حسنة لسيدك مشعل أفندي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يتوارث المصريون منذ عهد الخلافة العثمانية عبارات صارت أمثالاً شعبية، ومنها عبارة "حسنة وأنا سيدك"، وترجع إلى ما يحكى أن العثمانيين كانوا يعاملون المصريين معاملة العبيد، مترفعين على أهل البلاد من فلاحين وحرفيين وتجار، وكأنهم جنس أدنى مرتبة، ووصلوا إلى درجة أن المتسولين الأتراك كانوا يجوبون الشوارع والحواري المصرية سائلين صدقة، مرددين عبارة مثل: "حسنة لسيدك كاظم أفندي"، وزال الطغيان العثماني عن كاهل الشعب المصري رائد الحضارة الإنسانية، بفضل الحراك الذي أحدثته الحملة الفرنسية البونابارتية، وبقيت العبارة على ألسنة المصريين، رمزاً للاستعلاء الفارغ من أي مقومات تبرره، ورمزاً لغياب المنطق، وللخطاب الغارق في غيبوبة الذاتية، والذي لا يجلب لصاحبة غير السخرية والصغار.
لكن يبدو أن ما نسخر منه في لحظات وعينا -القليلة- قد ترسب في لا وعينا، بحيث صار جزءاً من ثقافتنا العروبية الجهادية المناضلة، ورغم أن جحافلنا العسكرية المغوارة لا تطأ بأقدامها أعناق العالم الغربي، كما كانت تفعل الجيوش العثمانية معنا، إلا أننا نتعامل مع الغرب بذات المنطق الطريف، منطق "حسنة وأنا سيدك"!!
لقد سيطر علينا هذا المنطق على جميع المستويات وفي كل المجالات، فعلى المستوى الفردي يتدافع الأفراد للهجرة -المشروعة وغير المشروعة- للغرب، التماساً للحياة الرغدة ولطلب العلم وللمعاملة الإنسانية الكريمة، أوفراراً من طغيان حكامنا وغياهب سجونهم الرهيبة، ومع ذلك وحتى بافتقاد منطق القوة الذي على أساسه كان العثمانيون يتصرفون معنا، بقي ذات المنطق بالغ الحماقة في أعماقنا، نتعامل به مع العالم الحر المتقدم، صاحب الفضل على قطعان البشرية الغارقة في سبات الجهالة، بقي كجدار عازل يحول دون اندماج هؤلاء المهاجرين في الحضارات التي هاجروا إليها بالجسد دون العقل والروح، بل وتتحول أحجار هذا الجدار في أيام صحوتنا المباركة هذه، إلى قنابل تتفجر في أبراج نيويورك وأنفاق مدريد ولندن وغيرها من مواقع غزواتنا المباركة!!
هو منطق الاستكبار والاستعلاء غير المستند إلى أي مقومات حقيقية على أرض الواقع، هو فقط في رؤوسنا أسيرة جنون العظمة، فنحن الشرفاء الأطهار أصحاب التاريخ المجيد، وحملة المبادئ السامية، وهم مجتمعات الكفر والرذيلة والفسق والمجون، هم الطاغوت الذي يتوجب علينا حماية أنفسنا من شره، بل ودك حصونه، تمهيداً لإقامة خلافتنا الفاضلة على مساحة كل كوكبنا الأرضي، بزعامة قادتنا الميامين الأتقياء، أمثال بن لادن والظواهري والزرقاوي!!
وعلى مستوى الدول يتسول حكامنا الملهمون المعونات الاقتصادية والتكنولوجية، ابتداء من رغيف الخبز إلى الدبابة والطائرة، والسيارات المصفحة بزجاجها الواقي من الرصاص، يحتمون داخلها من غضب شعوبهم، لكن لا تسمح لهم كرامتهم واستقلالهم الوطني أن تحدثهم حكومات ومنظمات الغرب الكافر عن حقوق الإنسان والديموقراطية، هنا تظهر العزة والإباء العروبي، وهنا فقط يتبدى لنا الخطر على الهوية القومية، ونكتشف محاولات الهيمنة الأمريكية الصهيونية على العالم، وعلى أمتنا العربية المجيدة، عند هذه النقطة بالتحديد تتاح وسائل الإعلام الحكومية، ساحة للإعلاميين المناضلين الأشاوس، يحرضون الجماهير ضد الأفكار المستوردة والقيم الدخيلة، ويحذرونها من وسوسة الطابور الخامس من دعاة الليبرالية والتغريب، والذين يهدفون إلى شق الصف العربي، وتمهيد الأرض للهيمنة الأمريكية!!
كل ما نردده ليل نهار -شعبياً وإعلامياً- هو أن الحلف الصهيوني الغربي يعادي شعوبنا، ويعمل على إفقارنا ونهب ثرواتنا وإذلالنا، وأن أبطال حماس والجهاد سيقهرون هذا الحلف الشرير، وسيستعيدون الكرامة العربية المهدرة، ويحررون الأرض السليبة من النهر إلى البحر، لكننا نفاجأ عندما اخترنا بالديموقراطية أبطال الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، ليكونوا حكاماً للشعب الفلسطيني البطل، ليتاح لهم تنفيذ خطتهم في قهر إسرائيل ومن وراء إسرائيل، واسترجاع كامل التراب السليب، نكتشف لأول مرة ما كنا نجهله، أو بالأصح نتجاهله، أن شعبنا الفلسطيني في حالة أنيميا قاتلة، وأنه يعيش على نقل الدم المستمر من إسرائيل وممن هم وراء إسرائيل، وأن استمراره في الحياة، واستمرار قدرته على قتل الأبرياء في تل أبيب وسائر أنحاء الكيان الصهيوني، مرتبط باستمرار ضخ الدم في شراييننا المتيبسة، من سائر المنابع الصهيوأمريكية!!
الآن العدو الغربي الكافر والذي يدعي الديموقراطية، يريد أن يكسر إرادتنا في المقاومة (القتل)، والكيان الصهيوني اللقيط لكي يمدنا بالكهرباء وعائدات الضرائب ويفتح مصانعه لعمالنا العاطلين، يشترط أن نعترف بوجوده، وأن نتخلى عن قتل اليهود في الأسواق والباصات والمطاعم، بل وبمنتهى الوقاحة يشترط أن نجلس لنتحدث معه وجها لوجه، لكي يتخلى عن احتلاله لبعض من أرضنا!!
لا يعرف العدو الغربي الكافر أننا أمة عربية مناضلة، وأن عزتنا العروبية القومية تحتم علينا أن نرفض بإباء وشمم أي تدخل في شؤوننا الداخلية، وعليه ألا تسول له نفسه فرض أي إملاءات على حكامنا الملهمين أو مناضلينا الأشاوس، مثل طلب التوقف عن أعمال المقاومة (القتل)، أو التوقف عن بث خطاب التحريض والكراهية لكل ما هو غربي مقيت، أو الاعتراف بحقوق الأقليات التي لا شأن له بها، والتي سنمنحها لهم من تلقاء أنفسنا، بعد أن يتحقق للأمة العربية نصرها النهائي والحاسم على كل أعدائها، من إسرائيليين وأوروبيين وأمريكيين، وبعد أن يصبح للأمة العربية المجيدة الكلمة الحاسمة والنهائية في الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية، والتي تهيمن عليها الآن أمريكا وحليفها الاتحاد الأوروبي، وبعض الأمم التافهة التي تسير في ركابهم، مثل روسيا واليابان والصين ودول جنوب شرق آسيا، ذات الاقتصاديات التابعة غير المستقلة!!
كان يمكن أن يعتمد قتلة ومناضلو حماس والجهاد وفتح على معونة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصديقة، والتي تحارب مثلنا أمريكا الشيطان الأعظم، لولا أن حجم المعونات التي تستطيعه إيران سيكفي بالكاد لشراء الأسلحة والأحزمة الناسفة اللازمة لتنفيذ خطط إيران، ووضع نواياها وأغراضها من المنطقة موضع التنفيذ، ومن غير المتوقع أن يتبقى من الدعم الإيراني شيء يخصص لمقومات حياة الشعب الفلسطيني، حال انقطاع الدعم القادم من التحالف الصهيوأميركي.
لذا على أمتنا العربية المناضلة أن تقف وقفة رجل واحد، في وجه الهجمة الإمبريالية الشرسة، وأن تتمسك بالثوابت العربية، وبخطوطنا الحمراء في معالجة القضية الفلسطينية، ومساندة خالد مشعل وسائر قادة حماس الأبرار، وأن تواجه العدو الغربي الكافر بالنداء العثمانلي الخالد: "حسنة لسيدك مشعل أفندي"!!