كتَّاب إيلاف

العبّارة... أبو تريكه... انفلونزا الطيور

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا ترابط إطلاقاً بين عنوان هذا المقال، فهو كما نقول عندنا في مصر عن أي شيء غير مفهوم، أنه "سمك... لبن... تمر هندي"، لكن هناك رابط مشترك بين مواضيع هذا العنوان.

أولاً بالنسبة للعبارة السلام 98، التي شاءت الأقدار أن أكون بمصر أثناء غرقها، وموت ألف مصري غرقاً في البحر الأحمر، حتى انهم أطلقوا عليها "تيتنك مصر"، أغلبهم من فقراء صعيد مصر، الذين فضلوا السفر بحراً لأنه أرخص من نفقات الطائرة، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد ذكرني هذا الحادث المروع بحادثة قطار الصعيد أيضاً الذي شبت فيه الحريق ومات من فيه أيضاً من ركاب صعيد مصر حرقاً، لنفس الأسباب المتمثلة في الإهمال وعدم توفير وسائل الإنقاذ سواء لركاب العبارة السلام 98 أو لركاب قطار الصعيد. وسؤالي الآن هو لماذا لم ينبر أحد الشيوخ المتأسلمين ويخرج علينا من إحدى الشاشات ليعلن لنا أن ما حدث هو انتقام رباني وغضب من الله كما يحدث دائماً عند حدوث أي كارثة أو حادثة في أوربا أو أمريكا؟، فأي حادثة، أو كارثة تقع عندنا فهي من باب القضاء والقدر، وأي حادثة أو كارثة تقع عندهم من باب الغضب عليهم. مشكلتنا أننا لا نحقق في أسباب الكارثة ومن هو المتسبب في موت هذا العدد الكبير من فقراء مصر، لمحاسبة المنتفعين والمتاجرين بأرواح الشعب المصري، ولعدم تكرارها في القريب البعيد أو القريب. فهل كان الله غاضباً على مصر وشعبها حينما أغرق هذه العبارة؟!.

بالنسبة للبطولة الأفريقية التي أقيمت بمصر وانتهت بفوز مصر بها، تابعت هذه البطولة وأنا في مصر أقضي أجازة عيد الأضحى المبارك، مع انني تخلصت من عادة مشاهدة مباريات الكورة منذ وقت طويل، إلا انني تابعتها لأنني كنت في أجازة، حيث إن زوجتى و أولادي الثلاثة لا تتركوني أستمتع بالقراءة والكتابة خلال أجازتي ليقضوا أكثر وقت ممكن معي، وهذا حقهم عليّ، ولكن ما أدهشني حقاً هو أنه وفي المباراة النهائية التي فازت فيها مصر على كوت دي فوار بضربات الجزاء الترجيحية، أن اللاعب محمد أبو تريكه الذي سدد آخر ضربة الجزاء الأخيرة والتي بعدها فازت مصر بالبطولة الأفريقية خلغ فانلته الحمراء لنري تحتها فانلة بيضاء مكتوب عليها "نحن فداك يا رسول الله" فتعجبت من الزج بالدين حتى في الرياضة التي لا علاقة لها مطلقاً بالرسوم الكاريكاتورية، وتعجبت أكثر من هذا اللاعب الذي أدرك أنه بكتابته هذه العبارة على صدره فستتصدر صورته جميع الصحف، وهو ما حدث بالفعل، حتى إن إيلاف نفسها نشرت الصورة وفوقها عنوان "الفراعنة احتجوا على الدنمارك"، فنحن جميعاً أدنا وندين التهكم على رسولنا صلي الله عليه وسلم أو أي رسول، ولكن سؤالي الآن: هو لماذا نخلط دائماً الدين بكل مناشط حياتنا، نخلطه بالسياسة،نخلطه بالعلم، نخلطه بالحياة العامة و بالرياضة، وماذا كان سيظهر اللاعب لو كانت مصر خسرت البطولة؟ هل كان تحت هذه الفانلة فانلة أخري مكتوب عليها "العوض على الله"؟ لقد فاز منتخبنا القومي بالبطولة لأنه أعد واستعد جيداً لهذه البطولة، وأجاد اللاعبون والمدرب ومن ورائهم الجمهور حتى فازوا بهذا اللقب، بعيداً عن الدين و الرسوم الكاريكاتيرية أم أن الله وفقنا للفوز بهذه البطولة لأنه راض عنا؟!.

قرأت اليوم أن هناكتسع محافظات في مصر قد وصلتها "انفلونزا الطيور" فهل هذا أيضاً عقاب من الله أو غضب منه علينا؟!.
إن أكبر مشكلة تواجه العرب الآن هو الإيمان الخرافي بالتدخل الرباني لتصريف الأمور، وهذا هو احد أهم أسباب تأخرنا، فلنحلل مشاكلنا بأنفسنا لمعرفة أسباب قصورنا ومحاسبة المقصرين، فالعّبارة غرقت بسبب الإهمال وعدم توفر وسائل الإغاثة للمسافرين،ويجب محاسبة المقصرين، ولا مجال للكلام عن غضب أو رضي الله، الفريق القومي أحرز البطولة لأنه أجاد اللعب وفاز بمجهوده ومستواه الذي ظهر به، ففاز بالبطولة، وأخيراً وبعد وصول انفلونزا الطيور إلى مصر هل يعتبر هذا أيضاً غضب من الله على مصر؟!.

على شيوخنا الأفاضل ألا يزجوا بالدين في كل مناشط حياتنا، فأمورنا الحياتية نحن مسؤولون عنها ونسيرها كيف نشاء حسب معطيات الواقع، ولا دخل للدين بها، أمورنا الدينية راسخة في قلبونا انطلاقاً من الإيمان الذي هو عبارة عن علاقة روحية بين الإنسان وربه، فلا داعي للزج بالدين في كل أمور حياتنا حتى في الرياضة كما فعل اللاعب محمد أبو تريكه،لأن هذا مفهوم قاصر للإيمان يصور الله في صورة من يرضي ويغضب من أفعال البشر، والله منزه عن هذه الصفات البشرية، وهذا لعمري بعيد كل البعد عن الدين!.
Ashraf3@wanadoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف