انقلابات عسكرية في المعارضة السورية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تحشد قوى ما تسمى بـ"المعارضة السورية" قواها في الداخل والخارج نحو تحقيق ما تسميه "التغيير"، رافضة في الوقت ذاته قانون الأحزاب الذي طرحه حزب البعث الحاكم مؤخرا. لكن عن أي تغيير يتحدثون وإلى أي قانون أحزاب يطمحون ؟ تبدو حالة "المعارضة" عصية على الفهم خاصة في الشهرين المنصرمين، إذ بدا واضحا أن الوطن غاب فيما حضرت الطائفية في عقول الكثيرين منهم.
لكن، هل يمكن فعلا أن تسعى شخصيات المعارضة السورية للتغيير في الوقت الذي تحدث فيه انقلابات عسكرية داخل منظمات تقول إنها تدافع عن حقوق الإنسان، وفي الوقت الذي تورط فيه حزب سوري بارز بتعذيب الشيوعيين العراقيين؟
ولكي لا نفهم من منطلق تآمري يسيطر على عقول الكثيرين في المعارضة، يبدو منطقيا أن نوضح أن المواطن السوري الذي يريد القضاء على الفساد في بلاده وإقامة الحريات العامة، لن يقبل أن يحصل هذا التغيير عن طريق قوى ترتدي زي الطائفية وتورطت مع صدام حسين، وفشلت في أن تكون "ديمقراطية " حتى داخل أحزابها أو منظماتها.
لقد رفضوا قانون الأحزاب قبل أن يصدر، وبعد أن صدر، مشددين على أنه يمنع قيام الأحزاب على أساس عرقي أو ديني أو قومي وهذا "يضيّق الخناق على المعارضة السورية" حسب رؤيتهم. إذن، لماذا تقول معظم أحزاب المعارضة السورية في أنظمتها الداخلية ما يلي :" نسعى من أجل مجتمع خالٍ من التمييز على أساس الثروة أو الانتماء الحزبي أو الدين أو الطائفة أو الجنس أو القومية".. ؟
إذن، هل هم ينادون بأحزاب تمجّد طائفة ضد أخرى، وقومية ضد قوميات أخرى ؟ يبدو هذا واضحا من أفكارهم وآرائهم. وهم في الواقع يخافون من بند آخر في قانون الأحزاب، وهو أن يحقق الحزب المرخص شرط انتساب آلاف الأعضاء إليه وتأسيس فروع في مختلف المحافظات، في الوقت الذي توجد فيه أحزاب معارضة تتألف من خمسة أشخاص! فهل ترخص الدول لحزب مكون من خمسة أشخاص ليأتي هذا الحزب ويطالب أيضا بممثلين عنه في البرلمان ؟
وعن أي ديمقراطية وحريات وتغيير يتحدثون ؟
-حزب الشعب الديمقراطي ( الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي سابقا) لم يفتح حتى اليوم تحقيقا حول ما أثير من اتهامات حوله في أنه قبض أموالا من نظام صدام حسين في الثمانينات في الوقت الذي كان فيه رفاقهم من الشيوعيين العراقيين يموتون في السجون العراقية. أي أن هذا الحزب وضع يده في يد نظام يعذب رفاقهم. والآن هم يرفضون، كغيرهم من المعارضة في الداخل، كما يصرّحون، أموال جورج بوش. هذه مسألة من الصعب أن يفهمها أي مواطن واع للحدث : كيف يقبضون من أنظمة كانت تنتهك حقوق الإنسان وترسل سيارات مفخخة إلى سوريا، ثم يدعون أنهم يرفضون أموال جورج بوش.. أعتقد أن من قبل أموال صدام سيقبل يوما أموال جورج بوش. يقول هذا الحزب في أوراق مؤتمره الأخير: " نشكر شخصيات وكوادر في حزب البعث العربي الاشتراكي ( القيادة القومية) لدعمهم وتضامنهم، رغم اختلافنا في الموقف السياسي، وحول وسائل النضال ضد السلطة"، دون إيضاح عن ماهية هذا الدعم!
-مؤخرا تحولت قيادة منظمة تسمى ب"لجان الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية" إلى قيادتين، وكل قيادة تصدر بيانها رقم واحد!. يذكرنا هذا بالانقلابات العسكرية في سوريا والبيانات التي تحمل الرقم واحد، والتي كانت تصدر كل عام. صراع على كرسي منظمة لحقوق الإنسان، لم يبق أحد في صفوفها من مؤسسيها الأوائل، وبعد العام 2000 كانت تتبنى قضايا في سوريا وتتجاهل قضايا أخرى لأنها على خلاف من أصحابها. والغريب أنه قبل ذلك كانوا قد سلخوا عبارة الحريات الدميقراطية من اسم المنظمة وبقيت "لجان الدفاع عن حقوق الإنسان"، ورغم ذلك أبقوا على رمزها بالحروف اللاتينية CDF دون أن يوضحوا لنا إلى ماذا كانت ترمز هذه F ؟ وطبعا هذا ما يحصل في منظمة أخرى لحقوق الإنسان في سوريا انقسمت إلى قيادتين. وغني عن الذكر أن السوريين يشيرون إلى أن كل منظمة محسوبة على حزب سياسي معارض أو تيار سياسي ما، ولذلك على حقوق الإنسان السلام!
-" موضة المساعدات ". سيحصل في سوريا الآن ما حصل في مصر منذ عشرات السنوات وهو الفساد في منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني بعد الحصول على تمويل أوروبي. ولو أن الحديث يدور منذ سنوات عن نشطاء لم يقصروا في القبض من المنظمات الدولية بحجة إجراء دراسات وندوات ويضعون نصف المبالغ في جيوبهم أو شراء أراض في سوريا ( نتحفظ على ذكر الأسماء حتى لا يرقى المقال من مستوى النقد إلى التشهير)!
أين المواطن السوري الفقير الباحث عن لقمة العيش وقرض البطالة مما يحدث في المعارضة؟ إن قوى كثيرة في المعارضة غير معنية بهذا المواطن الفقير، وبالتأكيد لن تحقق له الحريات والقضاء على الفساد طالما كانت هي نفسها متسلطة وترفض الآخر ومتورطة بأعمال الفساد.
لن أروي هنا كيف سارع فصيل سوري معارض إلى تهديدي يوما برفع دعوى قضائية ضدي لأنني أجريت تحقيقا صحفيا رآه كل المعنيين أنه في قمة الموضوعية ويسرد كل الآراء، في الوقت الذي يجلس هذا الفصيل وغيره مع شخصيات تورطت بالفساد!! يا ترى ماذا كان فعل بي هذا الفصيل لو كان حاكما ؟ ربما كان شنقني أو سحلني في الشوارع ( سيأتي اليوم المناسب لنشر تفاصيل هذه القصة ).
يوجد وطن كبير اسمه سوريا، فيه فقر و بطالة وفساد، وفيه من القصص الغربية والعجيبة عن مآسي الناس، ولكن هل نستبدل مسؤولا فاسدا بمعارض فاسد ؟ هذا ليس الحل أبدا.
ورغم "طائفية" الكثير من المعارضين، لدي شعور متفائل نابع من أن الأجيال السورية تمقت الطائفية وخير دليل الزيجات الكثيرة جدا بين الشباب والشابات السوريين من مختلف الطوائف وكلها بعد علاقات مودة وصداقة. وأمام هذه اللوحة الجميلة لهذا الجيل السوري، ستكون جريمة كبرى أن يتطلع الكثيرون في المعارضة للقفز إلى السلطة من نافذة الطائفية.