطع د. علاوي لحد الآن، ورغم الامكانيات الهائلة، أن يكون تياراً ليبرالياً واضح المعالم لا فكرياً ولا على مستوى القيادات. لذلك ورغم اتصاف قائمته بالليبرالية وانضمام العديد من السياسيين "الليبراليين" اليها، فقد شكلت كياناً سياسياً مختلطاً ضم على سبيل المثال لا الحصر: غازي الياور وحاجم الحسني والباججي وراسم العوادي والحزب الشيوعي!! وقد يبرر ذلك أن نتساءل عن مدى صحة اطلاق صفة الليبرالية على نسبة مهمة من مرشحي القائمة. كذلك لم يمتلك هذا الكيان معالم محددة على المستوى الانتخابي، فمن المعروف أن د. علاوي لا يستند لحد الآن الى أرضية انتخابية معينة. أما الشخصيات التي انضمت الى قائمته فمنها من يمثل وجوهاً معروفة وبارزة بأفكارها أو ثقافتها والبعض الآخر لا يتمتع بهذه الصفات، ولكنها تشكل في مجملها قوى ضعيفة انتخابياً، أي لا تتمتع بقاعدة شعبية واضحة، سيما وأنها لم تتمكن من الفوز الا بمقاعد معدودة عندما تقدمت بقوائم منفصلة في انتخابات كانون الثاني 200، ولم يحصل بعضها حتى على مقعد واحد في الجمعية الوطنية المنتهية (قائمة د. عدنان الباججي مثلاً).

لذلك، لم يكن متوقعاً أن تضيف هذه الشخصيات والمجموعات المتحالفة مكاسب واضحة لما حصلت عليه القائمة العراقية سابقاً (40 مقعداً)، انما كرست صفة الخليط الغريب وغير المتجانس على هذه القائمة، لأن فيهم ليبراليين وأخوان مسلمين سابقين وشيوعيين بالاضافة الى بعثيين سابقين وآخرين غير معروفين. كل ذلك أعطى للناخبين الشعور بأن هؤلاء انما اندرجوا تحت راية الدكتور علاوي أملاً في كسب مقاعد أكثر مما يتوقعون لأنفسهم، ان هم تقدموا لوحدهم. لأن التأكيد على الهوية الوطنية لا يشكل برنامجاً ولا تميزاً، وكذلك طرح الليبرالية دون الاستناد الى قاعدة ثقافية وجماهيرية لا يكفي لاقناع الناخبين بوجود منهجية مشتركة ومتماسكة من شأنها اضفاء المصداقية والفاعلية على هذه القائمة أو تلك عند حكمها لبلاد تعيش تحديات كبرى في مواجهة النشاط الارهابي وترنو الى تطوير العملية الديمقراطية وحماية مكاسبها الملموسة رغم كل المآخذ والاخفاقات المسجلة هنا وهناك.

لقد أثبتت الانتخابات السابقة وكذلك الأخيرة أن الناخب العراقي لا يزال متمسكاً بدرجة كبيرة بالشخصيات السياسية والقوائم الانتخابية ذات الجذور الاجتماعية، سواء كانت قومية أو مذهبية، حيث ظهرت قوائم تفرعت من هذه الجذور وطرحت منهجاً متقدماً نسبياً لكنها لم تنجح في كسب أصوات الناخبين. وكمثال على ذلك قائمتا د. ليث كبة
ود. علي الدباغ، وبعض القوائم الكردية بالنسبة لمحافظات كردستان، دون الكلام عن قائمة د. أحمد الجلبي التي أدهشت حتى خصومها بفشلها الذريع اذ لم تحصل على أي مقعد في المجلس القادم...

2- أخطاء الحملة الانتخابية
أركز هنا على د. علاوي لتصدره بشكل واضح لحملة قائمته المرتبطة أصلاً باسمه ولاحتلاله موقعاً كبيراً في عموم الدعاية الانتخابية. وبعد تحديد دور تركيبة القائمة في فشلها، سأحاول تشخيص أخطاء الحملة الانتخابية، على أساس الاستراتيجية الانتخابية التي تبناها د. علاوي، كما يبدو لي، والتي تتمثل بتركيز الهجوم على قائمة الائتلاف العراقي (وحكومة الجعفري المنبثقة عنها أساساً) وذلك لكسب أصوات الشيعة من خلال اضعاف شعبية القائمة. لأنه يعلم بأن الأكراد لن يصوتوا له، وأن السنة في محافظات الأنبار وتكريت والموصل (حوالي 70% من سكانها) وديالى (حوالي 50%) لن يصوتوا له الا قليلاً بسبب ذهاب أصواتهم المتوقع الى مرشحي جبهة التوافق العراقية وجبهة الحوار الوطني، فالأولى طرحت نفسها طائفياً منذ البداية لا سيما على لسان د. عدنان الدليمي والثانية تمثلت بصالح المطلق الذي طرح نفسه مجسداً للمنطق القومي "المتشنج" فهو أقرب الى بقايا البعثيين من د. علاوي. ولكن حظ الأخير أوفر (وليس الأقوى) في بغداد بسبب اعتدال السنة فيها وانفتاحهم بشكل عام. اذن، كان على د. علاوي التقرب من شيعة العراق الذين صوتوا في المرة السابقة وبغالبية ساحقة لصالح الائتلاف العراقي الموحد لكسب أصواتهم، دون نسيان المعتدلين في جميع التكوينات الاجتماعية ولا سيما السنة. ولكن فيما يتعلق بالشيعة تحولت حملته الى مجرد هجوم مكثف على قائمة الائتلاف مع التأثيرات التي سأبينها.

ويمكن اجمال الأخطاء التكتيكية، بالنسبة لما قدمته من استراتيجية انتخابية، على الشكل التالي :
- تبني الانتماء البعثي:
لقد أظهر د. علاوي أثناء مقابلاته المتكررة، على الفضائيات مثلاً، بأنه ينظر الى ماضيه البعثي بافتخار تقريباً، فيذكر مراراً أيام النضال البعثي ويترحم على ميشل عفلق. وقد يقدره المرء على صراحته، ولكن هذا الطرح أضر به انتخابياً، اذ لم يؤد الى كسب أصوات الشيعة، بل أصبحت على العكس سبباً في ابتعادهم عنه. وهنا نلاحظ أنه خلط بين ظروف بداية 2005 حيث لم يوجد فيها تمثيل واضح للبعثيين وأراد كسبهم وقد نفعه ذلك انتخابياً الى حد ما وبين ظروف الانتخابات الأخيرة التي شهدت ولادة عدة قوائم شكلها أزلام النظام السابق وقاموا بشراء الولاءات في المدن وبين معارفهم من أبناء عوائل المشيخات العشائرية (السنية والشيعية) ممن ارتبطوا بالسياسة العشائرية للنظام السابق. وقد تمكن د. صالح المطلق من تخطي كل هؤلاء بعباراته النارية وتهديداته المستمرة (بتدهور الوضع الأمني!). هذا الخلط بين فترتين مختلفتين كلف علاوي كثيراً، اذ لم يكسب الا القليل من المعتدلين من البعثيين السابقين بينما خسر الكثير من الأصوات التي يجب أن يهتم بها أولاً، حسب الاستراتيجية التي ذكرتها.

- العلاقة بالنظام العربي:
قام د. علاوي بزيارات متكررة الى العواصم العربية وامتدح الحكام العرب ومواقفهم وكرر أن القادة السوريين هم أخواننا ويريدون معاونتنا. ويبدو لي أن عدداً محدوداً من هذه الزيارات قد يكون مفيداً انتخابياً، وذلك لاظهاره كرجل دولة مقبول من هذه الأنظمة وقد يعطي ذلك أملاً للناخبين في أن تتخذ هذه الدول مواقف أكثر ايجابية من العراق عند مجيء د. علاوي الى الحكم. لكن المبالغة في ذلك شكلت ما يمكن تسميته هنا بالجرعة القاتلة (الأوفر دوز)، بسبب كثرة هذه الزيارات وما تبعها من صور وتصريحات أظهرته وكأنه مرشح النظام العربي. بينما احتلت هذه الأنظمة وجامعتها العتيدة موقعاً سلبياً في الذهنية الشعبية العراقية، لا سيما مع استمرار اعترافات الارهابيين العرب، ممن قُبض عليهم في العراق، بتلقي المساعدة والتدريب في أراضي دول عربية. وهكذا شكلت المبالغة هنا سبباً آخر لضياع الأصوات في المحافظات الشيعية.

- مرشح الأمريكان:
من المعروف أن العديد من القادة السياسيين قد تعاملوا مع الأمريكان أملاً في التخلص من نظام القتل المنظم والاذلال المتعمد، ولكن د. علاوي ود. أحمد الجلبي كانا الصديقين المقربين للادارة الأمريكية، وقد تميز د. علاوي باستمرار علاقته ونموها وجاءت ملاحظاته النقدية ضد قرارات بريمر بخصوص الجيش واجتثاث البعث لتثبت تناغمه مع تحولات السياسة الأمريكية بهذا الخصوص منذ ربيع 2004، ثم بشكل واضح مع بداية 2005. وقد أكد د. علاوي ذلك أثناء الفترة الانتخابية ليساهم من دون قصد في اضعاف الطابع المبدأي لسياسته فهو يتقرب من منطق القيادات السياسية التي ظهرت كممثلة للسنة وطرحت نفسها "معادية" في العلن للاحتلال وضد اجتثاث البعث وحل الجيش، فساهم بذلك في اضفاء المصداقية على هذه القيادات في نظر ناخبيهم المحتملين. ومن جهة أخرى، خسر أصوات من يريد كسبهم لأن غالبية الشيعة، كما الأكراد، قد عانوا الأمرّين من حزب البعث ومن هذا الجيش الذي استخدم في الغالب ضد أبناء شعبه، في الأنفال وحلبجة والأهوار والمدن المقدسة، وهو الذي اقتاد أبناءها مع أبناء العشائر والمدن الشيعية الأخرى الى حفر القتل الجماعي.

وللتذكير، فان الناس لا يفكرون حسب الشعارات والمبادئ المعلنة، مهما كانت قيمتها. المهم لديهم أن يكون المعلن من الشعارات قريباً الى وجدانهم العميق وحياتهم اليومية، الاثنين معاً لا سيما في عراق اليوم المثقل بالجراحات العميقة. فأبناء المناطق الغربية مثلاً ترحب بادانة حل الجيش لا بسبب الصياغة "الوطنية" لهذه الشعارات بل لأنهم تضرروا من حل الجيش بل لفقدان أبنائهم مواقعهم المهمة في الجيش والمخابرات، الخ. وكذلك الشيعة والأكراد يَحذرون من هذه الطروحات لا لقلة وعيهم الوطني بل لأن الذاكرة الجماعية والفردية لا زالت تتمثل الجرائم الفظيعة التي مورست على يد هذا الجيش، بل ان الأكراد رفضوا رفع العلم العراقي لنفس السبب وتفهم بقية العراقيين ذلك، الا بعض القيادات القريبة من فكر البعث الصدامي فهي تغض النظر عن ذلك بسبب توازن القوى ورغبة في تركيز هجومها على السياسيين "الشيعة"، لتفريق المعسكر المقابل لها ليس الا!!

- اقصاء التعبير السياسي عن الشيعة
وهكذا فان د. علاوي أضاع المسيرتين كما يقال، لم يكسب من أصوات السنة الكثير ولم يحسن الحصول على أصوات الشيعة الذين اهتم بهم كهدف استراتيجي. وكان من الممكن أن يستفيد انتخابياً من هجومه على التعبير السياسي للشيعة (قائمة الائتلاف وسياسة حكومتها) وذلك باظهار "خطل وفشل" سياسة الائتلاف وكسب تأييد جماهير الشيعة لقائمته ومنطقها الوطني الليبرالي، وذلك يعني عدم تجاوز الانتقادات "المعقولة" مثل أداء الحكومة "الضعيف" و"عدم قدرتها" على اعتماد جميع الكفاءات بسبب عقليتها "الطائفية" والنفوذ الايراني "المتزايد" في بعض المناطق. لكنه تجاوز ذلك الى ممارسة الهجوم العنيف والمستمر على الائتلاف وحكومته واتهامهم بالسياسة الطائفية الخطيرة ملوحاً بخطر الحرب الأهلية وأن أوضاع اليوم أسوأ مما كانت عليه أيام صدام. كذلك اتهم قادة الائتلاف بالارتباط الصريح بايران، متناسياً أن الاستاذ الطالباني ينافسهم في مجال العلاقات القوية بايران. ويقوم الكثير من "الليبراليين" العراقيين بمثل هذا الهجوم العنيف من مواقع مسبقة بالنسبة للناس العاديين. من جهة أخرى، ارتكب د. علاوي نفس الخطأ السابق، فقد تقرب من ناخبين آخرين كان المفروض أن يتوقع أنهم حسموا أمرهم لصالح قوائم أخرى، وخسر الناخبين الشيعة الذين يشكلون هدفه الأساسي، لأن هؤلاء الشيعة عرفوا، خلال تاريخهم الطويل، أن الاتهام بالولاء لايران كان ولا زال أحد أعمدة الدعاية المضادة للشيعة في العراق. أكثر من ذلك، فقد اقتربت هذه الاتهامات من المس بذات المصوتين للائتلاف (في الانتخابات السابقة)، اذ يصبح الناخب نفسه أما غبياً أو ضعيف الوطنية عندما صوت لمثل هؤلاء، وهذا ما لا يتقبله المرء بسهولة، لا سيما في العراق، وبالتالي ساهمت هذه المبالغة في اعادة المتشككين الى معسكرهم (الائتلاف)، وانقلب الأمر ضد الهدف الكبير الذي خطه د. علاوي لنفسه.

أزمة الخطاب الليبرالي: بكلمات مختصرة، أعطت حملة د. علاوي الانطباع بأنه أراد كسب الشيعة بأن يأتوا بأنفسهم اليه متخلين عن ثقافتهم السياسية المتراكمة، لا بأن يذهب هو اليهم، مع ما يتطلبه ذلك من تقرب وتواضع أزاء الناس البسطاء، وهي في الحقيقة أزمة الليبراليين في العراق فغالبيتهم يطرحون نهجهم من خارج الثقافة الاجتماعية والسياسية الموجودة في البلد، بينما الليبرالية الحقيقية، ومهما كان رأينا فيها، هي التي تتكون من رحم المجتمع، حاملة همّه وثقافته نحو "ليبرالية" أكبر مع ما تعنيه من احترام لحرية الفكر بشكل عام، اي دون التعالي على الفكر الآخر بالاتكاء على الانتماء لليبرالية. وقد لاحظنا أيضاً على الدكتور علاوي أنه ظهر على شاشات التلفاز كماسك بالحقائق الكبرى ويريد تلقينها لأبناء البلد من موقعه، ولم يساعد ذلك طبعاً على اقناع المعنيين بأنه ابنهم وواحد منهم الى آخر ملامح الصورة التي حاول غرزها في النفوس من خلال بعض المبادرات الايجابية ولكنها ظلت غير كافية.

لقد تميزت هذه الانتخابات بالمشاركة العالية لجميع المناطق، أي بضمنها المناطق التي لم تتمكن من المشاركة في الانتخابات الماضية بسبب التهديدات الارهابية. وأشاد العالم بالانضباط الكبير للناخبين العراقيين رغم الظروف الصعبة وأجواء التحديات الارهابية. وللمقارنة أذكر أن المراقبين في فرنسا مثلاً وفي أجواء المعدلات المنخفضة أصلاً لنسب المشاركة في الانتخابات (أقل من 50%)، يخشون عادة من انخفاض أهم في هذه النسبة اذا كان الجو جميلاً! فقد لاحظوا بأن الكثير من الفرنسيين يفضلون السفر والنزهة على الواجب الانتخابي، حيث تجري الانتخابات أيام الأحد. لذلك، كان المتوقع من شخصيات القائمة الوطنية العراقية، وعلى رأسهم د. علاوي، أن يحترموا الانتصار الكبير الذي مثلته الانتخابات وأن يقوموا بتوجيه الشكاوى والاتهامات بالطرق القانونية المعروفة والتي دعت اليها المفوضية، لكنهم فضلوا شن الحملة الهجومية المعروفة وسببوا خيبة أمل كبيرة للعراقيين، وساهموا في تحويل الفرحة الى قلق فتخوف، لا سيما بعد انضمام د. طارق الهاشمي ود. عدنان الدليمي والجنرال السابق خلف العليان ود. صالح المطلق الى هذه الحملة بالاضافة الى أصوات لكيانات لا واقع لها على الأرضية الانتخابية. وقد حاولت في مقال سابق تحليل موقف بعض المندسين في جبهتي التوافق والحوار، من الذين تنادوا بالويل والثبور في خطب نارية مهددة بالعنف ومُلوحة بالحرب الأهلية، وبينت أن النتائج المعلنة كانت قريبة لما هو متوقع لهم من مقاعد في بغداد اذا اعتبرنا حداثتهم على الساحة السياسية. أما في المحافظات، فان خوضهم المعركة الانتخابية أدى الى الفوز بالمقاعد المخصصة (لمحافظاتهم)، وقد تقاسموها مع كيانات أخرى قريبة منهم وبشكل طبيعي، بعيدأ عن منافسة قائمة الائتلاف التي يسعون الى اتهامها.

مناورة؟ وأخيراً، اذا تذكرنا قوة العلاقة بين د. علاوي والأمريكان ورغبة هؤلاء الدائمة في تحديد القوة السياسية للشيعة في العراق لتحقيق "توازن" أكبر وضمانا لعدم "الانزلاق" الى تأييد العراق كدولة للنظام الايراني، يمكننا التساؤل عن مغزى هذه التحركات الخطيرة وهل شكلت هجمة د. علاوي العنيفة على نتائج الانتخابات الأولية مناورة لاستقطاب واحتواء القوى التي أشرت اليها والتي تقرب منها د. علاوي، كما بينت، منذ أيام مجلس الحكم ووزارته وأثناء الحملة الانتخابية. وقد انظمت اليه فعلاً وشاركته في التهجم على مفوضية الانتخابات وقائمة الائتلاف وشكلوا معه جبهة مرام. ورغم تصريحات بعض القادة المنصفين لجبهة التوافق بتهدئة الأجواء وتقبل العمل بنتائج الانتخابات، الا أن هذه الكيانات لم تتخلص من تأثيرات من يريد اشهار هذا السيف (دعوى التزوير) وما يسموه بالاستحقاق "الوطني" للحصول على مقاعد وزارية أكثر من الاستحقاق الانتخابي (غير الوطني؟) ولمنح أنفسهم "الحق" بالوزارات المهمة وخصوصاً "الحق" بالمزايدة على الوزراء الآخرين وشتمهم على شاشات الفضائيات. وقد أعلن السياسي "الليبرالي" د. عدنان الباججي عن اتفاق قائمة علاوي وجبهة التوافق وجبهة صالح المطلق على التفاوض سوية حول الانخراط في الحكومة. وهكذا اقترب البعثيون والطائفيون المندسون في هذه القوائم الثلاث (مع تواطئ الأمريكان و"قبول" القادة الآخرين) الى حكم العراق "عنوة" ودون أي اعتذار لا من المفوضية ولا من زملائهم (في الوزارة المقبلة!) على الاتهامات القاسية التي أطلقوها دون مبرر كاف، كما بينت للتوصل الى تحقيق أهدافهم في الوصول تدريجياً الى السلطة!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف