كتَّاب إيلاف

رولا خرسا تتفوق على نفسها.. هذه القصة وما فيها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كان المفترض أن يكون هذا المقال عن تقدم ملحوظ يشهده الإعلام المصري في الفترة الأخيرة، إنصافا لحق أراه وتشجيعا لجهد يستحق التشجيع ، ولكنه ظل انطباعا ساكنا حتى فجرته بالخصوص الإعلامية المتميزة رولا خرسا وبرنامجها "القصة ومافيها" وأنا أراها تعقد زواجا في الاستوديو بحضور "محروس" العريس ووالد عبير "العروس" عقدا شرعيا بعد أن رزقا بمولودة من زواجهما العرفي السابق، وقد ناقشت في الحلقة معضلة وليست قصة "إثبات النسب" في المجتمع المصري والعربي، من مختلف أبعادها الدينية والتشريعية والاجتماعية، فشاهدنا معها تلك الفتاة المريضة بالصرع والتي اعتدي أحد الذئاب وهي في نوبة الصرع سليبة الإرادة، كما شاهدنا حوارا مع والد هند الحناوي وكيف تعاني في قصة إثبات نسب طفلتها للفنان الشاب أحمد الفيشاوي!...

في هذه الحلقة نجحت رولا - كعادتها - في تثبيت المشاهد أمام شاشة التلفاز المصري، مستمتعا ومستفيدا ومتفاعلا مع ما تطرح من ضرورة إصلاح تشريعي واجتماعي تحتاجه مصر مستقبلا، وهو ما سبق أن صنعته كذلك في حلقتها عن ضحايا العبارة حيث نجحت بصوتها الهادئ والوجداني العاقل في انتزاع الرفض والغضب من الإدارة الفاسدة التي تقف وراء مثل هذه الكوارث مررت سبيلها ليحصد مرارتها الفقراء ممن استضافتهم ومن غيرهم . استفزني للكتابة - منطلقا من نموذج رولا خرسا مع تقدير للعديد من الكفاءات والرموز في هذا المبني العميق، وتحفظ تجاه بعض آخر صنعته الصدفة ومعايير ما أنزل الله بها من سلطان - ما أقرأه من آن لآخر في إحدي الصحف الصادرة بلندن من نقد دائم ومستمر من كاتب مصري للإعلام المصري يخرج في معظمه عن الموضوعية و تتضح عليه علامة التحيز للأقرباء المعاكسين والفارغين. تطور ما في السياسات والبرامج المختلفة كما أن هناك كفاءات تستطيع أن تلحق بزخم مصري لم ينقطع منذ افتتاح التلفاز المصري في النصف الأول من الستينيات ولا زالت تؤدي دورها في قنوات كبيرة كالعربية وال بي بي سي ودبي وال إم بي سي وغيرها من القنوات الكبيرة . فصرنا نشاهد برامج تحمل رؤية وحسن إعداد واضح لكنها لم تجد ما تستحقه من تشجيع ونقد، في ظل استعذاب بعض أفراد النخبة لتعميم المساوئ في كل مجال من مجالات الحياة المصرية، وكأن " النقد " الذي هو تمييز الصحيح من الفاسد حسب عبقرية لغتنا الخالدة، صار نقضا وهدما فقط، وهو ما لانجده في حديث بعض المتخصصين في ذلك في موقفهم من قناة الجزيرة القائمة بدولة قطر، فحين تبدو مدي الضحالة الثقافية التي يتمتع بها أحد مقدمي البرامج الثقافية بها، حين يحدثه ضيفه صدر الدين البيانوني مراقب الإخوان في سوريا عن تحليل للمفكر السوري الطيب تيزيني يوافق عليه، نجد صاحبنا يفاجئه ويفاجئنا سائلا إياه : ومن هو الطيب تيزيني هذا؟ هل هو أحد رجال السلطة أو المعارضة؟، ولكن هذا شأن الحناجر العالية دائما، ضجيج بلا طحن، وإن كان فهو سيل من دماء نخسرها شأن عبد الناصر وشأن صدام والآن الزعيمان الخالدان بن لادن والظواهري. غريب أن يجهل إعلامي كتبت له الشهرة في العالم العربي واحدا من أكبر أصحاب المشاريع الفكرية العربية المعاصرة، كما يجهل أسماء مهمة أخري كثيرة مثل ناصيف نصار وفتحي التريكي وعبد الكبير الخطيبي. أو حين يصر آخر في برنامج يسمى مسارات أو تحولات على تلقيب رائد الفلسفة العربية المعاصرة عبد الرحمن بدوي بعبد الرحمن " البدوي " لغرابة الاسم على أذنه وكأنه أحد أقطاب الصوفية الفلاسفة الجدد، مثل هذا لايكون محلا لنقد من يدعون التميز، ولكن إن صدر بعضه عن غيرهم فحدث ولا حرج! إن الإعلام المصري يسير في طريق استعادة ريادته بما يملكه من كفاءات نوعية أتيحت لها الفرصة فظهرت لميس الحديدي في برنامجها المتميز " اتكلم " ليمثل قفزة نوعية في الحوار والشفافية حتى في وجه الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس الذي تولت إدارة حملته الانتخابية، فتحدثت عن الفساد والترقي التنظيمي داخل الحزب ، وهناك كذلك برامج تحليلية وسياسية معمقة من قبيل وجهة نظر وحالة حوار ووراء الأحداث وحديث المدينة وبعد المداولة، يقدمها عدد من أفضل العقول المصرية والعربية عمقا وتكوينا وقدرة إعلامية بعيدة عن الاسترخاص والارتزاق والغوغائية، رغم وجود بعض التحفظات على بعضها، إلا أنها لا شك تجذبك، وتضيف إليك، وتستفزك للاختلاف والاتفاق كما يذكر أن التلفاز المصري كان له السبق في العديد من الأحداث وصار مصدرا معتمدا لدي الآخرين.

أما أكثر هذه البرامج جاذبية وحسن إعداد في رأيي فهو برنامج المتميزة رولا خرسا التي تؤكد بهدوء معتاد وحضور متزن وفريق متميز أن الريادة الإعلامية المصرية ممكنة ومتحققة في كثير من كفاءات الجهاز الإعلامي المصري ولكن لا زالت بحاجة لكثير من السياسات وتوسيع ما تحقق من حريات وتوفير الإمكانيات المادية والتقنية التي تحتاجها الشاشة المصرية ، إن أرادوا إسكات أقلام لم يعد يقيتها إلآ التشفي في بني وطنها، والمخالفين لها، دون قدرة على النقد المهذب والبناء، فتحية لكل الإعلاميين العقلاء في العالم العربي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف