رسالة إلى أوردغان: كن وسيط السلام الفلسطيني الإسرائيلي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
السيد طبيب رجب أوردغان رئيس الحكومة التركية ورئيس حزب "العادلة والتنمية" الإسلامي. أنت من قادة الإسلام السياسي النادرين الذين قلما يجود الدهر بمثلهم. فقد انتقلت بسرعة البرق من فقه الجهاد الانتحاري إلى السياسة الحديثة بما هي تكييف للوسائل مع الهدف المبتغي في سياق الظروف التاريخية التي يجد السياسي نفسه فيها. لذا حققت كثيراً مما طلبه منك الاتحاد الأوربي: إلغاء عقوبة الإعدام، إلغاء عقوبة الزنا، الاعتراف الكامل بحقوق الأقلية الكردية الذي مازال قيد التنفيذ، وتبني مؤسسات الحداثة وقيمها العقلانية والإنسانية الكونية على أنقاض القيم الخصوصية العتيقة. مرونتك الذهنية ساعدتك على وعي الضرورات الداخلية والخارجية والتكيف الضروري معها.
هذا الانقلاب الصحي على نفسك شجعني على توجيه هذه الرسالة إليك عسى أن تساهم في مساعدة القطاع الأقل جموداً ذهنياً في حماس والإسلام السياسي العربي على الانقلاب على نفسه وهدايته إلى اعتناق طريقتك البرغماتية في مقاربة السياسة بقراءة موازين القوى وليس بقراءة النصوص الدينية كما يفعل إسلاميو إيران والعالم العربي.
رسالتك إلى حماس التي نشرتها "الشرق الأوسط" وترجمتها "جون أفريك" مؤشر على مشروعك التاريخي لقيادة الحركات الإسلامية من الجهاد إلى السياسة، ومن دوغمائية اليقين الأعمى إلى البرغماتية التي تزن الممارسات السياسية بميزان الواقعية والنجاعة ليس إلا. وهكذا نصحت حماس الواقعة في فخ فوزها الانتخابي بالخروج منه عبر "وجوب التخلي عن مواقف وممارسات الماضي" وبالتحلي بـ "البرغماتية والاعتراف بإسرائيل" ونزع سلاحها... وهي جميعاً محرمات في المعجم الإسلامي العربي السائد.
تمنيت لو انك سبقت الرئيس الروسي بوتين في دعوة حماس إلى أنقرة لإقناعها بترك الجهاد إلى السياسة. لكن بإمكانك أن تفعل أفضل منه بالذهاب بنفسك إلى غزة حاملاً مبادرة تركية متكاملة لتقنع بها أطراف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الثلاثة:حماس، فتح وإسرائيل. إقناع حماس بالتخلي عن ميثاقها الذي يدعو إلى "تحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب وإعادتها وقفاً على جميع المسلمين في العالم". والذي طالبها عبثاً كاتب هذه السطور منذ تسع سنوات بإلغائه، وإقناعها بتبني جميع التزامات السلطة الفلسطينية الإسرائيلية والدولية، بحل كتائب القسام ودمجها، مع الميليشيات الأخرى، في جيش التحرير الفلسطيني وأخيراً بالتراجع عن إقامة المجتمع الشرعي المغلق الذي بدأت تطبيقه في غزة بغلق أو حرق الحانات ... إقناع فتح بجدوى الدخول في حكومة وحدة وطنية مع حماس التي "تخلت عن مواقف وممارسات" الماضي حسب عبارة رسالتك. يكون البند المركزي في برنامجها تطبيق الشق الأول من خارطة الطريق، نزع سلاح الميليشيات وتقويض البنية التحتية للإرهاب، للتفاوض مع إسرائيل على الشق الثاني، الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأخيراً إقناع إسرائيل بأن الفلسطينيين أصبحوا بفضلك "شريكاً" مستوفي الشروط لتوقيع السلام الذي سيكون مضموناً إقليمياً ودولياً حتى لا يكون هدنة بين حربين كما تريد حماس. لكن دخول المفاوضات لا يضمن نتائجها المنشودة. لذا فعلي إسرائيل أن تتعهد ولو في الكواليس لك وللرباعية: بإطلاق سراح الأسرى، الكفيل بفتح شهية الفلسطينيين للمصالحة الفلسطينية الإسرائيلية، بالتوقف عن معاقبة الشعب الفلسطيني اقتصادياً سواء بالحصار وبالإغلاق أو بعدم دفع الضرائب، بوضع حد لمطاردة المطلوبين وبينهم رئيس كتائب القسام الذي، إذا عين وزيراً للداخلية، فقد يتحول إلى مفاوض لبق لزميله الإسرائيلي، والانتهاء من الاغتيالات المستهدفة، ومن الانسحابات الأحادية الجانب الكارثية على قابلية الدولة الفلسطينية للحياة، بالتخلي عن "الاحتفاظ بمناطق أمنية حيوية"، وعن " الاحتفاظ بالمناطق ذات الأهمية القومية والتاريخية"،* وعن "الاحتفاظ بالقدس موحدة" ... وهي شروط أولية ظالمة وظيفتها الأولي إضعاف المعتدلين لحساب الإسلاميين الجهاديين وفي مقدمتهم القاعدة التي تستخدم تحرير فلسطين لمزيد ترسيخ فقه الجهاد في الوعي الإسلامي!.
مبادرتك المأمولة موعودة بالنجاح لأن عقدة حماس النفسية هي عدم اعتراف العالم بها فضلاً عن وضع أمريكا والاتحاد الأوربي لها على قائمة الإرهاب. وهكذا قد يجد عقلاؤها في مقايضة تركهم الجهاد باعتراف العالم بهم صفقة رابحة.
السيد رئيس الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية ستعطي، إذا بادرت إلى هذه المبادرة، لبلادك وحزبك إشعاعاً إقليمياً ودولياً وستدخل التاريخ كواحد من صناع السلام العربي الإسرائيلي الذي تتوق إليه جميع شعوب المنطقة التي طال ليلها وعذابها.
مع فائق الاحترام.