مأساة بوش وسياساته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ثمة سؤال واحد يحير جورج دبليو بوش هذه الأيام: هل سيقوده الحزب الجمهوري من ذيل معطفه الرئاسي إلى فوز في الانتخابات التشريعية في شهر نوفمبر المقبل، أم أنه سيزج به في دوامة الحرب المقيتة في العراق والمخاوف الاقتصادية وفضائح الفساد؟
يعد الاحتمال الأول من سابع المستحيلات، إذ خلال المائة سنة المنصرمة لم يسبق لرئيس جمهوري حاصل على ولايتين أن حقق فوزا في البرلمان. فقد فشل في ذلك كل الجمهوريين الذين تقاطبوا على كرسي الرئاسة، بمن فيهم رونالد ريغن، في حين أن الديموقراطي بيل كلينتون كان قد أحرز انتصارا كاسحا. ففي سنة 1998، سئم أغلب الأميركيين من شعارات الجمهوريين وكذلك من المحاولة الفاشلة لمحاسبة كلينتون في فضيحة الفساد الأخلاقي. وبالرغم من أكاذيب كلينتون المرتبطة بقضية مونيكا لوينسكي، فقد حاز الديموقراطيون غالبية المقاعد في الانتخابات.
وفي الوقت الذي شكل فيه الرئيسان السابقان بوش وكلينتون تحالفا في مجال التخفيف من وطأة الكوارث الطبيعية (عمليتي مساعدة ضحايا تسونامي في آسيا والخوريكان في الولايات المتحدة) فإن الخصومة السياسية مازالت قائمة بين العائلتين. فرغم أن الرئيس الحالي بوش وصف هيلاري كلينتون بالمرشحة "الرائعة" في حديثه لقناة سي. بي. اس للأخبار قبل إلقائه خطاب الأمة، ورغم إشارته إلى "أن هذه هي المرة الأولى من نوعها التي لم يشهد فيها الحزب وريثا متوقعا لرئاسته"، فإن الضغينة بين الجهتين مستمرة إلى حد المساعدة.
ترى كيف سيكون الحال اذا ما أرغم بوش الإبن على ترك البيت الأبيض لصالح هيلاري وبيل كلينتون في رئاسيات 2008؟ فمهما هزم الرئيس الحالي من أنداد في منطقة الشرق الأوسط، ستكون عودة آل كلينتون إلى القبة الرئاسية بمثابة نقطة سوداء تعكر صفو الإرث الذي حصل عليه، إن شبح مثل هذه التخمينات من شأنه أن يخيم على بوش لسنوات عدة.
نجح كلينتون في إعادة الاعتبار لسمعته في وقت مناسب لزوجته التي قد تكون هي الأخرى واحدة من المتبارين على كرسي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المقبلةbull; فماذا سيحصل إذن في حالة ما إذا أخفق بوش في استعادة شعبيته؟ لقد أحس الجمهوريون بوقع الصدمة. ففي شهر نونبر الماضي وفي غمرة التسابق الحار على منصب حاكم ولاية فيرجينيا، ألقى الرئيس بوش بكل ثقله لصالح المرشح الجمهوري جيري كيلغور قبل انطلاق عملية الاقتراح بعشر ساعات فقطbull; فبعدما استمال بوش أصوات فيرجينيا لصالح الجمهوريين عامي 2000 و 2004، أصبح من شبه التقليد أن تكتسي الولاية حلة حمراء، وهو لون الحزب الجمهوري. بيد أن كيلغور مني بالهزيمة، وهو ما لحق ببوش كذلك، فقد راهن البيت الأبيض على إمكانية بوش لتعبئة طاقته المحافظة لهزم المرشح الديموقراطي تيم كاين. إلا أن الاقتراع كان بمثابة استفتاء ضد بوش، إذ لم تمثل نتائج الانتخابات في كل من فيرجينيا ونيوجيرزي (التي شهدت فوز الديموقراطيين كذلك) ؟؟؟ بالنسبة للاستحقاقات الانتخابية التشريعية لسنة 2006.
إن ما تبقى من قوة بوش هو تميزه في جمع الأموال، وبمبالغ طائلة، من المخلصين لحزبه، فيوم واحد بعد خطاب الأمة، نال الرئيس الأميركي تصفيقات حارة في ناشفيل بولاية تينيسي وجعل الحاضرين يقفون وقفة إجلال لما أصدره من انتقادات لاذعة ضد أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين الذين سولت لهم أنفسهم ركوب التحدي ضدهbull; وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كون النبرة المحافظة التي يستند إليها بوش في شعاراته تدر سيلا من الأموال على خزائن الحزب وتجلب الإمكانات المالية الضخمة لتمويل الحملات السياسية عبر بقاع الولايات المتحدة. لكن ماذا عن سياسة بوش في الشرق الأوسط؟ وماذا يعني انشغاله المطلق بالانتخابات البرلمانية بالنسبة للمنطقة؟.
من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط مختلفة تمام الاختلاف عن ولايات وسط أميركا، في المقام الأول، يجب ألا نتوقع من بوش أن يضغط على إسرائيل، حتى ولو تنازلت حماس وأحرز بيبي نتنياهو انتصارا مفاجئا، فالأساس الذي يستند إليه بوش المتمثل في الأصوليين المسيحيين بصفة خاصة، رأى في الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة شيئا من الخيانة. ولعل تعليقات بات روبيرتسون المندفعة تجاه حالة شارون الصحية تعكس الحماسة الزائدة لدى أتباعه.
أما بالنسبة لمخطط واشنطن لدعم أحمد قريع وحركة فتح، فقد جاء متأخرا، بل وتبين أنه كان بمثابة مكافأة لمسؤولين متورطين في الفساد أو عديمي الكفاءة. كما أنه عوض أن يحرز أكبر عدد من الأصوات المساندة فإنه نال سمعة سلبية، جسدها مقال في الصفحة الأولى لصحيفة واشنطن بوست قبل أيام فقط عن الاستحقاقات الانتخابيةbull; إنما يتعين على كارل روف الآن هو مراجعة الكيفية التي يستميل بها أصوات الناخبين لصالح بوش وإعادة النظر في تصنيف الولايات المتحدة في الشرق الأوسطbull; عليه أن يفعل ذلك بالعناية نفسها التي يعمل بها في أوهايو قبل الشروع في التخطيط لأية حملة انتخابية لمصلحة الحلفاء الذين يجدون أنفسهم في خطر محدق، إذا فشل بوش في جعل أحد المرشحين الجمهوريين يفوز في إحدى الولايات الحمراء، فهل كان حقا يعتقد أن منظمة يو. إس. ايد (US AID) قادرة على تحقيق إنجاز في قطاع غزة؟ في الوقت الذي ألغى فيه فوز حماس في الانتخابات أية إمكانية لدعوة إسرائيل في خطاب الأمة إلى تقديم بعض التضحيات لصالح عملية السلام، كان بإمكان بوش التركيز على أهمية الإجراءات الممكنة لبناء الثقة بين الشعبين في سبيل ضمان شركاء لأجل السلام، خاصة وأن القيادة الفلسطينية تحاول إيجاد مخرج من تلك التبعات السياسية.
لم يكن انتصار حماس السبب الرئيس الذي جعل بوش يتباطأ في الدفع بإنشاء دولة فلسطينية، بل إنه كان ذريعة ليس إلا. فما فتىء البيت الأبيض، وعلى مدى أكثر من سنة، يسلط الضوء بصفة إرادية على التقدم الذي شهدته المؤسسات الديموقراطية في فلسطين مقابل إنشاء دولة هناك.
إن موقفا من هذا القبيل ينم عن توجه احترازي ذكي تتبناه إدارة تسعى إلى الحفاظ على حلفائها اليمينيين، وخاصة المسيحيين منهم، وفي الوقت ذاته كسب الدعم اليهودي، بما فيه المساعدات المالية لليهودية، إلا أنه سيكون من الصعب تحقيق هذا المبتغى عندما سيضطر المستوطنون الإسرائيليون إلى ترك بيوتهم وقواعدهم العسكرية المبنية في الضفة الغربية على أساس غير قانوني، وتنفيذ مقتضيات خارطة الطريق ولو أرغمت إسرائيل على الالتزام بالخارطة، لتكررت أحداث العنف والفوضى في أمونة ولأصبح المشهد يوميا، وهذا سبب كاف للبيت الأبيض ليتمادى في تماطله تجاه عملية السلام.
ومن جهة ثانية، من المرجح ألا يكون ثمة أي التزام حقيقي جديد في المنطقة، فرغم بعض المخاوف بشأن النوايا الأميركية في كل من سوريا وإيران، فإن الشعب الأميركي لم تعد له شهية لخوض حرب أخرى، ومهما كان دونالد رامسفيلد متشددا في نفيه للطرح القائل بانهيار قوى جيشه، فإن العديد ممن يرتدون البذلة العسكرية ويخوضون المعارك يرون الأمور من منظور آخر. إلا أن هذا التوجه الجديد في رؤية الأشياء لم يمنع القيادة العسكرية الأميركية في بورما، والتي لم تنل ما تستحقه من تقدير في خطاب الأمة، من تغيير مقر العاصمة من رانغون إلى منطقة قروية على بعد 400 كلم، لكن من الأفضل لأميركا أن تدع عنها دمشق وطهران.
أما النقطة الثالثة، فتتعلق بضرورة إيجاد قادة المنطقة بدائل لتصور الرئيس بوش، فقد حان فعلا وقت ذلك، عندما يقول سفير أميركي في الهند إن تصويت هذا البلد بشأن إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد يكون حاسما في مصادقة الكونغرس الأميركي على برنامج تعاون ثنائي جديد بين البلدين في المجال النووي المدني، فإن الحكومة الهندية والإعلام والشارع يعبرون عن امتعاضهم لهذه الطريقة في التعامل، لكن في الشرق الأوسط بمجرد أن تنطق بمبادرة أو سياسة هادفة جديدة، فإن أول ما ستسمع من رد هو "كيف ستنظر واشنطن إلى ذلك" أو "هل سيوافق البيت الأبيض على ذلك؟" وبعدها سيتم الانتقال إلى مرحلة إصدار الأحكام من قبيل: "واشنطن لن ترضى بهذا" إن مثل هذا الهراء هو ما يسمح للمحافظين الجدد بتصيد الفرصة خلال المرحلة التي سبقت الحرب على العراق. فقد انطلقوا من فكرة أن العرب سيقبلون بالسيطرة الأميركية وأنهم سينضمون إلى صفوفهم حالما تظهر العظمة العسكرية لأميركا، وكل ما في الأمر أن المحافظين الجدد أخطأوا في تقديرهم هذا، فقد ظنوا في العرب أنهم سلبيون، وهم في واقع الأمر لا حول لهم ولا قوة، لقد طفح الكيل
كاتبة المقال خبيرة في العلاقات العربية ـ الأميركية
قام بترجمة المقال: فهد شفيق