كتَّاب إيلاف

مَنْ سَرَّهُ ما رأى؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يوم الجمعة، يوم تداول الهموم الأسبوعية الإسلامية في خطبة المسلمين السياسية. وهذه الجمعة توقعتها تجيء بخطب عربية وإسلامية بمستوى الحدث، لكنها في واقع الحال كانت كمثيلاتها في الإعلام والصحافة من آراء لمتحدثين أو كتّاب لأعمدة يومية في صحف عربية مهمة، فصفحات الجرائد كانت والى وقت قريب تشتعل حرقّة ً على ما يحصل "من إساءة للإسلام والمسلمين"!، وتفتعل معارك الحصار والمقاطعة "للكفار!"الذين يحاولون النيل من تاريخ هذه الأمة"- والكلمات هنا من أحد بياناتهم-..
الخطب والمقالات بعد الأحداث الأخيرة تتحدث عن حرب أهلية لا نهاية لها بغير الرماد الذي أعلنه الطاغية في نبوءة بعثية يتداولها بعضهم؛كلعنة أزلية، كما لو أن فيها حتمية تاريخية صدامية الخراب ستحلّ بانحلال البعث، حتى تحوَّل خطباء الأمة في بعضها إلى محللين سياسيين، لعلّ أهم محلّل فيهم كان الشيخ القرضاوي الذي تناقلت وسائل إعلام كثيرة مراسم خطبته، التي استمعت إليها بدهشة، لأجد له تحليلاً يبرأ ضمنياً ساحة التكفيريين من هذه الجريمة، لأنهم "حين يستهدفون مرقداً إسلامياً بحجة هدمه، فهم يهدمون القبر أولاً وليس القبّة"وهكذا لا نجد للتكفيريين صلة لأن ما هدم هو القبّة.. حسب ما قاله الشيخ القرضاوي.. وكنت سمعته سابقاً كشاهد على العصر، وأدرك أن مؤرخاً ما سيعتمد عليه ذات يوم، لكنه بالقطع لن يضيف للتأريخ أكثر مما وضعه الطبري، فهذا المؤرخ حين يمرّ بواقعة مالك بن نويرة مثلاً يذكر، أن الجند بإمرة خالد بن الوليد قد وضعوا رأس-المرتد!- بن نويرة في الموقد، غير إن الرأس بقي لساعات طويلة دون أن يحترق.المؤرخ يضع تعليقاً من عندياته، فيقول: لم يحترق رأس بن نويرة لأنه كان كثيف الشعر!..

الآن مثلما لا أجد من تفسير علمي لخوارق تلك اللحظة، لا أجد من علمية ومعنى لما قاله الطبري في تعليقه.سأحتار إذن في الحالتين، وأحار أكثر في معنى هدم القبّة دون القبر!..
على كلّ حال، الشيخ القرضاوي أدان الحادث، وجميل أن تسجّل إدانته هذه بعد إدانة سابقة له عن هدم تمثال بوذا في باميان على يد قوى الظلام الطاليباني، ولكن خلف كلّ إدانة يبقي الشيخ سؤاله.. من فعلها؟..
فكيف جاء تحليل الشيخ ليترك الباب مفتوحاً على الاحتمال، في الوقت الذي تشير فيه كلّ الدلائل الحاضرة إلى اليد الفاعلة؟..
مثل هذا الباب بقيت أبواب مشرعة في الصحف والفضائيات العربية، لا تفضي تعليقاتهم فيها إلا للدمار ولا تحدّث إلا عن حرب أهلية، فها شاعر عربي يعلق في مقال- لندني الضباب- على ما يحدث ليقول عن الحرب اللبنانية: " كانت تلك واحدة من اطول الحروب الاهلية العربية، ولكنها اذا ما قورنت بما يجري في العراق تبدو (انظف) حرب اهلية، ان جاز، اصلا، وصف اي حرب بالنظافة".. ولا أدري عن أي حرب أهلية عراقية-مشتهاة- يتحدث الشاعر مقارنة بما كان شاهداً عليه ذات يوم، فلو قدّرنا ما حصل في لبنان كسبب لنشوب حربها الأهلية يحدث في العراق لكان لنا عشرات الحروب الأهلية، لأن مقتل عمال الميناء الأربعة في بيروت، ومقتل ركاب "البوسطه" مشهد افتعلته قوى الظلام التكفيري مئات المرات في عشرات المدن العراقية دون أن يشعل الحرب الأهلية(الأنظف!)، لحكمة الشعب العراقي..
كلّ حادثة ومشهد، يفرز النوايا والخفايا في تعليق المعلقين وأراء الخائضين في لجة الوضع العراقي، و ليس الأمر بجديد على كلّ لبيب، فهو من مدرك الحال اليومي للإعلام والصحافة العربية، و لعمرك ما تبلى سرابيل عامر..من اللؤم ما دمت عليها جلودها..

* * *
ما حصل لم ترتكبه نوايا حرب أهلية تُعدّ لها أربطة الخيل، بل تسجّل في ذمّة أذناب البعث الصدامي ومن والاه، وليست مصادفة؛ تسجيل هذا الانتهاك الجديد في ذمة قوى تكفيرية تستعدي التاريخ في حربها على حاضر الحضارة الإنسانية جمعاء. فالأثر الإسلامي الذي تعرض للهدم في سامراء، يعدُّ إرثاً إنسانياً عالمياً مسجلاً في منظمة اليونسكو كأثر عالمي من بين 700 أثر سجلت لضمان الحماية والسلامة بعد ما تعرضت له مدينة باميان من انتهاك وحشي أودى بمعالم أثرية عالمية هامة.

* * *
الوضع شائك النوايا..وإذا كان الشيخ القرضاوي قد ترك رأياً للنقاش بعد أن أدان الحادث بشكلٍّ واضح، فلا مجال هنا للحديث الأوضح مع خطيب جامع آخر سيتجاوز الجريمة برمّتها، فلا اعتراف لديه بأثرٍ تاريخي إسلامي، مادام هذا الخطيب يتحدث من جامع يحمل إسم عمرو بن العاص مثلاً..لأن حديثك وإياه لن يفضي إلا لتكفيركَ وخروجكَ عن ملّة الحاضر والماضي، ولا مكان لآلامكَ عن"مكتبة الإسكندرية" كأثر إنساني أُعدِمَ ذات طيش بغيض، والحال ذاته مع أي مثقف عربي لأن لهم سلطان منطق عجيب وآراء غريبة مفخّخة، لن يشغلنا سوى أن نضيفها إلى أسئلة أخرى، كمعادل موضوعي لاتحاد الكراهية، فنتجاوز المثقف العربي المضلّ إلى الإرهابي الضال.

* * *
ما الذي تريده قوى التكفير من فعلتها الجديدة / القديمة؟.
سؤال يستبطن مدى البؤس الراجف في أوساط هذه القوى، ويعكس لحالة ذنب الأفعى الهالكة في التواء أخير، وتخبّط فقير، فالإرهاب ذاهب لا محالة، وصفحته ستطوى بعد أن يستنكرها العقلاء، لأنه يستهدفهم في مدّه الغوغائي العشوائي، وما حدث في سامراء لن تجد له القاعدة من تبرير أمام العالم الإسلامي، فتبريراتها التي أعقبت هدم تماثيل بوذا في باميان كان بحجة هدم مسجد البابري في الهند، فبم التبرير اليوم؟.

* * *
ها ألف عدو ينهض ويحتشد بقرينه الدموي الآخر، بقصد أو دونه، فالخطوات تلتقي في ذات الدرب، و ها هولاكو تكفيري؛ مثلما ابتدع قرينه الأول جسراً وطريقاً لخيوله من أمهات الكتب الملقاة في دجلة، ألقى قبل أشهر بمئات الأرواح إلى الأمواج ذاتها، ليعبر النهر مرّتين!..وها يبتدع باسم الجهاد دماراً جديداً يستهدف معالم تاريخية هامة، ما أحوجنا إليها الآن كثروات وطنية لا تنضب مواردها السياحية؛في أقل تقدير اقتصادي، ناهيك عن ما لهذه الآثار من مرجعيات تاريخية ودلالات تفاخر إنساني، هو الأهم والأعلى من كل فائدة ومنفعة.

* * *
مشهد قتل الأمام من جديد..وقد سجي مسموماً وعلى خاتمه نقش الفضّة، مكرّراً للرائي على أحد بوابات مرقده: "حفظ العهود من أخلاق المعبود"..مشهد عهد لهذا السيد بظلم طويل واغتراب شاق، إليه كان يسعى المندائي العراقي(حيث تناهى إلى مسامعي بكائه الحزين يوم أمس متحسراً) مسافراً -على صغرٍ- من عمق الاهوار العراقية، صحبة أب وعمال شيعة كانوا يرتقون القبّة لغرض البناء..لم يكن المندائي المعمّد بالماء والحب العراقي(نجساً) إلا في نظر التكفيري، بل كان أخاً، وخبير دهرٍ بالذهب في قلوب الفقراء، وعلى قباب أئمتهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف