الغيبوبة: عالم يسحقه الاشقياء والاغبياء!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
(1)
هل لي ان اكتب خطابا حرا من نوع خاص؟ هل لي ان اهرب من هذا الغثاء الذي يجتاح عالمنا المترّدي؟ هل لي ان احطم قيود الزنازين؟ هل لي ان اتخّيل اجيالا تتربى على مجموعة من التفاهات والاضطرابات والنفسيّات المعقدّة؟ هل سيبقى عالمنا هذا الذي نتباهى دوما به.. في غيبوبة بعد كل النكد والتوحش والجهالة والغثاء؟ هل لي ان اتصّور اين تصل حدود البلادة والبلاهة والسفاهة وهي تتوسّع بشكل مفرط لتتخّذ شكل ثقافة موبوءة تجتر نفسها منذ ازمان وتتجسد فيها كل الكراهية وكل الاحقاد وكل الاوصاف الشنيعة؟ هل سيبقى هذا الاندفاع القاتل نحو كل انواع التخلف والانحطاط؟ متى يبقى عالمنا يسكن القبور المنتشرة في الدرك الاسفل من الارض؟ متى سيخرج الناس من سلطة الاوهام؟
(2)
متى يبقى عالمنا يتآكل وهو في طور الاختناق؟ متى تتنظف افكار الملايين من كل العفونات؟ متى يتخلصون من اكل الفطائس الكريهة وهي تتكاثر بشكل مذهل؟ متى يتخّلص عالمنا من كل الامراض الدفينة؟ متى يزرع الحب عنوانا يدهش من خلاله كل الوجود؟ متى يتخلّص عالمنا من الجمود ويطلق نفسه مع النسيم يعبر به كل الدنيا؟ متى يبقى تختلط فيه الاشياء وتعبث به التناقضات وتتصادم في دواخله الاهواء؟ متى ينخر فينا تاريخنا البائس ويأكل فيه كل حاضرنا ويبقى هو المتسلط على انفسنا وواقعنا ومستقبلنا؟ متى يتخلص من الاعاصير المميتة القاتلة؟ متى يتوّقف عن تعصباته وثاراته وثرثراته ومكرراته الساذجة؟ متى يتبدّل بغيره لنرى عالما طبيعيا خاليا من تناقضات الفكر وازدواجيات الحياة؟
(3)
لا استطيع ان اتخّيل اننا نعيش في القرن الواحد والعشرين وعالمنا الجامد لم يتحرك تفكيره ابدا.. لم اتخّيل بشرا يعيش معاصرته وهو يعبر عنها بما اكله الزمن؟ لم استطع اقناع نفسي ان تصبح القلنسوات هي الامر الناهي في هذي الحياة.. وغدا التواكليون والمتكلسون ينفثون كل ادرانهم وامراضهم وفحيح سمومهم في كل اجزاء المجتمع.. وجاء السفهاء منهم وهم يوزعون الاحكام بكل الممنوعات وكل المحرمات! لقد غدا عالمنا متحجرا متكلسا مثلهم بشكل لا يمكن تخيّله.. لم يعد هناك مكان نستعيد فيه حريتنا ونشمّ هواء نقيا، فكل الامداء سجون وقلاع اسر ومراكز نفي.. ها انا ذا في زنزانة قاتلة كغيري من الملايين.. ها انا ذا لا ارى الضوء.. فهل اصبح جميع من في هذا العالم صم بكم عمي وهم لا يفقهون؟؟ وهل هو جامد حقا ام انه يتراجع دوما الى الوراء؟ ولم يزل يعيش في زنزانات سوداء كساها الدخان العتيق.. فالمداخن لم تتبدل ابدا والماء لم يغسل الجدران ابدا من كل سخام الزمن.. فسد كل شيئ فيه بفساد الاحياء والاموات! الازقة بدت مزدحمة ولا تجري في مجاريها الا المياه الاسنة او تنضح من مساماتها الدماء القانية.. ولا تنعق فيها الا الغربان السود..
(4)
لقد غابت الشمس من زمن بعيد وعم الظلام كل الحياة وسوف لن تشرق هكذا كالعادة الا بعد زمن طويل! لن تشرق الشمس حتى تغيب البشاعة! واقسى البشاعات بشاعة التفكير! وبشاعة قتل الحريات وبشاعة قتل النساء وبشاعة قتل الابرياء.. لن تشرق الشمس الا بعد الجفاف الرهيب وسقوط الامطار وغسل كل الحياة.. لن تشرق الشمس الا بعد غياب التوحش وزوال الدخان.. لن تشرق الشمس الا بعد عودة الطيور الى اعشاشها! لن تشرق الشمس الا بعد عودة الاخضرار الى كل الاغصان الجرداء! لم تخلص حتى المدن النائية من كل الاوبئة! تلاحقها كل النفايات.. لن تشرق الشمس حتى تتطهر القلوب من كل البلايا.. لن تشرق الشمس اذا بقى عالمنا يعيش الفتن الطائفية ودكاكين تبيع الاوجاع وزوايا يتخّمر فيها العهر وذوي العاهات!
(5)
ان الذين مضوا الى مزبلة التاريخ تجدهم في القاع دوما وهم مصدر كل القتل والتدمير والشناعات.. انهم عبيد الموت الاسود الذين لا يعرفون الا الموت لغة يستخدمونها وينابيع الحياة يستأصلونها! انهم كالافاعي وقد قطعت اذيالها، وباتت تؤجج بفحيحها كل جزيئات الحياة.. انهم لا يعرفون الا الحرق والدمار وقتل الازهار اليانعة.. هل وجدتم بشرا سويا يقتل امرأة؟ عالمنا لا يعرف لغة العقل.. الناس حيارى يعيشون الاوهام القاتلة.. عالمنا متوحش لا يعرف الرحمة ولا يدرك معنى الحياة ولا يقدّر للانسان قيمته ولا وجوده!! عالمنا لا يقرأ اي مستقبل.. عالمنا يعالج الواقع المهترئ بالاوهام والاخيلة.. عالمنا تأكله التناقضات وبؤس الافكار.. عالمنا لا يعرف الا الاكل والنوم والتناسل.. عالمنا لا يعرف الا الاشياء الكريهة والروائح النتنة.. عالمنا لا يعرف الا الشقاء وهو ينتظر من دون اي ثمن للانتظار!
(6)
اي منظومة هذه التي جعلت الناس اسرى الذبح والاحجار والنار وقد قفلوا على انفسهم حتى الموت..؟؟ اي بيوت هذه التي لا تعرف شيئا وهي باقية من دهور لا تعرف الصرف الصحي! اي استحالة هذه تحيل الحياة الى مجموعة من التضادات التي تأكل احداها الاخرى؟؟ متى يستقيم المنطق ليكشف الانسان في عالمنا التناقضات التي تتصادم في كل مكان منه؟ متى يكشف الانسان في عالمنا زيف كل ما تربى عليه ويقف على الاكذوبات الفاضحة وهي مخفية؟ متى يعلن عالمنا البراءة من كل مهالك التاريخ؟ ومن يكشف عن صفحات التاريخ السود؟ متى يتوقف عالمنا عن اللغو والثرثرة البائسة؟ متى يستلهم عالمنا مباهج الروح كي تتكافئ عنده مع ضرورات حياته؟ متى يتخّلص عالمنا من احتقار الاخرين ووصفهم باشنع الصفات؟
(7)
متى يصمت عالمنا عن افكار سخيفة تثير الاستهزاء وتدينه وجملة من تقاليده وممارساته المشوّهة؟ لا احد مثلكم يتلف زمنه في اشياء تافهة! لا احد مثلكم قد تمّيز في السب والشتم والوقاحة والصلافة حيث يسكت النبلاء والعقلاء والرحماء والشعراء والعلماء! متى تشتغل عقولكم ايها البلهاء؟ متى تتحرك ضمائركم ايها السفهاء؟ لم تندمل جراحاتكم ما دمتم تعيشون دوامات هائلة من الفجور والطغيان! هل هناك من لم يزل يسّمي نفسه بمناضل كان قد سجل تاريخا معينا في القرن العشرين؟ لماذا تسكتون على صفحات القتل المجنون؟ هل ابقيتم شيئا يذكر من المدن العريقة الفاضلة؟ هل تعتقدون انكم كنتم مناضلين حقيقيين؟ هل عرفتم يوما كيف تخطون شيئا رائعا من نوع ما في التاريخ؟ وهل حلمتم بمستقبل نظيف تقل فيه المعضلات وتنعدم فيه الشظايا المدمرات..؟؟
(8)
يا له من عالم نكد يزرعه الاشقياء ولا يتحرر منه كل الملايين.. عالم يمكن ان يتجرع اوجاعه كل الزمن! والاوفياء بالعهد وبكل الخيارات وسمو الثقافة.. يتلاشون امام طغيان جماعات لا تعرف الا الاقصاء ولا تريد الا الصمت.. ان الجميع بات لا يعرف الا الصمت او اجترار الطقوس.. بات كل عالمنا مزروع بالاشواك.. ولا ينتظر الا الرسائل المميتة او المهرجانات القاتلة او شظايا الوقاحة او كل الصلافات او القاء الجثث على الطرقات.. لم تعد حياتنا تسمعنا حسن الكلام ولم تعد آذاننا تصغي لسحر الاشعار ولم نعد تطربنا لغة الطيور.. لم نعد نسمع الاغنيات الجميلة.. ولم تعد هواجسنا تتقبّل ما يجود به الفكر.. لم يعد الاطفال يعرفون كيف يلعبون.. ولم يعد الشباب كيف يبدعون.. ولم يجد عالمنا الا التيه وسط تيه الاضداد!!
(9)
لم يعد لدينا من الافكار نحاورها ولا القصائد نبادلها ولا الروائع نقرأها.. ولم يعد تجد المرأة نفسها الا بين القضبان! ولم يخرج عالمنا من جلده السميك منذ ايام داحس والغبراء.. منذ ازمان وهو لا يعرف الا التمييز بين السكاكين.. وبات الكل لا يدرك من الحياة الا قطف الزهور حتى وهي يانعة.. كثر المجرمون بحقك يا عالمنا الكبير.. كثر كل الذين لا يعرفون الا البتر والتكفير وصنع الجهالات وقتل الحياة، فهل سترجع عقارب الساعة الى الوراء؟.. انني لم اعد استوعب مشكلة هذا العالم وهو ينحر نفسه بنفسه وهو في قبضة التناقضات.. لماذا لا يفكرون؟ لماذا لا يتدبرون؟ الا تتساءلون معي : لماذا تتآكل حصوننا من دواخلها المتعفّنة؟
(10)
لن تنتهي كلماتي بعد! لن تنتهي انفاسي بعد! ومعي ثلة من الناس الذين يتمتعون بنعمة التفكير.. لي اصدقاء قدماء وجدد في هذا العالم لا اقدر اعتزازهم بأية اثمان وهم يحسّون عظم المأساة.. فمن يخلّص عالمنا من الدمار والانسحاق؟ من يخلصّه من قبضة الجهلاء والبلهاء؟ من يمنحه حق الحياة الجميلة؟ من يبدأ التفكير من جديد.. من يعلمنا بأن عالمنا لم تعد تثقله الا السراديب القديمة؟ ان مدنا عريقة في عالمنا لا تجد نفسها الا وهي تعيش قبل قرون وهي محشوة بالبشر الذين تفتك بهم كل الجهالات! من يقف معي في مثل هذه الافكار ومن يقف ضدي ازاءها؟ فالى ذاك الذي يقف ضدي ادعوه الى وليمة يأكل فيها وجبة صحّية من اساليب التفكير.. وسيجعله الزمن سويا ولكن بعد فوات الاوان.. فهل بعد هذا لا نتفاءل خيرا؟