كتَّاب إيلاف

تدويل قضية أقباط مصر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


يشكل (الأقباط المسيحيون) في مصر أكبر الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط ( يقدر عددهم بأكثر 10ملايين).كان لهم دوراً متميزاً في (الحركة الوطنية المصرية) التي قاومت الاحتلال البريطاني تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع)، وقد نفت القوات البريطانية البابا (كيريللوس) الخامس ووضعته تحت الإقامة الجبرية في دير (وادي النطرون) بسبب دعمه ومباركته لـ(ثورة عرابي). بعد انجاز (الاستقلال الوطني) ساهم الأقباط بشكل كبير وفاعل في بناء الدولة المصرية الحديثة وازدهارها، حيث كان لهم حضورهم (السياسي والثقافي والاقتصادي) البارز في الحياة المصرية، وصلت نسبة تمثيلهم في البرلمان الى أكثر من 13% في العهد الملكي.لكن مرحلة انكماش الأقباط على الذات بدأت مع انقلاب (الحركة الناصرية) تموز 1952 بقيادة (جمال عبد الناصر) التي أسست منذ البداية للاستبداد السياسي وللنهج الطائفي ونشرت بذور الغلو والتطرف القومي والديني وكرست سلطة العسكر، ليس في مصر وحدها فحسب وإنما في معظم دول منطقة الشرق الأوسط، وأصدرت قوانين التأميم باسم الاشتراكية التي أنهكت الاقتصاد المصري و صادرت بموجبها المنشئات الاقتصادية الهامة التي كانت تعود ملكية الكثير منها للأقباط المسيحيين.وقد زاد وضع الأقباط سوءاً في عهد الرئيس (أنور السادات) الذي اضطر تحت ضغط الأحداث للاعتراف بأن مصر تعاني من (أزمة طائفية) متفجرة في خطابه بتاريخ 28-9- 1977في اعقاب الاشتباكات المسلحة بين المسلمين والأقباط وحرق كنيسة قبطية في إحدى قرى الفيوم.وعندما بدأت المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان تشجب وتدين أعمال العنف والتعديات ضد الأقباط وارتفاع أصوات الأقباط في الداخل والخارج احتجاجاً على ما يتعرضون له من مظالم، توترت العلاقة بين الحكومة والكنيسة القبطية واتخذ السادات قراراً تعسفياً بحق البابا (شنودة) في أيلول 1981 بخلعه ونفيه إلى دير في الصحراء المصرية ووضعه تحت الإقامة الجبرية لأكثر من ثلاث سنوات.
لا شك، أن حل (القضية القبطية) يرتبط باحترام حقوق الإنسان وإحقاق الديمقراطية والحريات العامة والفردية، واقامة نظام سياسي يستند الى دستور وطني يحقق (فصل الدين عن السياسة) ويعيد للمجتمع المصري توازنه السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، دستور يعيد بناء (الدولة المصرية) وينقلها من دولة العقيدة والايديولوجيا الى دولة مدنية قائمة على مبدأ ( المواطنة) تنتفي فيها كل اشكال التمييز أو التفضيل بين المواطنين. إذ، بات من الواضح، أن لقضية الأقباط في مصر بعد سياسي وآخر ديني وثالث انساني.

سياسياً: حصر رئاسة الدولة بالمسلمين وحرمان الأقباط من جميع المناصب السيادية والسياسية الهامة في الدولة المصرية، ويكاد اليوم ينعدم تمثيلهم السياسي،إذ نادراً ما يفوز مسيحياً في الانتخابات البرلمانية حتى على قوائم (الحزب الوطني) الحاكم، وهذا ينذر بمستقبل جداً سيئ للأقباط المصريين الواقعين بين مطرقة إرهاب (التطرف الإسلامي) وسندان (استبداد النظام) فعدم فوزهم ينطوي على رفض (الغالبية المسلمة)اندماج الأقباط المسيحيين في المجتمع المصري،حيث بات ينظر لهم على أنهم (رعايا) وليسوا بمواطنين.هذا وقد زادت مخاوف الأقباط من المستقبل بعد الفوز الكبير الذي حققته ، في لانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب،حركة (الأخوان المسلمين) تحت شعار( الإسلام هو الحل) والهزيمة التي لحقت بالأحزاب الليبرالية والحركات الديمقراطية والعلمانية.

دينياً:اعتماد( الإسلام ) دين الدولة، وفرض (الشريعة والثقافة الإسلاميتين) بطرق غير مباشرة على المسيحيين ووجود العديد من القوانين التي تحد من النشاطات الخاصة بالأقباط و تقيد حريتهم الدينية والاجتماعية (حرية بناء الكنائس وممارسة شعائرهم المسيحية،خطف فتيات قبطيات للزواج منهن وإجبارهن على اعتناق الإسلام، رفض تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يحفظ ويضمن الحقوق الدينية والاجتماعية للأقباط المسيحيين ).

انسانياً: مسلسل أعمال العنف والاعتداءات المسلحة التي تقوم بها جماعات اسلامية متطرفة ضد الأقباط العزل.فبحسب مركز (ابن خلدون): وقع أكثر من 4000 قتيل وجريح قبطي بدون سبب سوى لكونهم مسيحيين، منذ حادثة الخانكة 8-9- 1972 عدا الأضرار بالممتلكات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات.يبدو أن الهدف الاستراتيجي من تضييق الخناق على الأقباط المصريين هو فرض (العروبة والإسلام) عليهم، أو دفعهم الى الهجرة وترك وطنهم، تطبيقاً لسياسة طمس وتذويب شعب مصر الأصيل(الأقباط)، كما هو الحال في تعاطي (العرب المسلمين) معبقية الشعوب الأصيلة في المنطقة كالآشوريين(سريان/كلدان) والآراميين والفينيقيين في كل من لبنان وسوريا (بلاد الشام) وبلاد الرافدين، حتى تبدو هذه المناطق (مراكز الحضارات القديمة في الشرق) كما لو أنها كانت أرض قاحلة خالية قبل غزو العرب المسلمين لها.

مع تصاعد أعمال العنف والاعتداءات المسلحة، في السنوات الأخيرة، ضد الأقباط واستمرار الحكومات المصرية في انتهاج سياسة التمييز العنصري مع المسيحيين عامة وغض النظر عن الوضع المأساوي لهم وانحيازها الى جانب المعتدين الإسلاميين، تبقى (المشكلة القبطية) مرشحة للتفاقم والانفجار وتنذر بإشعال حرب طائفية بين الأقباط المسيحيين والعرب المسلمين(زيادة الضغط يولد الانفجار).إذ، من المتوقع أن تدفعهذه الأوضاع المأساوية الأقباط باتجاه تأسيس احزاب وحركات قبطية داخل مصر تتولى الرد على التعديات التي يتعرضون لها، طالما تخلت الدولة عنهم.وقد بدأت تتنشط المنظمات والمؤسسات القبطية في المهجر من أجل تحريك (الراي العام العالمي) باتجاه معانات اقباط مصر، ولأجل هذا الغرضعقدت مؤتمرات قبطية دولية ( في زيوريخ عام 2004 وفي واشنطن 2005) وتعد هذه المؤتمرات أولى الخطوات باتجاه (تدويل) القضية القبطية في مصر.جدير بالذكر أن أول مؤتمر قومي/ ديني للأقباط كان باسيوط عام 1911 وفيه صاغوا لأول مرة جملة من المطالب السياسية منها: زيادة التمثيل القبطي في المجالس المنتخبة والمساواة في إسناد الوظائف الإدارية وتخصيص الموارد المالية، الخ.

كاتب سوري آشوري..مهتم بحقوق الأقليات.

shosin@scs-net.org


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف